رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

«أناس عاديون» قصة حب صاخبة تستكشف مشكلات جيل الألفية

صنعت المؤلفة البريطانية الشابة سالى رونى، التى لم تتعد الثلاثين عاما ، مكانتها كأحد كُتاب جيل الألفية بروايتها الأولى «محادثات مع الأصدقاء» وجاءت روايتها الثانية «اناس عاديون» لتؤكد ذلك، وتدفع النقاد لدعوتها بكاتبة «جيل الألفية».

فمنذ وصولها للقائمة الطويلة لجائزة المان بوكر العام الماضى من قبل نشرها، استحوذت «اناس عاديون» على الانتباه، وبعد نشرها شهدت المكتبات إقبالا غير مسبوق على الرواية التى تم طبعها بأضعاف النسخ المعتادة حتى تصدرت النقاش الأدبى والعام فى أوروبا، وأصبحت كالعدوى الفيروسية على مواقع التواصل الاجتماعى مثل «انستجرام وسناب شات».

وفازت الرواية بجائزة الكتاب البريطانى كأفضل كتاب للشباب العام الماضى واحتلت القوائم القصيرة لعدد من الجوائز الأدبية الأخرى. وأخيرا أعلنت شبكة «هولو» أنها ستنتج، إلى جانب هيئة الإذاعة البريطانية، مسلسلًا يستند إلى الرواية وأن رونى ستكون جزءاً من فريق العمل القائم على تحويل الرواية إلى مسلسل، حيث من المتوقع الانتهاء منه وعرضه مطلع العام المقبل.

يرى بعض القراء والنقاد «أناس عاديون» كقصة حب صاخبة تستكشف قيود الحب وإمكاناته فى ظل صراع الطبقات الاجتماعية والازدواجية، مما يشعل الحنين لدى القراء إلى تجاربهم الرومانسية المبكرة، والبعض الآخر يراها رواية سياسية وفكرية صُبت فى قالب رومانسي، فالكاتبة الايرلندية التى تصف نفسها بكونها ماركسية لا تنفى تأثرها بفكر ماركس الذى نشأت عليه فى كتاباتها ورؤيتها لمشكلات جيلها ، وكيف أصبحت الفجوة الطبقية أكبرفى ظل تغول العولمة والرأسمالية، وهو ما تعتبره قضية مهمة يواجهها جيل الألفية.

تتبع الرواية ماريان شيريدان التى تنحدر من عائلة أيرلندية غنية، وكونيل والدرون الذى تعمل والدته مدبرة منزل لدى عائلة شيريدان. يلتقى ماريان وكونيل فى سن المراهقة يرتادان نفس المدرسة الخاصة بالمقاطعة.

كلاهما نجمان، لكن ماريان منبوذة بسبب ثروتها المادية، وفقرها العاطفى من قبل والدتها الأرملة التى تعمل محامية ، وترى على ما يبدو أن السلوك العدوانى من الرجال - بما فى ذلك زوجها الراحل المسيء وابنه - ضد ابنتها أمر مقبول، وهو ما يخلف ندوبا عاطفية وسلوكية كثيرة لدى ماريان تجعلها تنخرط فى علاقات غير صحية مع أشخاص سادية وتستمتع بالخضوع لهم أحيانا لدرجة تشعر معها بأنها معطوبة نفسيا وغير محبوبة، كما تعبر عن ذلك لكونيل وهى تعترف بسادية صديقها جيمى تجاهها قائلة: «ربما أريد أن أعامل بشكل سيئ لا أعرف، ربما أظن أننى أستحق أشياء سيئة لأننى شخص سيئ ». وفى داخلها ترغب بشدة أن تعيش حياة الناس العادية وتُحب على طريقتهم.

بينما يعيش كونيل ضمن الطبقة الوسطى الدنيا فى أنحاء المدينة مع والدته العزباء، التى تعمل كمدبرة منزل وعاملة تنظيف لعائلة ماريان، ولكنها ربت ابنها جيدا تجمعهما علاقة قوية لا يفسدها أحيانا إلا تكتمها على هوية والده كلما حاول كونيل سؤالها.

كونيل هو نجم فريق كرة القدم بالمدرسة يستمتع بالشهرة والأصدقاء إلا أنه يتعلق بماريان وينخرط فى علاقة يصر على أن تكون سرية خوفا من تآكل مكانته الاجتماعية لكونها منبوذة المدرسة التى لا تحظى بأى شعبية، ومن جهة أخرى بسبب الاختلاف الطبقى بينهما.

لكن الأدوار تتبدل عندما يلتحقان بكلية ترينيتى حيث يرتفع نجم مريان الاجتماعى وتندمج مع الطلاب الأثرياء الآخرين وتكتسب شهرة بالكلية فى نفس الوقت الذى ينزوى فيه كونيل اجتماعيا ولا يحصل على أى منفعة إلا من خلال علاقته بها.

ويعد توصيف رونى لتذبذب ماريان بين الشعبية والنبذ الاجتماعى محاولة لتشخيص النفاق داخل المجتمع الذى يفرض نموذجا بعينه ليس فقط للشعبية والجماهيرية بل كيف يتأثر النظر للمرأة بمعايير معطوبة تخضع فى كثير منها لانحيازات الشكل الخارجى.

تعالج الرواية ديناميكيات القوة المتقلبة فى العلاقات. قضايا الطبقة ، والامتياز ، والسلبية ، والخضوع ، والألم العاطفى والجسدى. ينصب تركيزها على الشباب وهم يكافحون فى عالم غير مؤكد اقتصاديًا مهددا بتغير المناخ والاضطرابات السياسية.

فالمشهد السياسى والاجتماعى المعاصر حاضر فى التفاصيل من خلال حياة الشخصيات مثل: النزاعات الدولية، واحتجاجات الإجهاض، وما يحدث فى سوريا، فهى تقوم بتضمين السياسة فى قصة الحب، وتُظهر كيف يمكن للمبادئ السياسية أن تعمل على نطاق حميم، فى تفاعلات الشخصيات.

كما تعكس علاقات السلطة والثروة المعتمدة على الظروف الاجتماعية والاقتصادية للشخصيات. تصف رونى حضور ذلك بروايتها باعتباره نتيجة طبيعية لـ«الظروف الثقافية الناتجة عن الأزمة المالية العالمية».

ماريان وكونيل كما تصفهما رونى هما «شخصان لم يستطيعا ترك أحدهما الآخر وحده على مدى عدة سنوات». فى حين أن ماريان لديها عادة سيئة فى التورط فى مشكلات مع الأشخاص السيئين، فإن كونيل لديه عادة جيدة فى مجيئه دائما لانقاذها.

ولكن تتأرجح علاقتهما لتصبح غير صحية لكليهما فبرغم الحميمية بينهما مازال هناك شعور بالعار والذنب لدى كليهما فماريان هى نتاج لفشل بيئتها الاجتماعية تشعر بالذل والمهانة بسبب سلبية كونيل وجبنه فى رفضه قبول علاقتهما داخله وهو «الشخص المفترض أنه عادى وصحى»، أكثر مما هى عليه، بالإضافة لفقدانها الأمان والثقة بالنفس «أنا لا أعرف لماذا لا يمكننى أن أكون مثل الأشخاص العادية... لا أعرف لماذا لا أستطيع أن أجعل الناس يحبوننى».

ويعانى كونيل عدم التصالح مع الفارق الطبقى بينهما، وخوفه من السقوط فى فخ الرغبة بالسيطرة وإساءة معاملتها كما فعل رجال آخرون بها خلال تعامله مع ندوب ماريان النفسية.

فكونيل يحب ماريان، لكنه لا يعرف كيف يكون معها ، ولا يستطيع أن يرضى بمشاعره، ولا يستطيع أن يعطيها ما تحتاجه. لكن لا يمكن أن يوجد بدونها. كما ستظل ماريان تحتاجه فى حياتها، وكأن مصيرهما معلق معا، حتى عندما يتم قبول كونيل بجامعة فى نيويورك لا تعارض ماريان قبوله الفرصة برغم غضبها فى البداية لإخفائه الأمر عنها، لتختتم الرواية بقولها «يجب أن تذهب، سأكون دائما هنا، أنت تعرف ذلك».

>Normal People. Sally Rooney. Faber & Faber.2018

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق