رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

فى جولة صحفية لا تخلو من المخاطر
لصوص الجبل والأفارقة ينهبون ذهب «الفواخير»

قام بالجولة ــ أسامة الهوارى

◙ الكونت «جون» أسس مصنعا ومطارا.. والثروة المعدنية تركته لـ «الدهابة»

 

 

وسط الدروب الجبلية وبين الصخور الصفراء يبحث الحالمون عن بريق الذهب، فاللصوص و«الدهابة» كما يطلقون عليهم كثيرون فى جنوب الصعيد يلقبونهم بسارقى الذهب، بل لا نبالغ إذا قلنا أنهم يعرفون وجهتهم ويختارون طريقهم بعناية، يتسللون مدججين بالمعدات المحمية السلاح بحثا عن كنز من الذهب، يظلون لايام وسط الصحراء بداخل المغارات والمناجم، فالمكسب هو الذهب ومن ثم يتحملون قسوة الجبال والموت احيانا وربما تنهار عليهم الصخور ولكن هذا لا يثنيهم عن حلم الذهب.


«الأهرام، خاضت تجربة وغامرت ووصلت إلى موقع منجم ومصنع الفواخير هذا المصنع الذى كان ينتج الذهب منذ عام 1955 والذى كان يديره الأجانب وقد كان به مطار خاص لكنه توقف منذ سنوات طويلة، وأصبحت المنطقة بالكامل مهجورة، مما جعلها مرتعاً للصوص.

رغم خطورة التجربة إلا أننا قررنا أن نوثق هذه التجربة التى تكشف نهب وسرقة أضخم وأقدم منجم للذهب فى مصر وافريقيا وهو منجم «الفواخير « بطريق قنا ـ القصير والذى يراه اللصوص بمثابة كنز قارون الذى يقبع فى «بطن الجبل», الذى يستخرجون منه عشرات الأجولة يوميا من عروق الذهب.

لكن الاغرب ان هذا المنجم تابع لهيئة الثروة المعدنية ومع مرور 6 عقود كاملة على غلقه لم تكلف هيئة الثروة المعدنية نفسها بإقامة سور يحمى هذا الكنز واكتفت بنباح الكلاب الضالة فقط، وتركت اللصوص يتنقلون بحرية فى الموقع.. لدرجة أن هناك من قدموا من بعض الدول الافريقية ينهبون من هذا المكان.
 



التنكر بالجلباب

لم يكن أمامى إلا ارتداء الجلباب الصعيدى والانطلاق صوب المكان من طريق قنا ـ القصير الصحراوى الذى يربط محافظتى قنا والبحر الاحمر وتحديدا الكيلو 88 والذى يعد نقطة فاصلة للحدود بين المحافظتين، الا ان هذا المنجم جغرافيا يتبع البحر الاحمر، ولربما وجوده على حدود المحافظتين جعله اكثر امنا للصوص لغياب الرقابة عنه, ورغم أننا تلقينا تحذيرات بأن المنطقة خطيرة ووفقا لروايات اصحاب المقاهى والاستراحات على الطريق التى توقفنا عندها لجمع اكبر قدر من المعلومات قبل الوصول إلى المكان، قالوا لنا: أكثر الدهابة من المطاردين واللصوص القادمين من افريقيا وانهم يستخرجون هذه العروق من الذهب لحساب عصابات، لكن هذا لم يخيفنا، وعلى بعد أمتار من مدخل مصنع الذهب كان يجلس احمد صادق فرج الله على المقهى الذى يملكه، والذى سألنا عن هويتنا وخدعه الجلباب واللكنة والدليل المرافق لنا وظن أننا من ممولي» الدهابة» او من الباحثين عن الذهب واخذ يرسل تحذيراته فى سياق حديثه معنا، قائلا: «انتوا مين» انا هنا قاعد من 50 سنة وابويا وجدى من هنا وعند استغرابنا من ذلك اخرج حافظة بلاستيكية بها اوراق والده وهو اول خفير كان معينا لحراسة المنجم بالفواخير والتحاقه به بعد ان تم تأميم المصنع من الكونت «جون دى لى فيزون» البريطانى الجنسية، لشركة المناجم والبحث المصرية.



واسترسل صادق فى الحديث معنا قائلاً: «أطفالى هنا لا يعيشون فى أمان بسبب الدهابة، وفى أحيان كثيرة نضطر للاختباء وحراسة الأطفال ليلاً، خاصة أن الجبل خلفنا وأمامنا الطريق السريع «قنا /القصير».

تركنا عم احمد وأصحاب المقاهى الآخرين الذين تكررت تحذيراتهم لنا، مؤكدين أن هناك مطاردات من الدولة أحيانا تأتى لمنع وصول الدهابة إلى المنجم، الا انهم لا يتوقفون عن التنقيب بمجموعات داخل المنجم ويعودون مرة أخري، وفى احيان كثيرة يموت احدهم ويدفن داخل المنجم وفى مرات اخرى يتسللون فى آخر الليل طلبا للمياه والطعام عند نفادهما، وهذا يتكرر بشكل دائم بل ويضيف أحدهم: أن هناك عيونا على الطريق للدهابة تحذرهم من خلال هواتف مرتبطة بالقمر الصناعى حال وجود حملة امنية تتجه على الطريق ليفروا من المنطقة او يختبئوا ويوقفوا أعمال التكسير. حاولنا الاقتراب من واجهة المصنع على الطريق السريع، الا انه بمجرد الوقوف اكتشفنا ان هيئة الثروة المعدنية تحميه بعدد كبير من الكلاب الضالة وقطعا خرج احد الحراس قائلا كلمة واحدة «ممنوع» بناء على كلماته عدنا الى السيارة واتبعنا تعليمات الدليل الذى كان يرافقنا.




داخل المنجم

عادت السيارة على ذات الطريق للخلف عدة كيلو مترات بعد كلمات الحارس ونباح الكلاب التى يستخدمها لتحذيره من أى غريب يجوب المكان وبعد دقائق كنا نترجل بوادى «الشيحمية» والذى عرفنا فيما بعد ان اللصوص فجروه بالديناميت للوصول للمنجم ودمروا بسببه مطارا كان ينقل سبائك الذهب من المنجم الى بريطانيا رأسا والذى شيده الكونت جون صاحب المصنع الملاصق للمنجم قبل 75 عاماً.

ويكفيك ان تعلم ان هذا المنجم كان ينتج قرابة نصف انتاج مصر من الذهب قبل اغلاقه لذا فالكنز يستحق من قبل لصوص الذهب المغامرة.. وداخل ممر ضيق، ترجلنا سيرا على الاقدام لمسافة 2 كيلو متر وظهرت فى الافق هياكل حديدية عثرنا بالاقتراب منها على اجولتهم وبفتحها وجدنا عروق الذهب داخل الاحجار تبدو واضحة ولونها واضح كميات من الاجولة يخرجها الدهابة من داخل المنجم ويلقونها بطول طريقهم حتى ينتهوا تماما عرفنا انهم يحملونها ويترجلون بها وسط الوادى الضيق حتى يصلوا لسيارتهم كل هذا وحراسة المنجم التابعة لهيئة الثروة المعدنية لا تجرؤ على الاقتراب من المكان.


وبخطوات محسوسة ونظرات متلاحقة اعلى التلال خشية من خروج «الدهابة» من داخل حفرة المنجم وإطلاق النار بحسب التحذيرات، امسكنا جوالا تلو الاخر، أجولة خضراء متناثرة بطول الطريق نفس الأمر فتحناها وفتشنا بداخلها نفس الاحجار المحملة بعروق الذهب ذات اللون الاصفر الداكن من عروق المرو والكوارتز ذات الاصفرار الداكن.

وتتناثر بجوارها فوارغ معلبات الطعام ، مثل: التونة والجبن والفول»، وكذلك مواقد النار التى يستخدمونها لصنع الطعام وهو ما يكشف ان رحلتهم لا تستمر ليوم او يومين فقط بل لايام وربما لشهور وما اكد لنا انهم بالداخل كانت توجد بطاطين على الارض بجوار الاجولة وجركن مياه واخر للسولار يوضح انه مكان لنوم بعض منهم بعد الخروج من المنجم للاستراحة قبل استئناف العمل، وصلنا لفتحة وجدناها عبارة عن ممر حلزونى ضيق واضح انها كانت فتحت تهوية للمنجم ورغم خطورة الدخول اليها، الا انها الوسيلة الوحيدة التى يلجأون اليها من خلال الانزلاق بحبل من المعدن المرن مفتول يستخدم فى النزول وعدد من الفتحات الاخرى التى لم نتمكن من الوصول اليها وظللنا نترقب الاصوات التى تخرج منها اعداد كبيرة ولهجات متنوعة وضح ان بينهم من هم ليسوا بمصريين.

الصور التى ننشرها، تؤكد قيام عشرات الدهابة واللصوص بارتكاب الجريمة والتى تظهر اسطوانات البوتاجاز والأفارقة وهم يحملون ما نجحوا فى سرقته عبر عربات صغيرة «تروسيكل» وأخرى تشبه ما تستخدم فى المعمار وتسمى لديهم «البرويطة».

واتضح لنا أن أجزاء من المنجم وهيكله الحديدي، الذى تبقى منه قبل نهبه والذى لم يخل من سطو» الدهابة « عليه، وأن ما تردد على مسامعنا قبيل الجولة الى الفواخير، دفعنا إلى سؤال الدكتور مصطفى اسماعيل خبير الجيولوجيا والمدير السابق لهيئة الثروة المعدنية بقنا والبحر الاحمر : لماذ ترك هذا المنجم للسلب والنهب؟


فأجاب: منذ زمن وهيئة الثروة المعدنية تعلم ان هذا المصنع والمنجم يتعرض للسرقات واكتفت فقط بنقل ما تركه اللصوص من مقتنيات ومخازن الكونت فيزون الانجليزى وبدلا من ان تقيم سورا وتحافظ على المنجم والمصنع وتحوله الى متحف مفتوح يدرج على الخريطة السياحية ويوقف عمليات النهب المتكررة من «الدهابة» اكتفت فقط بنقل المقتنيات، واستطرد قائلا: هذا المنجم ينتج 27 جراما فى الطن فى حين ان منجم السكرى ينتج 9جرامات فقط، وهذه المنطقة منذ عهد الفراعنة معروف ان بها اكبر احتياطى للذهب فى العالم القديم وحفر على اثر ذلك المصريون القدماء 100 منجم للذهب، ومصنع ذهب الفواخير الذى قام بإنشائه الكونت جون عام 1940 وظل ينتج منه لمدة 15 عاما متصلة بلغ إنتاجه منه 3110 كيلو جرامات وهو بالمناسبة قرابة نصف انتاج مصر من الذهب فى ذلك الوقت.

وبعيدا عن المشقة وخطورة الرحلة، كانت هذه نتيجة زيارتنا لمنجم ومصنع ذهب الفواخير.. فهل تعود الدولة إليه أم أنه سيظل نهباً للصوص والدهابة؟!

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق