رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

«ليشهدوا منافع لهم»..
الحج.. فوائد دينية ودنيوية

تحقيق ــ حسـنى كمـال ـ خالد أحمد المطعنى
التعارف بين الجنسيات المختلفة إحدى فوائد الحج

حين أمر الله سبحانه وتعالى نبيه إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، بأن يؤذن فى الناس بالحج، بيَّن له سبحانه أن من يلبون تلك الدعوة المباركة، سيشهدون منافع لهم.. وهكذا ما شرع الله سبحانه وتعالى من عبادة إلا وكان للإنسان منها نفع يعود عليه ويهون مشقتها،

والتى قد يكون نفعها فى الدنيا أو فى الآخرة أو فيهما معا، وكذلك فريضة الحج التى جعل الله فيها منافع كثيرة، وصرح بذلك فى كتابه الكريم حتى ينتبه الناس ويغتنموا تلك المنافع، قال تعالى (وَأَذِّن فِى النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ) .

 

 

لذا فقد عدَّ العلماء الكثير من منافع الحج الدنيوية والأخروية التى جعلها الله ليهون بها على المسلمين مشقة هذه الرحلة فى الدنيا، ويبشرهم بحسن العاقبة كذلك فى الآخرة إذا ما أتموا هذه الفريضة المهمة على أكمل وجه.

ويقول هانى ضوة، نائب مستشار مفتى الجمهورية إن منافع الحج تحدث عنها الإمام الطبرى فى كتابه «جامع البيان» بعد أن ذكَر الخلاف فى تعيين هذه المنافع: هل هى منافع دنيوية أو أخروية أو هما معا؟.. ثم قال: وأَوْلَى الأقوال بالصواب قَوْلُ مَن قال: عنى بذلك ليشهدوا منافع لهم من العمل الذى يرضى الله والتجارة. كما بين الإمام الزمخشرى أن ذكر المنافع جاء مُنكَّرًا، لأنه أراد منافع مختصة بهذه العبادة؛ دينية ودنيوية، لا توجد فى غيرها من العبادات، وعن أبى حنيفة - رحمه الله - أنه كان يفاضل بين العبادات قبل أن يحجَّ، فلما حج فضَّل الحج على جميع العبادات؛ لما شاهد من تلك الخصائص.

فوائد أخروية

وأوضح ضوة أن من الفوائد الأخروية للحج ما فيه تربية للنفس البشرية حتى لا يتملكها شيء من متاع الدنيا، كما أنه يورث الإنسان التقوى، يقول تعالى «الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال فى الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولى الألباب» فحين نتأمل مناسك الحج من حين الإحرام إلى الفراغ من جميع المناسك نجد أنها تربية عملية للإنسان، فعندما يحرم الحاج فإنه يلتزم بترك الكثير من الأمور التى اعتاد عليها من المباحات فى غير الحج، وكذلك ترك كل فسق من غيبة ونميمة وكذب وشحناء وبغضاء وجدال، وغيرها، وهنا تسمو روح الحاج المؤمن، فالحج يعمق فى الإنسان المؤمن التقوى وينميها، يقول تعالى «ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ»، وكذلك فى الحج غفران للذنوب، ومنه يرجع الإنسان خاليًا من الآثام والمعاصى كيوم ولدته أمه، وهو ما بينه النبى صلى الله عليه وآله وسلم فى الحديث الشريف، ووضع لذلك شروطًا فقال: «من حج فلم يرفث ولم يفسـق، رجع من ذنوبـه كيوم ولدتْـه أمُّه» كما يكون سببا فى تكفير الذنوب ودخول الجنة، فقد قال الحبيب صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله: «الحـج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة» وكذا قوله: «ما من يوم أكثرَ من أن يُعتق اللهُ فيه عبداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهى بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟» وفى هذا دليل على أن من شهد تلك المشاهد وأتى بالحج المبرور يحظى بمغفرة الله تعالى ورضوانه، وليس هناك أعظم من هذه فائدة للحج.

ومن فوائد الحج أيضا أنه ينفى الفقر والذنوب، فعن ابن مسعود - رضى الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينْفيان الفقر والذنوب، كما ينفى الكيرُ خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة».

ومن شأن الحج كذلك أن يعالج الكثير من أمراض النفس البشرية، فبه يتخلص المؤمن من حب الدنيا والانغماس الشديد فيها، لأن هدفه الأسمى سيكون الآخرة، كما أنه يعالج مشكلة التكبر وتضخم الأنا لدى الإنسان، عندما يأتمر بأوامر الله فى خلع ملابسه وزينته وارتدائه ملابس الإحرام.

تهذيب المنافع

وأشار الدكتور عبدالوارث عثمان، أستاذ الشريعة الإسلامية، بجامعة الأزهر، إلى أن هناك منافع دنيوية كثيرة تصيب الحجاج وغير الحجاج، وهو ما أجملته الآية الكريمة: (ليشهدوا منافع لهم)، والمقصود بهذه الآية: منافع الدنيا والآخرة، (فمن منافع الآخرة رضوان الله عز وجل)، أما منافع الدنيا، فهى متعددة أيضا، وقد كان العرب قديما يأتون إلى بيت الله الحرام من كل حدب وصوب، محملين بمختلف التجارات والبضائع من بقول وأقمشة، وغلال، وغيرها، فكان موسم الحج اجتماعا للعرب وسوقا عالمية سنوية، بمناسبة مقربة إلى نفوسهم يتبادلون فيها التجارات والسلع ويتبايعون فيما بينهم، وكانت مكة، تشتهر بالإدام (الخل المعتق)، وكانت تتخير لنفسها (موسم الحج) لترويج هذه السلعة، وغيرها من الصناعات الفطرية التى تميز بها أهل مكة، فلما أمروا بالحج على ما شرعه الله تحرجوا مما كانوا يزاولونه فى هذا الموسم من أمور التجارة فجاء القرآن ليرفع ذلك الحرج الكامن فى نفوسهم من كل ما هو موروث جاهلي. وأخرج أبو داود عن ابن عباس: «أن الناس فى أول الحج كانوا يتبايعون بمنى وعرفة وسوق ذى المجاز ومواسم الحج فخافوا البيع وهم حرم فأنزل الله سبحانه: «ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم» أى فى الحج، وفى قوله تعالي، «ليشهدوا منافع لهم» إقرار لهذا الواقع الذى كان موجودا قبل الإسلام، إلا أن رسالة الإسلام الخالدة، طورت وجعلت هذه المنافع ممزوجة بمنافع الآخرة، والدليل على ذلك أن الله عز وجل، قال: (وليشهدوا منافع لهم، وليذكروا الله فى أيام معلومات)، فهذه الأيام المعلومات قيل إنها أيام التشريق، وما عليه جمهور العلماء أنها أيام العشر من ذى الحجة، ولأن هذه الأيام المعلومات تشتمل على البدن (جمع بدنة)، فينتفع الحاج بأن يأكل من هذه البدن التى أهداها لنا رب العالمين، وأيضا ينتفع (البائس والمعتر والفقير)، والبائس: هو من ينتظر وقت ذبح هذه البدن، والمغتر: هو من يريد أن يهدى هذه البدن لله ولكنه لا يقدر، أما الفقير: فهو من لا يملك قوت يومه وليلته.. وهذه كلها منافع ينتفع بها الحاج وغير الحاج فى موسم الحج، فقوله تعالى: (ليشهدوا منافع لهم)، هو إقرار على العرب بما كانوا يفعلونه فى موسم الحج قبل الإسلام، غير أن الإسلام هذب هذا السلوك، وغير وجهته، فبدلا من أن كانت محض دنيا، أصبحت دنيا وآخرة، إذ إن العبرة فى الأعمال بالنية، فكل منفعة أو مصلحة للحجيج فى موسم الحج، هم مثابون عليها من الله عز وجل.

وأضاف عبد الوارث عثمان أن من فوائد الحج الدنيوية أيضا أنه موسم تجارة عالمي، يقول تعالى: «وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا أو لم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون» ففى مكان الحج تجتمع خيرات الدنيا ويتبادل الحجيج منافع التجارة ويعقدون الصفقات المربحة. وتعظم المنافع الدنيوية للحج إن استغل رجال التجارة والاقتصاد هذا الموسم الفريد ليتخذوا منه مناسبة للاجتماع والتشاور فى كل ما من شأنه أن يرفع من اقتصادات الأمة الإسلامية. وليت المسلمين يستثمرون تلك المناسبة فى إقامة سوق إسلامية مشتركة يحققون بها احتياجاتهم، ويروجون بها اقتصاداتهم لكيلا يتحكم فى قوتهم أحد.

والحج أيضا مناسبة سنوية لتبادل المنافع بين الدول والمؤسسات المختلفة، شركات النقل والطيران والعمالة الموسمية، وإتاحة فرص عمل متنوعة لمن يقوم على خدمة الحجيج ويهيئ لهم أداء المناسك، وفى مواسم الحج يزداد العطف على الفقراء والضعفاء وذوى الحاجات، وينال الفقراء خير كبير مما يدفع لهم من صدقات أو يقدم من ذبائح الهدى والكفارات عن كل محظور يرتكبه المحرم. ولا شك أن للحج منافع اجتماعية أيضا كالتعارف بين المسلمين من جنسيات مختلفة، وتحقيق التعايش بينهم والاطلاع على ثقافات الآخرين، وتبادل الخبرات والمنافع والمصالح بما يخدم الإنسان ويعمر الأوطان.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق