رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الباحثون عن التوتر بين مصر والجزائر

مضت موجة الغضب على مواقع التواصل الاجتماعى فى اتجاه بعيد تماما عن الواقع السياسي. فما حدث من تراشق متبادل بين مصريين وجزائريين أخيرا يجب أن يتوقف عند كرة القدم وإثارتها ولا يحمل معانى سياسية، ولا داعى لتصيد موقف غير مقصود من هنا أو حركة لا إرادية من هناك واتخاذهما ذريعة للحكم على تصرفات شعب بكامله.

من انساقوا وراء عواطفهم ومن اعتقدوا أنهم عقلاء وقعوا فى فخ التحريض الذى يريده أصحاب النيات السيئة، وقد تترتب عليه نتائج سلبية فى علاقة البلدين. نجح الفريق الجزائرى فى انتزاع بطولة كأس الأمم الإفريقية من السنغال على أرض مصر لأنه أجاد وقدم عروضا مميزة منحته الحق فى التتويج. وهذه حقيقة سوف تظل راسخة وتذهب تعليقات مواقع التواصل إلى الجحيم.

أنستنا المعركة الوهمية جوانب مضيئة على مستوى البطولة. فقد نجحت مصر فى عرض وجه حضارى مشرف، اعترفت به دوائر إقليمية ودولية كثيرة وشخصيات رياضية كبيرة. وقدمت صورة ناصعة عن الهدوء والأمن والاستقرار، كفيلة بأن تخرس الألسنة التى تنكر ذلك، ما ينعكس لاحقا فى شكل مردودات سياسية واقتصادية تضاعف الثقة فى حكمة ورشادة الدولة المصرية.

لم يتأثر التنظيم ولم تتغير الإجراءات بخروج المنتخب الوطنى مبكرا. وربما كان ذلك دافعا إضافيا للاهتمام والاتقان، والتسامح مع فئة من الجمهور الجزائرى أقدمت على تصرفات بعيدة عن اللياقة. وأدركت الحكومة الأهداف التى ينطوى عليها التجاوب مع الإثارة حتى لو كانت مفتعلة، وفوتت الفرصة على أصحابها، وتعاملت مع الأمر بذكاء لعدم النيل من التنظيم.

أسرف البعض على مواقع التواصل الاجتماعى فى الحديث عن سلوكيات فردية، وعزفوا على تسخينها عن قصد وبدونه، وعادوا إلى رواسب كروية بغرض تعكير الأجواء، وتجاهلوا أن العلاقات بين مصر والجزائر فى أحسن حالاتها، من انسجام وتوافق فى عدد من القضايا الحيوية، إلى حرص على التعاون والتنسيق فى بعض الملفات الإقليمية. وهناك رغبة متبادلة لتطويرها والحفاظ على المصالح المشتركة للبلدين.

لجأ بعض المتربصين إلى توظيف ذكريات قاتمة لصب الزيت على الغضب الجماهيري. ووجدنا شبابا لم يعاصروا مأساة أم درمان منذ عشرة أعوام يتحدثون وكأنها وقعت بالأمس، وتغافلوا عن الظروف التى أدت إليها وتجاوزها بسلام ولم تتأثر العلاقات السياسية بين البلدين. وجرى التعامل معها على أنها مباراة فى كرة القدم بكل ما حملته من مظاهر سلبية متعارف عليها عالميا، وتجاوز الحساسيات التى تحكمت فى توجهات قطاع عريض من المواطنين، وكانت سببا رئيسيا فى بعض التفسيرات الخاطئة. وكشفت التسهيلات التى قدمت للجمهور الجزائرى عن جانب مهم فى درجة المتانة السياسية.

فمصر التى تدقق تماما فى كل من يدخلها وعندها نظام أمنى صارم تخلت عن هذه القاعدة مؤقتا لأجل عيون الجزائر. وسمحت بزيارة الآلاف من أبنائها ببطاقة الهوية ولم تلتفت لضوابط الحصول على تأشيرات وغيرها من الإجراءات الحاسمة. واستقبلت أسرابا من الطيران العسكرى والمدنى حملت نحو 20 ألف مشجع. وقدمت كل ما يمكن عمله ليكونوا فى قلب استاد القاهرة لحضور المباراة النهائية. لم ينكر المواطنون والمسئولون فى الجزائر الكرم والمزايا، لكن الغبار الذى أثير عقب المباراة النهائية تم توظيفه ووضعه فى مكانة غير عادية، لتفويت الفرصة على من يعملون لأجل تأسيس قواعد جديدة فى العلاقات الثنائية، لأن الجزائر لم تفز فى بطولة رياضية فقط، بل فازت قيادتها بشعبية سياسية جارفة كانت فى أمس الحاجة إليها، وفى لحظات تواجه تحديات داخلية متعاظمة، تحتاح فيها إلى هدوء كى تتمكن من عبورها.

من حملوا التطورات دلالات كبيرة يضرون بمصالح البلدين، ففى جميع مباريات الكرة تقع أحداث مؤسفة. وتقف الاشتباكات والتراشقات التى نراها فى الدورى المصرى أو الجزائرى شاهدة على ذلك، وتنتهى غالبيتها بسلام. ولو جرى التوقف عند مظاهرها لأصبحت هذه اللعبة بغيضة. لكن يبدو أن جاذبيتها أصبحت مستمدة من الانفعالات التى تصاحبها. ليس المقصود تبرير تصرفات خاطئة، أو النصح والعزف والبحث عن تفسيرات إيجابية، فكل واحد يستطيع تحديد مواقفه وتوجهاته وخياراته بسهولة، وعليه تجنب تغيير الحقائق وتصوير الأمر على أنه خلافات جذرية. فما يربط مصر بالجزائر، أو العكس، يفوق الغضب والتقديرات العفوية. وربما تشهد المرحلة المقبلة تطورات ترفع من حرارة العلاقات السياسية.

تثير التوجهات الإيجابية هواجس وغيرة لدى أوساط ترغب فى وقف التقدم الذى يقطع الطريق على تصورات تريد أن تبقى الأمل فى إمكانية تضخم أنصار تيار الإسلام السياسى فى منطقة المغرب العربي. وتعد الجزائر واحدة من ركائزه الرئيسية التى فتحت المجال كى ينخرط أتباعه رسميا فى العملية السياسية، بما جعله يتمدد فى المغرب وتونس، ولا تتورع قياداته عن حلم الهيمنة على مقادير ليبيا.

تستشعر المؤسسة العسكرية فى الجزائر جانبا من هذه المخاوف فى ظل محنة الحكم التى تواجهها الدولة حاليا. وتسعى للخروج من المأزق بطريقة سلسة تحافظ على الوحدة والتماسك المجتمعي، وتوقف زحف الجماعات المتشددة التى تعتقد أن الرخاوة السياسية تشجع على التغول، وتفتح الباب لطموح يجعل من الجزائر ركيزة للإسلام السياسى فى المنطقة، وربما قاعدة خلفية للحركات المتشددة، إذا أخفقت فى سيطرتها على ليبيا. يكفى هذا الملمح ليجعل مصر قريبة بما يكفي، لأننا نحارب أشباحا من المتطرفين والإرهابيين لم ينكروا رغبتهم فى السيطرة على مقاليد المنطقة. وهى الحرب التى نخوضها فى الداخل بشرف، وتمكنت الأجهزة الأمنية من قطع دابر هؤلاء. لكن الحلقة لن تكتمل دون التنسيق الخارجى مع الدول المؤمنة بأن التهديدات والمخاطر القادمة من هذا التيار واحدة، بما يستلزم التكاتف والتلاحم، ولن تستطيع أى دولة تحقيق نجاحات ما لم تتمكن من التنسيق مع من يواجهون المصير ذاته.

حاولت بعض الجهات تغذية الفتنة بين مصر والجزائر وفشلت، لأن عبر الماضى لا تزال ماثلة. كما أن خبرة الحاضر أضافت دروسا جديدة جعلت من الصعوبة الوقوع فى هذا النوع من الفخاخ السياسية، حتى ولو كانت مغلفة بمواقف رياضية.


لمزيد من مقالات محمـد أبـوالفضـل

رابط دائم: