رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

عجز الميزان التجارى وسبل العلاج

من اهم المؤشرات التى أبرزها بيان البنك المركزى عن ميزان المدفوعات خلال السنة المالية 2018/2019 تلك المتعلقة بالميزان التجارى ،حيث اشارت الى ارتفاع العجز فيه الى نحو 38 مليار دولار مقابل 37 مليارا خلال العام السابق، وذلك بعد ان ارتفع عجز الميزان التجارى غير البترولي، بنسبة 13.4% مسجلا نحو 38 مليار دولار مقابل 34 مليار خلال العام المالى الأسبق، وذلك كنتيجة لارتفاع المدفوعات عن الواردات السلعية غير البترولية بنسبة 8.6% حيث بلغت 55 مليار دولار مقابل نحو 51 مليارا بينما استقرت الصادرات السلعية غير البترولية عند 17 مليار دولار.

وبالتالى ازدادت خطورة الوضع وأصبح لا يمثل أحد القيود الاساسية على حركة ميزان المدفوعات فحسب بل على الاقتصاد القومى ككل. ومن المفارقات المهمة فى هذا الصدد ان أحد اهداف برنامج الإصلاح كانت تتعلق بعلاج هذه المشكلة سواء عن طريق تخفيض القيمة الخارجية للجنيه المصرى مقابل العملات الأجنبية، وكذلك زيادة قيمة الدعم الموجه للصادرات من 4 مليارات جنيه فى موازنة العام المالى 2018/2019 الى 6 مليارات فى موازنة العام الحالي، بزيادة نحو 50%، هذا مع ملاحظة ان الصناعات الهندسية استحوذت على 16% منه والخضر والفاكهة على 15%، والصناعات الغذائية 14%، والكيماويات 9%، والملابس الجاهزة 7%، والغزل والمنسوجات 5%، والمفروشات 4%، ومن الغريب ان معظم صادرات هذه الأصناف قد انخفضت خلال العامين المذكورين،وبعبارة اخرى فانه وعلى الرغم من زيادة الدعم الموجه للصادرات وكذلك التخفيض الكبير فى قيمة الجنيه المصري، الا انهما لم يؤديا النتائج المرجوة منهما.

وتكمن خطورة هذه المسألة فى ضوء تدهور نسبة تغطية الصادرات السلعية للواردات السلعية الى نحو 39%، وهو مؤشر خطير، يجب ان يكون دافعا لمحاولة إعادة التوازن بحيث تغطى الصادرات السلعية النسبة الاكبر من الواردات السلعية. فإذا كان من المقبول ألا تغطى قيمة الصادرات، القيمة الكلية للواردات، على اعتبار ان الثانية تشمل واردات استثمارية تستخدم فى عمليات التكوين الرأسمالى والتى لا يتحقق عائدها إلا فى الاجل الطويل، إلا انه من غير المقبول ألا تغطى قيمة الواردات الجارية (أى بعد استبعاد الواردات الاستثمارية). وهو امر بالغ الاهمية ،بحيث يجب العمل على ان تغطى الصادرات السلعية النسبة الاكبر من الواردات السلعية.

وتزايد اهمية هذه المسألة فى ضوء هيكل الصادرات المصرية، الذى تغلب عليه، حتى الآن، السلع التقليدية التى تستحوذ على 70% من الإجمالي.وبالتالى أصبح من الضرورى إجراء دراسة موضوعية لأوضاع الميزان التجارى لمعرفة اوجه الخلل وطبيعته، حتى يمكن وضع اسس العلاج السليمة لهذه المسألة.

ومن المتفق عليه بين الاقتصاديين جميعا، ان الميزان التجارى يعكس الهيكل الإنتاجى للدولة وتطوره، وهو ما يظهر فى المعاملات السلعية وتركيبة السلع الداخلة فى حركة التجارة. وبمعنى اخر ينبغى عدم الاكتفاء بكبت او وقف المشكلات فحسب، بل ينبغى القضاء عليها تماما بغية جعل هذا الوضع قابلاً للاستمرار والاستقرار على المدى البعيد، فهناك بعض الاختلالات التى يتم علاجها فى فترة زمنية قصيرة نسبيا، والبعض الآخر يشمل عوائق هيكلية خطيرة على النمو، ولا يتم علاجها إلا فى إطار أطول أجلا.

وتختلف هاتان الحالتان اختلافا شديداً من حيث تركيز البرامج الإصلاحية، ففى حالة علاج الخلل الهيكلى تصبح تنمية الصادرات وزيادة الانتاج من العناصر الاساسية لهذه السياسة، اما فى حالات الاجل القصير، فيفترض إن الطاقة الإنتاجية ثابتة، ولكنها ليست مستخدمة بالكامل، لذلك يمكن ان يتغير الانتاج داخل الهيكل الاقتصادي، وفى حدود الإمكانات المتاحة.

ولكى تتحقق هذه الأهداف لابد من توافر العديد من العناصر الأساسية، يأتى على رأسها وجود جهاز إنتاجى متنوع وقوى وقادر على الإحلال محل الواردات التى سيتم التحكم فيها، وكذلك سهولة وإمكانية الانتقال لعناصر الإنتاج بين القطاعات الاقتصادية وبعضها البعض لكى تنتج المزيد من السلع وتكون قادرة على المنافسة الدولية، بما فى ذلك جودة الإنتاج، وأيضا تستطيع سد حاجة الطلب المحلى كما يتطلب ان تكون السوق المحلية على اعلى درجة من التنافسية حتى لا يتعرض المستهلك لسيطرة القلة من المحتكرين، وبالتالى تؤدى الى وقوع المستهلك اسيرا فى يد هؤلاء ومن ثم المزيد من ارتفاع الأسعار من جهة او الحصول على المنتج غير الجيد من جهة اخري، خاصة الاعتماد على رفع الأسعار وحده، للحد من الواردات يؤدى، عند مستوى معين، الى الاستمرار فى الاستيراد، مما يترتب عليه، إما ارتفاع تكلفة الإنتاج، أو انخفاض حجم الإنتاج وتدهور الطاقة الإنتاجية، لان جانبا كبيرا من الواردات يمثل مدخلات لإنتاج سلع صناعية وقطع غيار للآلات والمعدات، ويعنى نقص المعروض منها عدم تشغيل المصانع بطاقتها وظهور طاقة إنتاجية معطلة. وذلك بسبب خصوصية الحالة المصرية، التى تتميز بارتفاع المكون الأجنبى فى الإنتاج المحلى والاعتماد الشديد على الواردات فى تلبية الطلب المحلى، الامر الذى يمكن ان يؤدى الى المزيد من الأضرار، وعلى الجانب الآخر فإن السلع التى يتم تصديرها للخارج تخضع لعدة عوامل من اجل تسويقها،منها مدى وطبيعة الطلب عليها، ودرجة مرونة هذا الطب،ودرجة المنافسة مع السلع الأخرى وطبيعة السوق الموجهة لها القوى التى تتحكم فيها ودرجة جودة السلع المصدرة ومدى درجة استجابة انتاج وعرض هذه السلع للتغيرات فى الطلب.. الخ.

وهكذا فإن السياسة الراهنة مازالت تحتاج الى تعديل شديد، إذ إنها مازالت قائمة على أساس التوجه الداخلى وتصدير الفائض، مع ما يعنيه ذلك من تأثر الكميات المصدرة بمستويات الاستهلاك المحلية. والاهم من ذلك تدهور اوضاع الانتاج والانتاجية بالمجتمع، بحيث لم يعد الجهاز الإنتاجى قادراً على تلبية الطلب (بشقيه المحلى والخارجي). وذلك كله يتطلب تغيير الاستراتيجية الحالية، بغية الأخذ بأساليب التقدم الحديثة بما يتلاءم مع التغييرات الجارية على الساحة العالمية، وبالتالى الاخذ بالاتجاهات العلمية الحديثة التى تركز على الكيفية التى تستطيع بها الدولة استخدام تدابير مؤسسية لتشكيل مميزاتها التنافسية أى النظرة الديناميكية وليست الاستاتيكية للقدرة التنافسية، وبالتالى القدرة على الابتكار والانتقال من المدخلات المادية الى المدخلات التكنولوجية، وبالتالى زيادة الإنتاجية. مع مراعاة ان المستقبل أصبح لأنواع التكنولوجيا المعتمدة على الإلكترونيات والمواد الجديدة والتكنولوجيا الحيوية، والكيماويات الدقيقة وغيرها من الامور التى اصبحت هى المحرك الأساسى للنمو.


لمزيد من مقالات عبد الفتاح الجبالى

رابط دائم: