أنا أستاذ متفرغ بأحد المعاهد البحثية الكبرى، وشغلت عدة مناصب قيادية، وعمرى اثنان وسبعون عاما، وأعمل فى مجال البحث العلمى منذ أكثر من خمسة وثلاثين عاما، نشرت خلالها ما يزيد على مائة بحث فى الدوريات والمجلات العلمية العالمية والمحلية،
وشاركت فى المؤتمرات والندوات وورش العمل المحلية والإقليمية والعالمية المختصة بمجال تخصصى، كما أشرفت على ما يقرب من خمسين رسالة لنيل درجة الماجستير والدكتوراه فى الجامعات المصرية والعربية، كما قمت بتحكيم عشرات من البحوث المقدمة للنشر فى المجلات، وكذلك المقدمة للترقيات للدرجات العلمية المختلفة فى الجامعات ومراكز البحوث المصرية والعربية، وتحكيم الرسائل العلمية، وكونت فى تلك الفترة مدرسة علمية كبيرة قدمت عدة مشاريع بحثية بالتعاون مع الجامعات العالمية، وحصلنا على عدة براءات اختراع مصرية، كما نشرت عشرة كتب علمية مبسطة باللغة العربية آخرها عام 2015 عن «النانو تكنولوجى بين المفهوم والتطبيق»، وكثير من النشاط الاجتماعى فى الجمعيات الأهلية، وفجأة أتت الرياح بما لا تشتهى السفن، فقد انهار نشاطى منذ ما يقرب من ثلاث سنوات إثر سرطان بالمثانة، وعند التحضير لأول عمليات استئصال هذا الورم فى مستشفى دولى للمسالك البولية تبين إصابتى بقصور كبير فى القلب يستدعى تركيب عدة دعامات، مما أعاق عمليات التخدير، ونظرا لحتمية استئصال الورم للتعرف على نوعيته ودرجة نشاطه بتحليل أنسجته، تم اتخاذ كثير من تدابير التخدير الطبية، والإقرارات منى، وأجريت الجراحة بالمنظار بكل كفاءة، وبتحليل الورم ثبت أنه شرس من الدرجة الثالثة، وبدأت مرحلة العلاج الكيماوى فى مركز خاص متميز، وفى جميع المراحل دفعت التكاليف الباهظة من جيبى الخاص، واستمر العلاج الكيماوى بعقارين معا أسبوعيا حوالى ثمانية أشهر تخللها شهريا إجراء التحاليل والأشعات والفحوص لمتابعة مدى فاعلية العقاقير وانتشار المرض، وبعد شهرين من انتهاء الجرعات المحددة للعلاج، تأكدت عودة الورم مرة أخرى فى مكان آخر بالمثانة، ولكن بصورة أكثر شراسة وانتشارا لتبدأ من جديد رحلتى مع الآلام والأوجاع والعذاب والنزيف المادى الحاد، وأجريت لى عملية استئصال للمرة الثانية العام الماضى»، ثم التحاليل والفحوص والأشعات المتتابعة، وتم تغيير العلاج الكيماوى إلى نوع آخر، ولكن ثبت بعد أربع جرعات على مدى ثلاثة أشهر، عدم جدواه، وعدم تأثيره على هذا الورم المتوحش، ثم أخذت علاجا كيماويا لمدة ثمانية أشهر أخرى انتهت فى يوليو الماضى، ومنذ أيام أثبتت التحاليل والفحوص والرنين ارتداد الورم مرة ثالثة، وأكد الأطباء صعوبة استئصاله نظرا لانتشاره، وأوصونى بأخذ علاج إشعاعى ثلاثى الأبعاد على المثانة بعد إجراء بعض الأشعات بالمسح الذرى لبيان مدى انتشار الخلايا النشيطة فى الجسم، ولقد عرفت أن أجهزة الإشعاع ثلاثى الأبعاد، وكذلك المسح الذرى على الجسم موجودة فى قصر العينى القديم، ومستشفى وادى النيل، والمركز الطبى العالمى، وفى بعض المراكز والمستشفيات الخاصة بأسعار باهظة تتعدى مئات الآلاف من الجنيهات.
لقد دفعت معظم تكاليف علاجى من جيبى الخاص، إلا بعض عشرات الآلاف التى ساهم بها المعهد الذى أعمل به، وكذلك وزارة البحث العلمى من مشروع علاج العاملين الذى أشترك فيه، ويبلغ الحد الأقصى لمساعدته سبعة آلاف وخمسمائة جنيه سنويا بعد تقديم جميع الفواتير، مهما تكن قيمتها التى تفوق كل مرة عشرة أمثال ذلك المبلغ، وسوف يتبادر إلى الذهن سؤال معروف وهو: هل أنا مشترك فى التأمين الصحى؟.. والإجابة: نعم أنا مشترك فى نظام التأمين الصحى للموظفين التابع لمدينة السادس من أكتوبر حيث مقر سكنى ـ ولى بطاقة علاج معاشات ـ من خلال عيادته الشاملة بأكتوبر، وعرفت أن التأمين الصحى به علاج جيد للقلب وللأورام، فقررت الدخول فى هذا الصرح الكبير الغنى والذى أدفع فيه خلال فترة خدمتى وحتى الآن قيمة الاشتراك الذى يخصم من معاشى قبل أن أستلمه، ولكن ـ وآه من لكن ـ فحالتى الصحية متدهورة، وسنى كبيرة، وحالتى النفسية سيئة.
لقد مررت برحلة عذاب وألم وضياع، ولا أدرى ماذا أفعل؟، وكل أملى أن تهتم هيئة التأمين الصحى بحالتى وسنى، وأن تخصص أحد موظفى العلاقات العامة بها لاستخراج الخطابات، والأوراق المطلوبة، وتوجيهى إلى أماكن العلاج المتخصص للأورام والقلب، أو التفضل باستصدار خطاب علاج لى، وأعيش فى قلق دائم فهل أستمر بدون علاج إلى أن يأتى أمر الله، فأنا لا أخشى الموت، فهو كتاب موقوت لكل منا، ولا يزيد أى علاج عمر الإنسان، ولكنى أخشى تفاقم الحالة والألم الحاد المصاحب لها، أم أنتظر ربما يشعر بندائى سريعا المهندس شريف اسماعيل رئيس مجلس الوزراء، والدكتور أحمد عمادالدين وزير الصحة؟.
د.م.م.
البيانات لدى بريد الأهرام
رابط دائم: