تعيش على وجوهنا وأصابعنا مائة مليار خلية بكتيرية، تتغذى من زيوت الجلد الخاصة وتتكاثر، وتسرب محتويات أمعائها عبر مسام أجسامنا، ووفقا لتقديرات دراسة أمريكية هناك حوالى تريليون نوع من الميكروبات على الأرض، و99.999 فى المائة منها لم يتم اكتشافها بعد، وكان الاعتقاد أن عدد الأنواع الميكروبية بضعة ملايين على الأكثر، ثم ارتفعت التقديرات، حيث استخدم علماء الأحياء فى جامعة إنديانا، تقنيتين لاستنتاج أن عدد الأنواع الميكروبية أكبر مما توقعه أى باحث سابق.
ووجد فريق آخر من الباحثين أن أكثر من ستمائة فصيلة من الحشرات موجودة فى منازل أمريكا، بدءا من العناكب والصراصير إلى الأنواع الصغيرة، وهناك أكثر من مائة ألف فصيلة من البكتيريا والفطريات تعيش فى أدوات تنظيف الغبار، والآلاف فى أماكن أخرى كأماكن الاستحمام، وتطرق البحث إلى أماكن أبعد من ذلك، فبحثوا عن الحياة المجهرية التى تعيش داخل أجساد حشرات المنازل، فمثلا الدبور وجدوا فيه غابة مجهرية، ومئات الأنواع النابضة بالحياة! يعنى «عالم بيولوجى متكامل»! لقد ظهرت فى الأعوام المائة الأخيرة حلول إنسانية للمشكلات الميكروبية، ولكن خلال المائة المقبلة ستظهر حلول ميكروبية للمشكلات الإنسانية، فطوال السنوات السابقة كان العلماء يبحثون عن دواء لإبادة البكتيريا، أما الحديث الآن فيدور حول إنتاج أدوية من هذه الكائنات تنتفع بها البشرية، فالمائة ألف فصيلة التى تم اكتشافها تمثل أيضا مائة ألف حل لمشكلات إنسانية.. إنها كائنات تستطيع المحافظة على حياتها بتناول أى شىء من البلاستيك والنفايات، ولديها القدرة على المعيشة فى أى مكان وبمقدورها إنتاج الزيت والطاقة من شذرات صغيرة من الذهب الحقيقي، وتحويل مواد غير قابلة للأكل إلى مواد غذائية غاية فى الأهمية لا غنى عنها، إذ تهب هذه الكائنات الشيكولاته نكهتها، والتربة القدرة على النمو، كما تحيل السكر إلى كحول.. وقام الدكتور ريتشارد غالو طبيب الأمراض الجلدية والأحياء فى جامعة كاليفورنيا، سان دييجو، وزملاؤه أخيرا بتصنيع علاج ميكروبى مبتكر للأكزيما، وهو مرض يتميز ببشرة حمراء وحكة ملتهبة، وكانت وصفة بسيطة نسبيا..
لقد تغيرت نظرتنا لهذه الكائنات بشكل كبير، فلم نعد نرى من خصومنا القديمة تلك إلا كائنات ودية لطيفة نسعى لإقامة علاقات ودية معها أيضاً، والحقيقة إن الغوص فى عالم الكائنات المجهرية والتعمق فى القراءة به يجعلك تتلذذ بقراءة الجديد دون ملل.. إن عالم الأحياء المجهرية هو حياة أخرى على هذه الأرض يحتاج منا أن نحافظ عليه أكثر من السعى نحو إبادته، فالكائنات المجهرية عالم من الكائنات الصغيرة تشاركنا الحياة على هذا الكوكب وتهبنا منافع هائلة.
د. محمد إبراهيم بسيوني
أستاذ الميكروبيولوجيا الطبية والمناعة
رابط دائم: