من المفارقات التى لا تتكرر، أن يتولى مشيخة الأزهر الشريف ثلاثة مشايخ من أسرة واحدة هم «الأب والابن والحفيد»، ففى مسيرة مشايخ الأزهر الشريف التى طوت 47 شيخا، تقلد هذا المنصب الشيخ أحمد العروسى وأبنه محمد وحفيده مصطفى، ليكونوا علامة فارقة وموقفا بارز فى تاريخ الأزهر.
كان الشيخ الحادى عشر للأزهر الشريف وهو الشيخ أحمد العروسي «شافعى المذهب» الذى تولى المشيخة فى عام 1778 وظل شيخا للأزهر الشريف حتى عام 1793، أى نحو 15 عاما كاملة، ولد الشيخ العروسى بقرية منيل عروس، محافظة المنوفية، وفي قريته حفظ القرآن الكريم، ودرس العلوم الدينية واللغوية، كما درس العلوم الرياضية، والفلك، والمنطق، وأخذ الطريقة الصوفية عن السيد مصطفى البكري، ولازمه، وتلقَّن منه الذِّكر، ثم وفد إلى الأزهر وتلقى العلوم على كبار شيوخه، حتى صار من كبار علماء الشافعية في وقته، واتصل بالشيخ أحمد العريان الذي أحبه واعتنى به وزوجه إحدى بناته، وبشره بالسيادة وبأنه سيصبح شيخاً للجامع الأزهر، وتحققت هذه البشارة بعد وفاته، وعندما أراد الوالي إبراهيم بك أن يولي الشيخ عبد الرحمن العريشي مشيخة الأزهر ثار العلماء واعتصموا بمسجد الإمام الشافعي، والتف حولهم الناس، وطالبوا أن يكون الشيخ العروسي هو شيخ الأزهر فنزل على رغبتهم، وعرف الشيخ العروسى بالإقدام والجرأة على الأمراء والحكام خاصة فيما يتصل بأمور الناس والصالح العام، وكان كثيراً ما يتدخل لتصفية الخلافات بين المتنازعين، وكان الأمراء يستشيرونه ويستفتونه في أمورهم، وكان لا يتردد في نصيحتهم، ولومهم أحياناً.
ومن مواقفه الشجاعة رفضه أن تأتي جنود من خارج مصر لحفظ الأمن، ووضح للوالي إسماعيل بك خطر ذلك، فعمل بنصيحته، بل وطالب بزيادة أرزاق الجنود المصريين فقاموا بواجبهم، وحدث في عصره أزمة اقتصادية بالبلاد واشتد الغلاء، فذهب الشيخ إلى الوالي حسن باشا واتفق معه على وضع تسعيرة للخبز واللحم والسمن، وخرج المحتسب ليعلن في الأسواق السياسة التموينية الجديدة، ويهدد من يخرج عليها، فزالت الأزمة.
ومن أهم مؤلفات الشيخ أحمد العروسى التى تركها للأزهر الشريف كتابين، الأول (شرح نظم التنوير في إسقاط التدبير – للملوي في التصوف)، والثانى (حاشية على الملوي علي السمرقندية - في البلاغة).
الشيخ الرابع عشر
وبعد مرور 25 عاما من ترك الشيخ أحمد العروسى لمشيخة الأزهر، تولى منصب الشيخ الرابع عشر للأزهر ابنه الشيخ محمد أحمد العروسي فى عام 1818 واستمر شيخا للأزهر لمدة 11 عاما حتى عام 1829.
وكان الشيخ محمد «شافعى المذهب» وتلقى العلم على يد والده الشيخ أحمد العروسي، فلما توفي والده حل محله في التدريس لطلبته، وكان شغوفا بالعلم، فكان يواصل التدريس لطلبته من الصباح إلى المساء.
الشيخ العشرون
وفى عام 1864 تولى الشيخ مصطفي محمد أحمد العروسي، حفيد الشيخ أحمد وابن الشيح محمد مشيخة الأزهر الشريف ليكون الشيخ العشرين له واستمر فى منصبة حتى عام 1870.
تلقى الشيخ مصطفى «شافعى المذهب» العلم على يد والده وعلى أيدي علماء ومشايخ الأزهر، وتولى رئاسة لجنة تدير شئون الأزهر في حياة الشيخ الباجوري، وبعد وفاة الباجوري تولى المشيخة، كان معروفاً بقوة الشخصية والنظام والدقة، فخافه الطلاب وهابه المشايخ والأمراء، وأسس نظاماً يحدد صلاحية من يريد التدريس بالأزهر، ووضع نظام امتحان للمدرسين حتى يميز الصالح منهم، وعزله الخديوي إسماعيل من منصبه دون إبداء أسباب.
رابط دائم: