رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

عواقب التفرد التكنولوجى و«ما بعد الإنسانية»

هبة عبد الستار

تتركز نظرية التفرد التكنولوجى ببساطة حول تطور الذكاء الاصطناعى الفائق مع الوتيرة المتسارعة للتطور التكنولوجى مما سيجعله يتفوق على الذكاء البشرى ودقته، حيث سيمنح الآلة وعيا وقدرة على الإدراك، فتتسيد الحواسب الآلية والروبوتات الذكية لتقود البشر. ولأن الخط الفاصل بين الخيال العلمى والواقع بات هشا للغاية، لم يكن من الغريب أن كاتب الخيال العلمى فيرنور فينج هو أول من بشر بالتفرد التكنولوجى المستقبلى فى مقال له عام 1993، تنبأ خلالها بأن الذكاء الاصطناعى الجديد سيستمر فى التطور مما سيؤدى إلى نهاية حقبة الإنسان، وربما وجوده!.

وبعد عقد ونيف خرج راى كورزويل، مدير القسم الهندسى فى شركة جوجل، وأحد أبرز علماء استشراف المستقبل المعروفين عالميا، بكتابه الشهير «التفرد أقرب: عندما يتجاوز البشر البيولوجيا» الذى نَظَّر فيه لهذا المفهوم وعرفه بكونه «يمثل ذروة دمج تفكيرنا ووجودنا البيولوجى مع تقنيتنا، مما يؤدى لعالم لا يزال بشريًا يتجاوز جذورنا البيولوجية. بحيث لن يكون هناك تمييز بين الإنسان والآلة أو بين الواقع المادى والافتراَضي». فكان كتابه دليلا أصيلا لمن أتوا بعده. وفقًا لكورزويل، سوف تسبق التفرد ثورات كبيرة فى المجالات التالية: علم الوراثة وتكنولوجيا النانو والروبوتات. ويتصدر مستشرف المستقبل بجوجل من خلال نظرياته حركة فكرية وتكنولوجية عالمية استنادا إلى توقعاته التى اتسمت بالدقة فى كثير من الأحيان واستشرافه المستقبل، حتى توقع أنه بحلول عام 2029 ستبلغ الحواسب مستوى الذكاء البشري.

يرفض صاحب «عصر الآلات الروحية» مخاوف بعض العلماء من مخاطر فقدان السيطرة على آلات الذكاء الاصطناعى الفائق مستقبلا، معتبرا أنها مخاوف مبالغ فيها وأن ما سيحدث هو العكس حيث سيمكن تطور الذكاء الاصطناعى البشرى من تطوير وزيادة قدرتهم وتيسير حياتهم وممارسة أعمالهم، متوقعا اختراع روبوتات نانوية فائقة الدقة يتم زرعها فى ملايين أو حتى بلايين المواقع فى المخ البشرى لتحسين أداء الذاكرة ومهام الجسم والعقل بوجه عام، مشيرا إلى أن هذا لم يعد خيالا لأن بعض المرضى بداء باركنسون (اضطراب عصبى يؤثر على الحركة) يضعون شرائح داخل أجسادهم بالفعل. ويتنبأ بالتاريخ الذى يتوقع أن يحدث فيه التفرد كاملا بوضوح بحلول عام 2045.

وبرغم جاذبية أطروحات كورزويل، إلا أنها تثير عددا من المخاوف والتساؤلات، فمثلا هل يمكن أن يكون الكيان غير البيولوجى واعيا؟ وهل ستكون هناك حدود آمنة للآلات الذكية بحيث لا تهدد الوجود البشري؟ وكيف ستتم إدارة تلك المجتمعات سياسيا واجتماعيا؟.. ويأتى كتاب «التفرد التكنولوجي: إدارة الرحلة» لمجموعة من الباحثين والأكاديميين حول العالم بهدف وضع أطروحات للحد من مخاطر التفرد التكنولوجى والإجراءات التى يمكن أن يتخذها المجتمع والتقنيون لضمان تأثير إيجابى وليس سلبيا على المجتمع بما يتضمن القضايا التكنولوجية والسياسية والتجارية والأخلاقية. يبحث الكتاب فى صعوبة التنبؤ بما يمكن أن يحدث مع الذكاء الاصطناعى وخطورته، مؤكدا أن عدم اليقين أو الثقة المفرطة قد يعرضان البشرية لخطر كبير، ويحذر من أن هذا الخطر قد يحدث نتيجة تراكم قوة وتأثير التكنولوجيا تدريجيًا بمرور الوقت، أو قد يحدث بسرعة كبيرة، ويدعو للتركيز على أهمية الجانب القيمى والأخلاقى فى بناء مجتمعات «إنسانية» بالدرجة الأولي، وبذل كل الجهود لتعزيز براعة الإنسان، والملاحظ أنه فى جميع الكتابات حول التفرد، هناك فصل ملحوظ للجانب العاطفى للحياة الإنسانية لصالح الجانب العقلانى على وضعنا الوجودي. ويرى الباحثون أننا نتجاهل الوعى العاطفي، الذى كان حجر الأساس للوجود الإنسانى حتى الآن، وأن هذا ما يضعنا فى خطر كبير .

وكنتيجة لكل هذا التطورالتكنولوجى وما يفرضه من تساؤلات برزت حركة فكرية اجتماعية تسمى «ما بعد الإنسانية Posthumanism»، تنوعت أهدافها ومذاهبها بين دعم استخدام التكنولوجيا الفائقة للتغلب على التحديات الصعبة التى تواجه الإنسان مثل: المرض والشيخوخة والموت، وبين حماية الوجود البشرى والإنسانى من مخاطر تكنولوجيا المستقبل عبر تجنب المخاطر الأخلاقية التى قد تصاحب استخدام التكنولوجيا، وكذلك دراسة الإنسان المدعم بالتكنولوجيا لتعزيز قدراته، والتعمق فى دراسة المخ، وبحث سبل تحسينه لضمان تفوق البشر على الآلات الذكية فيما يعرف بـ«الإنسانية العابرة Transhumanism» كما تتناولها أستاذة الفلسفة بجامعة نيويورك فرانشيسكا فيرناندو فى كتابها «فلسفة ما بعد الإنسانية» الذى تؤكد فيه أن «الإنسانية» أصبحت بحاجة لإعادة تعريف عاجل، فى وقت تتسارع فيه تطورات بيولوجية و تكنولوجية جذرية، وفى ضوء الضرورات السياسية والبيئية لعصرنا، فإن مصطلح «ما بعد الإنسانية» يوفر بديلا بحثيا تطور استجابة لأزمة الإنسان فى مواجهة التكنولوجيا بعصر ما بعد الحداثة فى ظل تفسخ أيديولوجى وتقويض للنزعة الإنسانية لصالح النزعة المادية وتفشى الرأسمالية، موضحة أوجه التشابه والاختلاف بين التيارات الفكرية التى تفرعت من تلك الحركة العامة التى مازالت تتصدر النقاش الصاخب فى الغرب حول إشكالية مستقبل الإنسان، والشكل الذى سيكون عليه وتطوره أو انقراضه ارتباطا بالتطور التكنولوجي.

إن «ما بعد الإنسانية» و«الإنسانية العابرة» و«التفرد» قضايا أصبحت ذات أهمية كبرى من أجل فهم المستقبل، وإدراك كيفية التعامل معه والتعايش فيه.. قضايا تستحق أن يؤسس لها عصر تنويرى جديد من أجل توعية البشرية بعيدا عن الاستقطابات التى تقودها الصراعات السياسية والاقتصادية، التى ليست بعيدة بأى حال عن نفوذ الشركات الكبرى والمستثمرين فى قطاع التكنولوجيا الفائقة كمستفيد رئيسى.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق