رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

ضلع أعوج


هذا الحديث النبوي يحل مشكلة كل بيت, ويقضي على جحيم الشقاق الزوجي، ويحمل الرجل على تحمل خطأ المرأة، كما أنه قاعدة عظيمة في التعامل معها، إذ يبيِّن أن فيها إعوجاجا، فإن قبلها بهذا الإعوجاج عاش معها عمراً مديداً, أما إن رفضها, وأرادها على شاكلة طباعه, فلن يجد مثل ذلك في نساء الأرض كافةً.

في الوقت نفسه لا يعني هذا أن يتغاضى الرجل عن تجاوزها حدود الله، أو أن تهين كرامته، أو أن تنتقص من حقوقه، بل يجب عليه أن يحملها على طاعته حملا، في غير معصية الله.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أن النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ، إِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا". (متفق عليه).

وفي معنى "اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا" قال علماء إن الرجل يجب عليه أن يقوم على أمر المرأة خير قيام، فيحسن عشرتها، وينفق عليها بالمعروف، ويغفر لها الزلة والخطأ، ويتجاوز ويعفو ويصفح، ولا يقف عند كل صغيرة وكبيرة، ولا يستوفي حقه منها، وإنما يترك بعض الشيء، ويفوت قليل التقصير، في الأمور المباحة.

إلا أنه لا يتركها على الإعوجاج إذا تعدت ما طُبعت عليه من النقص إلى تعاطي المعصية بمباشرتها.

وقد علل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ذلك فقال: "فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ"، وهو رأسه. وقال علماء: "المراد به اللسان، فهو أعلى المرأة".

وقيل إن أعوج ما فيها عقلها ورأيها، وذلك في قلبها، وينبئ عنه، فإذا كان الإنسان مكتمل العقل عُرف ذلك من كلامه، لذلك قيل: "المرء بأصغريه: قلبه، ولسانه".

ويمضي الحديث: "إِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ"، وكسرها طلاقها. "وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ".. "فاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا": أي: تجاوزوا عن خطئهن، وتقصيرهن.

وفي رواية في الصحيحين: "المرأة كالضِّلَع، إن أقمتها كسرتها، وإن استمتعتَ بها استمتعتَ بها، وفيها عوج".(البخاري).

وفي رواية لمسلم: "إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ لَنْ تَسْتَقِيمَ لَكَ عَلَى طَرِيقَةٍ، فَإِنِ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا، وَبِهَا عِوَجٌ، وَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا، كَسَرْتَهَا، وَكَسْرُهَا طَلَاقُهَا".

قال النووي: "في الحديث ملاطفةُ النِّساء، والإحسانُ إليهنَّ، وكراهة طلاقهنَّ بلا سبب".

وقال القاضي عياض: "فيه الحض على الرفق بهن، ومداراتهن، وألا يتقصّى عليهن في أخلاقهن، وانحراف طباعهن، لقوله: "إن ذهبت تقيمَه كسرته، وإن تركتَه استمتعتَ به".

وقال ابن علان: (خُلقت من ضلع لن تستقيم لك)، أي: لن تدوم (على طريقة) ترضاها، (وإن ذهبت تقيمها) إقامة تامة مرضية لك (كسرتَها) لأنه خلاف شأنها".

ويرى الشوكانيُّ أن "الفائدةُ في تشبيه المرأة بالضِّلع: التنبيهُ على أنَّها معوَّجة الأخلاق، لا تستقيم أبدًا، فمَن حاول حملَها على الأخلاق المستقيمة أفسَدَها، ومَن تركَها على ما هي عليه مِن الاعوجاج انتفع بها، كما أنَّ الضِّلع المعوج ينكَسِر عندَ إرادة جعلِه مستقيمًا، فإذا تَرَكه الإنسانُ على ما هو عليه انتفعَ به".

واستدرك ابن حجر العسقلاني فقال في "الفتح": "يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنْ لَا يَتْرُكَهَا عَلَى الِاعْوِجَاجِ إِذَا تَعَدَّتْ مَا طُبِعَتْ عَلَيْهِ مِنَ النَّقْصِ، إِلَى تَعَاطِي الْمَعْصِيَةِ، بِمُبَاشَرَتِهَا، أَوْ تَرْكِ الْوَاجِبِ؛ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنْ يَتْرُكَهَا عَلَى إعْوِجَاجِهَا فِي الْأُمُورِ الْمُبَاحَةِ".

والرِّضا بإعوجاجِ فعلِها وقولِها، إنما يجوزُ، وفق علماء، إذا لم يكنْ فيه إثمٌ ومعصيةٌ، فإذا كان فيه إثمٌ ومعصيةٌ؛ فلا يجوز الرِّضاء به، بل يجب زجرُها عنه.

في الوقت نفسه دعا الرسول، صلى الله عليه وسلم، إلى تحمل طِباع المرأة، فقال: "لا يَفْرَكْ (لا يبغض) مؤمن مؤمنة، إِن كَرِه منها خُلُقاً، رضي منها آخر". (مسلم).

أما قوله (فاسْتَوْصُوا) فالحامل عليه، وفق البيضاوي، أن الاستيصاء استفعال، وظاهره "طلب الوصية بهن"[email protected]
لمزيد من مقالات عبدالرحمن سعد;

رابط دائم: