رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

عودة المقاتلين الأجانب «2»

أشرت فى مقالى السابق الى ان عودة المقاتلين الأجانب الى دولهم الاصلية هى قضية شائكة تقض مضجع العالم الذى لم يبد، الى حدود الآن، أى رغبة فى استرجاعهم لما يشكلونه من تهديد، ليس فقط على الامن الداخلي، ولكن أيضا على الامن الإقليمى والدولي.

وقد اعتبر الباحث النرويجى فى قضايا الجهادية، توماس هيجهامر، أن وقوع هجوم من قبل أحد المقاتلين الأجانب العائدين أمر لا مفر منه تقريبا، مشيرا الى ان واحدا من أصل تسعة مقاتلين، من بين العائدين، ينجح فى التهرب من التدابير الأمنية وينجح فى شن هجوم. ان التهديدات التى يشكلها المقاتلون العائدون الذين تدربوا فى سوريا والعراق هى كثيرة ومتنوعة، منها الذهاب الى مناطق صراع جديدة ومحاولة التكتل مرة أخرى إما تحت اسم تنظيم الدولة الإسلامية او تشكيل تنظيم جديد ربما أكثر دموية من سابقيه.

ومن بين هذه المناطق توجد ليبيا، حيث تكثر الجماعات والتنظيمات الإرهابية، والتى تشكل ملجأ بالنسبة للمقاتلين من شمال افريقيا وجنوب أوروبا، اما بالنسبة للمقاتلين من شرق أوروبا وروسيا والصين فتشكل أفغانستان والفلبين والبلقان ملاذا آمنا لهم.

التهديد الثانى يتمثل فى عودة المقاتلين بطريقة غير شرعية الى بلدانهم الاصلية، خاصة ان أغلب الدول لا تتوافر على قاعدة بيانات لمواطنيها الذين غادروا الى سوريا والعراق، خاصة قبل 2014، وبالتالى يمكن بعد عودتهم ان يشكلوا خلايا نائمة او يقوموا بتنفيذ عمليات إرهابية منفردة او بتخطيط من التنظيم.

هناك تخوف من مجموعة من السيناريوهات. الاول تكرار سيناريو هجمات 11 سبتمبر، بأن يقدم عدد من المقاتلين الغربيين، ممن قاتلوا فى سوريا والعراق، على تنفيذ عمليات إرهابية فى الغرب، او استهداف أحد المرافق الحيوية، كالمخطط الفاشل فى 2009، عندما أصدر تنظيم القاعدة تعليماته بالقيام بهجمة إرهابية كان يفترض أن يقوم بتنفيذها ثلاثة أمريكيين سبق لهم الذهاب الى باكستان للالتحاق بتنظيم طالبان. وقد قام تنظيم القاعدة بإمداد نجيب الله زازي، قائد المجموعة، بالسلاح وكيفية صنع القنابل من أجل الهجوم، وعند عودته إلى الولايات المتحدة قام زازى ببناء العبوات الناسفة التى كان يعتزم استخدامها فى هجوم انتحارى على قطارات أنفاق مدينة نيويورك قبل ان يتم اكتشاف العملية والقبض على الأشخاص الثلاثة.

السيناريو الثانى هو تنفيذ عمليات انتحارية على غرار العملية التى تمت فى لندن عام 2005 والتى تمكن فيها أربعة انتحاريين من قتل 52 شخصا واصابة أكثر من 700 آخرين، وكان واحد من المنفذين الأربعة، على الأقل، قد تلقى تدريبا قتاليا فى باكستان.

اما السيناريو الثالث فيتمثل فى التحاق العائدين من بؤر الصراع بجماعات إرهابية قائمة فى دولهم ومشاركتهم فى عمليات إرهابية، او تأسيسهم تنظيمات وخلايا إرهابية جديدة، كتلك التى تشكلت فى تسعينيات القرن الماضي، على يد عائدين من أفغانستان، ومنها الجماعات المسلحة الجزائرية، والجماعات الإسلامية المقاتلة فى المغرب وليبيا. هناك سيناريو آخر لا يقل خطورة، يتمثل فى احتمال تعامل المقاتلين العائدين مع عصابات إجرامية، كنوع من الاستقطاب العكسي. فإذا كان تنظيم داعش قد نجح فى استقطاب عدد من مقاتليه من المنحرفين والمجرمين من أصحاب السوابق، الذين تدربوا واشتد عودهم فى سوريا والعراق، فيمكن ان تسعى العصابات الإجرامية بدورها، إلى إعادة استقطابهم اليها مرة أخري، للاستفادة من خبرتهم الواسعة فى استخدام الأسلحة، وقدرتهم على الهروب من المراقبة، واستباقهم للعمل الاستخباراتى الذى تقوم به الدول.

فى ضوء كل هذه المخاطر، ثمة رأى يدفع بأن قرار استرجاع المقاتلين الأجانب من طرف بلدانهم الأصلية ربما يكون أقل تهديدا من تركهم طلقاء او محتجزين فى العراق وسوريا، حيث سينتهى بهم المطاف بالنهاية إلى قضاء مدة حبسهم ثم الإفراج عنهم، ومن ثم تسليمهم إلى دولهم فى وقت يكون التعامل معهم أشد صعوبة وأكثر تعقيدا.

لاشك أن الخطر الأكبر لعودة المقاتلين الأجانب يأتى من درجة اقتناعهم بما يقومون به. فمنهم من سيعود محملا بأفكار إرهابية، نظرا لما يحملونه من أفكار وقناعات راسخة بما يقومون به، وهؤلاء هم من يشكلون التهديد الأكبر، خاصة ان لديهم تجربة كبيرة فى القتال وحمل السلاح والقدرة على الاستقطاب والتجنيد، إما داخل السجون، أو بين الأقارب والأصدقاء، وحشد ما حولهم من الجماعات ذات الميول والأيديولوجيا المشابهة، وهؤلاء لابد من استرجاعهم وإخضاعهم لأحكام القانون وإبقائهم تحت المراقبة المستمرة. ومنهم من سيعود وقد سئم من حياة الجهاد والقتال، او لم يختبرها أساسا حيث كان من البداية مجرد تابع للمقاتلين (حالة بعض النساء والأطفال) فهذا الصنف خطره أقل، وسيسعى فى حال عودته إلى تغيير حياته، إذا ما وجد الرعاية النفسية وخضع لبرامج إعادة التأهيل والإدماج، بعد عرضه على التحقيق والمحاكمة اذا تطلب الأمر.


لمزيد من مقالات وفاء صندى

رابط دائم: