رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

خمسة وسبعون عامًا على بروتوكول الإسكندرية

لم يأت تأسيس جامعة الدول العربية 1945 دون مقدمات، بل ان جذوره المباشرة تعود الى حقبة الثلاثينيات من القرن العشرين عندما ازدادت الدعوات الشعبية الى إقامة الاتحاد العربى. ففى مصر، نشأ عدد من الجمعيات مثل الرابطة الشرقية 1929، وجمعية الوحدة العربية1930، والاتحاد العربى 1933. وفى 1942، أعلن نورى السعيد مشروع وحدة الهلال الخصيب الذى اشتهر بالكتاب الازرق، ورغم هذه التسمية فقد حرص نورى على اشراك مصر فى هذا العمل فقام بزيارة لها فى ديسمبر 1942، ثم مرة أُخرى فى يوليو 1943 وذلك ضمن جولة عربية له. التقى نورى الملك فاروق ورئيس الوزراء مصطفى النحاس ورؤساء الاحزاب، وأكد له النحاس أن أى اتحاد من هذا النوع يجب أن يكون مفتوحًا لمشاركة كل الدول العربية.

وفى الشهور التالية، توالت على مصر زيارات لعدد من وفود الدول العربية لبحث فكرة الاتحاد المقترح، شملت الأردن والسعودية وسوريا ولبنان واليمن. وبناء على تلك المشاورات، وجه النحاس الدعوة الى اجراء مشاورات حول الموضوع تعقد فى يوليو 1944، ثم تأجل الموعد الى اغسطس، ثم الى 25 سبتمبر.

التأم شمل وفود من مصر، والعراق، والسعودية، ولبنان، وسوريا، وشرق الأردن واليمن، وممثل للفلسطينيين تحت اسم اللجنة التحضيرية للمؤتمر العربى العام التى عقدت اجتماعاتها فى قصر أنطونيادس التاريخى بمدينة الاسكندرية،وهو القصر الذى شيده مُحمد على باشا فى قلب حدائق قديمة يعود تاريخها الى عصر البطالمة ما قبل الميلاد، وعُرفت فى القرن التاسع عشر باسم حدائق باستيريه نسبة إلى اسم الثرى اليونانى الذى امتلكها. ثُم انتقلت ملكية القصر وحدائقه إلى جون أنطونيادس رئيس الجالية اليونانية فى مصر الذى أوصى بأن يؤول القصر وحدائقه إلى الحكومة المصرية. وبعد وفاته عام 1859، قام الخديو اسماعيل بتجديد وإعادة تصميم الحدائق على غرار حدائق قصر فرساى الشهير فى فرنسا. وما زال القصر وحدائقه يُعدان من أهم المعالم التاريخية والسياحية بالإسكندرية.

انعقدت الاجتماعات على مُستوى رؤساء الوزراء، فكان منهم: مصطفى النحاس من مصر، وسعد الله الجابرى من سوريا، وتوفيق أبو الهدى من الأردن، وحمدى الباججى من العراق، ورياض الصلح من لبنان. وضمت الوفود أعدادا من وزراء الخارجية والعدل والتعليم. وذلك اضافة الى موسى العلمى من فلسطين. عقدت الوفود ثمانية اجتماعات عامة اضافًة إلى عديد من اجتماعات اللجان الفنية المُتخصصة. ومنذ البداية، تم استبعاد فكرة حكومة مركزية أو اتحاد فيدرالي، كما تم استبعاد مشروعى وحدة الهلال الخصيب وسوريا الكُبرى بسبب تركيزهما على منطقة جغرافية مُحددة دون غيرها من البلاد العربية.

طرح نورى السعيد على المُجتمعين مناقشة أحد بديلين للاتحاد، إما صيغة مجلس اتحاد له سلطة تنفيذية إلزامية تعلو حكومات الدول الأعضاء، أو مجلس اتحاد تكون قراراته مُلزمًة للدول التى قبلتها فقط. وكان رأى أحمد نجيب الهلالى وزير المعارف العمومية المصرى أن البديل الأول يمثل افتئاتًا على سيادة الدول العربية، وأكد رئيس الوزراء المصرى نفس الرأى مشيرا الى أن فكرة اتحاد عربى له سلطة تنفيذية ملزمة للجميع هى فكرة مرفوضة من الجميع أيضًا لنفس الأسباب التى أدت إلى استبعاد فكرة الحكومة المركزية.

لم يكُن موقف النحاس والهلالى أمرًا عارِضًا بَل عكسَ رؤية الحكومة المصرية التى يبدو أنها كانت قد درست البدائل المُختلفة وصاغت مشروعًا للاتحاد العربى الوليد تقدمت به رسميًا إلى المُجتمعين فى 2 أكتوبر 1944 جوهره اقامة تنظيم اقليمى ينهض على التعاون والتنسيق بين الدول العربية دون أن يلزمها بخطواتٍ اتحادية مُحددَة. ونص المشروع على اقامة جامعة الدول العربية من الدول التى توافق على الانضمام اليها. وأثارت تسمية التنظيم الجديد باسم الجامعة جدلًا فكان هناك اقتراح سورى بأن يكون الاسم هو التحالف العربي، واقتراح عراقى بان يكون الاسم هو الاتحاد العربي. ولكن أغلبية الوفود المشاركة أيدت الطرح المصري. وكان المشروع الذى تقدمت به مصر هو اساس البروتوكول الذى وافقت عليه بقية الوفود.

أعلنت اللجنة فى 7 أكتوبر ما وصلت إليه من قرارات، وكان أهمها الاعتراف بسيادة واستقلال الدول الأعضاء بحدودها القائمة، والاعتراف بالمساواة بين جميع الدول الاعضاء، والاتفاق على إنشاء تنظيم عربى تحت اسم جامعة الدول العربية، وأن يكون لها مجلس تمثل فيه الدول الأعضاء على قدم المساواة، وأن تكون قراراته ملزمة لمن يقبلها، وأن تلتزم الدول الأعضاء بعدم اتباع سياسة خارجية تضر بسياسة جامعة الدول العربية او اى دولة منها، والتعاون فى الشئون الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. وأقرت اللجنة مشروع البيان الذى قدمه الوفد المصرى بشأن فلسطين والذى وعا الحكومة البريطانية الى وقف الهجرة اليهودية، والعمل على تحقيق آمال الفلسطينيين وحقوقهم العادلة.

ووقع رؤساء الوفود ـ ما عدا السعودية واليمن ـ على بيان اللجنة التحضيرية والبروتوكول الذى عرف باسم بروتوكول الاسكندرية. ويبدو انه كان للبلدين بعض التحفظات التى تم ايضاحها فقامت السعودية بالتوقيع فى يناير 1945، واليمن فى الشهر التالي.

وبعد ستة أشهر، بدأت فى 14 فبراير 1945اجتماعات اللجنة الفرعية السياسية بمبنى وزارة الخارجية المصرية برئاسة رئيس الوزراء احمد ماهر، وضمت اللجنة مندوبين من كل الدول التى وقعت على بروتوكول الاسكندرية وكانت مهمتها صياغة ميثاق جامعة الدول العربية، عقدت اللجنة ستة عشر اجتماعا. وفى 22 مارس، تم اقرار الميثاق الذى لم يخرج عن المبادئ التى أرساها بروتوكول الاسكندرية وتوقيع مندوبى الدول المشاركة فى قصر الزعفران بالقاهرة ـ حاليا مبنى ادارة جامعة عين شمس ـ. وتكرر ما حدث فى بروتوكول الاسكندرية، فقد امتنع مندوبا السعودية واليمن عن التوقيع، وهو ما تم لاحقا بعد عدة شهور.

تلك صفحات من تاريخ العمل العربى المُشترك فى المرحلة التأسيسية ومن دور مصر فى بناء مؤسسات النظام العربي.


لمزيد من مقالات د. على الدين هلال

رابط دائم: