رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

بريد الجمعة يكتبه: أحـمــد البـرى..
الواقعة السوداء !

بريد الجمعة

أنا سيدة عمرى ثلاثة وستون عاما، وقد بدأت قصتى منذ زمن بعيد حينما كنت فى سن السابعة عشر، وكان جارى شاب تخرج فى كلية «مرموقة»، ويكبرنى بحوالى ثمانى سنوات، ويعمل بأكثر من جهة لكى يكوّن نفسه، وأقنعنى بأن نلتقى فى حديقة بيتنا فى جنح الظلام، لأنه يعمل طوال اليوم، ويصعب عليه أن نلتقى نهارا، فوجدتنى أستجيب له، وأترقب مجيئه، وشيئا فشيئا بدأ فى ملامسة أجزاء حساسة جدا من جسدى، وكنت ساذجة وبريئة فعلا فى غياب تام لأمى المتعلمة والمتفرغة لشئون المنزل، والتى لم تلفت نظرى يوما إلى ما يمكن أن تتعرض له الفتاة فى سن المراهقة من آلاعيب الشباب الشيطانية، ولم تفكر يوما فى أن الأم يجب أن تكون راعيا واعيا لابنتها خاصة فى هذه السن، وهكذا استسلمت لهذا الشاب، أقابله بعيدا عن الأعين، ويتمادى فى العبث بجسدى، وظللنا على هذه الحال فترة، حتى وجدته ذات يوم يطرق شباك حجرة نومى، ويقول لى: «افتحى، عندى موضوع مهم»، ولمّا فتحت الشباك قفز إلى داخل الحجرة، وانهال بالقبلات والكلام المعسول، وألقى بنفسه فوقى محاولا إغتصابى، فصرخت فى وجهه: «إنت عاوز إيه»؟ وبعد مقاومة شديدة، لم ينل منى شيئا، وظل ممسكا بى، ثم أخرج من جيبه ورقة، وأعطانى إياها قائلا إنها دعوة لحضور حفل زفافه، وفى تلك اللحظة دخل علينا أبى، فألقى بنفسه من الشباك الذى صعد منه، إلى الحديقة، وهرب، وأنا فى قمة الخجل والذهول، من أبى الذى انهار تماما، وعرف البيت كله القصة، وعشت فى «جهنم» بكل ما تعنيه الكلمة من عذاب، ولم أستطع النظر فى عينى أبى، بعد أن شاهدنى فى وضع يصعب على أى أب أن يرى ابنته فيه.. وزاد من قسوة هذا المشهد الدامى أن هذا الشخص تعمّد إذلالى، وإهانتى بأنه فعل ما فعله بى، وهو يستعد للزواج بأخرى، وكانت دعوة الزفاف التى رماها لى أكبر دليل على خسته ونذالته، وظلت هذه «الواقعة السوداء» عالقة بذهنى على مر السنين، وكانت هى نقطة تحّول البيت كله ضدى، فلم أعد مقبولة من أحد، ولا أدرى كيف استطاع أن يفرح بعرسه، فى الوقت الذى تعيش فيه الفتاة التى غرر بها وحيدة بائسة وتعيسة، وتسمع فى ذهابها ومجيئها كلاما يسم البدن، ونظرات احتقار من أقرب الناس إليها.

لقد مرت تلك الأيام بطيئة، وعشت ظروفا يصعب أن أشرحها، وتحاملت على نفسى حتى أديت امتحان الثانوية العامة فى جو مكهرب تماما لايمكن أن يتصوره أحد، وبعدها تركت المنزل على غير هدى حتى التقيت رجلا يكبرنى بأكثر من عشرين عاما، وحكيت له قصتى، فصاحبنى فترة، ثم طلب منى الزواج بعد تأكده من أننى «فتاة عذراء»، وذهب بى إلى أهلى، وتزوجته وأنا لا أحبه، ولم أحبه بعد الزواج، ولكنه كان قدرى المحتوم، وأكملت دراستى الجامعية، وأنا معه وأنجبت منه ابنى الوحيد، ولم أكن له مثال «الزوجة المخلصة»، وعشت معه منفصلين جسديا، ولاأعرف لماذا شعرت أنه اشترانى، ولم يتزوجنى؟.. ومع الوقت زاد كرهى له، وطلبت الانفصال عنه، ثم توفى ابننا فجأة، وربما رحل هربا من حياة بائسة بين أب وأم لا يلتقيان، ولا يتكلمان، وكل منهما فى عالمه الخاص، وبعدها أصررت على الطلاق، وتركت له المنزل، ثمّ تزوجت طبيبا صديقا زواجا عرفيا لأنه متزوج وأب، وعشت معه خمس سنوات، وعرف عنى كل شىء، لكن ظروف عمله وانشغاله طوال الوقت حالت بين استمرارنا فى علاقة الزواج، ولكن صداقتنا ظلت كما هى، ومرت الأيام والتقيت الرجل الأول بالمصادفة، وعلى مدى خمس سنوات كاملة حتى الآن، وأنا أشرح له ما حدث لى بسببه، وكيف أنه خرّب حياتى، وهدمها بدم بارد، وأن ضميره مات إلى الأبد.. وللأسف ليس هو من يعترف بالخطأ، ويحاول التكفير عن ذنبه، فلقد أخذته العزة بالإثم، وساعده منصبه المهم، فظلم وافترى وعاش حياته طولا وعرضا، وتمتّع بكل أنواع المتع فى الحياة حتى زهدها.. هكذا قال لى بكل وضوح، ولم يتعلم الدرس أبدا، ومازال كما هو برغم أنه طلّق زوجته، وسافر ابنه الوحيد إلى الخارج، ورويت لصديقى الطبيب ما دار بيننا، فقال لى: «إن هذا الرجل لا ترجى منه أى فائدة، ولم يكن يحتاج أبدا إلى أكثر من خمسة أيام لكى تعرفى أنه أنانى محب لذاته، ونرجسى يتمركز حول مصالحه، وإنه لم يحبك يوما، ولا حتى أحب من تزوجها،.. وهذا صحيح، فحينما أعطانى «دعوة الفرح» كان يخونها، ومن كلامه، فإنه فعل ذلك مرارا وتكرارا، وقد تركت له البيت فى النهاية، وانفصلت عنه إلى أن توفاها الله.. لقد فشلت محاولاتى معه حتى بعد أن صار كلانا وحيدا، وأجدنى فى هذه السن بلا سند فى الحياة، فماذا أفعل؟.

< ولكاتبة هذه الرسالة أقول:

أكبر خطأ وقع فيه أهلك، هو أنهم لم ينتبهوا إلى خطورة تركك بلا متابعة، ولا رقابة بعد الواقعة التى ضبطك فيها والدك مع فتاك القديم الذى تسلل إليك عبر الشبّاك، وتركوك تغادرين البيت، وتفعلين ما تشائين، فأين ذهبت؟، وكيف عشت، وما هى الظروف التى قابلت فيها رجلا يكبرك بعشرين عاما، وكيف سمحت لنفسك بلقاء هذا وذاك على غير هدى؟.. إنهم لم يفطنوا إلى جريمتهم فى حقك، فهناك فرق كبير بين تربية الأولاد، وتربية البنات؛ بسبب الاختلافات الفيسيولوجية، والنفسية، فطبيعة تفكير الذكور تختلف تماماً عن الإناث، وهذا ما يجب أن يأخذه الوالدان بعين الاعتبار فى أثناء التعامل معهن، فالواضح أن والدتك لم تتواصل معك بالطريقة الصحيحة منذ البداية، ولم يعالج أبوك تلك «الواقعة السوداء» ـ على حد تعبيرك ـ بأسلوب سليم، فمن بديهيات التربية إفهام البنت ألا يتحسسها أحد، وأن تشرح لها والدتها معنى البلوغ، والتغيرات التى ستطرأ على جسدها قبل حدوثها، وتتحدث معها حول معنى الاعتداء الجنسى، وتورد لها قصصاً فى هذا الموضوع، وأن يكون بينهما جسر مفتوح للتواصل الدائم بصراحة خلال مراحلها العمرية حتى يتحقق التقارب بينهما، ويتحدثان فى كل الموضوعات بدون خطوط حمراء، خاصة أن الفتاة عندما تصل إلى سن معينة تحتاج إلى معرفة كل شيء عن أمور الحياة، مع ضرورة تربيتها على الحياء، فالتربية السليمة للفتاة يجب أن توضع ضمن إطار من القواعد والمبادئ التى تبنى بها شخصيتها، فى وجود أسرة متماسكة محيطة بها، وعندها لن تؤثر عليها المغريات الخارجية؛ لأنها ببساطة تكون قد تمكنت من اكتساب القواعد والأسس السليمة حتى وإن اختلطت بفئات أخرى، واكتسبت صديقات متباينات فى الأخلاق، ولن تحاول التشبه بهن ومجاراتهن، حيث يبقى تأثيرهن عليها محدوداً.

وكانت النتيجة الحتمية لغياب هذه التربية أنك كررت خطأك، ولكن بصور أخرى، فتعرّفت على الرجل الذى يكبرك بعشرين عاما، وتزوجته برغم كرهك له، ثم تزوجت عرفيا من طبيب وصفتِه بالصديق، وانفصلت عنه بعد خمس سنوات، مع احتفاظك بصداقته، ثم رحت بعد مرور أكثر من خمسة وأربعين عاما تبحثين عن الرجل الذى كان سببا فى كل ما جرى لك، بما يؤكد أنك مازلت غير قادرة على إدارة حياتك بطريقة صحيحة، ومن ثمّ أحجمت عن التفاعل مع معطيات حياتك بإيجابية، وهكذا أراك فى حاجة إلى تعزيز ثقتك بذاتك، لتكونى أكثر إيجابية فى الاستفادة من دروس الحياة التى مررت بها، والخطوة الأولى نحو التحرر من الحالة المسيطرة عليك، هى البحث فى داخلك عن الأسباب الحقيقية لسلوكياتك، وتحليلها بموضوعية، لكى تكتشفى كل ما يقف وراء قلة ثقتك بنفسك، وعليك أن تفهمى أنه لا شئ نهائى فى الحياة، إذا استطعت أن تغيرى ما بداخلك، وبالطبع فإن هذا التغيير ليس مسألة سهلة، ولكنه أيضا ليس بالمستحيلً، ولتكن المحاولة هى الخطوة الأولى على طريق استعادة نفسك بأن تفتحى صفحة جديدة من حياتك بعيدا عن كل من عرفتِهم من قبل، فوجود هؤلاء المستمر فى حياتك، سيجعلك تتجرعين كأس المرارة إلى الأبد، بمن فيهم صديقك الطبيب الذى لا أدرى كيف تزوجتِه عرفيا فى وجود زوجته وأولاده وعمله، ثم بعد خمس سنوات انفصلت عنه لانشغاله الدائم بعمله مع احتفاظك بصداقته!

إن هذا «التخبط» سيزيدك ألما فوق آلامك، ولن تتعافى منه إلا بعد أن تضعى النقاط على الحروف، وليتك تعيدين المياه إلى مجاريها مع أهلك وأقاربك، فتعود المودة المفقودة، فلكل ألم نهاية، وعليك بالاستقامة على طاعة الله والثبات عليها، فهى السبيل الوحيد للسعادة فى الدنيا والآخرة، لقوله تعالى» :إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التى كنتم توعدون، نحن أولياؤكم فى الحياة الدنيا وفى الآخرة ولكم فيها ما تشتهى أنفسكم ولكم فيها ما تدعون، نزلاً من غفور رحيم « [فصلت: 30-31-32 ] وقوله أيضا: «إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاءً بما كانوا يعملون» [الأحقاف: 13-14]، وقد جاء رجل إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: مرنى فى الإسلام بأمر لا أسأل عنه أحداً بعدك قال: «قل آمنت بالله ثم استقم «، ومن الواضح تلازم الإيمان بالله تعالى، والاستقامة على أوامره، والثبات عليها، والسبيل إلى الاستقامة والثبات على الدين هو الاستعانة بالله تعالى، واللجوء إليه، والعمل بمقتضى كتابه، واتباع هدى رسوله، ومصاحبة أهل الخير الذين يدلون على طاعة الله تعالى ويرغبون فيها، ويحذرون من طاعة الهوى، وإغواء الشيطان.. فعلى هذا المنهج سيرى يا سيدتى، وسوف يكتب الله لك الطمأنينة وراحة البال، وهو وحده المستعان.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق