عاد الحصان العربى المصرى ليغزو العالم بعد توقف 7 سنوات عجاف، بعد أيام من إنتهاء مهرجان الحصان العربى بمحافظة الشرقية .. ليتبوأ ذلك الكائن البديع مكانته التى ينطبق عليها وحدها دون غيرها كلمات الشاعر ناجى فى «أطلاله» «واثق الخطوة يمشى ملكًا» ... إنه الحصان العربى بجماله الأخاذ، الذى يتسلل إلى الوجدان والمشاعر، صاحب الخطوة الطليقة التى يحفها كثير من الرونق والخيلاء وايضًا الكبرياء... وصاحب الانطلاقة الساحرة التى تصاحبها تموضع ذيله وارتفاعه جانبًا كالعلم عند العدو السريع فيعطى الحصان مسحة رائعة من الجمال.
ذلك المخلوق البديع تصارعه الأقدار بإصرار غريب، ولكنه يخرج منتصرًا دائمًا فى كل المواقع ليفرض وجوده الطاغى.
وتحكى سيرته أنه تعرض فى بداية ثورة يوليو 52 إلى وشاية من حاقدين إلى الرئيس عبد الناصر، باعتباره رمزًا للإقطاع والرأسمالية، ويقال أن عبد الناصر أصدر قرارًا مذهلاً بالتخلص من جميع الخيول العربية فى مصر!لولا أن الوزير سيد مرعى يومها استطاع اقناع الرئيس بأن الخيول العربية ثروة قومية لا يجب التخلص منها ... ونجا الحصان المصرى من تلك الوشاية بأعجوبة «وتعرض أيضًا منذ 7 سنوات لقرار حظر استيراد من الاتحاد الأوروبى.... لعدم التزام السلطات المصرية البيطرية لإجراءات حماية الحصان المصرى.. وبعد جهود مضنية استطاعت مصر - كما تشرح د. منى محرز نائبة وزير الزراعة – تنفيذ توصيات المفوضية الأوروبية باعتماد محجر رسمى بموافقات صحية وإشرافية عالية، وساهمت القوات المسلحة المصرية فى تحقيق ذلك، بفتح محجر مستشفى القوات المسلحة للخيول بمدينة نصر، واستقبال الخيول المزمع تصديرها بمراحل من الفحوص والحجر لمدة 90 يومًا قبل التصدير، وكان من نتيجة ذلك موافقة الاتحاد الأوروبى على عودة استيراد الخيول المصرية.
ومنذ أيام قليلة بدأت منظومة التصدير وذلك بتصدير عشرة خيول إلى الاتحاد الأوروبى وتم أيضًا الحجر على 11 جوادا بمحجر القوات المسلحة فى انتظار تصديرها بعد انتهاء فترة الحجر. كما تم عزل 5 خيول بمزارعها فى انتظار نقلها إلى المحجر الرسمى.
ولكنها مجرد بداية متواضعة للتصدير أمام ثروة مصر من الخيول الأصيلة والتى تصل الآن إلى 25 ألف رأس من الخيول موزعة على ألف و60 مزرعة على امتداد طول البلاد.. وهى ثروة تقدر بمليارات من العملة الصعبة تنتظر نشاطا أكبر لعمليات التصدير.
أصالة الحصان العربى
على أن ذلك يطرح تساؤلا عالميا مهما: كيف يمكن الحفاظ على أصالة الحصان العربى.. وهى مسئولية كبيرة تقوم بها كما تضيف د. منى محرز – بهيئة التسجيل المصرية بمحطة الزهراء التابعة للهيئة الزراعية المصرية.. وتتدخل فى هذه المنظومة منظمة الخيول العربية العالمية «واهو» والتى تضم سجلات خاصة لكل هذه الخيول، وتلتزم محطات تربية الخيول العربية بإبلاغ الهيئة بتزاوج الخيول، وتخضع المواليد لتحليل “D.N.A” لمطابقته بتحاليل الأب والأم لإثبات نسبه، وآخر المستجدات أن توضع شريحة مجهرية «ميكروشيب» تحت جلد المولود الصغير بها كل تفاصيل نسبه وأصله وميلاده. بل أصبح أيضًا لكل حصان جواز سفر خاص به، ولا يسافر إلا به.
مميزات الحصان المصرى
على ان الحديث عن الخيول العربية يجرنا إلى تساؤل قومى مهم: هل الحصان المصرى له مصنفات خاصة تميزه عن الحصان العربى؟
يجيب د. نصر سيد مرعى - فى آخر لقاء لى معه قبل رحيله منذ أيام - وكان يرحمه الله صاحب أشهر محطات تربية الخيول... والذى حمل راية والده الراحل فى حماية وتربية الحصان المصرى بالذات: استطيع القول إن سر تميز الحصان العربى هو تاريخ نشأته، فهو حصان ذو صفات خاصة به كقوة التحمل وتركيب بنائى وفسيولوجى محددان وملازمان تماماً للبيئة التى نشأ ويعيش فيها بجانب الصفات الجمالية المميزة لهذا الحصان والتى تختلف تماماً عن بقية الفصائل الخيلية.
وننتقل الآن إلى الحصان العربى «المصرى» - كما يضيف- بالطبع كان هناك خيول من ذات الاصول القديمة فى مصر والتى استجلبها الهكسوس عند غزوهم لشمال مصر قادمين من منطقة الهلال الخصيب (موطن نشأة الحصان العربى الحديث) تلى هذا مرحلة أخرى وهى دخول خيول عربية من شبه الجزيرة مع الفتح الإسلامى ولكن لم يكن لها سجلات أو حجج تسجل أصوله وتوثق تاريخه بدقة.
واستمر وجود الخيل فى مصر وازدهرت تربيتها وتجويدها فى عصر المماليك وكان لإبراهيم باشا ابن محمد على الفضل فى استجلاب خيول من شبه الجزيرة السعودية فى اثناء الحرب الوهابية وكذلك طوسون. ثم جاء بعدهما الخديو عباس الثانى والذى يرجع له الفضل الكبير فى توثيق هذه الخيول والتى تعتبر جدود خيولنا فى مصر وجزءًا كبيراً من خيول العالم العربية.
المربى المصرى اعتنى بالصفات الجمالية مع الحفاظ على المميزات الأدائية الاخرى كالسرعة وقوة التحمل. وعليه أصبح للحصان المصرى صفات تميزه عن بقية الخيول العربية التى ترجع إلى أصول مختلفة لدخول دماء عربية غير مصرية عن الصفات المميزة نفسها فهى كثيرة، معترف بها.
ويكفى القول ان الدماء المصرية موجودة بنسب مختلفة فى جميع السلالات العربية فى العالم وان جميع المربين حريصون على إضافة دماء مصرية جديدة فى برامج التربية للحفاظ على الهوية العربية الأصلية.
إنقاذ الحصان المصرى
تساؤلات عدة طرحت امام المصريين اجاب المربون أصحاب مزارع الخيول عنها كان أولها «تم تصدير 10 خيول فقط إلى الاتحاد الأوروبى منذ فتح باب التصدير. ما هى المجهودات المطلوبة من وزارة الزراعة وأصحاب المزارع لإنعاش صناعة وتصدير الحصان المصرى إلى العالم؟
وكانت إجابة أصحاب المزارع «المطلوب من وزارة الزراعة ان تعطى للحصان العربى الكثير من العناية التى يستحقها ولتبدأ بتطبيق اصلاحات جذرية فى محطة الزهراء والتى تعتبر المزرعة الأم لجميع المربين فى مصر وأما لكل الخيل المصرية فى العالم، خاصة أن محطة الزهراء تحتاج إلى دعم وتطوير مالى ومعنوى وعلمى وإدارى وبيطرى من وزارة الزراعة.
أحب أن أذكرك أيضاً ان سبب الحذر على التصدير من الاتحاد الأوروبى كان سببه عدم التزام هيئة الخدمات البيطرية التابعة لوزارة الزراعة باللوائح المعترف بها فى كثير من المجالات منها تجاوزات فى إجراءات التصدير وترتب على هذا معاناة جميع المربين طول ما يقرب من 7 سنوات لعدم استطاعتنا تصدير الخيل بغرض البيع أو المشاركة فى المسابقات الدولية بغرض الترويج.
وهناك مجال آخر تستطيع وزارة الزراعة مساعدة الحصان العربى المصرى ومربية وهو توفير الأمصال والأدوية وغير المتواجدة والتى يلجأ كل منا باستجلابها من الخارج بعدة طرق وهل تصدق ان مع وجود هذه الثروة القومية والتراثية والمادية القيمة انه لا يوجد مستشفى واحد مجهز بالأجهزة الأساسية وتدبره ويعمل به كفاءات لازمة؟ أعتقد ان هذا مطلب عادل من المربين للوزارة بتوفير سبل العلاج والاستشفاء الأساسية.
معوقات التصدير
وتساؤل أخير.. مامعوقات التصدير فى نظر أصحاب المزارع؟ وتأتى الاجابات تؤكد أن : المعوقات الأساسية هى الروتين والبيروقراطية الحكومية مثلها مثل جهات حكومية أخرى كثيرة.
ومع وجود حجر لمدة 90 يوماً سوف يتراجع الكثير من الملاك عن تصدير الخيل بسبب التكلفة الايوائة اليومية بجانب خوفهم بحدوث مكروه لهم. ولكن هذه المشكلة بالذات ترجع إلى شروط الاتحاد الأوروبى والتى يجب الالتزام بها حالياً إلى ان يطمئن الاتحاد ان اللوائح والشروط تطبق بدقة...
تكلفة تصدير الحصان الواحد حالياً قد تصل إلى 5-6 آلاف دولار أى حول مائة ألف جنيه وذلك يشكل عبئاً خاصة فى ظروف السوق الدولية الهابط حالياً خاصة بالنسبة للحصان المصرى حيث إن القوى الشرائية الأكبر العالمية حالياً هى دول الخليج والمملكة السعودية وفيها المربيون يفضلون الخيل. ذات الدماء المختلطة من أصول مصرية وبولندية وأمريكية... إلخ وذلك لتفوقها فى حلبات المسابقات لتغير الذوق فى عين المربين هناك إلى الخيل المختلطة.
وعن صفات وملامح الحصان العربى المصرى الأصيل يقول الخبراء «اذا كنت تبحث عن الحصان العربى الكلاسيكى، فإن شكل جسمه يعد روعة فى الجمال والتناسق ويتميز بالرأس الصغير والمنخريين الواسعين والجبهة العريضة، وتباعد العينين السوداويين البراقتين، ويعتلى الرأس أذنان قصيرتان نهايتهما رفيعة، ورقبة طويلة، وظهر قصير مكتنز، والذيل مرتفع بشكل واضح، ويتميز أيضا بغزارة تعرقه، وتموضع ذيله المرتفع عند العدو السريع كالعلم، فيعطى الحصان فسحة رائعة من الجمال، كما يمتاز بمشية طليقة، فيها كثير من الخيلاء والرونق والكبرياء.
رابط دائم: