رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

ديلسبس.. لن يعود إلى مدخل القناة

لم أشك أبدا أنه وسط جهود الدولة لاستعادة الهوية الوطنية لمنطقة قناة السويس ومدنها وقناتها، وإزالة تاريخ أسود لاستعمار المنطقة واستغلال ماحباها الله من مقومات، ومن أخطره مافعلته الشركة الفرنسية لاحتكار وادارة القناة، وأيضا وسط مايتم فى بورسعيد من مشروعات قومية، ومايتم حفره من أنفاق لإنهاء عزلة سيناء، وأيضا الجهد المخلص والعلمى والوطني، والمدعوم بالوثائق والدراسات التاريخية الأهلية والرسمية لمجموعة من أبناء بورسعيد ومن أحفاد وأبناء أبطال وشهداء انتصارنا على قوات العدوان الثلاثى 1956 .. وسط هذه المعطيات وثقت تماما أن حقائق الموقف الوطنى الرافض لعودة تمثال ديلسبس إلى مدخل القناة من كل المحبين والأمناء على تاريخ بلدهم، وفشل المحاولات المريبة والمستميتة للعودة لإحياء تاريخ بسط نفوذهم وسيطرتهم وكسر الإرادة والكرامة بإعادة تمثال يجسد كل هذه المعانى المؤلمة، ويظل يعلن للعالم من خلال سفنه العابرة للقناة شرقا وغربا وللأجيال القادمة أكاذيبهم وادعاءاتهم أنهم أصحاب الفضل فى فكرة وحفر القناة، وإلا فما هى أهداف من يطلقون على أنفسهم «محبو وأصدقاء قناة السويس» وبأى صفة يقيمون احتفالات فى فرنسا بمرور مائة عام على أفتتاح القناة، إلا غسل هذا التاريخ الاستعمارى لعلاقتهم بالقناة فلم يكونوا أبدا أصحاب فكرتها التى بدأت مع قدماء المصريين، وكما كتبت بالتفصيل فى مقالات سابقة ولا دفعوا دماء وحياة أبنائهم العمال والفلاحين فى جريمة من أكبر جرائم السخرة فى التاريخ كما أجمع مؤرخون محترمون عرب وأجانب.

> لم أشك للحظة أن جميع الغاضبين مما ارتكبه الاستعمار بحق بلدهم أو الذين غابت عنهم حقائق التاريخ سينتفضون ويرفضون إعادة رفع رمز لهذا التاريخ الاستعمارى الأسود الذى يقتضى أن نحاسبهم لا أن نكافئهم عليه! وقد تلقيت مكالمة تليفونية من محافظ بورسعيد اللواء عادل الغضبان أوضح فيها ما تشهده المدينة من مشروعات تنموية وقومية ضخمة، وتطرق الحوار إلى ما واصلت كتابته فوق هذه السطور لأسابيع طويلة، والمحاولات المستميتة التى يبذلها ورثة وأصدقاء وأذناب وذيول أعضاء شركة قناة السويس القديمة لإحياء تاريخ بسط نفوذهم وسيطرتهم، علاوة على ما يمثله إعادة تمثال ديلسبس من إهانة لتاريخ نضالنا فى معركة 1956 والذى كان إسقاط التمثال من فوق قاعدته فى مدخل القناة رمزا من أهم رموز الانتصار على القوات البريطانية والفرنسية والصهيونية التى عادت لغزو واحتلال بلدنا! ويبدو أنهم نسوا أن هذه القاعدة أعدت لوضع تمثال ضخم لفلاحة مصرية تضع على رأسها تاجا له سبع إشعاعات ترمز إلى البحار السبعة أو قارات العالم السبع حاملة شعلة ضخمة يخرج منها الضوء الذى يرشد السفن ليلا، وتحمل شعار مصر تحمل الضوء لآسيا ..واعتذر الخديو إسماعيل عن عدم تنفيذ التمثال للتكلفة الضخمة التى يتطلبها بعد أن استنزف حفر القناة وحفل افتتاحها ميزانية مصر.. فكان ما كان من تحويل المشروع إلى تمثال الحرية الشهير فى الولايات المتحدة، وفيما يبدو أن غضب المثال الفرنسى من الخديو اسماعيل كان وراء الجريمة التى ارتكبها بنحت تمثال يضع فيه شامبليون حذاءه على رأس واحد من ملوك مصر القديمة العظام، والذى تضعه جامعة السوربون فى مدخلها! إذن كان مدخل القناة معداً لتنتصب شامخة فوقه فلاحة مصرية رمزا لبلادها ولما تقدمه مصر للدنيا بحفر قناتها، ولم تكن القاعدة فى مدخل القناة معدة ليقف فوقها من سرق فكرة حفرها من ملوك وقادة عظام.. ومن لم يحمل معولا شق به أرضها بل أعد وجهز كل ما يجعل مصر وقناتها ملكا لبلاده وللشركة الفرنسية التى يدعى الآن أبناؤهم أنهم جماعة أصدقاء القناة؟! من حق صاحب ضمير وطنى معرفة حقه بتاريخ بلاده وقصة حفر قناتها ونهبها وجعلها وجعل مصر كلها محورا لصراع المصالح والاطماع الإنجليزية والفرنسية فى مصر وفى المنطقة كلها.. من يجرؤ بعد هذا التاريخ الطويل والأسود لاستغلال الاستعمار لنا أن يفرض علينا ما يمجد ويعيد إحياء هذا التاريخ؟!

> الكلمة الصادقة والأمينة لابد أن تؤتى ثمارها وما فعله ومازال يفعله شباب بورسعيد دفاعا عن كرامة تاريخهم ونضالهم وقناتهم وأرواح ودماء 120 ألف شهيد فى حفرها، وآلاف الشهداء الذين سوت دبابات العدوان الثلاثى الأرض بأجسامهم، والأصوات الوطنية لعلماء ومؤرخين وكتاب والذين ساندوا الحملة والدعوة التى عدلت ما كان محافظ بورسعيد يعتقد أنه يتسق مع وقائع التاريخ وأن تمثال الأفاق ديلسبس يجسد العلاقات بين مصر وفرنسا، وكما أكدت ان هذه العلاقات أوثق واكبر، وأننا لن ننكر التاريخ ولكن سنكتبه حقيقيا وموثقا ونضعه مع التمثال فى متحفنا القومي. وفى نهاية حوارنا أكد لى محافظ بورسعيد أنه شرف له أن أعلن على لسانه عدم عودة تمثال ديلسبس إلى مدخل القناة، وهو بالفعل شرف وموقف وطنى يستحق التقدير لكل من شارك فى التصدى لجميع محاولات إحياء وتمجيد الاستعمار القديم وعودته وراء أقنعة ومسميات جديدة!

> لا أعرف كيف أصف كل من شارك فى جريمة اعتبار تمثال، يرمز للسخرة والنهب والاحتلال والاستقواء الاجنبى على مقدرات وحقوق الشعوب أثرا إسلاميا، بينما أندر آثارنا الخالدة وكنوزنا التراثية التى لاتقدر بأموال تبيعها دول الاستعمار القديم فى مزادات علنية... أكتب ونشرة الأخبار تعلن عن عدم احترام مطالبات وزارتى الخارجية والآثار بتقديم الوثائق التى توضح كيف وصلت هذه المجموعة النادرة من آثارنا إلى لصوص ومتاجرين بها.. هل نجيد فقط الحماية والدفاع عن ديلسبس وأمثاله؟!.


لمزيد من مقالات سكينة فؤاد

رابط دائم: