حين سمحوا للهبلة بأن تمسك الطبلة، اتضّح أن الأداة غير كافية لخلق الوظيفة. ولأن الماشطة، كما قال المثل، لا يمكنها أن تفعل شيئًا في الوجه العكر، ستظل الوظيفة الأساسية لوسائل الإعلام غائبة، وستواصل بأدائها المنفلت تأثيرها السلبي على الوطن والمواطن.
للأخبار والمعلومات دور مهم في تطور المجتمعات وارتقائها. غير أن هذا الدور لن يتحقق، إلا بحماية المواطنين من التضليل والدعاية السياسية والشائعات، وما لم يتم تسليحهم بمهارات التحليل والتفكير النقدي، وبالأدوات التي تمكنهم من مواجهة خطاب الكراهية والتطرف والعنف وكشف الرسائل المزيفة والقيم غير الملائمة، بالإضافة إلى تنمية قدراتهم على التمييز بين الأخبار الصحيحة والكاذبة، وبين الأخبار إجمالًا ومقالات الرأي.
إدراكًا لما سبق، أو انطلاقًا منه، أولت تقارير ومؤتمرات منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، أهمية كبرى للتربية الإعلامية وتؤكد ضرورة إعداد النشء للعيش في عالم تسيطر عليه الصورة والصوت والكلمة. وبالشراكة مع المنظمة، وبتمويل من الاتحاد الأوروبي، أطلق معهد الإعلام الأردني مشروع التربية الإعلامية والمعلوماتية، لبناء قدرات وطنية في مؤسسات التعليم للأجيال الجديدة على التعامل مع وسائل الإعلام. وهذا المعهد، معهد الإعلام الأردني، هو مؤسسة مستقلة غير ربحية، يهدف إلى إرساء معايير مهنية لتعليم الصحافة والإعلام الحديث وتحسين مخرجات الإعلام، والارتقاء بسمعة وصورة المهنة من خلال توفير فرص تعليمية وتدريبية متقدمة للأجيال الجديدة من الصحفيين والإعلاميين.
مشروع التربية الإعلامية والمعلوماتية، كان واحدًا من عدة مشروعات لدعم الإعلام في الأردن، بدأت منظمة اليونسكو في تنفيذها سنة 2014، وشملت البيئة التشريعية للإعلام، التعليم الجامعي للإعلام، وإصدار تقرير مؤشرات تنمية الإعلام في الأردن. ومستعينًا بخبراء وباحثين قام معهد الإعلام الأردني بتطوير المناهج التي وضعتها اليونسكو سنة 2011، وبالفعل بدأ تنفيذ المشروع، أواخر 2016، بإنشاء نوادي التربية الإعلامية والمعلوماتية. وبعد تدريب 24 معلمًا ومعلمة في ثمانى مدارس حكومية في عمّان، انطلقت أنشطة تلك النوادي بشكل أسبوعي. وفي مارس الماضي قرر رئيس الوزراء الأردني تشكيل فريق حكومي برئاسة وزير الدولة لشئون الإعلام لمتابعة مشروع التربية الإعلامية والمعلوماتية الذي تعهدت الحكومة بتبنّي إطار استراتيجي وطني لنشره ضمن أولويات عملها خلال العامين الحالى والمقبل.
في أولويات عملها لعاميّ 2019و2020، التي تم إعلانها في نوفمبر الماضي، تعهدت الحكومة الأردنية بتبني الإطار الاستراتيجي الوطني لنشر التربية الإعلامية والمعلوماتية. وطبقًا لما تضمنته تلك الأولويات، فسيتم إدخال مفاهيم التربية الإعلامية والمعلوماتية على شكل وحدات دراسية في كتب التربية الوطنية والاجتماعية، وإعداد الأدلة والمناهج التدريبية الخاصة بذلك، كما ستطرح مفاهيم التربية الإعلامية لطلبة الجامعات ضمن أحد المتطلبات الإجبارية أو كمتطلب اختياري. ليس عيبًا أن نتعلم من التجربة الأردنية، لكن العيب هو أن يبقى الوضع على ما هو عليه، مع أن لدينا أقدم وأعرق وأهم كلية إعلام في المنطقة: كلية الإعلام بجامعة القاهرة، التي شرفت، وكثيرون غيري بالتخرج فيها. كما أننا سبقنا الأشقاء في الأردن بأكثر من ثلاثين سنة، بمشروع شبيه بذلك الذي تبناه معهد الإعلام هناك. لكن هذا المشروع، بكل أسف، خرج عن مساره. ربما لأننا لم نتمكن من فض الاشتباك بين مصطلحي الإعلام التربوي والتربية الإعلامية.
تحت عنوان «أمة لها مستقبل» أقامت وزارة التربية والتعليم، سنة 1987، مؤتمرًا قوميًا لتطوير التعليم في مصر. ومن الدراسات والأبحاث المقدمة في ذلك المؤتمر، خرجت فكرة إنشاء كليات جديدة لتخريج المعلم النوعي. وبعد دراسات قامت بها لجنة من المتخصصين وكبار المسئولين بوزارتي التعليم العالي والتربية والتعليم، تم في السنة التالية، سنة 1988، إنشاء كليات نوعية للمعلمين، تمنح درجة البكالوريوس في تخصصات التربية الموسيقية، الفنية، والاقتصاد المنزلي ولاحقًا أضيف قسم الإعلام التربوي. وفي يونيو 1989تم تعديل اسم تلك الكليات إلى كليات التربية النوعية التي تكاثرت وانتشرت و... و.... تلخصت مهام خريجي أقسام الإعلام التربوي في الإشراف على مجلات الحائط والإذاعة المدرسية، والجلوس في فناء المدرسة، لو كان له وجود. وطبعًا، لو طالعت دليل الصحافة المدرسية والإعلام التربوي للعام الدراسي 2018/2019، ستجد الحياة وردية على الورق، بينما هي، في الواقع، سوداء فاقع لونها!. يفتح الشيطان تسعة وتسعين بابًا من الخير، لا تكون إلا مقدمات لباب شر واحد، هو كل ما يريده. ولا نبالغ أو نتجاوز لو قلنا إن هذا هو ما تفعله غالبية وسائل الإعلام، والدولية منها تحديدًا. ولم يعد سرًا أن هناك دولًا تستخدم وسائل الإعلام التقليدية وغير التقليدية، في لعب أدوار داخل دول أخرى. وعليه، بتنا في أمس الحاجة إلى أن تتضمن المناهج الدراسية في المدارس والجامعات مادة أساسية للتربية الإعلامية، خاصة مع ظهور جيل يقضي أكثر من ست ساعات يوميًا في تصفح شبكات التواصل الاجتماعي، التي توحُّشت وتزايد تأثيرها السرطاني، وكادت تسحب البساط من الصحف، المواقع الإلكترونية، والقنوات التليفزيونية.
لمزيد من مقالات ماجد حبته رابط دائم: