رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

بريد الجمعة يكتبه : أحـمــد البـرى
اللمسات الحالمة!

أحمـد البـرى
ترددت كثيرا فى الكتابة إليك عن مشكلتى، فهى قد تبدو صغيرة أمام غيرها من مشكلات الحياة المستعصية على الحل، والتى تحتاج إلى جهود مضنية للتغلب عليها، ولكن ما أكتب إليك بشأنه أحال حياتى إلى جحيم،

ولا أعرف كيف السبيل إلى التغلب عليه؟، فأنا مهندس فى سن الأربعين ركزت كل جهدى فور تخرجى فى البحث عن عمل مناسب حتى وفقنى الله إلى الحصول على عقد عمل فى شركة كبرى، وتزامن ذلك مع بحثى عن فتاة أحلامى التى اشترطت أن تكون جميلة ورومانسية، وتتوافق معى فى الطباع، وأن يربطنا الحب والانسجام، ورشحت لى العائلة الكثيرات، فخطبت إحداهن لكنى لم أرتح إليها ولا إلى أسلوب تفكيرها وطريقة معاملتها، ففسخت الخطبة، وتلتها خطبتان فاشلتان بالطريقة نفسها لتصبح لى ثلاث تجارب فاشلة صرت بعدها حديث الأهل والمعارف والجيران، وواجهت نظرات استهجان من البعض، ونكران واستغراب من البعض الآخر، ولمحت نظرات التعجب فى عيون أبى وأمى وأخوتى، ولسان حالهم يقول لى: «نقول إيه للناس».. نعم عشت سنوات عصيبة وأنا أتخبط فى البحث عن العروس التى رسمتها فى أحلامى، لكنى لم أجدها على أرض الواقع، ولم أعبأ بتحفظات الآخرين وصممت على ألا أتزوج إلا بمن يرتاح إليها قلبى ووفقا لشروطى، وترددت أحاديث كثيرة بين الأهل والمعارف عن سبب فشلى فى إتمام هذه الزيجات برغم أننى أملك شقة وسيارة ووظيفة ممتازة، فضلا عن اهتمامى بمظهرى وأناقتى ومتابعتى أحدث أزياء «الموضة» فى كل ما أرتديه من ملابس، ثم شاء القدر أن أتعرف على فتاة تمت لى بصلة قرابة، ودارت بيننا حوارات عديدة، ووجدتها على علم بتجاربى السابقة، وكذلك قصة حبى لابنة عمى التى كانت وقتها فى الثانوية العامة، ورفضت أمها تزويجها لى، فحدثت قطيعة بيننا وبينهم، وأزلت كل الالتباسات التى ربما تكون قد علقت بذهنها تجاهى، سواء بالنسبة لمن أنوى الزواج بهن، أو بالنسبة لها شخصيا، والحكاية أننا كنا ذات مرة فى مناسبة عائلية، وسخرت من حقيبة يد كانت موضوعة على المنضدة التى أجلس إليها، وعرفت بعدها أنها حقيبتها، لكننا لم نتحدث وقتها، وانصرفنا من المناسبة دون كلام، برغم أننى كنت معجبا بها فى قرارة نفسى، وعرفت أنها تبادلنى الإحساس نفسه لكنها أظهرت عكس ذلك فى مناسبات أخرى من تأفف ونظرات استهجان، ونشأ بيننا عدم استلطاف ظاهريا، ثم أفصحنا عن حبنا المتبادل، ولعبت زوجة عمها دورا كبيرا فى إتمام ارتباطنا، وأثثنا منزلنا الصغير فى حى راق، وأقمنا حفل الزفاف فى فندق خمس نجوم، والحق أن أهلها كانوا نعم السند لى فى جميع مراحل الزواج، وفى الليلة الأولى لنا أحسست أننى أملك الدنيا وما فيها، وتشابكت اللمسات الحالمة التى شعر كلانا بها فجاءت تعبيرا عن مكنون مشاعرنا، وقلت لها: كم أتمنى ألا يتبدل هذا الإحساس الجميل، وأن تظل علاقتنا على هذه الصورة الرائعة، «فعلاقتى الخاصة بك أهم عندى من الطعام والشراب»، ولا أستطيع وصف سعادتى بحملها فى ابننا الأول بعد ستة أشهر، وجاءتنى عدة عقود للعمل بالخارج، اخترت منها عقدا مغريا فى دولة خليجية، وحصلت زوجتى على إجازة بدون مرتب من عملها، وخلال العام الأول لسفرنا أنجبت ابنتنا وأصبح لدينا «ولد وبنت»، وتفرغت لتربيتهما، ولازمت البيت ليلا ونهارا، فكان ذلك نقطة التحول فى حياتنا، إذ أنها ملت من «القعدة»، وظلت على هذه الحال أربع سنوات ثم طلبت منى أن تعود إلى مصر على أن أبقى فى البلد العربى بمفردى، فسعيت إلى الحصول لها على عقد عمل فى مدرسة أجنبية هناك، ولما تسلمت العمل استقرت نفسيا، وألغت فكرة العودة بعض الوقت، وشيئا فشيئا استقلت ماديا براتبها، وتعرفت على مجموعة من المصريات، وتبادلن الزيارات، ودخلن معا فى تنظيم المؤتمرات وغيرها، وصارت تتنقل بين مدن الدولة التى نعمل بها لهذا الهدف، وتعددت أنشطتها، ووجدت سعادة كبيرة فيها، وتحسنت أوضاعى المادية كثيرا واشتريت شقة أكبر من ضعف حجم الشقة التى كنا نعيش فيها بالقاهرة كما اشتريت سيارة كبيرة باسمها، وأثثنا البيت بأحدث وأفخر الأثاث والأجهزة، وأدخلنا ابنينا مدرسة دولية، واشتركنا فى ناد قريب منا واستقرت حياتنا تماما، وسارت علاقتنا الخاصة على ما يرام ما يقرب من عشر سنوات، ثم كانت المفاجأة أنها منذ عامين أو أكثر قليلا تغيرت تماما من ناحيتى، وتباعدت لقاءاتنا الزوجية، وأصبحت تتعمد الهروب منى إما بالسهر، أو النوم المبكر، وتوقفت عن الاهتمام بنفسها طوال فترة وجودها بالبيت، ولكن عند الخروج فإنها تتفنن فى تزيين نفسها لتكون فى أبهى صورة، وحدث ذات مرة أن داعبتها على بيجامة مكشوفة وقصيرة ارتدتها داخل المنزل، فإذا بها تنتفض من مكانها وترتدى أخرى غير مكشوفة، وصار عالمها محصورا فى المدرسة والصديقات والمؤتمرات، وجربت أن أتركها تفعل ما يحلو لها، فلم أجد أى رد فعل منها، وكأن تجاهلى لها قد أعجبها، وعندما انفعلت عليها ذات يوم استجابت لى وهى كارهة!. ثم لاحظت ميلها إلى سماع الأغانى التى تتحدث عن الحب الضائع، والظلم والجور الواقع على الزوجات ورغبتهن فى الخلاص من حياتهن، ودفعنى ذلك إلى الشك فى أن هناك أمرا ما تخفيه عنى وأفصحت لها عما يدور فى داخلى، فعلا صوتها علىّ، واعتبرت كلامى إهانة لها، ثم قالت لى بشكل مفاجىء إنها ترحب بزواجى من أخرى، وأعلنت أمام أهلها ومعارفنا أنها لا تمانع فكرة الزواج الثانى، وتعمدت معاملتى بطريقة توحى بأنها لا تحترمنى فى وجود الأهل والمعارف، فى الوقت الذى تفعل فيه أختها العكس مع زوجها!، وهكذا فقدنا احترامنا لبعضنا، وتدهورت علاقتنا إلى أبعد مدى، وزاد من حدة خلافنا أننى عصبى وغير متعاون فى أمور البيت، كما أنها تقيم الدنيا ولا تقعدها إذا ارتكبت أى خطأ، وتشعر بالرغبة الشديدة فى الانتقام منى، فقد تعصبت ذات مرة على ابنى خلال مراجعتى الدروس الخصوصية له، فرميت الكتاب تجاهه فارتطم بوجهه وتورمت جبهته، فهرولت به إلى المستشفى، وأجريت له الفحوص اللازمة للاطمئنان عليه، لكنها اعتبرت ذلك جريمة وصرخت بأعلى صوتها وهددتنى بإبلاغ الشرطة، فى حين أننى لم أصنع صنيعها حينما ضربت ابنتنا على وجهها وظلت آثار يدها على خدها يومين كاملين، ومع تقلب موقفها أسأل نفسى: كيف ستسير الحياة مع زوجة كارهة لى، وتتحدث معى وكأنها فى مشاجرة؟، إذ لا تعرف لغة الحوار، وإنما يكون كلامها دائما فى صيغة بيان تلقيه على مسامعى دون أدنى اعتبار لى، .. لقد افتقدنا اللمسات الحالمة، وصارت تعيش معى كالجثة الهامدة فى الوقت الذى تكون فيه بشوشة ورقيقة للغاية مع الذكور الآخرين من أقاربها ومعارفها، ومنعتنى من اصطحاب إبنينا إلى بيت أبى لأنها لا تطيق أمى ولا تتحمل البقاء ولو بعض الوقت فى بيت العائلة. وبصراحة فإننى فكرت فى إقامة علاقات مع أخريات على شبكة الإنترنت سعيا للزواج بأخرى تعفنى، وهى كما قلت لك لا تمانع بل وتحثنى على ذلك، وما بين شكى فى تصرفاتها، ومستقبل ابنىّ أعيش عذابا أليما، وكلما اتخذت خطوة نحو الزواج بأخرى أتراجع، فإلى متى أتحمل هذا الوضع؟، إننى عجزت عن التفكير، فبماذا تشير علىّ؟.



ولكاتب هذه الرسالة أقول :

عندما يصيب الغرور الإنسان فيجعله ينظر إلى نفسه على أنه أفضل من المحيطين به، وأنه يملك ما لا يملكه غيره من المال والجاه والسلطة والوجاهة والوسامة، ويتصور أنها مزايا تدفع الآخرين إلى محاولة كسب وده، أقول: حينئذ يكون قد وضع بداية النهاية لنفسه، وقد لمست ذلك من السطور الأولى لرسالتك التى عددت فيها مؤهلاتك المادية والشخصية، ولهذا لم تُرض الفتيات الثلاث اللاتى خطبتهن غرورك، فانصرفت عنهن أو انصرفن عنك، واحدة بعد الأخرى، ولعل هذه الأسباب هى التى جعلت زوجة عمك ترفض ارتباطك بابنتها، وحتى الفتاة التى شاء القدر أن تتزوجها لم تسلم هى الأخرى من نظرتك المتعالية حين سخرت من حقيبة يدها دون أن تعلم أنها صاحبتها، ثم قلت إنك فى قرارة نفسك كنت معجبا بها، فأى تناقض هذا الذى يسيطر على تفكيرك؟، وإذا سلمنا جدلا بأنك تمتلك ناصية الحكمة وأن صفاتك التى تراها فيك هى بالفعل سمات أساسية فى شخصيتك وتكوينك، فهل يعقل أن تحصر حياتك الأسرية فى علاقتك الخاصة بزوجتك لدرجة أنك مستعد للتنازل عن الطعام والشراب وكل ما يقوم عليه البناء الأسرى فى سبيل إرضاء رغبتك الجسدية؟، أى تفكير هذا الذى أصبحت أسيرا له؟.. إن زوجتك سيدة طبيعية جدا، تجاوبت منذ زواجكما فى كل ما تريده، وسافرت معك إلى الخارج ولم تقصر فى حقك، ومن الطبيعى أن يتغير التكوين الجسمانى بمرور الوقت، ومن ثم يتطلب الأمر الاعتدال فى كل شىء حتى فى العلاقة الخاصة، كما أنك لم تنكر استجابتها لك كلما طلبتها إلى الفراش، وهو من الواضح طلب تكرره يوميا وفقا لما تبينه سطور رسالتك، ومع ذلك تدعى أنها لا تتجاوب معك، وتكون جثة هامدة بدون اللمسات الحالمة التى افتقدتها بعد أكثر من عشر سنوات زواج.

إن زوجتك لم تقصر فى حقك وأراها تبذل أقصى ما تستطيع لإرضائك، لدرجة أنها أبلغتك بعدم ممانعتها أن ترتبط بغيرها، وعند هذا الحد لا غبار على موقفها، ولكن على الجانب الآخر يجب أن يحفظ كل منكما حق الآخر، فلا تتكلم بما يؤذيها، وعليها أن تنزلك أمام الآخرين منزلة الزوج والحبيب، وأن تتفاديا دائما مواطن الشجار، فلا شىء أبقى للمرء من شريكة حياته وأم أولاده، والحال بالنسبة لها كذلك، إذا أحسنا العشرة وربطتهما الرحمة والمودة، حيث يقول تعالى: «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِى ذلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» (الروم 21)، إن الحياة الزوجية لا تعنى تلبية الغريزة فقط، وإنما تقوم على الانسجام بين الزوجين واتحادهما فى كل شىء، شعور وعواطف وآمال، وعمل وتفاهم، وتربية ورعاية، وأسرار متبادلة، ولقد وضع القرآن الكريم أسس الحياة العاطفية الهانئة الهادئة بأن تظلل الزوجين الفرحة والابتسامة، وأن يصغى كل منهما للآخر، فليكن النقاش المبلل بندى العاطفة هو سبيلكما فى الحياة، ومن الأفضل ألا يطول النقاش، وألا يصل إلى حد المراء، فالنقاش بهذه الطريقة يتغلب على كل المصاعب، ويقول لسان حال الزوج السعيد:

أنا أنت وأنت أنا

كلانا روحان حللنا بدنا

ولتعلم أن النفس جبلت على محبة من يعاملها بلطف، ويسعى إليها بالخير، فكيف تكون الحال لو أن الإنسان هو الزوج أو الزوجة وبينهما مودة من الله؟.. نعم ليكن هذا هو منهجك فى حياتك الزوجية، وعليها أن تسعى هى الأخرى لكسب ودك، والتحبب إليك بحسن المعاملة وطيب المعاشرة، وأن تجاهد نفسها لإرضائك، فالمرأة المحبوبة هى التى تعطى زوجها ما نقص من معانى الحياة، وتلد له المسرات من عواطفها كما تلد من أحشائها، وهى وحدها التى تستطيع إيجاد الجو الإنسانى لزوجها، فمن النساء من تدخل الدار فتجعلها روضة ناضرة باسمة مهما تكن مصاعب الحياة، ومنهن من تدخلها فتجعلها كالصحراء برمالها وقيظها وعواصفها، وأرجو أن تعيدا النظر فى ضوء هذه الثوابت التى يجب أن يعرفها كل من يسعى إلى الحياة السعيدة. ولا تتسرع فى الإقدام على زواج ثان قد لا يلبى لك رغبتك الجامحة فى العلاقة الحميمة، وإنما يجر متاعب جمة تفسد عليك سعادتك الحالية، وبقليل من الحكمة والصبر تصبح الأمور بينك وبين زوجتك على ما يرام، والله المستعان.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق