رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

كفيفة حصلت على الماجستير بعد مجهود بحثى 6 سنوات
أسماء: أرى إبنى بـ «عيون قلبى»

أحمد عامر عبدالله

ما أصعب أن تنجب أم طفلا لن ترى ملامحه، تسمع ضحكاته ولا تشاهدها، تشعر بوجعه دون أن تعرف مكانه، تتعامل معه بحاسة اللمس، باللمس فقط ترسم له شكلا فى خيالها، وهل يكفيها هذا، ولما لا، وهى تراه بعيون قلبها.

أسماء حسن أحمد، فتاة من محافظة قنا، لم أجد ما يصفها بصورة دقيقة غير بيت من شعر بشار بن برد «إذا ولد المولود أعمى وجدته، وجدك أهدى من بصير وأجولا»، فسر ذكاء هذه الفتاة يكمن فى ظلام عينيها، الذى زاد من خيالها وجعلها حريصة على إثبات وجودها فى المجتمع، وتأكيد ذاتها المتميزة.

كافحت بنت مدينة نجع حمادى، وسط ظروف بيئية صعبة، تمسكت بحبال العلم ليقينها أنها المنجية من تقلبات الزمان، حتى حصلت على أرفع الدرجات العلمية « الماجستير».


قالت أسماء بصوت «ضحوك»: ولدت كفيفة، كنت أرى ضوء الشمس والألوان وأنا صغيرة، وشخص الأطباء حالتى بأنها ضمور فى العصب البصرى، وسحابة على القرنية، ولم يتحسن بعد العلاج.

وعندما وصلت إلى سن السادسة، التحقت بمدرسة النور للمكفوفين بمحافظة أسيوط، بسبب عدم وجود مثلها فى قنا فى ذلك الوقت، وكنت أذهب عن طريق القطار، وفى هذا الوقت كنا نقيم بمدينة الأقصر، وكنت أعود إلى البيت فى الأعياد والإجازات الرسمية فقط، واستمر الوضع هكذا إلى المرحلة الثانوية، 11 عاما كاملة، كنت ادرس فيها كل المواد بطريقة «برايل»، ولم أجد صعوبة فى إتقانها، بعد تدريبنا عليها بحاسة اللمس أولا.

وتضيف أسماء وهى فخورة بذاتها: كنت من المتفوقات فى المدرسة، وترتيبى الأولى على المرحلة الدراسية طوال فترة التعليم الأساسى، وفى الثانوية العامة حصلت على مجموع 85% وأهلنى لدخول كلية الآداب قسم علم اجتماع فى قنا، وكنا حتى ذلك الوقت لا نزال نقيم فى مدينة الأقصر.

كنت أذهب من البيت إلى الكلية بصفة يومية لمسافة 60 كيلو، فلم استرح فى المدينة الجامعية وتعبت من الغربة، وفى العام الثانى حصلت على ترتيب الرابع مكرر على مستوى قسم الاجتماع، وكانت أهم الصعوبات التى واجهتنى فى الكلية هو عدم وجود الكتب الخاصة بطريقة «برايل»، وكنت اعتمد على تسجيل والدى ووالدتى للكتب عن طريق شرايط الكاست بصوتهم، فوالدتى حاصلة على دبلوم معلمات، ووالدى حاصل على مؤهل عالى.

وتكمل أسماء قصتها: تخرجت بتقدير جيد جدا فى عام 2003، وعملت بأحد المدارس الابتدائية فى مركز «الوقف» كأخصائية مكتبة، وكنت أحضر إلى المدرسة برفقة والدتى يوميا ذهابا وعودة، وعملت بعقد مؤقت منذ ديسمبر 2003، إلى أن تم «تثبيتى» فى عام 2012، وأعمل فى المدرسة حتى الآن.

وفى عام 2005 بدأت التقديم على تمهيدى ماجستير فى جامعة سوهاج، التى تبعد عنا نحو 3 ساعات بالمواصلات، وكنت احضر لمدة يومين أسبوعيا، وتخطيت كل الصعوبات، وحصلت على شهادة تمهيدى الماجستير، وبعدها تقدمت للحصول على دورات تدريبية فى اللغة العربية والانجليزية، واجتزت الاثنين فى عام 2007، وفى نفس العام حصلت على دورات حاسب آلى بالقاهرة، فى برامج إبصار وجاوز « برامج خاصة بالمكفوفين – ناطقة أو قارئة للشاشة» وإنترنت، ثم حصلت على شهادة «التوفل» فى اللغة الانجليزية من جامعة جنوب الوادى.

وتضيف أسماء (35 عاما): تقدمت فى عام 2008 للحصول على درجة الماجستير فى ( مشكلات الحياة اليومية للمكفوفين فى المجتمع المصرى) وهى عبارة بحث شامل استغرق 6 سنوات وحصلت عليه بتقدير ممتاز، وفى أثناء دراستى للماجستير حصل على «دبلومه تربوية» كانت مطلوبة كمصوغات للتعيين، وحصل عليها بتقدير جيد جدا رغم صعوبتها، وعلى شهادة الرخصة الدولية لقيادة الحاسب (icdl) فى عام 2010، بالإضافة إلى عدة دورات أخرى فى برامج قارئات الشاشة وتدريب المكفوفين.

وفى عام 2014 تمت خطبة أسماء، وتزوجت فى عام 2015، ورزقها الله بطفلها أحمد (عامين) وتعيش حياة زوجية مستقرة، وعن تعاملها مع إبنها تقول: أتعامل معه مثل كل أم تتعامل مع إبنها، وأراه بنور قلبى، وأحس بوجعه دون أن أعرف مكانه أو يبوح به لصغر سنه، وأشاهد ملامح وجهه عن طريق اللمس.

وحول تعاملها فى منزل الزوجية قالت: أتعامل مع جميع الأجهزة المنزلية دون أى مساعدة من أحد، وبمساعدة شقيقتى المبصرة فى بداية الأمر تعلمت كيفية تشغيل البوتاجاز «إشعال ذاتى»، فعندما أرغب فى تجهيز وجبة «بطاطس مطبوخة» أقوم بغسل البطاطس وتقشيرها «بالسكين أو القشارة»، فحاسة اللمس تساعدنى فى التعرف على كل شىء ومنها إذا كانت البطاطس تم تقشيرها بصورة سليمة أم لا، ثم تقطيعها، وأقوم بتجهيز صلصة الطماطم وتحمير البصل « وأعرف نضجها من رائحتها وطعمها وصوتها»، وبعد ذلك أضع الصلصة على البصل المحمر، ثم نضع البطاطس، وأقوم بالتقليب، وأقوم بتحديد مستوى النار من مفتاح البوتاجاز، وأعرف مكان التوابل وأنواعها من حجم العلبة عن طريق اللمس، وهكذا تشغيل الغسالة، والتعامل مع الثلاجة، والتليفزيون وجميع الأجهزة.

وتكمل: وبعد الزواج واجهتنى مشكلة السكن، وكنت قد تقدمت لحجز شقة منذ عام 2009، التابعة للإسكان الاجتماعى فى مدينة نجع جمادى، ودفعت مقدم شقة 5 آلاف جنيه، وحتى الآن لم استلمها، ونقيم أنا وزوجى وإبنى فى شقة بالإيجار ثمنها 800 جنيه شهريا، وراتبى أنا وزوجى يكفيان الاحتياجات الرئيسية بالكاد فى ظل ما نمر به من ارتفاع للأسعار، بالإضافة إلى مصروفات طفلى الكثيرة التى يحتاج إليها فى هذا العمر.

وأطالب وزير الإسكان بتوفير شقه لى ضمن نسبة ال 5% الخاصة بذوى الإعاقة وهذا أبسط حقوقنا التى أقرها الدستور والقانون وجميع الأعراف الدولية، وأنا راضية بالحصول على شقة وليس شرط أن تكون فى الدور الأول كما هو مشروط فى شقق ذوى الإعاقة.

وتختتم حديثها بتوجيه رسالة لجميع اقرانها من ذوى الإعاقة بضرورة الاعتماد على النفس قدر المستطاع، وتغيير صورة المجتمع بأننا نمثل حملا زائدا عليه، أو عاجزون عن فعل ما يقوم به الشخص السليم، فتعلم الأشياء عن طريق التجربة والخطأ ليس أمرا مستحيلا، والرضاء بقضاء الله لأنه كله خير لنا.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق