رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

لماذا يخنقون الشرق الأوسط؟!!

يشهد العالم العربى والشرق الأوسط بأكمله حالة من عدم الاستقرار منذ عام 2010؛ ولكن يظل السؤال الذى يلح على الأذهان هو : لماذا؟ وقد تعددت الإجابات المفترضة لذلك السؤال المحير.

وفى محاولة لكشف اللغز تحدثت المستشارة الاستراتيجية الدكتورة ماريا سلطان رئيسة ومديرة معهد جنوب آسيا الاستراتيجى للاستقرار بباكستان وذلك فى ندوة بالقاهرة؛ فقد قدمت المتحدثة إجابات مبنية على درسات وإحصائيات وعمليات ملاحظة ورصد وتحليل تعود إلى سنوات مضت.

وتوصلت إلى أن المبادرة الصينية المعروفة بـ"مبادرة الحزام والطريق"هى بداية لتحول عالمى؛ فالمبادرة الجديدة تتجه إلى إحداث تحول فى التعاون الاقتصادى الاستراتيجى على المستوى الإقليمى، بما فى ذلك الشرق الأوسط، وعلى المستوى العالمى. وتعد التجارة العالمية أهم عناصر ذلك التحول والتعاون.
ففى ظل التحولات الجوهرية العالمية الحالية، فإن هناك صعودا للقرن الآسيوى حيث تنهض الدول الآسيوية ومجموعة الدول المجاورة التى تشكل حاليا ما يمثل 78% من النظام الإقتصادى العالمى الذي يشمل دولا من العالم النامى مثل باكستان ومصر والصين التى تعد الدولة القائدة فى ذلك التحول.
وفيما يتعلق بمبادرة "الحزام والطريق"، فإنها تتكون من مجموعة من الطرق التجارية التى تربط بين الشرق والغرب من كوريا واليابان شرقا وصولا إلى البحر المتوسط غربا وهو ما استلزم وجود مشروعات متعددة للبنية التحتية ذات طابع اقتصادى وتنموى وشملت الطرق والسكك الحديدية وطرق النقل البحرية والسيبرانية (المتعلقة بالتجارة الإلكترونية).
والطريق البحرى لا يربط فقط كل من أحواض أنهار النيل والفرات والسند والنهر الأصفر فى الصين بالموانئ الروسية، بل يوضح أيضا ما سيكون عليه نمو الروابط الجديدة للتجارة الدولية.
فعالم اليوم يخضع اقتصاده لسيطرة ما يقدر بـ147 مؤسسة تعاون تمويلى ما يعنى أن مصير المليارات من الأشخاص تسيطر عليه تلك المؤسسات، وفى حالة تغيير هذا الوضع فإن ذلك يتطلب وجود شركاء جدد للتنمية وتمكين المزيد من الناس ودفعهم لأن يكونوا جزءا من التقدم الإقتصادى والمشروعات التنموية التى تشمل وتعتمد على الترابط الإقليمى.
إن العالم يحارب اليوم لاقتحام ميدان المشاعات العالمية (المنافع والموارد الطبيعية المشتركة) القائم على خطوط الاتصال المتواجدة فى البحر والفضاء الإلكترونى والجو ونقاط الاتصال البرية التى يمكنها زيادة مستوى التواصل التجارى بين الدول.
وقد انتقلت مراكز التواصل المحورية وخطوط النقل البحرى العالمية الرئيسية لتصبح فى شرق آسيا والشرق الأوسط ومنطقة سواحل آسيا والمحيط الهادى. وفيما يتعلق بخريطة الاتصال الجوية الرئيسية على مستوى العالم (وخاصة الطيران التجارى) ظهرت عدة مراكز محورية.
واستعرضت المتحدثة توزيع القطع البحرية الحربية لدول العالم ـ الولايات المتحدة وروسيا وحلف الناتو وبعض الفاعلين الدوليين ـ فى البحار والمناطق البحرية المطلة على خطوط الاتصال البحرية الرئيسية فى العالم ومن بينها منطقة شرق البحر المتوسط وأكدت أن تلك الدول تصارع من أجل الحفاظ على نصيبها من "المشاعات العالمية" من خلال حماية خطوط حرة للاتصال والنقل والتجارة.
ونبهت المتحدثة إلى أن الإنتشار المرصود يمثل تحولا سياسيا وعسكريا رئيسيا فى الميدان البحرى؛ فالدول تعدل من توجهاتها ومن أوضاع قطعها البحرية العسكرية لتتماشى مع خريطة تحالفاتها مع شركاء إقليميين وشركاء محتملين. وأكدت أن الهدف من تحركات تلك الدول هو السيطرة على خطوط الاتصال والنقل الحرة وعلى طرق التجارة الدولية.
فبعد أن كان تركُّز تجارة الحاويات فى موانئ أوروبا والولايات المتحدة خلال عقد الثمانينيات من القرن الماضى أصبح تركُّز تجارة الحاويات منذ عام 2006 فى المحيط الهندى وآسيا والمحيط الهادى؛ فأكثر من 17% من التجارة العالمية تمر عبر المحيط الهندى، وزاد حجم التجارة الذى يعبر قناة السويس بشكل لافت. كما تظهر خرائط نقل النفط عبر الخطوط البحرية ما يؤكد أن التحولات المستقبلية فى التجارة البحرية وخاصة فيما يتعلق بنقل النفط وتجارته وتطويره ستشهد بروز نقاط تركُّز عالمية رئيسية بكل من قناة السويس بمصر وموانئ المحيط الهندى وموانئ المحيط الهادى.
وأكدت المتحدثة أنه فى حالة دمج الخرائط السابقة جميعها فسنلاحظ أن هناك تحولا فى طرق التجارة العالمية وفى نقاط تركز تلك التجارة والتنمية لتتماشى مع مسارات مبادرة "الحزام والطرق"، وبالتالى سيتصاعد "قلق" الدول التى ستفقد نقاط التركز التجارية العالمية القديمة لأنها ليست من أعضاء مبادرة "الحزام والطريق" ما قد يدفعها إلى وضع عراقيل والقيام بمحاولات تدخل لتغيير البيئة الاجتماعية والسياسية الخاصة بالدول المستفيدة من المبادرة الجديدة.
وضربت المتحدثة مثلا بالاضطرابات الحدودية التى نشبت أخيرا فى ذات المناطق التى سيمر عبرها "الممر الاقتصادى للصين وباكستان"، كما نبهت إلى مسار "مبادرة الحزام والطريق" وخاصة ذلك الجزء الذى يمر عبر قناة السويس فى الطريق إلى شمال أفريقيا وجنوب أوروبا.
وهكذا جاءت محاضرة الدكتورة ماريا سلطان ببعض الإجابات عن ألغاز وأسئلة تحيط بنا مثل : لماذا لم تقاتل الولايات المتحدة وأوروبا وحلف ناتو بشراستهم المعهودة تنظيم مثل "داعش" على مدى سنوات كاملة؟! ولماذا وصلت صواريخ الحوثيين "فجأة" إلى الرياض؟! وكيف تم نقل تلك الصواريخ وتكنولوجيات استخدامها إلى اليمن المحاصر تحت سمع وبصر القوات الأمريكية والدولية المتمركزة منذ سنوات حول اليمن وخليج عدن؟! وماهية الأدوار الإستراتيجية المتوقعة للقواعد العسكرية التى أقامتها العديد من الدول فى القرن الأفريقى مثل الولايات المتحدة وفرنسا والصين فى جيبوتى، وتركيا فى الصومال؟! ولماذا تحيط جماعات الإرهاب المتطورة التسليح والتدريب بمصر من الشرق والغرب ولا تنضب أسلحتها أو ذخائرها أو مصادر تمويلها على مدى سنوات؟!
وبغض النظر عن الإجابات، فإن الحل المؤكد الواضح بالنسبة لنا فى مصر يتمثل فى أمرين هما : اللجوء إلى القوة والسلاح دفاعا عن الأرض والعرض، واللجوء إلى العمل والإنتاج والبناء والعلم مع التفاؤل والثقة فى "أن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا".

 


لمزيد من مقالات طارق الشيخ;

رابط دائم: