رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

نوال المحلاوى..
المرأة التى أدارت تحرير «أهرام هيكل»

مصطفى سامى

دردشة على عشاء فى منزل لطفى الخولى أودت بها إلى السجن

أخلصت فى عملها ورغم ذلك ألقيت وراء القضبان بتهم باطلة !

هيكل منحها كل السلطات ليتفرغ لطموحاته وعلاقته بالرئيس

حافظت على أسرار مصر  ودفنت معها قبل أن تكتب مذكراتها

 

 


أكتب اليوم عن زميلة وصديقة صحفية أعطت كل حياتها للأهرام وللأستاذ محمد حسنين هيكل الذى منحها ثقته بالكامل لتدير تحرير «أهرامه» وتقرر ماتراه دون الرجوع إليه فى معظم الأحيان، لكنها ــ وللأمانة ــ كانت جديرة بالمسئولية والثقة، ولا أتذكر أنها أخطأت أو تجاوزت حدود عملها.

أكتب عن نوال المحلاوى التى لم تتعرف عليها الأجيال الجديدة من الصحفيين ولم يعرفوا الأهرام تحت قيادتها، ولأننى أراها قدوة لكل الصحفيين فإننى أقدمها لهم لعل شباب الأهرام والصحافة المصرية أن يتعلموا منها ويسيروا على دربها.

لكن الغريب والمريب بعد كل هذا الاخلاص والتفانى أن ينتهى بها الأمر بالقبض عليها وترحيلها إلى سجن القناطر بلا جريمة لتقضى أياما سوداء وراء القضبان مع زوجها عطية البندارى الضابط السابق بالقوات المسلحة.

الكتابة عن الزميلة العزيزة ليست بالأمر السهل، فقد تعرفت عليها بعد أيام من إلتحاقى بالأهرام صحفيا تحت التمرين فى أواخر عام 1959. كان اسمها يتردد باستمرار على كل الألسنة فهى وسيلة الاتصال الوحيدة بالأستاذ ولم يكن أى صحفى مهما أوتى من نفوذ أن يقترب من مكتب الأستاذ إلا بإرادتها ومن خلالها.

فعن أى نوال أكتب..؟

عن الصحفية الشابة التى تتحرك فى كل إتجاه وتعمل 12 ساعة يوميا بلا كلل ؟

أم عن الذراع الأيمن للأستاذ وكاتمة أسراره ومعها أسرار مصر ؟

أم عن إدارتها لتحرير الأهرام 13 عاما بكفاءة نادرة والذى كان يعمل بها فى ذلك الوقت أكثر من مائة صحفى وفنى وإدارى هى من أصغرهن سن؟

أم عن مواقفها الانسانية وأصدقائها وزملائها الذين أخلصت لهم وساندتهم بكل الوسائل حتى نهاية عمرها؟


فهى إنسانة متعددة الثقافات والمواهب، كان لديها القدرة والنفوذ لتتصل تليفونيا برؤساء وقادة العالم مثل شوإين لاى وتيتو ونهرو وحكام أوروبا والولايات المتحدة وكبار السياسيين ورؤساء الأحزاب فى هذه الدول لتحدد للأستاذ مواعيده . كما كانت ترد على الرئيس الراحل جمال عبدالناصر على التليفون المباشر ذو اللون الأبيض الذى يتصل فيه الرئيس بالأستاذ، فيتحدث معها لتنقل رسالته إلى الأستاذ المشغول بأمور كثيرة وبعلاقات متشعبة فى الداخل والخارج إلى جانب كتاباته وطموحاته. سوف أكتب عن كل هؤلاء... فقد عرفتها أربعين عاما زميلة وصديقة لم يكن هناك مثيل لها، تساند الجميع وتقف الى جانب الكل فى أفراحهم وأحزانهم وحتى فى مشاكلهم العائلية. إنسانة من نوع خاص إنعكس تعليمها وثقافتها وتربيتها على شخصيتها الجادة والصارمة أحيانا. أعطت كل عمرها للأهرام وللأستاذ الذى أعتقد أنه لم يرد لها الجميل.


المدرسة الأمريكية

لم تلتحق نوال المحلاوى مثل عدد من بنات الطبقة الوسطى فى مصر ــ فى ذلك الوقت ــ بأية مدرسة مصرية، رغم أن من عاصروا التعليم بالمدارس العامة فى سنوات ماقبل سبعينيات القرن الماضى كانوا يشهدون برقى وجودة التعليم فى مدارسنا الحكومية ومعظم وزيرات وأستاذة جامعات مصر ــ من النساء ــ تخرجن من تلك المدارس. لكنها مع شقيقتيها أميرة وناهد إلتحقن بكلية رمسيس وهى واحدة من ثلاث مدارس خاصة فى اللغة الانجليزية بالقاهرة ــ فى ذلك الوقت ــ تقع فى غمرة، وكانت هذه المدرسة تحت إدارة سيدة مصرية عرف عنها الحزم والحسم، وكانت نوال من التلميذات المتفوقات فى الدراسة وترتبط بعلاقات طيبة بمدرساتها حتى بعد تخرجها وإلتحاقها بالجامعة الأمريكية بالقاهرة. هذا النوع من التعليم الأجنبى ساعدها على إجادة اللغة الانجليزية لكن لغتها العربية كانت متوسطة وهى نقطة الضعف الوحيدة التى كانت تشعر بها. الأخ الوحيد لنوال التحق بكلية الهندسة وتخرج منها وسافر الى ألمانيا وأقام هناك ولم يعد الى مصر إلا فى الأجازات لزيارة أسرته.

فى الجامعة الأمريكية إلتحقت بقسم الصحافة بالجامعة.

وكانت أضواء مجلة الجامعة الأمريكية تسلط على طالبتين تتنافسان على التفوق وعلى إجادة الحوار فى دفعة 1957 وهما نوال المحلاوى وليلى رستم التى أصبحت فيما بعد الاعلامية الشهيرة فى التليفزيون المصرى فى ستينيات وسبعينيات القرن الماضى.

بعد 46 عاما من انتهاء دراستها الثانوية فى كلية رمسيس غادرت الدنيا فكتبت المدرسة نعيا فى الأهرام عنها قالت فيه ان «إدارة الكلية ومجلس الآباء ينعون واحدة من خريجات الكلية المتفوقات المشهود لهن بالاخلاص والتفوق». وبعد 42 عاما من تخرجها من الجامعة ذكرتها الجامعة الأمريكية بالقاهرة فى نعى طويل تضمن العبارة التالية : «رحم الله الأستاذة الفاضلة نوال المحلاوى التى كانت واحدة من أبرز خريجات الجامعة»... كم عدد الطلاب الذين تذكرهم مدارسهم وجامعاتهم بعد تخرجهم وبعد كل تلك السنوات ؟! لكن نوال كما كانت إنسانة من نوع خاص يبدو أنها كانت تلميذة وطالبة من نوع خاص.

كانت أيضا صحفية من نوع خاص، فبعد تخرجها مباشرة من الجامعة التحقت بالعمل فى وكالة أنباء الشرق الأوسط، وقد عينت فى قسم الأخبار مندوبة للوكالة فى وزارة الشئون الاجتماعية والعمل وكان يرأس الوكالة فى ذلك الوقت الأستاذ جلال الدين الحمامصى التى نالت إعجابه بتفوقها. كان الأستاذ ــ والأستاذ هنا هو الأستاذ محمد حسنين هيكل الذى لاأستطيع أن أذكر اسمه مجردا والذى عملت معه 13 عاما ــ ومنذ بداية عمله فى الأهرام فى أغسطس 1957 يبحث عن مديرة لمكتبه تجيد اللغة الانجليزية وتتحدث بها بطلاقة، معروفة بدماثة أخلاقها وبحسن إدارتها. كان يحتاج لمن يساعده فيما يقوم به من أعمال ليتفرغ لعلاقته بالرئيس الراحل جمال عبدالناصر وكتابة خطاباته وأحاديثه ومتابعة مايجرى فى الأهرام الذى يسعى الى الانتقال به الى القرن الـ 21.

كان يبحث عن شخصية قوية تتحدث باسمه بلغة إنجليزية رصينة مع الرؤساء والزعماء وكبار السياسيين حول العالم دون تلعثم أو رهبة لتحديد مواعيده ومقابلاته، وعندما علم جلال الدين الحمامصى برغبته أبلغه بأن كل شروطه تنطبق على نوال المحلاوى الصحفية بقسم الأخبار بوكالة أنباء الشرق الأوسط.

استقالت زميلتنا العزيزة من الوكالة بناء على نصيحة الحمامصى الذى قدمها إلى الأستاذ الذى استقبلها فى الأهرام وبدأت عملها معه فى اليوم التالى. فى خلال بضعة شهور من عملها أسند إليها الأستاذ القيام نيابة عنه بكل أعماله فى أقسام التحرير وإئتمنها على كل أسراره رغم أن الأستاذ بحكم طبيعته اعتاد ألا يثق فى أحد، وألا يأمن لأحد، لكن نوال كانت جديرة بثقته وتفانت فى عملها باخلاص نادر. أوكل إليها كل مسئوليات التحرير ومتابعة نشاط المحررين. عرفها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بعد عدة اتصالات تليفونية مع الأستاذ كانت ترد فيها عليه أثناء غيابه عن مكتبه. العمل فى مكتب الأستاذ شغل معظم وقتها فإتصالاته مستمرة وطلباته لاتتوقف، ومشاكل التحرير والمحررين إحتلت مابقى من وقتها. كانت تبدأ عملها فى الثامنة صباحا بقراءة الرسائل التى تبعث بها للأهرام وكالات الأنباء الأجنبية الخمس طوال الليل وهى: رويتر والأسوشيتد بريس واليونايتد برس والفرانس بريس ونوفوستى السوفيتية. وكانت تكتب تقريرا يوميا للأستاذ بأهم مايجرى من احداث حول العالم من رسائل وكالات الأنباء يكون على مكتبه يوميا قبل موعد وصوله فى العاشرة صباحا. كانت تتابع اجتماع قسم الأخبار والحوادث برئاسة الأستاذ ممدوح طه الذى يبدأ فى التاسعة كل صباح، وتنقل الى الأستاذ أهم الأخبار المحلية. وكانت تحضر مع الأستاذ اجتماع الساعة الخامسة مساء الذى يختار فيه مواد الصفحة الأولى يوميا والمانشيت الرئيسى. الأستاذ اعتاد أن يترك مكتبه فى العاشرة مساء بعد الاضطلاع على بروفات جميع الصفحات باستثناء صفحات الرياضة التى كان يترك أمرها للأستاذ نجيب المستكاوى. الأستاذ كان يقرأ كل سطر فى الجريدة بما فيها صفحتى الوفيات وكان يراجع بنفسه صفحات الاعلانات.

كان فى الأهرام وحتى عام 1969 مديران للتحرير فقط هما الأستاذان نجيب كنعان وعلى حمدى الجمال وهما يعدان فى الترتيب الوظيفى رقم «2» فى تحرير الأهرام بعد الأستاذ، لكن واقع العمل يؤكد أن نوال المحلاوى بحكم مسئولياتها وبحكم سلطاتها التى منحها لها الأستاذ كانت رقم «2».

مثل الأستاذ كانت تعليماتها وأوامرها نافذة ولايستطيع أحد أن يراجعها فى قرار أصدرته. كانت تبلغ الأستاذ من خلال علاقتها بالأستاذ هشام توفيق بحرى بما يجرى فى المطبعة وصفحات الرصاص التى انتهى إعدادها ليتعرف أولا بأول على سير العمل ويضمن أن الجريدة سوف تصدر طبعتها الأولى قبل العاشرة والنصف لتلحق بالقطار المتجه لمدن الصعيد الذى يغادر محطة مصر ــ محطة رمسيس ــ فى ذلك الوقت.

وكانت التعليمات مشددة فى سكرتارية التحرير بالالتزام بمواعيد الطباعة.

بعد صدور الطبعة الأولى كانت ترسل نسخة من الجريدة فور صدورها الى الأستاذ فى منزله قبل دقائق من موعد نومه.

كانت نوال تختلس الوقت يوم الاثنين أو الثلاثاء لتكتب الباب الأسبوعى التى اعتادت أن ينشر فى ملحق الجمعة بعنوان «معنى الأحداث» وكانت تتناول فيه أهم أحداث الأسبوع العالمية، وتركز فى تحليلها على حدثين أو ثلاثة.

كانت معنا ضمن مجموعة شباب الأهرام التى من بين أعضائها مكرم محمد أحمد ومحمود أحمد وإحسان بكر وفهمى هويدى وسامى منصور ووحيد النقاش ــ الناقد المسرحى ــ وماهر الدهبى وسمير صبحى وكلنا من خريجى المدارس والجامعات المصرية الحكومية فلم تكن الجامعات الخاصة قد ظهرت بعد باستثناء الجامعة الأمريكية التى تخرجت منها زميلتنا الراحلة. كانت أحيانا ترافقنا بعد منتصف العاشرة مساء وتدعونا لتناول العشاء معها فى أحد فنادق القاهرة وتنضم الينا « نادية « زميلتها وصديقتها منذ الطفولة فى المدرسة والجامعة وزوجها رؤوف جودة اللذين هاجرا فى منتصف السبعينيات الى كندا وأقاما فى تورونتو وافتقدتهما كثيرا نوال بعد غيابهما. كنا نلتقى معها فى سهرة المساء بصديقها العزيز لطفى الخولى رئيس تحرير «الطليعة» السياسى الماركسى والأديب ومؤسس صفحتى الرأى والحوار القومى فى الأهرام وقد ألقى القبض عليه معها ومع زوجته ليليان قرقش وزوجها عطية البندارى رجل الأعمال والضابط السابق بالقوات المسلحة.

كان ضمن محررى الأهرام عدد من خريجى وخريجات الصحافة بالجامعة الأمريكية أمثال رضا خليفة وأمينة شفيق وجاكلين خورى وسميرة غبريال ورجاء عزى - الذى هاجر مع زوجته الى إستراليا فى آخر الستينيات - وحسنى جندى ومحمد عيسى ومحمود عطالله، لكن زمالتها لهؤلاء لم تكن تختلف عن علاقاتها بالآخرين... كانت نوال تفصل تماما بين الصداقة والعمل وتقيم جهود الصحفيين بأمانة. وتقدم صورة أمينة وواقعية للأستاذ عن جهود كل محرر بالجريدة، فالأستاذ لم يكن لديه الوقت وأعتقد الرغبة فى التعرف على كل محررى الأهرام شبابا جاء بهم وشيوخا ممن عملوا سنوات فى الجريدة قبل عام 1957 اى قبل رئاسته لادارتها وتحريرها.

5 يونيو 1967

فى كتابه «شهادتى على عصر عبدالناصر – سنوات الانتصار والانكسار» يقول صلاح منتصر تحت عنوان : « شهادتى عن 5 يونيو « فى صفحة 104 أن «ديسك» صحيفة الأهرام فى مبناه القديم بشارع الشريفين يقع فى صالة المبنى المتواضع فى الطابق الأول وملحق به غرفة توجد بها ستة أجهزة «تيكرز»

كل منها خاص بوكالة أنباء ( رويتر – يونايتد بريس - أسوشيتد بريس – الألمانية ــ الشرق الأوسط ــ نوفوستى ) وقد لاحظت فور وصولى إغلاق باب هذه الغرفة بالمفتاح من الخارج وقيام نوال المحلاوى سكرتيرة الأستاذ بفتح الغرفة كل ساعة وجمع الأخبار التى ترسلها الوكالات وأخذها مباشرة الى الأستاذ دون أن ترينا ورقة واحدة منها رغم أنه كان من المفروض أن تصب أمامى كل المصادر – فقد كان مسئولا فى تلك الليلةعن كتابة الموضوع الرئيسى ومانشيت الصفحة الأولى – وحتى السادسة مساء لم يصلنى سوى البيانات الرسمية التى تزايدت فيها أرقام الطائرات الاسرائيلية التى أسقطناها حتى وصلت 89 طائرة.

ويضيف صلاح منتصر : فى الثامنة مساء استدعانى الأستاذ هيكل وسلمنى ورقة كتب فيها 13 سطرا عناوين الصفحة الأولى يتصدرها سطر يقول، معارك ضارية على كل الجبهات مع العدو وفى السطر الثالث «إسقاط أكثر من 115 طائرة للعدو» قلت بصوت هامس: «البيانات التى أمامى تقول أننا أسقطنا 89 طائرة فقط» ورد الأستاذ بحسم «على: بالليل حيبقوا 115».

أسوق هذه الواقعة التى تؤكد أن الأستا لم يكن يثق فى أقرب المحررين إليه باستثناء نوال المحلاوى التى كانت تقدم إليه كل يوم أخبار وكالات الأنباء التى تشير الى فجيعتنا وهزيمتنا ولم يكن الأستاذ يسمح للصحفيين فى جريدته بمعرفة الحقائق التى تعد أمنا قوميا باستثناء نوال المحلاوى.

السيدة الأولى

أطلق عليها بعض الزملاء «السيدة االأولى» وقد كانت الصحفية الأقوى فى تاريخ الأهرام سواء فى وجود الأستاذ أو بعد غيابه المفاجئ بقرار من الرئيس أنور السادات. كانت هادئة أمام أية عواصف. تتمتع بشخصية قوية وجاذبة ودماثة فى الخلق. كلمتها مسموعة ونافذة ولديها قدرة غير عادية للتأثير على الآخرين. موضع إحترام كبار المسئولين فى الدولة الذين كانوا يعملون لها ألف حساب ويخشون غضبها. رشحت للأستاذ شخصيات لأعلى مناصب الدولة ممن إلتقت بهم وعرفتهم عن قرب خلال عملها صحفية بوكالة أنباء الشرق الأوسط، وقد تولى أنور سلامة – أحد قيادات الحركة العمالية فى ستينيات القرن الماضى - حقيبة أول وزارة للعمل بناء على ترشيحها وكان واحدا من مصادرها عندما كانت مندوبة للوكالة فى وزارة الشئون الاجتماعية... كانت شجاعة فى إبداء الرأى وفى نقد أكبر مسئول داخل الجريدة وخارجها. الأيام أثبتت أنها كما كانت تستمد نفوذها من الأستاذ، فبعد رحيله من الأهرام استمرت الأضواء مسلطة عليها فقد أسست فى عام 1975 «مركز الأهرام للترجمة والنشر» وكان الأستاذ أحمد بهاء الدين رئيس تحرير الأهرام فى ذلك الوقت. وأصبح هذا المركز واحد من أهم إدارات الأهرام نجاحا بفضل جهودها وقد إحتفظت برئاسته حتى يوم رحيلها فى 17 أغسطس 1999 وكتبت زميلة وصديقة لها نعيا قالت فيه « رحيل أهم هوانم مصر «. وقد تولى رئاسة المركز بعدها نائبها الزميل كمال السيد.

زواج نوال المحلاوى

الأهرام والأستاذ فى تقديرى سرقا جانبا هاما من حياة نوال، فطبقا لمعلومتى ومن خلال صداقتنا أعلم أن شخصيات مهمة فى الدولة وفى الأهرام كانت تأمل فى الزواج منها، لكنها كانت تعتذر للجميع بلباقتها وحسن تصرفها. لكن نوال فجأة اتلقت بعطية البندارى الضابط السابق فى القوات المسلحة والذى عمل لسنوات فى مكتب المشير عبدالحكيم عامر. ولأن الحب يأتى بغتة وبدون مقدمات فقد فاجأتنى بقرار زواجها من البندارى. المعلومات التى عرفتها فيما بعد أن زميلتنا الراحلة التقت لأول مرة بعطية البندارى فى منزل الأستاذة إنجى رشدى الصحفية بالأهرام التى هى الأخرى تنتمى مثل نوال الى الشريحة العليا من الطبقة المتوسطة فقد دعتها إنجى التى كانت قد تزوجت منذ عامين من رؤوف أسعد الضابط السابق فى القوات المسلحة وصديق عطية البندارى على العشاء فى شقتهما السكنية بالزمالك، وكان هذا اللقاء هو البداية بين البندارى ونوال ثم كانت النهاية السعيدة بين الاثنين بعد شهور قليلة وأقام العروسين فى شقة نوال بالدقى.

عبدالناصر يتدخل..!

لم يكن الأستاذ سعيدا بقرار زواج نوال المحلاوى الذى تم فى آخر ستينيات القرن الماضى، وقد علمت من زميل قريب جدا لنوال أن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر حاول أن يتدخل لعدم إتمام الزواج. كان عبد الناصر يعتبر نوال جوهرة نادرة تجلس فى نظره على قمة نساء مصر وتستحق رجلا مثلها يقف على القمة، ولم يكن البندارى صديق المشير عامر والذى عمل فى مكتبه لسنوات فى رأى عبدالناصر هو الزوج المثالى لها. ربما العلاقات المتردية مع المشير والتى قادت الى انتحاره كانت الدافع لهذا الموقف المعادى للبندارى من جانب عبد الناصر وقد أبلغه صراحة للأستاذ لينقل الرسالة الى نوال ويقول لها «سوف أقدم لك من هو أفضل منه... رجل يتسحقك ويعرف قدرك»... أما إعتراض الأستاذ على البندارى فلم يكن سوى أن نوال تمثل قيمة كبيرة بالنسبة إليه وكان يخشى أن يأخذها منه البلتاجى فتتحول الى زوجة سعيدة ترضى مطالب زوجها على حساب عملها. كان الأستاتذ فى تقديره سوف يعترض على أى زوج يتقدم لنوال فالزواج سوف يقتطع فى نظره جزءا من وقتها الذى كان مخصصا بالكامل له وللأهرام.

لكن نوال كانت زوجة سعيدة وأما رائعة فيمابعد، وقد دعتنى الى منزلها على العشاء عدة مرات مع زوجتى خلال فترات أجازاتى فى القاهرة واستشعرت بالفعل أن نوال مع عطية البندارى دخلت حياة جديدة وسعيدة.

الزواج لم يغير الكثير... فقد كانت ظلت فى مكانها بنفس القدر من الانضباط وبنفس القدر من الانتماء للأهرام وللأستاذ. التغيير أحيانا كان فى المواعيد. لم تكن تستمر بعد زواجها الى مابعد العاشرة، وكانت فى أغلب الأيام تترك مكتبها فى الثامنة مساء.

12 مايو عام 1970

يوم أسود للأهرام وأكثر الأيام صعوبة وتحديا للأستاذ.

ففى هذا اليوم وجه لطفى الخولى وزوجته ليليان قرقش ـ ابنة المحامى الشهير فى المحاكم المختلطة موريس قرقش الذى عمل معه لطفى الخولى محاميا تحت التمرين بعد تخرجه من كلية الحقوق عام 1949 ثم أحب ابنته وتزوجها ــ الدعوة لنوال المحلاوى وزوجها عطية البندارى على العشاء فى شقتهما السكنية بالدقى.

دار الحديث بين الأربعة حول مايجرى من أحداث وانتقد بعضم بعض الأوضاع السياسية. لم تكن أكثر من «دردشة» بين أصدقاء على مائدة العشاء إنتهت بعودة نوال وزوجها الى منزلهما حوالى الواحدة صباحا. وفى ساعة مبكرة من اليوم التالى ألقى القبض على نوال وزوجها. تبين أن شقة لطفى الخولى السكنية كان قد زرع فى حوائطها أجهزة تنصت دون علم أصحاب البيت ! وفى نفس اليوم ألقى القبض على لطفى الخولى فى الأهرام وعلى زوجته فى منزلها. جرى ترحيل لطفى الى سجن القلعة مع عطية البندارى وألقى القبض على ليليان فى بيتها الذى كان مقر العشاء و«الدردشة»...

كان هذا الإجراء الذى اهتز له الأستاذ تصفية حسابات مع بعض أعداء هيكل القريبين من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر والذى أطلق عليهم الأستاذ بعد تولى السادات « مراكز القوى «. لكن الغريب أن الأستاذ لم يحتج ويبدى غضبه من هذا الاجراء ولم يطلب من صديقه الرئيس الراحل الافراج عن السيدة الأقرب إليه فى الصحافة والأهرام والتى لم تعمل بالسياسة مع صديقتها ليليان ولم يكن الأربعة يعرفون أسباب القبض عليهم وإيداعهم السجن.

قالت لى ليليان الخولى إن 12 مايو عام 1971 كان موعد محاكمة مراكز القوى بتهمة الإنقلاب على السادات والشرعية، وقد ساند الأستاذ الرئيس السادات ووقف الى جانبه فى تلك المحاكمات قبل أن تسوء العلاقات بينها.

الصديقة والإنسانة...

الحديث يطول عن نوال الانسانة التى تشارك الجميع أحزانهم وأفراحهم. تحزن لأحزانهم وتسعد لأفراحهم ساعدتنى كثيرا على تجاوز أحزانى بعد وفاة والدى وزارتنى مرتين فى منزلى وتعرفت على والدتى وإخوتى وكانت شقيقتى الكبرى فى نفس عمرها وفى مدرسة السلام بسراى القبة المنافسة لكلية رمسيس. الأهرام بالفعل كان أسرة واحدة يشعر كل منا بالآخر. سقطت شقيقتى على الأرض فى صالة منزلنا القائم فى شارع حسن الأكبر بعابدين قبل أيام من وضعها مولودها، ولجأت إلى نوال تبحث لى عن طبيب، فاتصلت بزوج شقيقتها ناهد الدكتور زهير مصطفى مدير مستشفى الجمهورية الذى أرسل لنا فى أقل من عشر دقائق طبيبا أخصائيا عالج شقيقتى من إصابتها.

قبل أيام من العام الجديد فى آخر شهر ديسمبر عام 1991 قامت عاصفة ثلجية فى شرق ووسط كندا أطاحت بكل أعمدة وتوصيلات الكهرباء وكانت الحرارة تتجاوز العشرين تحت الصفر وكنت فى مونتريال مع إبنتى التى لم تتجاوز العشر سنوات وقد تحولت حياتنا الى ظلام وبرودة قاتلة، واذا كنا نتصور الجحيم نارا، فالبرد القارس والثلوج التى غطت منازلنا بلا تدفئة كانت جحيما من نوع آخر. فى اليوم التالى تلقيت مكالمة من القاهرة من نوال تطمئن على وكنت لاأزال فى بيتى أبحث عن فندق خوفا على ابنتى فقد كانت كل الفنادق كاملة العدد. تحدثت مع نوال وطلبت منى أن أصحب ابنتى الى تورونتو لأقيم هذه الأيام عند صديقتها نادية جودة وزوجها رؤوف، ولم تكن تعلم أن المسافة بين مونتريال وتورونت 360 كيلومترا وجميع الطرق بين أكبر مدينتين أغلقتها الثلوج وأعمدة الكهرباء والأشجار التى اسقطتها الرياح العنيفة. لكننى حصلت على حجرة فى اليوم التالى فى أحد الفنادق التى كان مديرها صديق مصرى، وتصادف أن يكون جارى فى الحجرة لوسيان بوشار رئيس وزراء كيبيك.

إعتادت نوال المحلاوى أن تزور فى أجازتها السنوية فى كل عام من شهر سبتمبر صديقتها نادية جودة وتقضى معها أسبوعا فى بيتها فى تورونتو، وكانت فى طريق عودتها الى القاهرة تمر على فى مونتريال، وفى عام 1997 زارتنى نوال كعادتها فى مونتريال ولكن لم تكن نوال الضاحكة التى تسعدنا بحكاياتها ورواياتها. كان وجهها حزينا وشاحبا ولاتبتسم إلا بصعوبة. أصاب المرض اللعين صديقتها الحميمة وعادت الى القاهرة والألم يعتصرها. إستمرت العلاقة بين الصديقتين بالتليفون، ويشاء القدر بعد شهور من زيارتها الأخيرة لتورونتو أن تصاب نوال بنفس المرض. وجاءت الى مونتريال قادمة من نيويورك بعد أن زارت الطبيب ابن زوجها عطية البندارى المتخصص فى علاج الأورام، ثم زارتنى وكنت فى غاية الازعاج بعد ان شعرت بتدهور حالتها الصحية، وطمأنتنى بأن حالتها قابلة للعلاج وللشفاء، وأنها ستذهب لتزور صديقتها القريبة والحميمة نادية جودة. وعادت مونتريال الى القاهرة لكنها لم تكن نوال التى أعرفها كانت تدير مركز الترجمة والنشر وتصر على أنها فى طريقها الى الشفاء. وفى شهر يوليو عام 1999 سافرت إلى القاهرة فى أجازة قصيرة وزرت نوال فى مكتبها قبل أيام من عودتى. كانت تجلس ومعها علب الدواء الصغيرة. قالت لى لاتحزن فالحياة تسير.كانت متفائلة لكننى وللأسف لم أشاركها تفاؤلها. كانت الزيارة الأخيرة والوداع الأخير.

يوم 17 أغسطس عام 1999 تلقيت من زميل بالأهرام الخبر الحزين التالى : «وفاة نوال المحلاوى... ونحن فى طريقنا لتشييع جنازتها فى مسجد السيدة نفيسة بناء على توصيتها»... ويشاء القدر أن تلحق صديقتها نادية جودة بنوال فى نفس العام وبعد أسابيع من رحيل نوال المحلاوى.

مقالات تأبين نوال غطت صفحات الرأى فى الأهرام و صحفا مصرية كثيرة عدة أيام بعد وفاتها، ولكن لفت انتباهى مقال الكاتبة والمناضلة اليسارية ليلى الجبالى فى جريدة الأهالى. فتحت عنوان : «نوال المحلاوى فقيدة كل الصحفيين «قالت ليلى الجبالى «كانت الزميلة الراحلة الفاضلة اسما متفردا بالتقدير والاحترام فى الساحة الصحفية وجنديا مجهولا فى بلاط صاحبة الجلالة. لم يختلف إثنان ممن تعاملوا معها من جيلنا أو الأجيال اللاحقة على تميزها بالكفاءة المهنية والادارية وبما تمتعت به من خلق كريم وتواضع وقدوة».

رحم الله نوال المحلاوى بعد 44 عاما من العطاء والإخلاص للأهرام وللأستاذ محمد حسنين هيكل.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق