أكتب إليك رسالتى وأنا أتخبط بين أمواج بحر حياة بائسة انسقت إليها بإرادتى، وأروى لك حكايتى منذ البداية فأقول إننى سيدة تعديت الخامسة والأربعين من عمرى،
ونشأت فى عائلة عريقة بكفر الزيات فى الغربية لأب يتمتع بوضع اجتماعى مرموق ودمث الخلق، شديد التواضع، ومنذ دراستى بالثانوية العامة تقدم لى الكثيرون طلبا للزواج بى، لكنى رفضتهم إلا واحدا تمسكت به، هو ابن عمتى الذى يحظى بوجاهة تخدع من ينظر إليه لأول وهلة، ولكن سرعان ما يزول الإعجاب به بمجرد التعامل معه، وحين تقدم لخطبتى لم يكن والدى يرغب فى تزويجى له لأنه لا يحبذ زواج الأقارب، ولكنه وافق على مضض أمام إصرارى عليه، ولم يسمح لنا بالجلوس معا بمفردنا، ولذلك لم تكن أمامى فرصة للتعرف على شخصيته إلا بعد إعلان خطبتنا، وإذا بى أجدنى أمام شخص غريب الأطوار ففررت منه، وطلبت فسخ الخطبة لكن أبى رفض بشدة وقال لى: «انت اللى أصريت على الزواج به، وأى تصرف ضده سيوقع العداوة بينى وبين العائلة، يعنى اطّلقى لكنى لن أفسخ خطبتك»، وحزنت لموقف أبى الذى راعى أخته على حساب ابنته، فذهبت إلى ابن عمتى وطلبت منه أن يفسخ خطبتنا، بل وعرضت عليه عددا من صديقاتى الأكثر منى جمالا لعله يتركنى لحالى، فما أن سمع طلبى حتى أصابه الضيق وتحدانى، وقال لى بعصبية مخيفة: «سأتزوجك ولن اترك حقى»، ومرت الأعوام بطيئة كئيبة وتخرجت فى كليتى، وجاءت ساعة الصفر ووجدتنى بين أربعة جدران معه، وحاولت إقناع نفسى بأن أتأقلم مع هذا الواقع الأليم، وبدأت حياتى الزوجية، وأنا أترقب ما سوف يفعله معى، ولم يمر أسبوع واحد حتى وجدتنى أمام وحش كاسر ينهال علىّ ضربا بلا سبب، ولمجرد تهيؤات فى خياله، فذات يوم استعنت بعمال لتركيب شناكل للشبابيك، وما أن علم بذلك حتى أذاقنى علقة ساخنة وفقدت الوعى، وخرج يقول للناس أمام البيت: «أنا ذبحتها» فأسرعوا إلىّ ولما رأوا حالى أبلغوا أبى فجاءنى على عجل، وعنّفه بشدة وأخذنى معه وأصر على تطليقى منه، وبعد يومين جاءنا بصحبة شقيقه الذى استعطف أبى، وقال إنه المسئول عن أى إساءة لى بعد ذلك، وعدت إلى زوجى وأنجبت ابنىّ أحمد وعمرو، وربطت أبى بهما علاقة حب وأبوة، وعشنا بحسه فى أمان، وذات يوم صحوت من نومى على خبر مفزع برحيله، فأدركت أن العذاب الحقيقى لم يبدأ بعد، وأن موته إيذان بضياعى أنا وابنىّ، برغم أن أمى مازالت على قيد الحياة، فعهدى بها منذ الصغر أنها امرأة قاسية القلب لا تمت إلى الأمومة بصلة، ولها معى مواقف عدوانية عديدة، وزاد من مأساتى رحيل عمتى أم زوجى بفترة قصيرة، وبعدها بدأ فى تنفيذ خطته لتعذيبى، ولم يسلم ابننا أحمد من قسوته، إذ كان يحمله من أذنيه ويقرع رأسه فى الحائط ثم يرميه على الأرض ويضربه بكعب رجله فى بطنه، ويثنى الخرطوم كالكرباج، ويهوى به عليه يمينا ويسارا!!
ولما فاض بى الكيل من عدوانه ذهبت وابنىّ إلى بيت أبى، وهناك واجهنا صراعا مع أمى وشقيقى اللذين لا يطيقان وجودنا معهما حتى لا نعكر صفو حياتهما المرفهة، أو نشاركهما فى شىء مما وضعا أيديهما عليه، وأتذكر كلامها وهى تتحدث مع خالتى فى التليفون قائلة: «حجم الزبالة زاد»، أما أخى فيقول: «عايزين تورثوا؟.. محدش هياخد حاجة»، وزاد من تعنت أمى ضدنا أنها طردت ابنى الأكبر ذات يوم وقالت له: «روح بيتكم.. أبوك مستنيك»، فجرى فى الشارع وهو يقول: «محدش بيحبنى»، فأمسك به المارة، وأخذته هو وشقيقه وعدنا إلى شقة الزوجية، فاستقبلنا زوجى بشماتة قائلا: «إيه اللى رجعك.. طبعا أمك عايزة تاخد كل حاجة.. يعنى مش نقصاكى»، وزاد فى كلامه ألفاظا أعف عن ذكرها، وراقب الجيران حالتى، وسمعت أحدهم وهو يقول بصوت عال: «دى زى حبة الفول بين شقى الرحى.. أهلها وزوجها».
وأمام غطرسته التى لا حدود لها اضطررت فى بعض الأحيان لمغادرة منزل زوجى إلى بيت أبى، واستقرت بى الحال لفترة من الوقت فى شقة خالية من أى مستلزمات للمعيشة وتحملت شظف العيش بها برغم كثرة الشقق والمبانى التى كانت بحوزة أبى، لكن أمى وأخوتى حرمونى من الراحة فى أى منها، ولا أدرى لماذا تتعمد والدتى أن توقع بيننا العداوة كأخوة فى المعاملة والعطاء، ولا لماذا تريد إبعادى عن ابنىّ؟ فكثيرا ما قالت لى: «ارمى له أولاده واتجوزى»، لكنى مضيت بإصرار فى طريقى للحفاظ عليهما، وزرعت فيهما شعار «الصعاب تصنع الرجال»، واحتلا المراكز الأولى دائما، وحاولت أن أضع لهما أساسا دينيا لكى يكون بنيانهما قويا من الناحيتين الإيمانية والأخلاقية، ولكن كيف يبلغ البنيان تمامه، وأنت تبنى وغيرك يهدم؟.
وذات يوم دخل علىّ كالوحش المتعطش للنيل من فريسته، وهشّم كل ما وقع تحت يديه من أثاث الشقة، ثم بدأ اعتداءه علىّ بضم كفيه ثم رفعهما إلى أعلى، وهوى بهما بقوة على رأسى فارتميت على الأرض، وهنا انقض علىّ ضربا وركلا، وحاول أن يخنقنى، ولم يتركنى إلا فى النفس الأخير، بعد أن غرس أسنانه فى ذراعى محدثا جروحا غائرة بها، وتجمع الجيران ونقلونى إلى المستشفى الذى أبلغ الشرطة، واعتبروا الحالة شروعا فى القتل، لكنى لم أكمل الإجراءات ضده، وفكرت فى البحث عن مكان بديل للسكن فيه بعيدا عن بيت أبى، وجبروت زوجى، وكان معى بعض النقود من جزء من الميراث أخذته بعد جهود مضنية إذ أن شقيقى لم يكن يريد أن يعطينا أنا وأخواتى شيئا منه، فأجرت حجرة بسطح أحد البيوت، وتناقل الناس الخبر على أنه فضيحة مدوية حيث إن عائلتنا كبيرة ومرموقة فى المنطقة، كما أن خالى يملك العديد من الأبراج الفارهة، ولما بلغهم ما سوف أصنعه، جاءونى جميعا وأعادونى إلى شقة الزوجية لإزاحة هذا «العار» عنهم!.
والغريب حقا هو أنه كان «يطفشنى» من البيت ثم يسعى لإعادتى إليه، وكنت حريصة على ألا أحمل مرة ثالثة لكى لا أزيد عدد الضحايا، ولكن إرادة الله كانت فوق إرادتى، وقد انزعج عندما علم بذلك، وطلب منى أن أجرى عملية إجهاض فرفضت وقلت له: «أنا مش عايزة أصلا حاجة تربطنى بيك تانى، ولكنها إرادة الله، وسوف أربيهم بعيدا عنك»ّ، وخرج ابنى الثالث إلى الحياة وسط الغيوم الشديدة التى تحيط بنا من كل جانب، وبدأ زوجى تصرفات لم أجد لها تفسيرا مثل حرصه على إغلاق الشبابيك طوال النهار، وبقائنا فى جو معتم كئيب، وأحسست بأعراض لم أعهدها من قبل، وسمعته وهو يحدث نفسه قائلا: «خليكى كده ممسوكه من ظلمك»، وواجهت هذا السلاح الجديد بعد الضرب، لكنى فشلت فى معرفة أسبابه عن طريق الأطباء، ونصحتنى صديقة لى بالذهاب إلى شيخ معروف يعالج هذه الحالات، فعرضت نفسى عليه بصحبتها، وتحسنت حالتى كثيرا، لكنه ما أن رآنى طبيعية حتى أصابه الغيظ، ولا أدرى ماذا صنع لى، فقد عاودنى التعب من جديد!!
وحدث بعد ذلك ما قض مضجعى وزاد حزنى، وهو أنه استمال ابنى أحمد إلى صفه، فأخذت شقيقيه عمرو وأيمن وخرجنا بحثا عن مأوى، وانتهى بنا المطاف فى حلوان، وسحبت ملفيهما من المدرسة التى كانا بها إلى مدرسة أخرى، وذهبت إلى والدتى لتساعدنى ببعض المال فقالت: « أنا مش مسئولة عنك.. أنا أساعدك بفرخة فى الشهر»!، وتوقف أبوهما عن إرسال مصاريف شهرية لهما، ولم يكتف بذلك وإنما أقنع ابنى عمرو بأن يعيش معه، وأعطاه مصروفا كبيرا، وشيئا فشيئا انجرف إليه ليلحق بأخيه، وبدا كريشة تطير فى مهب ريح أبيه، ولا أستطيع الإمساك به، واختفى من حياتى هو الآخر، وهكذا تعرضت لزلزال جديد وفقدت ولدى الثانى، وعشت أنا وابنى الثالث أيمن بمفردنا، وتنقلنا من مكان إلى آخر، لكن زوجى لم يتركنا وحاول استمالته هو أيضا، وخضت معارك عديدة حتى حصلت على الطلاق.
وذات يوم كنت أركب سيارة ميكروباص اصطدمت بسيارة ملاكى، وأصبت بإصابات بالغة، ونقلنى المارة إلى مستشفى قصر العينى، وجاءنى ابنى أيمن، وأنهى إجراءات جراحة قررها الأطباء لى، ولما أفقت من العملية وجدت شابا يقف بجوار أيمن، وإذا به ابنى عمرو، ثم جاء بعده أحمد، وتجمع الثلاثة حولى، وخرجت من المستشفى إلى بيت والدتى، وقد التف حولى أولادى، وقال لى أحمد: إن أباه تزوج بسيدة أخرى يعاملها معاملة حسنة، وأنه قال له: «لو كنت بتعامل ماما ربع المعاملة التى تعاملها لزوجتك ماكنتش مشيت»، وعرفت أنه وشقيقه تعثرا فى الدراسة، وقد استغل أبوهما وضعهما لإقناعهما بالعودة إليه لكى يصرف عليهما!.
لقد مررت بسلسلة طويلة من العذاب، ولم آخذ حقى فى ميراث والدى، ولا معاشه، وتعرضت للبهدلة من أهلى ومطلقى، وضاعت منى أموال كثيرة بسبب طمع الآخرين حتى بمن فيهم أهلى، وكان كل ذلك كفيلا بأن يسمح لى بشراء سكن بسهولة، ومعيشة رغدة كريمة، ومازلت من آن لآخر أستيقظ من نومى وأخرج هائمة على وجهى فى الشوارع بحثا عن مسكن يتناسب مع ظروفى المادية وتتقبله طبيعتى ونشأتى فى مستوى راق، فأصطدم بصخرة واقع يضطرنى إلى منحدر سكنى تعافه نفسى، ولكنى أتقبله على مضض، وأتلفت حولى فلا أجد أحدا، فكلهم وقفوا ضدى وشغلتهم الدنيا عنى، وها أنا أعيش فى حلقة مفرغة، فهل من سبيل للخروج منها، وأن أحيا ما تبقى لى من عمر فى أمان واستقرار؟.
ولكاتبة هذه الرسالة أقول :
مهما اشتدت ضراوة مشكلات الحياة، وزادت غيومها، فإن هناك دائما شعاعا خلف الغيوم يجب على المرء أن يتلمس الطريق إليه، فحينما يرسم الإنسان لنفسه هدفا، عليه أن يبذل كل ما فى استطاعته من أجل تحقيقه مواجها كل العقبات، صابرا على مرارة الألم وحرقته، حيث يقول تعالى: «إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ» (الزمر 10)، فالدنيا لم تكتمل لأحد، حتى لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فَلِم الحزن والألم، فلقد طُبعت على كدر وأنت تريدينها صفوا من الأقذاء والأكدار، وهى لا تبقى على حال، ودائما فيها فرح وحزن، دمع وابتسام، ولذلك يلزم الصبر لقول رسول الله «عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا المؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرا له»، وما بعد الضيق إلا الفرج، وما بعد العسر إلا اليسر، وفى ذلك يقول الحق تبارك وتعالى: «فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرً» (الشرح 5و6)، وسوف تشرق الشمس وتحمل لك بين ثناياها أملا، بعد ان طوقك اليأس، وأضحت الدنيا فى عينيك ظلاما، فدائما هناك شعاع فى الأفق، يهدى الله الصابرين إليه، إن ما جرى لك لا يد لك فيه، حتى وإن انسقت إليه بإرادتك حينما وافقت على الزواج من ابن عمتك قبل أن تكتشفى حقيقته، ولا يد لك فى إنجابك أبناءك الثلاثة الذين صاروا يحملون اسم أبيهم، وسيظل يطاردهم طول حياته سواء كانوا معه أو معك، ولا حيلة لك أيضا فى موقف والدتك وشقيقك منك، وأكلهما أموالك بالباطل، وليعلما أن ميراثك عن أبيك حق لا ينازعك فيه أحد وسوف يدركان فداحة عدم إعطائك حقك بعد فوات الأوان، ولن ينفعهما الندم على ما كان من أمرهما معك.
وما دمت لا تملكين حيلة لتحسين وضعك فارضى بما قسمه الله لك واصبرى وسوف يضاعف أجرك، وتأملى نعمه التى بين يديك، ولا تفكرى فيما فقدتيه، فأنت فى خير عظيم تحسدك عليه الكثيرات، فيكفيك أنك تملكين ما يقيم أودك، ويجعلك تعيشين حياة مستورة، وليس مهما أن تعيشى فى فيلا فاخرة، ولا شقة فخمة، ويكفيك أن تجدى بيتا ولو بسيطا يضمك أنت وابنك الأصغر، ولا تلتفتى للجيران ولا لكلام الأهل فالعيب فيهم وليس فيك، وانفضى الماضى كله عن كاهلك، ولا تفكرى فى الأعمال السحرية، ولا فيما يصنعه زوجك، فحتى لو أن هذا صحيح، فإنه سوف ينعكس عليه إن عاجلا أو آجلا.
والإنسان فى هذه الحياة متقلب بين الصحة والسعادة, الفرح والحزن، الغنى والفقر، الخوف والأمن، الجوع والشبع، الخير والشر، والمؤمن الحق هو الذى يميز بين ما ينفعه وما يضره فى دنياه وأخراه، ومن هذه المراحل الشك والضيق والمحنة والبلاء، ويجب أن يقابلها بالصبر والدعاء والرضا بقضاء الله وقدره، ومن حكمته عز وجل أنه جعل بعد الكرب والضيق، الفرج والتنفيس، حيث قال فى كتابه الكريم: «وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا» (الطلاق 2و3)، وهذا نبى الله أيوب الذى ابتلى بالفقر والمرض وموت الأولاد، ثم عافاه الله وشفاه ورزقه ورد عليه المال والولد لقوله عز وجل: «وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّى مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّوَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ» (الأنبياء 83و84)، وذاك يونس عليه السلام ركب مع قوم فى سفينة، فخافوا أن تغرق بهم، فاقترعوا على رجل يلقونه من بينهم، ويخففون حمل السفينة، فوقعت القرعة على يونس عليه السلام، فأبوا أن يلقوه، وأعادوا القرعة، ولكنها وقعت عليه ثلاث مرات، فقام يونس جارا ثيابه وألقى بنفسه فى البحر فأرسل إليه الله حوتا التقمه، وأوحى إليه سبحانه وتعالى ألا يأكل يونس الذى يحمد الله، وسمعت الملائكة تسبيحه، وهنا قذفه الحوت على الساحل بأمر من الله الذى سمع يونس وهو يقول: «لا إله إلا أنت سبحانك، إنى كنت من الظالمين»، وهذه الدعوة لا يدعو عبد ربه بها فى شىء قط إلا استجاب له، وأظنك على قدر كبير من الإيمان يجعلك راضية بما قسمه الله لك، ولو فعلت ذلك سوف يرتاح ضميرك ويهدأ بالك.
وفى تعاليم المسيح عليه السلام أن الصبر يظهر ثقتنا فى توقيت الله وقدرته ومحبته، ولا يكتسبه المرء بين ليلة وضحاها، وإنما يكتمل عندما نثق فى إرادة الله الكاملة ومواعيده حتى فى وجه الأشرار الذين ينجحون فى مسعاهم بفضل مكائدهم.. لكل ذلك أدعوك إلى أن تضعى وراء ظهرك كل ما تعرضت له من متاعب، وأن تقبلى على الحياة كما هى متاحة لك الآن، وأن تضعى كل شىء يتعلق بأهلك ومطلقك ومن حولك على هامش شعورك وليس فى بؤرة اهتمامك حتى ترتاحى من الهموم والهواجس التى تلاحقك ليلا ونهارا.
أما أهلك الذين استهواهم الشيطان ألا يعطوا البنات حقوقهن فى الميراث وفقا لشرع الله، فلقد أعماهم حب المال، وسولت لهم أنفسهم الإقدام على المال الحرام بحجج أوهن من بيت العنكبوت، وكأنهم نسوا أو تناسوا أن الله مطلع عليهم، وسوف يحاسبهم على جميع أعمالهم، وسينتقم منهم على ظلمهم، وإن أمهلهم مدة من الزمان، فلا يغتروا بذلك، فلقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله عز وجل يملى للظالم فإذا أخذه لم يفلته»، وكذلك قوله تعالى: «كَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيد» (هود 102)، وإن الأمر ليعظم ويشتد حين يكون الظلم للورثة، وقد أصاب طرفة بن العبد حين قال:
وظلم ذوى القربى أشد مضاضة
على النفس من وقع الحسام المهند
أيضا فإن مماطلة الأخوة الذكور على عدم إعطاء الإناث حقوقهن إثم كبير، وفى ذلك يقول رسول الله: «مطل الغنىّ ظلم» بمعنى أن الظلم المالى لا يختص بأخذ مال الغير بغير حق، بل يدخل فيه الاعتداء على مال الغير أو على حقه بأى وجه، فمن غصب مال الغير أو ماطله بحقه من وقت إلى آخر، أو أدى إليه أقل مما وجب فى ذمته، فهذا ظلم، والظلم ظلمات يوم القيامة، كما أن أكل الميراث لا يقل حرمة عن أكل مال اليتيم، وهو ذنب يورث الأحقاد والضغائن، والمرأة دائما فى حيرة من أمرها إن طالبت بحقها غضب عليها أهلها وقاطعوها، واعتبروها عاقة لوالديها كارهة لأخوتها، وإن سكتت رغبة فى المودة ضاع حقها، وتكون لإخوتها كارهة غير مسامحة فى قرارة نفسها، وإن أظهرت غير ذلك، فإن السكوت لا يعنى تنازلا ولا رضا بالحرمان من الميراث سواء كانت غنية أو فقيرة، فالله شرع الميراث للغنى والفقير، ولذلك أدعو والدتك وشقيقك اللذين يناصبانك العداء إلى المبادرة بالتوبة، ورد حقك إليك، وأذكرهما بحديث رسول الله «اتقوا دعوة المظلوم فإنها تٌحمل على الغمام»، وأما مطلقك فعليه أن يتقى الله فى أبنائه، وليعلم أنك ابنة خاله وأم أولاده، فلا يسىء إليك، وإنما يسعى إلى تسوية ما علق بنفسك تجاهه، خصوصا وأنكما مرتبطان بثلاثة أبناء منهم واحد مازال يعيش معك، ويحتاج إلى الرعاية والاهتمام، وأخيرا أنصحك فى كل ما تتعرضين بالثبات والقوة فى مواجهة الأعاصير، وإنى ألمح شعاعا خلف الغيوم التى تحيط بك، وسوف يقوى ويشتد ويبدد كل مخاوفك قريبا بإذن الله.
[email protected]
تابعونا على "الفيس بوك " بريد الجمعة بقلم أحمد البرى
رابط دائم: