رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

مواقع التواصل تعيد شباب المغرب للقراءة..
إبداعات عمالقة الأدب المصرى تزين شوارع الرباط

الرباط ــ سامى القمحاوى

ما بين شارع مصر و«زنقة القاهرة» بوسط العاصمة المغربية الرباط، وحول هذه المساحة الممتدة من الشوارع والميادين، تتجلى ظاهرة مدهشة لكل زائر، فأينما وليت نظرك ستجد كشكا أو من يبيع الكتب القديمة، على الأرصفة بعض هذه الكتب فى طبعات جديدة مجهولة المصدر، وستخطف عينيك صور مصطفى لطفى المنفلوطى بشاربه المميز على أغلفة كتابيه «النظرات» و«العبرات»، وصور عملاق الأدب العربى عباس محمود العقاد على أغلفة «العبقريات» و«إبليس» و«عابر سبيل» وغيرها، كما لا تغيب صور عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين، وعميد الرواية العربية نجيب محفوظ، والدكتور مصطفى محمود والشيخ الشعراوى، وغيرهم من المبدعين المصريين والعرب.

 

والأكثر إدهاشا فى هذا المشهد، بالإضافة إلى كثرة نقاط البيع وأعداد الكتب والعناوين المعروضة عند كل بائع، هو تزاحم القراء ومعظمهم من الشباب وبحثهم فى الكتب العتيقة والاختيار من بينها والشراء، كما أن الباعة أنفسهم مختلفون عن باعة البضائع الأخرى المعروضة بالقرب من الكتب، وعادة ما يجلس كل منهم بجوار كتبه وهو مستغرق فى قراءة كتاب ما.

سر وسائل التواصل

عند بداية شارع محمد الخامس، أحد أكبر شوارع الرباط التقيت «حسن كتبى»، أحد باعة الكتب، والذى يعرض أعدادا كبيرة من الكتب المستعملة باللغتين العربية والفرنسية، فسألته حول أسباب الإقبال على هذه الكتب القديمة من وجهة نظره، ومتى بدأت هذه الظاهرة؟، فقال: إن هذا الإقبال بدأ منذ حوالى 5 أو 6 سنوات، مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعى، والتى يعتبرها من أهم أسباب إعادة المغاربة لقراءة الكتب، خصوصا الأجيال الشابة، موضحا أن هذه المواقع جعلت الشباب يتعرفون على بعض الكتاب، ويقرأون مقتطفات من مقولاتهم أو اقتباسات من كتاباتهم، ولرغبة هؤلاء الشباب فى الظهور بمظهر المثقفين أقبلوا على اقتناء الكتب لمشاركة أصدقائهم على مواقع التواصل فى نشر مقتطفات من ما تحتويه الكتب.

وفيما يتعلق بالأعمار الأكثر إقبالا على اقتناء الكتب المستعملة، ونوعيات الكتب المرغوبة أكثر، قال حسن كتبى: زبائنى معظمهم شباب من أعمار 14 - 15 عاما وهناك الكبار أيضا، والإقبال الأكبرعلى كتب الأدب والروايات، خصوصا إبداعات نجيب محفوظ والرافعى والمنفلوطى والعقاد وجورج زيدان وجبران خليل جبران وغيرهم.وأشار «كتبى» إلى أن الكتب القادمة من مصر تلقى رواجا أكثر من الآتية من لبنان أو غيرها من الدول العربية، خصوصا أن الكتب المصرية عادة أقل سعرا من الأخرى، وهو ما يشجع الزبائن على الشراء.

الوجاهة الاجتماعية

الدكتور أحمد سعيد أباه، أستاذ جامعى موريتانى يعيش فى الرباط، اعتبر أن ظاهرة رواج الكتب القديمة يعود إلى عدة أسباب، من بينها ارتفاع أسعار الكتب الجديدة، واهتمام وزارة الثقافة المغربية بتوفير الكتاب، من خلال تسهيلات فى استيرادها، وأيضا إتاحة تنظيم المعارض، خصوصا معرض الكتب المستعملة،الذى يقام سنويا خلال شهر يوليو بمدينة الدار البيضاء، ويشهد عرضا لآلاف العناوين وأمهات الكتب، التى يصعب العثور عليها فى مكان آخر، مشيرا إلى أن تنامى الظاهرة جعل هناك باعة متخصصين فى الكتب القديمة فقط، وأنشأوا رابطة تجمعهم وتطالب بحقوقهم.

واعتبر الدكتور«أباه» أن الوجاهة الاجتماعية تمثل أيضا دافعا لشراء الكتب القديمة، حيث أصبح هناك من يحرصون على أن تكون لديهم مكتبة خاصة فى منازلهم، وبالتالى يبحثون عن الكتب القديمة لتكوين هذه المكتبة لتبدو عتيقة وأصيلة، وهى عموما ظاهرة صحية لأنها تشجع بشكل أو بآخر على قراءة الكتب وتداولها.

ثمن القراءة

«تداول الكتب المستعملة ظاهرة ليست جديدة على المشهد الثقافى المغربى».. بهذه الجملة بدأ الشاعر حسن نجمى، الرئيس الأسبق لاتحاد كتاب المغرب، تعليقه على الظاهرة، موضحا أنه تاريخيا كان يتم تداول المخطوطات بين العلماء والمثقفين المغاربة، خصوصا أن وصول الطباعة إلى المغرب تأخر كثيرا، ولم يكن مزامنا لوصولها إلى مصر أو بلاد الشام، كما أن ظهور بعض المكتبات المتخصصة فى الكتب المستعملة بدأ مع الاستعمار الفرنسى للمغرب عام 1912م، حيث إن هذا النوع من المكتبات معروف فى فرنسا وأوروبا بشكل عام.

ويعتقد «نجمى» أن سبب تنامى الظاهرة يعود إلى إقبال الأشخاص ذوى الدخل المحدود على شراء الكتب المستعملة لانخفاض أسعارها، كما أن مواقع التواصل الاجتماعى لعبت دورا تحفيزيا للشباب ودفعتهم للقراءة، خصوصا مع إدراك الكثيرين منهم أن المعرفة الحقيقية فى الكتب وليس فى التدفق الهائل الذى يصل إليهم عبر وسائل الاتصال الحديثة.

وأشار إلى أن الكثير من رجال التعليم والموظفين بعد إحالتهم إلى التقاعد بدأوا فى العمل بهذه المهنة على اعتبار أنها الأقرب لمجالات عملهم، وجاءت مع معظمهم بالمصادفة، حيث باعوا كتبهم الخاصة، ثم توسعوا حينما وجدوا الإقبال عليها، وتكونت جمعية «الكتبيين» التى تجمعهم معا، وأصبح يرافق معرض الدار البيضاء للكتب المستعملة ندوات ولقاءات جعلت منه تظاهرة ثقافية.

وأضاف الشاعر المغربى سببا آخر لتنامى ظاهرة بيع الكتب المستعملة يتمثل فى «ثمن القراءة»، التى تعتبر مشكلة فى المغرب تحظى باهتمام ومناقشة كبيرين، حيث ترتفع أسعار الكتب الجديدة، وهو ما يدفع البعض إلى استنساخها وطبعها دون الحصول على حقوق إعادة طباعتها، وهذه الكتب ستجد شبابا يمرون بها على المقاهى لمحاولة بيعها للرواد بأسعار أقل من سعرها الحقيقى، مشيرا إلى أن ظاهرة جديدة على المغرب برزت فى الفترة الأخيرة، وهى ترويج بعض الباعة للكتب الإنجليزية. كما أن الكتب المستعملة تتيح عناوين مغرية للقراء والباحثين ربما لا يستطيعون العثور عليها فى أى مكان آخر.

قصور النص الحداثى

الكاتب الروائى والناقد المغربى صدوق نور الدين، يؤكد أن محاولة تشكيل تصور لفهم ظاهرة تداول الكتب المستعملة، لابد من أن ينطلق من تحديد نوعية الكتب التى تطالعنا معروضة على الأرصفة، ليس فى الرباط فقط ولكن بجميع المدن المغربية دون استثناء، إذ إن أغلبها يعود للنصوص التمثيلية فى الأدب العربى الحديث، ونذكر أساسا: كتب العميد الدكتور طه حسين، ثم عباس محمود العقاد ومصطفى محمود، معتبرا أن العودة لهذه النصوص يدل على تجديد العلاقة مع ما بات يعد كلاسيكيا، وهنا تفُهم الكلاسيكية ليس كقدح، وإنما كمنطلق إيجابى، ذلك أن ما مثلته هذه النصوص وتمثله فى ضوء العصر الراهن، يعكس استمرارية قوة التعبير عن الذات العربية فى زمن الانهيارات الكبرى، فالقارئ قد يجد فيها المفتقد فى المتداول حاليا من كتابات ومن آراء قد لا ترقى للمستوى المأمول، بمعنى آخر، قصور النص الحديث أو المدعو حداثيا عن الاستجابة للذات القارئة، يدفع بها إلى ما سبق أن وتعرفت عليه، بالطبع مع استثناءات نادرة.  

ويضيف نور الدين أن ما يقابل هذا الميل للنصوص التمثيلية، العودة إلى الأدب الروسى متجسدا فى دوستويفسكى. فمعظم رواياته تجدها فى طبعات متباينة وقد حُذف منها اسم الناشر وأحيانا اسم المترجم. فالعالم الروائى الذى بناه وأسس جمالياته هذا الروائى يجد وباستمرار متلقيه العربى، مادام نص الرواية كتب ليكون عالميا وليس محليا سرعان ما يخبو حضوره، على أن ما يحق إضافته للسابق، العامل الاقتصادى، مجسدا فى القدرة الشرائية للقارئ. فما لم يستطع الوصول له وإليه فى فترة زمنية معينة، يتوافر اليوم بأسعار زهيدة تتيح للجميع القراءة كما توسع دوائر الاهتمام، كما يحدث مثلا عند الإقبال على رواية «كافكا على الشاطئ» لـ «هاروكى مورا كامى».

ويعتقد الروائى والناقد المغربى أن هذه الظاهرة لن تتوقف، لأنها تعكس مصدر دخل لأصحابها، مثلما تلبى متطلبات واحتياجات القارئ الذى يطلب كتابا فى حدود راتبه.


رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق