كان الشاعر الكبير نزار قبانى عاشقا كبيرا للسينما المصرية، وكانت تربطه علاقات صداقة ببعض العاملين فيها، من بينهم الفنانة الكبيرة شادية، التى تمنى أن يقع اختيارها على إحدى قصائده لتشدو بها، وبالفعل كاد يحدث ذلك فى قصيدتين هما « القدس»،
و « تعود شعرى الطويل عليك»، و لم ينس نزار قبانى موقف شادية النبيل من قصيدته « القدس»، وحبها لكلماتها، واستعدادها لإنتاجها على نفقتها الخاصة عندما اعتذر المسئولون فى الإذاعة المصرية عن إنتاجها حتى لا يغضبوا عبدالحليم حافظ الذى كان ينوى غناءها أيضا، لهذا وعندما جاءته الفرصة لرد الجميل لها، لم يتأخر.
..................................
تعود الحكاية إلى نهاية السبعينات، وبالتحديد عام 1977 ، حيث كانت دلوعة السينما تستعد لبطولة فيلم «وادى الذكريات» قصة ميشيل صوايا، سيناريو وحوار يوسف السباعى، إخراج بركات، بطولة النجم الصاعد محمود قابيل، حياة قنديل، محمود عبدالعزيز، عماد حمدى، ليلى فوزى، وبدأت شادية تصوير بعض المشاهد فى الفيلم، لكن توقف التصوير فترة طويلة نظرا لموت منتج الفيلم رمسيس نجيب، وفى هذا الوقت عرض المنتج مخلص شافعى على شادية تحويل مسلسلها الإذاعى الناجح « الشك يا حبيبى» إلى فيلم سينمائى من إخراج بركات فوافقت، وبدأت تصوير «الشك يا حبيبى» وانتهت منه، وبعد مرور عام أو أكثر فجأة تحمس أولاد رمسيس نجيب « مراد وأمير وأنور» لاستكمال تصوير فيلم « وادى الذكريات».
وبالفعل بدأ المخرج بركات جلسات عمل مع شادية وفريق العمل، وكان الفيلم يتطلب التصوير فى سوريا فى مكان هادئ أقرب إلى الريف، وبالفعل سافر المنتج مراد رمسيس، وأبطال العمل شادية ومحمود قابيل، وحياة قنديل، ومحمود عبدالعزيز إلى سوريا، وبعد بحث طويل عثر مراد على بيت رائع أقرب إلى الفيلا، يصلح للمهمة، وعندما سأل عن صاحبه وكيفية تأجيره، علم من الرجل الذى يقيم فى البيت ويعمل كحارس، أن المنزل للشاعر الكبير نزار قبانى، وهو لا يؤجر منزله للعاملين فى السينما، وتوقف التصوير مجددا.
وبعد أيام من التوقف واستعداد أبطال العمل للعودة إلى مصر، والبحث عن مكان آخر، حتى يعثر المنتج على منزل يصلح للتمثيل، جاء حارس منزل نزار قبانى مسرعا إلى المنتج مراد رمسيس، وقال له: « إن الشاعر الكبير كان يتصل به بالمصادفة من لندن أمس ليطمئن على المنزل، فعرض عليه العرض المادى المغرى الذى تلقاه نظير تأجير منزله، فرفض رفضا باتا، لكنه تراجع عن قراره على الفور، ووافق عندما علم أن الفيلم بطولة شادية، وليس هذا فقط ولكنه طلب منه أن يفتح منزله لها بدون أى مقابل مادى، وطلب منه أيضا أن يبلغها سلامه، ويعتذر لعدم وجوده فى سوريا واستقبالها وأسرة الفيلم»، وسعد الجميع بهذه الموافقة وبدأوا بالفعل التصوير فى منزل نزار قبانى!
جدير بالذكر أن شادية فى هذا الوقت أعجبت بقصيدة رائعة مليئة بالرومانسية لنزار قبانى بعنوان « تعود شعرى الطويل عليك»، وطلبت من بليغ حمدى تلحينها، لكنها تراجعت عندما علمت أن نجاة الصغيرة اشترتها وطلبت من الموسيقار محمد الموجى تلحينها، الطريف أن مصير هذه القصيدة لاقى مصير قصيدة « القدس» فلم تخرج بصوت شادية ولا نجاة! يقول مطلعها:
» تعود شعرى الطويل عليك / تعودت أرخيه كل مساء
سنابل قمح على راحتيك / تعودت أتركه يا حبيبي
كنجمة صيف على كتفيك / فكيف تمل صداقة شعرى
وشعرى ترعرع بين يديك»
رابط دائم: