عشت تجربة مريرة أدت بى إلى ما أعيشه الآن من متاعب وأحزان،
ولم أدرك فداحة أخطائى إلا فى هذه المرحلة من العمر بعد أن ظللت شيطانا فى أفعالى وتصرفاتى، ولم يردعنى شىء حتى أفقت على طامة كبرى عصفت بى وسوف أعانيها إلى أن تحل النهاية المحتومة، فأنا رجل اقترب من سن الستين، وأعمل مديرا فى هيئة حكومية، وكان لنشأتى دور كبير فى الحالة التى وصلت إليها، فمنذ صغرى لم يوجهنى أحد، ولم أجد من أبوىّ أى تعليق على سلوكياتى التى ارتبطت بمن حولى من أصدقاء وأغلبهم كانوا من أهل السوء فجذبونى معهم إلى الحرام، وبالرغم من أن أسرتى كانت على علم بكل تصرفاتى، فإننى لم ألق اهتماما من أى فرد بها، بل للأسف الشديد سهّلوا لى كل شىء حرام..أحيانا بالنصب على الناس، وأحيانا بالسرقة والاختلاس، وربما الكذب والوقيعة وشهادة الزور مادام هناك فى المقابل عائد مجز يحصلون عليه، فالمال كان همهم الأول والأخير وفى سبيله يفعلون المستحيل، وحينما فكرت فى الزواج، وجدت أمامى فتاة احلامى، وقد جذبتنى إليها بطيبتها ورقتها وجمالها، وهى حاصلة على مؤهل عال، ولا تأتى الأفعال التى أسلكها، لأنها قريبة من الله، وتخشاه، وترجو رضاءه، فعقدت العزم على ألا أعود إلى أى معصية تغضبه عز وجل، ورزقنا الله بالأولاد والبنات، وسبحان الله العظيم فلقد نشأوا على الأخلاق الحسنة والقيم النبيلة، والمواظبة على الصلاة وحسن معاملة الناس، وتفوقوا فى دراساتهم، ولعبت أمهم بما وهبها الله من عقل راجح، وصبر طويل دورا كبيرا فى ذلك، والحقيقة أننى لم أتخلص من الآفات التى أصابتنى، فظللت سائرا فى طريق السوء، بل إن أهلى حرضونى على زوجتى من باب أنهم يكرهونها، ولا أدرى سببا لذلك، إلا لأنها لا تجاريهم فى لهوهم وغيِّهم، واستمروا فى موقفهم المعاند بلا ذنب ولا جريرة، وكانت كلما دبَّروا موقفا لافتعال مشاجرة معها، تمتص غضبهم وتزداد تفانيا فى خدمتهم، وتستغل كل دقيقة فى المذاكرة للأولاد، والقيام بشئون المنزل، وتلبية طلبات العائلة كلها!.
ولأن “الزن على الودان أمر من السحر” كما يقولون، فإننى لم أعر كل خدماتها اهتماما، وأسأت معاملتها، فلم تسلم يوما من سبابى وإهانتى لها، ولو تجرأت وفاتحتنى فى أننى تغيَّرت من ناحيتها، أنهال عليها ضربا وركلا ولا أتركها إلا بعد أن يسيل دمها، ولا أتورع عن إيذائها أمام أولادنا، وهم يبكون ويصرخون من هول غلظتى ووحشيتى تجاه أمهم، فإذا انتهيت من هذه المهمة الحقيرة التى أشار علىَّ أهلى بها، أذهب إليهم، وأقص عليهم ما حدث بالتفصيل وأبالغ أحيانا فى تمثيل المشاهد الدامية ورد فعل زوجتى، فيضحكون ويطلبون منى مزيدا من القسوة عليها لأنها تستحق ذلك!
والغريب الذى لم أجد له تفسيرا، أننى كنت مدفوعا لإيذائها بشكل لا يصدقه عقل برغم أنها لم تفعل شيئا يغضبنى، وكانت ترجونى أن أفصح لها عن سبب واحد لتنكيلى بها، وتؤكد لى أننى مهما فعلت بها فلن تترك بيتها وأولادها فأزداد عنادا، وأظل عند اهلى بالشهور، وأتركها وأولادى بلا مصاريف، ولا أسأل عنهم، وكلما هممت بالاتصال بهم يمنعونى عنهم، ولم أسمع منهم كلمة واحدة حلوة عن زوجتى وأولادى، وقد لا تتصور أنهم كانوا يحضرون لى نساء ساقطات لكى أمارس معهن الرذيلة وأنشغل بهن عن زوجتى، ولا ألقى بالا بأولادى، نعم فعلت ذلك متجاهلا القول البليغ الذى كان يرن فى أذنى عند كل إيذاء لزوجتى وكل معصية لربى «إذا دعتك قدرتك على ظلم الآخرين، فتذكر قدرة الله عليك»، ولم أعرف قدر أبنائى وأمهم، وهم النعمة التى وهبها الله لى، ولم أصنهم، بل تماديت فى إذلالهم بشتى الطرق!.
ومرت الأيام وأنا بعيد عنهم، وجاءتنى جارة فاضلة لأسرتى وأبلغتنى على مرأى ومسمع من الجميع أن ابنتى الكبرى أصيبت بوعكة صحية، وأن زوجتى باعت بعض أثاث المنزل لكى توفر لها ثمن الدواء، وقالت لى: «أشهد الله أننى أبلغتك بما هم فيه، وعليك أن تتقى الله فى بيتك وأولادك»، وتركت جلستنا وهى تضرب كفا بكف، وأنا جالس مكانى بلا اكتراث وكل ما فعلته بعدها أننى أرسلت إليهم بعض المصاريف الضرورية، وانغمست من جديد فى مغامراتى النسائية التى أدمنتها.. ومرت سنوات على هذه الحال وتخرج أولادى فى الجامعة وعملوا فى هيئات وشركات كبرى، بينما أنا غارق فى ملذاتى!.
وحانت ساعة القصاص العادل، إذ تعرضت للفضيحة على رؤوس الأشهاد فى موقف يندى له الجبين خجلا بعد أن تم ضبطى مع إحداهن، ونسيت أن لكل واحد نصيبا من الستر، فإذا نفد رصيده انكشف أمره، وصدق الله العظيم إذ يقول فى كتابه الكريم “إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَاد” (الفجر 14)ِ .. نعم كان موقفا عصيبا وصدمة مروعة، وكارثة أخلاقية على أولادى الذين لم أستطع أن أبرر موقفى أمامهم، ولم يجدوا بدا من أن يتركوا البيت، وينتقلوا إلى أعمال أخرى، من هول ما رأوه وما سببته لهم من جراح بتصرفاتى الدنيئة.. ولا أعرف إلى أين ذهبوا؟، وأين اختفت زوجتى؟، فلقد سألت الكثيرين عنهم، فلم يردوا علىَّ، وكل ما فعلوه أنهم نظروا إلىَّ باحتقار شديد، وانفضوا من حولى بمن فيهم أهلى!.
وزادت متاعبى الصحية وسقطت على الأرض مغشيا علىَّ، فأخذنى أحد أخوتى إلى المستشفى، وهناك كانت الفجيعة الكبرى بإصابتى بالمرض اللعين فى مرحلة متقدمة، وأننى على مشارف الموت فى أى لحظة، وأدركت أنها عدالة السماء، وأتعبنى التفكير فى مصيرى المحتوم بينما زوجتى وأولادى يتخبطون فى الحياة بسبب اللألاعيب الشيطانية التى مارستها فى حياتى، وأدرك تماما استحقاقى الرجم حتى الموت، ولكنى أطمع فى أن يغفر الله لى ذنوبى، فهو الغفور الرحيم، وأشهدكم جميعا أننى تبت إليه ولن أعود إلى أى ذنب أبدا، وأرجو أن يقرأ أولادى وزوجتى رسالتى فيسامحونى على ما سببته لهم من متاعب وظلم وفضائح، وكفانى ما أعيشه من أحزان.. وليت كل من سلك الطريق الذى سلكته يدرك نهايته الأليمة، علاوة على ما ينتظره من قصاص عادل فى الدنيا والآخرة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
> ولكاتب هذه الرسالة أقول :
يقدم كثيرون من الناس على التوبة بشكل هامشى غير نادمين، ومن ثمَّ فإنهم يعاودون الذنب والتوبة مرات ومرات، وهذا ما فعلته كثيرا من قبل، وفاتك أنه كلما قويت قوة الندم، وقوى الاعتراف بالذنب، كلما أُحرقت آثار ذلك الذنب فى قلب المرء، وصاحب تذكره الندم، وبالتالى يصعب تكراره، إذ أن الندم والاعتراف يمنعان معاودته، وهذا هو الدرس الكبير الذى لم تتعلمه ولا يأخذ به معظم المذنبين أيا كانت ذنوبهم وأخطاؤهم، فلقد كررت اساءاتك لزوجتك وأولادك، وارتكبت المعاصى، وسلكت مسالك السوء، وبرغم أن الله نجاك من كل ذلك، ومنحك مئات الفرص للرجوع عن خطاياك فإنك لم ترتدع حتى حانت لحظة القصاص العادل فتعرضت للفضيحة، واكتشفت إصابتك بالمرض اللعين، ولا سبيل إلى تدارك معاصيك إلا بالتوبة النصوح حيث يقول تعالى فى كتابه الكريم «وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا» (الفرقان 68 و69 و70) ،.. إذن شرط التوبة ألا يعود المرء إلى المعصية أبدا، وإذا كان فيها ظلم لأحد فلا تقبل حتى يأخذ المظلوم حقه، بمعنى أن يأخذ أولادك وزوجتك حقوقهم منك بعد كل ما ارتكبته ضدهم من ذنوب وأخطاء، والتوبة النصوح يجب أن تتبعها الأعمال الصالحة التى تزيل أثرها، وتطهر المذنب من أدرانها وتبدلها حسنات، فلتكن توبتك هذه المرة توبة نهائية لا عودة فيها للمعاصى، وليتعظ أهلك مما حدث لك، وبالتأكيد سوف يلقى كل من حرضك منهم على زوجتك وأولادك جزاءه فى الدنيا قبل الآخرة.
وإنى أستغرب ان يكون تدخل أهلك لإفساد حياتك الزوجية إلى درجة أن يدفعوك إلى ارتكاب الموبقات، وتسهيل الكبائر حتى الزنا.. أى عقل يستوعب ذلك؟، وكيف تركت لهم الحبل على الغارب لكى يقضوا على أسرتك طمعا فى الاستئثار بأموالك؟، إن أكثر من أربعين فى المائة من حالات الطلاق تقع نتيجة تدخلات الأهل فى حياة الزوجين، ومع أننى لا أحبذ تدخلهم فى أى مشكلة إلا أن ذلك ليس مرفوضا بشكل كلى، بل هو مطلوب بشرط أن يكون إيجابيا وبنَّاء ويخدم استمرار قطار الحياة الزوجية على طريقه الصحيح نحو مزيد من الألفة والمحبة والصلح والاستقرار، وليس على طريقة تدخل أهلك الذين صبوا الزيت على النار وأججوا الأزمات فلا حق لأبويك وأخوتك فيما فعلوه ووافقتهم عليه طلبا لمتع زائلة، وكان يجب عليك ألا تطيعهم، صحيح أننى أطالب دائما الأزواج بأن يبروا آباءهم بالمعروف، ولكنى أيضا أنصحهم بألا يطيعوهم إذا تعدوا حدود الله، ولا يعينوهم على الظلم، ومن ذلك ظلم زوجات الأبناء، وعليهم أن يجادلوهم بالحسنى، وألا يحولوا بينهم وبين طاعة الله تعالى، ويجب أن يكونوا جريئين فى الحق، بل إذا اقتضت المصلحة المباعدة بين الزوجة والأهل فلا حرج فى ذلك، ولتتسع أخلاقنا وصدورنا وليتحمل بعضنا بعضا، ولا ننسى الفضل بيننا، وأن نأتمر بالمعروف، ونصبر وندفع الإساءة بالإحسان.
والحقيقة أننى أميل إلى الاتفاق المسبق بين الزوجين على سياسة التعامل مع أهل كل منهما برسم حدود للعلاقات المتبادلة بينهم، والاتفاق على الأمور التى يجب ألا يتدخل فيها أحد باعتبارها من الأسرار الزوجية، مثل العلاقة الحميمة واختلاف الطباع والآراء، والأخطاء السلوكية، والمطالب الخصوصية أو المنزلية وغيرها، وأيضا عدم إدخال الأهل فى تفاصيل الحياة اليومية، وتتضمن هذه السياسة كذلك فن التقرب والتودد إلى الأهل، وتحديد الزيارات، وافتعال المناسبات التى تؤلف بين القلوب، وتعطى لهم فرصة التواصل الإيجابى ومراعاة الحقوق والواجبات، إلى جانب التوازن بألا يشعر الابن أمه بأن زوجته استحوذت عليه أو العكس، بمعنى أن يجعل والدته تحس بأنها رقم واحد فى حياته، ويشعر زوجته بأنها كذلك، ولا يذكر أحدهما إلا محاسن الطرف الآخر ولا يتناول عيوبه أو سيئاته، بل يعمل دائما على تحسين صورته، وترضية خواطر الطرفين بالكلمات الطيبة المتبادلة.
ومن الأمور المهمة مراعاة الخلل فى العلاقة بين الزوجة وأخت الزوج، فلا شك أن تهرب الزوج من مسئولياته تجاههما، وإرجاءه حل النزاع بينهما يفتح الأبواب أمامهما ليفعلا ما يحلو لهما، وهنا عليه أن يفض الاشتباك بحنكة ويجعل فترات لقائهما متباعدة، ويساعد كلا منهما على امتصاص غضبها تجاه الأخرى.
إن الأمل فى عفو الله وغفرانه لا يصمت أبدا، ولكن بشرط أن يتراجع المرء عن كل ما ارتكبه من معاص وأخطاء، وإنى أرى فى اعترافك بأفعالك الشيطانية، وتجملك بالرجوع عنها إلى الأبد، ودعوتك لزوجتك وأولادك إلى العودة إليك، مع تأكيدك التكفير عن ذنوبك وتوبتك النصوح.. أقول أننى أرى فى كل ذلك فرصة أخيرة للم شمل الأسرة، ولا شك فى أن اعترافك بكل الحقائق التى ذكرتها، وبأنك ظلمت أسرتك هو الخطوة الأولى على طريق ترك الأعمال الشيطانية والعودة إلى طريق الحق والصواب، وأسأل الله أن يصلح مسار حياتك، وأنى أدعو زوجتك وأولادك إلى طى الماضى وألا يتركوك فى محنتك، وأن تبدأوا معا صفحة جديدة ناصعة البياض، ومن يدرى فلعل الله يكتب لك الشفاء من المرض الذى ألم بك، فتصبح سليما معافى، ولتكن فى قصتك عبرة وعظة لكل عاص ومذنب، والله المستعان.
رابط دائم: