► المدن الجديدة بدأت.. والتعليم العالى تختار جامعات إقليمية للتنفيذ
► د.صبحى حسانين: قطعنا نصف الطريق.. ونحتاج دعم المجتمع المدنى
► د. كمال درويش: سنخسر كثيرا لو تكاسلنا عن تنفيذ المبادرة
► خبير طرق : هولندا لم تضع مسارات فى البداية.. وتنفيذها بالقاهرة ليس صعبا
فى أوروبا يكاد عدد الدراجات الهوائية يفوق عدد السيارات، وفى بعض الدول كهولندا، يفوق عددها عدد السكان أنفسهم، ولا يخلو شارع من شوارع أوروبا من مسارات مخصصة لسير الدراجات واماكن لانتظارها، وهى متاحة للجميع كونها مواصلة عامة لا تختلف عن الاتوبيس والمترو، وبدأت لندن مؤخرا فى تضييق شوارعها من أجل إفساح المجال للمشاة وراكبى الدراجات من أجل الحفاظ على البيئة والحد من تلوث الهواء.
وهنا، فى مصر، ومنذ نحو خمس سنوات، دشن الرئيس السيسى مبادرة استخدام الدراجات، من خلال ماراثون جمع فيه الفنانين والمشاهير وطلاب الجامعات، ودعا المواطنين إلى الاعتماد على هذه الوسيلة الرياضية فى الذهاب للعمل والدراسة. وخلال هذه السنوات الخمس، لم يترك الرئيس مناسبة أو حدثا إلا وخرج وهو يقود الدراجة، حدث ذلك مع طلاب الكليات العسكرية، وفى منتدى شباب العالم، وفى مناسبات وأماكن أخرى عديدة، مؤكدا رسالته للمواطنين بفائدة «ركوب» الدراجات رياضيا وصحيا وبيئيا وماليا أيضا.
مبادرات المجتمع المدني
وخلال هذه السنوات الخمس أيضا، خرجت مبادرات عديدة من أفراد ومؤسسات مجتمع مدنى للحث على ركوب الدراجات، لكن مؤخرا أعلنت وزارة التعليم العالى عبر الاتحاد الرياضى للجامعات عن مبادرة هى الأهم، وهى دراجة لكل طالب وعضو هيئة تدريس، كخطوة اولى لنشر الثقافة بين طلاب الجامعات، ومحاربة السمنة والتقزم الذى انتشر بين طلاب المدارس بسبب عدم ممارسة الرياضة، هذه الخطوة سيتم البدء فى تنفيذها فى بعض الجامعات الإقليمية، حيث تتميز هذه الجامعات بمساحات شاسعة، فجامعة جنوب الوادى على سبيل المثال تصل مساحتها إلى نحو ألف فدان، مما يسمح بتنفيذ التجربة واختبارها ومعالجة أوجه القصور إن وجدت، ومن ثم تعميمها فى المدن كافة وليس الجامعات فقط.
الدراجة الجامعية
تحدثنا فى البداية مع الدكتور صبحى حسانين نائب رئيس الاتحاد الرياضى المصرى للجامعات حول هذا المشروع فقال إن مشروع الدراجة الجامعية يعد أحد المشروعات التى أعدها الاتحاد الرياضى المصرى للجامعات لتنفيذ رؤية وزارة التعليم العالى والبحث العلمى باعتبار الرياضة إحدى ركائز بناء الشباب الجامعى من الناحية البدنية و الصحية والنفسية، ومن ثم قرر الاتحاد البدء بالخطوات التنفيذية للمشروع بعد موافقة المجلس الأعلى للجامعات عليه، حيث تم وضع عدة أسس لهذا المشروع، منها: حرية اختيار الطلاب وأعضاء هيئة التدريس والعاملين فى اقتناء الدراجة وفق الحاجة والاهتمام،حيث تعد المشاركه فى المشروع لجميع الفئات اختيارية وليست إجبارية، فلدينا نحو 3 ملايين طالب جامعى ونحو 100 ألف من العاملين وأعضاء هيئة التدريس، وسوف يتم توفير دراجات لكل هؤلاء، وبالتقسيط المريح، حيث يجرى الاتفاق الآن مع بعض البنوك الوطنية لدراسة سبل مشاركتها فى تمويل المشروع، لتوفير التمويل اللازم للشراء من خلال قروض ميسرة للراغبين تسدد على آجال طويلة وقليلة الفائدة، ولا تتعدى مبلغ 150 جنيها شهريا، اضافة الى دخول هذه البنوك كراعاة رسميين للمشروع وضخ التمويل اللازم لشراء عدد كبير من الدراجات وتوزيعها على الطلاب فى صورة مكافآت وحوافز للتميز والابداع فى كافة المجالات وعلى رأسها المجال الرياضي.
واضاف صبحى أن المشروع سيبدأ تطبيقه داخل الجامعات كمرحلة أولي، ويرتبط بدء التنفيذ باستكمال استعدادات الجامعات لتطبيق المشروع وتوفير الخدمات اللوجستية من مواقف وممرات ومسارات داخل الجامعات. وكذلك تجهيز مراكز الصيانة وآلياتها داخل الحرم الجامعي، أما تنفيذ المشروع خارج الحرم الجامعى فسيكون فى مراحل لاحقة بجامعات تقع فى مدن تسمح بإمكانية الممارسة خارج الجامعة مثل جامعات أسوان، وجنوب الوادي، وقناة السويس، والسويس، والعريش، ومرسى مطروح، والوادى الجديد، وذلك بعد التنسيق الكامل مع المحافظين وكافة الوزارات والمؤسسات المعنية لضمان توافر كافة اعتبارات الآمان المطلوبة، ولنجاح المشروع تم تيسير تنظيم عمليات الاستخدام من خلال تطبيق خاص على التليفون المحمول تم الانتهاء من تصميمه لمتابعة الاستخدام بصفة مستمرة .
صناعة مصرية
وقال إن تنفيذ المشروع بالجامعات سوف يعتمد على دراجة مصرية الصنع ستكون متاحة بالسوق المصرى خلال فترة وجيزه قادمة بسعر مناسب، حيث تم الاتفاق مع وزارة الإنتاج الحربى على ذلك، وسيكون للجميع، اما المميزون رياضيا وعلميا فسوف يتم منحهم خصما كبيرا على سعرها يصل إلى نحو 60 و70% من سعرها، كما ان الحاصلين على بطولات محلية ودولية فستكون الدراجة جزءا من المكافأة، ولن يقتصر المشروع على بيع الدراجات بالتقسيط بل ستكون هناك دراجات (على المشاع) بالجامعات للجميع وليست ملكا لأحد يستخدمها من لا يملك أو لا يريد شراءها.
مهندس أحمد عادل الذى حصل على درجة الدكتوراة من ألمانيا فى تخطيط الطرق والمسارات للدراجات، قال إن الأمر فى مصر ليس صعبا، لكنه يحتاج وقتا للتنفيذ ومن قبله التخطيط الجيد، كى نرسخ من هذه الثقافة المهمة لدى الشعب، وذلك من خلال خطة مستقبلية طموح، تكون الدراجات ضمن المواصلات العامة فى مصر، فليست القضية هى ركوب الفرد دراجة ويسير بها فى الشوارع، أو ممارسة الرياضة فقط،، القضية أكبر من ذلك بكثير، الدارجة وسيلة مهمة جدا للتنقل داخل مدن مصر بأكملها، خاصة فى ظل التقارير التى تتحدث عن زيادة دخول السيارات مصر عاما بعد آخر، بحيث أصبح من الضرورى أن تحل الدراجات بالفعل مكان السيارات، خاصة أننا نجد الآن بعض المواطنين مع ارتفاع أسعار الوقود يبحث عن وسيلة تكون أكثر توفيرا، وبالتالى تكون الدراجة هى أفضل الوسائل على الإطلاق، إذ تتعدد فوائدها ليس فقط كرياضة مطلوبة باستمرار، ولكن على مستوى الصحة النفسية أيضا، ذلك أن الزحام فى مصر وارتفاع أسعار الوقود يخلق حالة من العصبية لدى ركاب السيارات، بينما قيادة الدراجة يحسن من الصحة الرياضية والصحة النفسية لقائدها.
لكن المشكلة التى يراها عادل فى ظل عدد كبير من المبادرات التى أعقبت مبادرة الرئيس السيسى لقيادة الدراجات، هو مسار هذه الدرجات خاصة فى ظل ارتفاع حوادث السيارات على الطرق، ذلك أنه لا يمكن لأى قائد دراجة أن يسير بها فى الطرق العادية، فلا يزال العديد من المواطنين يتمسكون بحلمهم فى استبدال السيارة بالدراجة، لكن عدم وجود مسارات فى المدن لهذه الدراجات تجعلهم يتخلون عن هذا الحلم، فأمان قائد الدراجة مطلوب بالدرجة الأولى حتى تنجح مبادرة الرئيس السيسى ويتحقق حلم المواطنين فى ركوب الدراجات.
ويستشهد مهندس أحمد بهولندا الدولة التى تمتلك أكبر عدد من الدرجات بالعالم، ويتجاوز عددها عدد السكان بها ليصل إلى نحو 18 مليون دراجة فى مقابل 16٫7 مليون هولندي، فيقول: هم لم يبدأوا بتحديد المسارات أولا، لكن من خلال المبادرات، وتعديلها بما يتماشى مع طبيعة المدينة وطرقها ومواطنيها، كما يحدث عندنا الآن من بعض المبادرات كركوب الدراجات يوم الجمعة على سبيل المثال، من خلال المجتمع المدني، من أجل خلق ثقافة الاعتماد عليها بدلا من السيارة.
شروط للاستخدام
ومن الناحية الفنية والبدنية يحدد أحمد عادل شروط ركوب الدراجات فى المدن، فبحسب النسب العالمية فإن استخدام الدراجة يجب ألا يتعدى نصف ساعة فى المشوار الواحد بما يعادل خمسة كيلو مترات، بحيث لا يشكل ركوبها أكثر من ذلك مشكلة لدى قائدها، وبالتالى يشعر بالملل بعد فترة من ركوبها، خاصة فى ظل طبيعة المناخ الحار التى تعيشها مصر فى كثير من الأوقات من العام، إضافة إلى تحديد مسارات خاصة بها، وهنا يرى أننا يجب أن نبدأ بالفعل فى تحديد هذه المسارات فى المدن الكبرى كالقاهرة والإسكندرية، بحيث نبدأ من الطرق الكبيرة والمتسعة، بحيث تسمح هذه الطرق باستقطاع جزء منها ولا يؤثر فى اتساعها، وتسمح أيضا فيما بعد بوضع إشارات مرور خاصة بها، كما قد يحدث مستقبلا إذا شعرت الدولة بإقبال المواطنين عليها أن تخصص عربات مترو لقائدى الدراجات بحيث يتحرك فى مسافات أطول.
الدكتور كمال درويش، رئيس لجنة قطاع التربية الرياضية بالمجلس الأعلى للجامعات، وعميد كلية التربية الرياضية بحلوان الأسبق، قال: إن لدينا أزمة رياضية كبيرة، خاصة بين الشباب لأسباب عديدة منها عدم وجود أنشطة رياضية بالمدارس لتقلص المساحات الموجودة بها، وإعطاء اولوية لبناء الفصول على حساب الملاعب والأنشطة الرياضية، وهذا كان سببا مهما فى أن تتراجع كليات التربية الرياضية عن تطبيق اختبارات القبول الحديثة، والاستمرار على النهج القديم.
تخطيط جيد
وأضاف درويش ان البداية نصف الطريق، وخطوة وجود دراجات فى الجامعات هى خطوة مشجعة على ممارسة الرياضة، فحين نبه الرئيس السيسى الى زيادة نسب السمنة والتقزم فى المدارس بين طلاب المدارس كان ينبه الى مشكلة خطيرة تتعلق بعدم ممارسة الرياضة بالأساس، وعلاجها يكون بالرياضة ولا شيء آخر أهم منها.ورأى درويش أنه لا حجة لمن يعترض على هذا المشروع من عدم وجود مسارات أو تخطيط جيد، ذلك أن الجامعات بالأساس لا نرى فيها سيارات كثيرة، ومن الممكن إصدار قرار بأن يكون لها طرق محددة، بحيث نفسح المجال أكثر لمسارات الدراجات، فمن يعترض أراه لا يقدم حلولا بقدر ما يرغب فى الاعتراض فقط.
سهولة التنفيذ
مهندس جمال طلعت نائب رئيس المجتمعات العمرانية بوزارة الإسكان، والمشرف على وحدة التنمية المستدامة بالمدن الجديدة، قال: إن مشروع الدراجات أحد محاور التنمية المستدامة ليس على مستوى وزارة الإسكان والمجتمعات العمرانية فقط بل على مستوى عدد كبير من الوزارات، والدراجات تدخل فى إطار النقل المستدام التى تهتم به الدولة اهتماما كبيرا، حيث رأينا فى الفترة الأخيرة إطلاق عدد من المشروعات مثل المونوريل والقطار المكهرب والأتوبيسات فائقة الجودة وغيرها، بحيث نوفر للمواطن وسيلة نقل حضارية تجعله يستغنى عن سيارته بسهولة، وبالنسبة للدراجات ومساراتها المخصصة، نحن بدأنا فى هذا المشروع منذ فترة طويلة فى أكثر من مدينة من المدن الجديدة، فى الشيخ زايد والشروق، والآن فى القاهرة الجديدة، بخلاف المدن الذكية مثل العلمين والعاصمة الإدارية والمنصورة الجديدة، فهذه المدن تتم فيها المسارات المخصصة للدراجات مع إنشاء المدينة نفسها وليس بعد اكتمالها، فالمسارات موجودة من قبل وجود السكان بها، وهى مسارات على أحدث النظم العالمية، كما رأينا الرئيس السيسى بنفسه حين استخدم هذه المسارات، وتوصيل رسالة للمواطنين بركوب الدراجة بأنها من أفضل الوسائل، ورأينا بالفعل الكثير من مواطنى هذه المدن ينظمون أكثر من ماراثون، وهذا لم يكن موجود من قبل، ما يدل على الإقبال على هذه الوسيلة البيئية والحضرية، فدور الوزارة هو توفير مسارات الدراجات بكثافة، فضلا عن تعاونها مستقبلا مع أى جهة ترغب فى ترسيخ هذه الثقافة وانتشارها بالمدن، وذلك من خلال امتيازات بعينها تشجع على دخول هذه الجهات بكثافة، حيث لم نجد صعوبة إطلاقا فى تحديد مسارات جديدة فى المدن الجديدة، بل إننا حددنا مسارات لها داخل الأنفاق فى العاصمة الإدارية الجديدة مخصصة للدراجات.
ورأى طلعت أن ما يحدث فى المدن الجديدة، من السهولة تنفيذه فى أى مدينة أخري، وكذلك تنفيذه فى شوارع القاهرة وغيرها من المدن المزدحمة، فهناك حلول عديدة لتحديد مسارات لهذه الدراجات، فليس هناك مشكلة على الإطلاق سواء فى الطرق العادية مثل شارعى صلاح سالم ورمسيس، أو أى طريق جديد يتم تنفيذه أيضا فى المدن والمحافظات ذات الكثافات السكانية الكبيرة.
رابط دائم: