رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

علماء العرب وعلماء الغرب (4) ابن رشد 526 ـ 595 هجرية

أشهر علماء وفلاسفة العرب عند الأوروبيين الذين يعرفونه باسم «أفيروس» يقول عنه الدكتور محمود قاسم فى موسوعة «تراث الإنسانية بأنه «كان عظيم الأثر فى توجيه الثقافة الأوروبية منذ القرن الثالث عشر الميلادى». كان ذلك التأثير فى مجال الدراسة العلمية أم فى مجال الدراسة الفلسفية والدينية. وأن طلائع النهضة الحديثة الأوروبية كانوا ينسبون أنفسهم إليه، فقالوا إنهم هم الرشديون اللاتينيون. أما فى مجال التفكير الفلسفى، فمازال أثر ابن رشد واضحا فى فلسفة العصور الوسطى الأوروبية وبخاصة فى تفكير توماس الأكوينى، أما فى العصر الحديث، فإن تفكيره مازال ماثلا فى المدرسة الأكوينية الحديثة.

وفى مقدمته لكتاب «فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من اتصال»، يقول الدكتور محمود إسماعيل: «إذا كان ابن رشد هو آخر فلاسفة الإسلام فقد كان ـ بحق ـ أكثرهم شهرة على الإطلاق، إذ عرف الغرب الأوروبى قيمة فلسفته التى أثرت فى رواد الليبرالية، سواء فى عصر النهضة أو فى عصر الأنوار، فأسسوا الأكاديميات ومراكز البحوث لإنجازات هذا الفيلسوف العظيم. ومن دواعى الأسف أن تلك الإنجازات مرت كسحابة صيف عابرة فى سماء العالم الإسلامى الذى انحدر إلى عصور الانحطاط منذ القرن السادس الهجرى وإلى الآن».

وترجع مكانة ابن رشد إلى ثقافته الموسوعية، حيث إنه أحاط بالتراث الفقهى والكلامى للمسلمين السابقين، فضلا عن سائر العلوم العقلية والطبيعية إبان عصور ازدهارها. كما هضم واستوعب تراث اليونان والمشائين المسلمين السابقين والمعاصرين فهما ونقدا وإبداعا بطبيعة الحال، لذلك كان أول شارح لفلسفة أرسطو بعد تحريرها من شوائب شروح الأفلاطونيين المحدثين.

أما عن نشأته، فهو أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد، ولد بقرطبة ولذلك أطلق عليه «فيلسوف قرطبة»، ويقول عنه الدكتور أحمد فؤاد الأهواني: «تعلم الفقه والرياضيات وتولى القضاء باشبيلية ثم بقرطبة. وكان منقطعا للبحث والإطلاع والكتابة والمداومة عليها» (الفلسفة الإسلامية ـ المكتبة الثقافية). ويصف ابن الآبار ابن رشد بقوله: «لم ينشأ بالأندلس مثله كمالا وعلما وفضلا. كان على شرفه أشد الناس تواضعا، وأخفضهم جناحا. عنى بالعلم من صغره إلى كبره حتى حكى أنه لم يدع النظر والقراءة منذ عقل إلا ليلة وفاة أبيه، وليلة بنائه بأهله، وأنه سود فيما صنف وقيد وألف وهذب واختصر نحو من عشرة آلاف ورقة، ومال إلى علوم الأوائل، فكان له فيها الإمامة دون أهل عصره وكان يفزع إلى فتواه فى الطب كما يفزع إلى فتواه فى الفقه مع الحظ الوافر من الإعراب والآداب».

وقد تتلمذ ابن رشد فى الطب على يد أبى جعفر هارون وأبى مروان بن جربوك البلنسى، وفى الفلسفة والإلهيات على يد أبى بكر بن طفيل الطبيب والفيلسوف، وفى علم الفقه اشتغل على الفقيه الحافظ أبى محمد بن رزق.

ولأن باعه كبير فى علم الطب، وصفه ابن أبى أصيبعة فى كتابه الشهير «عيون الأنباء فى طبقات الأطباء» بأنه «جيد التصنيف وحسن المعانى»، وله فى الطب كتاب «الكليات» وقد أجاد تأليفه. وقد كان بينه وبين أبى مروان بن زهر مودة، ولما ألف كتابه هذا فى الأمور الكلية طلب من ابن زهر أن يؤلف كتابا فى الأمور الجزئية لتكون جملة كتابيهما كتابا كاملا فى صناعة الطب. ولهذا يقول ابن رشد فى آخر كتابه: فهذا هو القول فى معالجة أصناف الأمراض بأوجز ما أمكننا وأبينه. وقد بقى علينا من هذا الجزء القول فى شفاء عرض من الأعراض الداخلة على عضو من الأعضاء».

وقد ظهر ابن رشد وعلا شأنه فى دولة الموحدين وبخاصة فى عهد كل من أبى يعقوب يوسف بن عبد المؤمن وأبى يوسف يعقوب الذى جاء بعده.

كانت دولة الموحدين كما يقول الدكتور محمود قاسم: «على الرغم من تزمتها، تفسح فى صدرها للعلماء والفلاسفة على عكس دولة المرابطين التى ضاقت بهؤلاء وقدمت عليهم طائفة الفقهاء، وتركت لهم مجالا يجولون فيه ويصيبون منه خيرا ورزقا، حتى بلغ من نفوذهم فى عهد على بن يوسف بن تاشفين أن ولاة الأقاليم ما كانوا يقطعون فى أمر دون أن يوافق عليه أربعة من الفقهاء».

وكانت لصلة ابن رشد بالفيلسوف الطبيب أبو بكر بن طفيل صاحب القصة الفلسفية «حى بن يقظان» أبلغ الأثر فى توجيه حياته العلمية والنظرية، فإن ابن طفيل هو الذى قام بتقديمه إلى الخليفة أبى يعقوب يوسف بن عبدالمؤمن الذى كان اهتمامه كبيرا بحشد العلماء والحكماء فى بلاطه. كما شغف بجمع كتب العلم والفلسفة من كل بلاد الأندلس والمغرب حتى اجتمع له من العلماء وأهل النظر ما لم يجتمع لغيره من الخلفاء والأمراء من ملوك المغرب وأصبحت مكتبته تنافس مكتبة الحكم المستنصر بالله الأموى.

ومع هذا، فإن ابن رشد لم يكن مجهولا لدى عائلات الموحدين الكبيرة، وكان قد سبق أن ذهب إلى مراكش لأول مرة سنة 548هـ (1153م) وذلك تلبية لدعوة عبد المؤمن أول ملوك هذه الدولة لكى يدلى برأيه فى إنشاء عدد من المدارس فى مراكش.

وتتلخص قصة ابن طفيل معه فى أن أبا يعقوب يوسف أراد أن يختبره فى مسألة من مسائل الفلسفة فأظهر ابن رشد الحرج حتى طمأنه الأمير. ويروى عبد الواحد المراكشى هذه القصة فى كتابه «المعجب فى تلخيص أخبار المغرب»، حيث يقول: «سمعت أبا الوليد يقول غير مرة: لما دخلت على أمير المؤمنين ـ أبى يعقوب ـ وجدته هو وأبى بكر بن طفيل ليس معهما غيرهما، فأخذ أبو بكر يثنى على ويذكر بيتى وسلفى ويضم لفضله إلى ذلك أشياء لا يبغلها قدرى. فكان أول ما فاتحنى به أمير المؤمنين ـ بعد أن سألنى عن اسمى واسم أبى ونسبى أن قال لى ما رأيهم فى السماء ـ يعنى الفلاسفة ـ أقديمة هى أم حادثة؟ فأدركنى الحياء والخوف، فأخذت أتعلل وأنكر اشتغالى بعلم الفلسفة. ولم أكن أرى ما قرره معه ابن طفيل. ففهم أمير المؤمنين منى الروع والحياء، فالتفت إليّ ابن طفيل وجعل يتعلم عن المسألة التى سألنى عنها، ويذكر ما قاله أرسطو طاليس وأفلاطون وجميع الفلاسفة، ويورد مع ذلك احتجاج أهل الاسلام عليهم، فرأى منهم غزارة حفظ، أظنها فى أحد من المشتغلين بهذا الشأن المتفرغين له».

(البقية تأتي)


لمزيد من مقالات مصطفى محرم

رابط دائم: