ربما تجد رسالتى نوعا من العبث، أو ترى أننى رجل هوائى وغير مسئول، لكنى أعرض الحقيقة طالبا مشورتك، فى حكايتى التى بدأت منذ ثلاثة وعشرين عاما، ومازالت تداعياتها مستمرة حتى اليوم، فأنا موظف بإحدى الشركات الحكومية، وعمرى ثلاثة وأربعون عاما، وقد جذبتنى فى سنوات شبابى الأولى فتاة من الجيران تصغرنى بأربعة أعوام بجمالها الهادئ، ووجهها البرىء، وأحسست بحبها يسرى فى دمي، وكنت وقتها أبحث عن عمل، وتحدثت معها بصراحة، وأفضت فى شرح مشاعرى نحوها، واستمعت إليّ باهتمام، وأكدت لى أنها تبادلنى الشعور نفسه، ومستعدة لانتظارى حتى أجهز شقتي، وأباحت لشقيقها القريب منها بقصة حبنا، ونالت موافقته على أن تنتظرني، وتمكن من كسب موافقة أبيهما، والتقيت به، ورتبنا الأمر على هذا النحو، والحق أنه لم يتكلم معى فى ظروفى المادية من باب أن أخته تريدني، وهذا يكفيهم، ثم بعد شهور حدث ما لم يكن متوقعا أبدا، إذ لحقت بقريبة لها تهمة تمس الشرف، وطلّقها زوجها بعد أن شاع الأمر فى المنطقة التى نسكن فيها، وتكررت الواقعة مع قريبة أخرى لها.. وبمجرد أن نطقت أمام أهلى برغبتى فى الزواج من فتاتي، اندلعت حرب ضدي، وتدخل أقاربي، ورفض الجميع رفضا قاطعا زواجى منها، ولم تفلح محاولاتى لإثنائهم عن موقفهم، ففتاتى وأسرتها ليس لهم ذنب فيما لحق بأقارب لهم، وكل الناس يعرفون نقاء معدنهم، وأنهم لا تشوب سمعتهم أى شائبة، وجميعهم على مستوى عال من التعليم.
ومرت الأيام، وحاولت كتمان الأمر عنها، أملا فى أن تتغير الأحداث، ويعرف الجميع أن أسرتها مختلفة تماما عما سمعوه عن أقاربها، ولكن للأسف، نقلت قريبة لى كل ما دار من أحاديث بهذا الشأن إلى أسرتها، وفعلت الظنون السيئة بها الكثير، ومع ذلك تماسكت، ووثقت فى حبى لها، وصارت قصتنا معروفة فى بلدنا، وهناك من شبهوها بقصة «روميو وجولييت».. فالكل يعرفها، وينتظر نتيجتها، ووقف أهلى موقفا أكثر عنادا بأن أخطب أى فتاة أخري، فرفضت عرضهم، وفى ذلك الوقت تقدم لها عدد من العرسان، وكان عليّ أن أختار بينها وبين أهلي، ثم رحل أبى عن الحياة بعد مرض قصير، ولم يتغير شىء، ولم أجد بدا من أن أصارحها بأننى أسير فى طريق مسدود، ولا أستطيع أن أخسر أخوتي، وهم أصحاب فضل كبير عليّ، فبكت أمامى بحرقة وألم شديدين، وقلبى يعتصر حزنا وألما، وكم تساءلت فى نفسي، والدموع تنهمر من عينيّ: لماذا كل هذه القسوة علينا؟.. فاستجمعت قواي، وطلبت منها أن يذهب كل منا فى طريق بعيد ما عن الآخر، وأن تتوقف اتصالاتنا، فقد حان وقت انتهاء رحلتنا معنا، بعد أن صوبت الأيام والظروف سهامها فى طريقنا، ولم يكن هناك مفر من الافتراق، لكنها أكدت لى من جديد أنها سوف تنتظرنى مهما طال الوقت!
وبعد أيام كانت المفاجأة بخطبتها لقريب لها يعلم قصة حبنا، فاتصلت بها، وهنأتها، وطلبت منها أن يعيد كل منا هداياه للآخر، فرفضت فى البداية من باب أنها «تذكار»، ثم حسمت أمرها، بأن الأفضل هو ألا تكون بيننا هدايا، وتزوجت فى منزل مجاور لمنزلنا، وظللت أراها وتراني، وأحيانا بصحبة زوجها، وكنت أظنها سعيدة بحياتها معه، وأتساءل: هل مازالت تحبني، ومكثت شهورا فى حالة تشتت، ولم أذق طعم النوم من كثرة التفكير القاتل، وصوّر لى خيالى أن الحل الوحيد هو أن أتزوّج بغيرها، فخطبت قريبة لى بمباركة الأهل الذين سعدوا لامتثالى لرغبتهم، والغريب أنها وافقت على زواجنا برغم معرفتها بحبى لفتاتى التى أصبحت زوجة لغيري!
ومرت سنوات، وصارت لكل منا حياته، وبيته وأولاده، وعاودنى الحنين إلى الكلام معها، فاتصلت بها، فإذا بى أكتشف أنها غير سعيدة فى حياتها، مثلما أننى غير سعيد فى حياتى، وعدنا إلى سيرة الحب الأولي، لكن سهام الأيام ظلت مصوّبة إلينا.. لقد حاول كل منا الابتعاد عن الآخر، ولم يفلح، والمشكلة أنها لا تستطيع الانفصال عن زوجها بسبب أولادها، كما أن أهلى لن يرضوا بها أبدا، وفى الوقت نفسه لا توجد مساحة من التفاهم بينى وبين زوجتي، برغم طيبتها ونقاء سريرتها،.. إننى لا أدرى كيف ستمضى حياتى بدونها، وهى كذلك، ونحن لم نرتكب أى أخطاء، وكل ما بيننا هو حديث تليفوني، وحسما لأمرنا رأينا عرض الأمر عليك لتشير علينا بما تراه حلا لنا، فبماذا تنصحنا؟.
> ولكاتب هذه الرسالة أقول:
أى نصيحة تبحث عنها، وأنت زوج وأب ولك أسرتك، وحياتك العائلية؟، وأى رأى تريده هذه السيدة، وهى زوجة وأم، وتعيش فى كنف زوج يقدرها؟.. إنك تلعب بالنار، وما تفعله لن يكون له مردود عليك سوى الحسرة، والندم، وهى كذلك.. هكذا تؤكد تجارب الحياة، فكلاكما لم يقدر نعمة الله عليه، إذ جعل سبحانه وتعالى الزوجة ستراً لزوجها، وجعل الزوج ستراً لزوجته، حيث يقول فى كتابه الكريم: «هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ) «البقرة187) ، ثم إن من النعم التى يخص الله بها بعض الأزواج أن يجعل بينهم المودة والرحمة, ويوفق كلا منهما لما يكون سببا فى الألفة ونبذ الفرقة والشحناء فى الأسرة، وهذه نعمة عظيمة جدّاً لا يشعر بقيمتها إلا من اضطربت عندهم العلاقة الأسرية, ودخل بينهم الشقاق والنزاع الذى يحوِّل العلاقة الزوجية إلى جحيم لا يطاق؛ وعند ذلك يحلم كلٌ من الزوجين بالاستقرار الأسري، وتصبح أمنية الرجل، زوجةً يهنأ معها، وأمنية المرأة رجلا تهنأ معه، وقد فهمت من ثنايا رسالتك أن الله قد منّ عليكما بنعم كثيرة، فالواجب عليكما شكره، والمحافظة على الأسرتين «أسرتك وأسرتها»، ويجب أن تصرفا عنكما كل وساوس الشيطان، وألا تجعلا للشر سبيلا إليكما.
لقد أوقعت هذه السيدة فى مكيدة شيطانية، ولا بديل عن قطع صلتك بها تماما، فالواضح أنك تريد طلاقها، وتشريد أسرتها فى الوقت الذى تحتفظ فيه بزوجتك.. يعنى منتهى الأنانية والتخبط من جانبك، وأقول لها: حتى لو فعلت ما يريده منك: هل تتوقعين أن تبقى الثقة بينكما دائماً بعد زواجكما؟، وإذا كان قد أحبك وأنت متزوجة، فمن أين لكِ ألا يحب غيرك وهى متزوجة، أو غير متزوجة؟، وكيف سيثق بكِ إن كنتِ قد هدمتِ بيتك من أجله، وقد تتكرر الصورة مرة أخرى وأنتِ على ذمته؟.. إن الشكوك ستبقى مصدر قلق لكليكما، كما أن ما تفعلانه نوع من الخيانة الزوجية التى تحدث نتيجة تراكم عدة أسباب، منها ما هو نفسي، مرضي، اجتماعي، إلى جانب غياب الإشباع العاطفى بسبب اختلاف المستوى الثقافى للزوجين، أو الفارق العمرى الكبير بينهما، وقد تقع الخيانة بسبب تدخل الأهل والأقارب والأطفال فى حياة الزوجين الشخصية، أو بسبب ضعف شخصية أحدهما، وقابليتهما للإيحاء، والانشغال الزائد بأعباء الحياة والأطفال والأهل، على حساب تصحر العواطف والمشاعر، وحصر الحياة الزوجية فى إشباع دافع الأمومة أو الأبوة، وقد يحدث غياب الحوار العاطفى بين الزوجين، بسبب تسلط كل من الزوج أو الزوجة على الآخر، أو اتسامهما بالغضب وسهولة الاستثارة، أو كثرة الخلافات بينهما، وما إلى ذلك٠ وإذا عاش الزوجان جفافاً عاطفياً بينهما، فسيبدأ كلّ منهما رحلة التفتيش عن الذات والحنان خارج حدود الآخر، وقد يصل بهما الأمر إلى الخيانة.. إذن يمكن اعتبار العاطفة وإخراج المشاعر من أهم الأولويات المشتركة بين الرجل والمرأة، فهذا الأمر مهم جداً فى العلاقة بين الرجل والمرأة، لتحقيق الإشباع العاطفى بينهما وتثبيت أركان البيت. فبالحب يتكامل الرجل مع المرأة، وتصبح الحياة أكثر إشراقاً وبهجة، وتنتفى مشاعر الوحدة والبؤس، ولكن دون البوح بهذه المشاعر، التى تبقى حبيسة الأفئدة، فإن البيت سيبقى بارداً وقد ينهار، وتتفكك حينها الأسرة ويضيع الأبناء.
ومن هنا يجب علاج مشكلات كل زوجين مبكرا بطرق إيجابية، وليس بالسكوت أو التغاضى عنها، وتفادى العناد والتمسك بالرأى لأنه يزيد النفور ويؤدى إلى تفاقم الأزمات، كما أن اللجوء إلى أطراف خارجية قد يكون سبباً فى تفاقمها، ومن الضرورى أن يسعى الطرفان إلى التجديد والتطوير فى طرق تعاملهما، حتى تمضى الحياة بهما فى هدوء وأمان.. فلتتوقف عن الاتصال بهذه السيدة، ولتبتعد هى عنك، وليغيّر كلاكما رقم هاتفه، فما تفعلانه عبث، وستكون نتائجه كارثية.. هداكما الله إلى الطريق السليم، وهو سبحانه وتعالى المستعان.
رابط دائم: