رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

هؤلاء ليسوا مصريين!

ثلاثة مشاهد مرت أمامى وجذبت كامل انتباهى تماماً، فى ثلاثة أيام متتالية، الأول، كان فى أحد المولات الكبيرة حين كنت سائراً فإذا بى أجد تجمعاً لبعض الناس على حوار حاد، فاقتربت محاولا فهم ما يحدث، خاصة أن أغلب الواقفين تغلف هيئتهم درجة واضحة من الوقار.

وقبل أن أروى لكم ما فهمته، أوضح أن هذا اليوم كان الجمعة الماضي، الذكرى الـ 44 لنصر أكتوبر العظيم، كان أحد الموجودين يتمتم بكلمات مفادها أن العسكريين يسيطرون على مقاليد الأمور بسبب نصر عادي، لا يستدعى كل هذا الفرح، وأنهم لم يفعلوا شيئا سوى أنهم أدوا عملهم، ويجب ألا تزيد الأمور عن حدودها!

ولأهمية الموضوع، جاءت ردود الأفعال قوية، حيث أكد المتجمعون أنه ليس نصرا عاديا، ولكنه حدث غير مجرى التاريخ، حيث أكدت مصر عزتها واستعادت ترابها، وبرهنت قدرتها فى الدفاع عن مقدرتها، وبلا مبالغة سحقت مصر إسرائيل وصنعت لنفسها صورة ذهنية أبهرت العالم من خلال رجال سطروا بدمائهم وعرقهم أعظم درجات البطولة التى شهدتها العسكرية على مدار التاريخ، بشكل جعل التكتيك العسكرى المصرى يدرس فى العديد من الأكاديميات العسكرية فى دول كثيرة.

المشهد الثاني، كان فى اليوم التالي، فى أثناء استقلال مترو الأنفاق، وقف رجل يبدو أنه فى العقد السابع، يقول كفانا حديثا عن الماضي، فالاحتفال بنصر أكتوبر أخذ أكثر من حقه، وذلك بسبب صعود أحد الشباب حاملا فى يده علم مصر، وبعد أن انتابت الشاب حالة اندهاش ومن حوله، فإذا بأغلب الحاضرين يقولون له فى صوت واحد، هل أنت مصري؟ ليترجل السبعينى فى المحطة التالية.

أضف إلى ماسبق محاولات قلة من الحاقدين، تشوية هذا الاعجاز التاريخى من باب كره هذا الوطن الذى يؤويهم ويحميهم، ويظلهم، ولكنها النفوس الضعيفة، وزد على ما سبق ما قالته إحدى الفضائيات التى تدثرت بثوب الحياد، حتى دنسته، احتفل المصريون بذكرى السادس من أكتوبر والذى اعتبروه نصراً!

وكأن بهذه الكلمات المصمتة استطاعوا تغيير الواقع، أفهم أن يكون هناك خلاف فى وجهات النظر، لكن أن يتحول إلى عداء فج، فهو ما يقتل المهنية بكل أشكالها، فلسنا فى حاجة إلى تأكيد قيمة هذا النصر الذى رفع شأن العرب، حينما تكاتفوا حول مصر.

ولكننا الآن فى أشد الاحتياج لتوثيق هذا النصر من خلال عمل سينمائى ضخم يتناسب وجلال الحدث، يوضح قامته وقيمته، ويكفى أن نعرف أن أكثر من نصف سكان مصر ولدوا بعد السادس من أكتوبر، سمعوا بما حدث من وسائل مختلفة، سواء من الأهل أو بعض وسائل الاعلام التى تتحدث عن أكتوبر فى ذكراه بإذاعة الأغانى الوطنية وبعض البرامج التى تستضيف عددا من أبطالنا للحديث عن ذكرياتهم وبطولاتهم.

لقد حارب أبي، وحكى لى عن ذكريات متميزة، فى أهم فترات حياته، معتزا بفترة تجنيده فخورا بها، لكن أهم ما خرجت به من حديثه، هى عقيدة الجندى المصري، حينما يكون فى الحرب، هى النصر أو الشهادة، عقيدة جسدتها حرب أكتوبر، بكل وضوح، أستطيع أن أقول بكل ثقة إن آلاف الجنود المصريين، صنعوا بطولات قد لا تتكرر، من فرط إيمانهم بوطنيتهم، وإذا بدأنا الحديث عن بطولاتهم فلن تكفى آلاف الصفحات إنجازاتهم.

أما المشهد الثالث فكان فى ليلة الأحد الماضى وأثناء لقاء مصر والكونغو، وبعد إحرازها هدف التعادل، سلط مخرج المباراة الكاميرا على أحد الشباب وهو يبكى حزنا وخوفا على خروج المباراة بهذه النتيجة، مشهد قد يراه أحدنا عاديا، فهو مشجع تفاعل مع اللحظة، ولكنى أراه معبرا عن جيل يحب بلده ويتمنى له الفوز، جيل يحلم، فهو لا يملك غير الحلم، جيل يغزو الأمل قلوبه بمشاهدة بلده فى مكان لائق.

هذا الجيل لابد أن يعرف تاريخ بلده وقدراته بالشكل السليم ومن مصدره، تمتلك الشئون المعنوية بقواتنا المسلحة رصيدا عظيما بالصوت والصورة لنصر أكتوبر المجيد، سجلا معتبرا يرصد بكل دقة لحظات تحقيق النصر، منذ حرب الاستنزاف فى عهد عبدالناصر، وحتى تحقيقه فى عهد الزعيم الراحل أنور السادات، سجل يؤكد أن مبارك كان له دور مؤثر فى تحقيق العبور، دور مهما نختلف معه، فلا يمكن إنكاره، لذلك متى نعى ضرورة عمل فنى كبير يجسد هذا الحدث الجلل، يؤرخ بكل صدق لتلك اللحظات المهمة والفارقة فى حياة مصر، حتى تكون حافزاً لأجيال متعاقبة لم تشهد أو تحضر نصر أكتوبر، الذى جسد بكل واقعية مقولة إن جنود مصر هم خير أجناد الأرض، ولا نسمح لبعض المغرضين ضعاف النفوس، أن تسول لهم كراهيتهم بعد الآن التفوه بما تمليه عليهم خيالاتهم المريضة.

قد يعجبك الثوب الأبيض ناصع البياض، لكن إذا أصابته نقطة سوداء، تكون هى أكثر ما يجذب انتباهك، لذا لابد أن ندرك أهمية الحفاظ على بياضه ونقائه مهما تكلف الأمر، حفاظا على أجيال تنبت فى تربة هذا الوطن، يملؤها النقاء، تحتاج للقدوة الحسنة، وما أكثر النماذج المشرفة، ولكن كل ما تحتاجه، تسليط الضوء عليها، فمتى يحدث هذا؟
[email protected]
لمزيد من مقالات عمـاد رحيـم

رابط دائم: