رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

التدين المظهرى والانحطاط الأخلاقى

لاعب يبعد الكرة من منطقة الجزاء بيديه قبل أن تصل إلى منافسه، ويسجد لله شكرا أن الحكم لم يشاهد الخطأ، وآخر يتعمد ضرب منافسه بعيدا عن أعين الحكم فيصفه المعلق الرياضي بالذكاء لأنه يعرف كيف يضرب دون أن يناله العقاب، وآخر يضرب منافسه بعنف واضح أمام الكاميرات ويراه الحكم، ويحتسب عليه خطأ، فيذهب إلى الحكم غاضبا ويقسم بأغلظ الأيمان أنه لم يلمسه، ثم يمضي وهو يشتم الحكم لاحتسابه الخطأ .. كيف يصفون هؤلاء اللاعبين بـ«فريق الساجدين«؟ هل كثرة السجود أثناء وبعد المباراة علامة على التدين، أم هو تدين مظهري طالما لا يواكبه سمو في الأخلاق؟.

هذه الظاهرة نجدها في كل مكان، فعند مدخل القاهرة من ناحية شبرا الخيمة ستجد مسجدا مبنيا في وسط جزيرة الميدان، وبالطبع لا يمكن البناء في ساحات الميادين، ليس لأنها ملكية عامة فقط، بل لأنها ستؤدي إلى زحام يربك حركة المرور في الميادين التي تتقاطع فيها الشوارع، لكن لا يمكن الاعتراض على مخالفة مسجد لشروط البناء، وما أن تسير قليلا حتى شبرا المظلات حتى تجد مسجدا آخر قد دخل بأعمدته في مجرى مياه النيل، رغم أن البناء محرم بالقرب من مجرى النيل، لكن النيل لم يعد قادرا على حراسة مياهه ولا مجراه، فما الحال والمعتدي مدجج بسلاح الدين ورمزه الشامخ، فكثيرون استغلوا هيبة المساجد، وزحفوا بها على الأراضي الزراعية، ليبنوا تحت حمايتها وظلها، لأنهم يسرعون بتبوير ما حوله من أراض، وتحويلها إلى أراضي بناء تدخلها المرافق، ويجنون من وراء ذلك ثروات، .. فهل هذا هو التدين؟ وهل استخدام المساجد والزوايا في تدمير الأراضي الزراعية يدعو للفخر؟

إننا من أكثر شعوب العالم في معدلات أداء العمرة، التي أصبحت مواسمها تغطي السنة كلها تقريبا، بل إن بعض كبار التجار بدأوا في التنافس على أداء صلاة الجمعة أسبوعيا في المسجد الحرام، والغريب أن أكثر التجار رفعا للأسعار وتلاعبا فيها هم الأكثر حرصا على إظهار التدين، ويعتقدون أن أداء الصلاة والإكثار من العمرة والحج سوف يمسح عنهم سيئاتهم وذنوبهم الكثيرة، وكانهم عقدوا صفقة تجارية وفقا لفهمهم للدين، يكسبون فيها في الدنيا والآخرة.

نحن من أكثر شعوب العالم في ممارسة التحرش الجنسي، ومن أكثرها مشاهدة للأفلام الإباحية، والفساد عندنا أصبح قاعدة يصعب أن يفر من شبكتها أحد، ناهيك عن التردي العلمي الذي جعلنا من أكثر شعوب العالم جهلا، وأقلهم إنفاقا على البحث العلمي وقراءة الكتب.

أكثر ما تراه على صفحات التواصل الاجتماعي هي الأدعية، فالدعاء خرج من كونه تقربا وتضرعا إلى الله في السر إلى مادة للدعاية عن التدين، ويعتقد بعض من ينشرون الأدعية أنهم سيحصلون على نسبة كبيرة من حصيلة الحسنات، التي ستتوقف على عدد القراء وعدد من يعيدون نشرها، وهذا يعني أن ما يسيطر عليه في التدين هو مفهوم الصفقة والحسابات، وليس الإيمان الخالص والمنزه عن حسابات الربح والخسارة.

أما الجرائم الاجتماعية الواسعة فقد ازدادت انتشارا مع تديننا الشكلي، فالامتحانات يجري تسريبها، ويشارك الكثيرون في نشرها، لتوسيع دائرة المستفيدين، والمدارس التي تجري فيها الامتحانات في المدن والقرى يتم نشر شبكة من مكبرات الصوت حولها لإذاعة البث التفصيلي للإجابات النموذجية، وكأن الغش أصبح من الفرائض أو أعمال الخير التي يتسابق عليها الناس علنا وبشكل جماعي.

وعندما يذهب شخص إلى مسجد ويطلب خفض صوت الأذان لأن له ابنا مريضا أو آخر يذاكر دروسه فإنه يلقى معاملة الفاجر العاصي الذي لا يحب الأذان، ويكفي أن تفتح شرفة منزلك أو عملك لتجد أن كل مئذنة محاطة بحزام من مكبرات الصوت، وجميعها تتبارى في رفع الأصوات، التي تتداخل حتى تكاد تصم الآذان وتؤذيها، بينما كان هدف الأذان تنبيه الناس لموعد الصلاة، وكان اختيار المؤذن يقوم على أساس جمال الصوت، وكان يصعد على المئذنة ويصل صوته إلى محيط المسجد فقط، أما الآن فكأننا نتنافس على إيصاله إلى الأمريكتين واستراليا.

نادرا ما نجد قرية تجمع التبرعات من أجل مستشفى أو مدرسة، لكن كل القرى جمعت كثيرا من التبرعات لإنشاء مساجد جديدة، رغم أننا أعلى معدل في العالم في بناء المساجد وأقلها في التعليم والصحة.

يبدو أننا كلما ارتكبنا الأخطاء والذنوب نعتقد أن السبيل إلى تصويبها هو بهذا التدين الشكلي، الذي يسيء إلى الدين، ولا يصلح المجتمع، وعلينا أن ندرك أن تصويب الأخطاء يبدأ من العلم والعمل، وليس بالدعاء أو كثرة الصلاة أو أداء العمرة تلو العمرة، فمنذ ظهر هذا التدين المظهري ونحن ننحدر في العلم والأخلاق والإنتاج والمعاملة الحسنة، وكأن التدين الشكلي يمنح المبرر لمزيد من الخطايا والجرائم والأنانية والإعتداء على المال العام وانتهاك حقوق الآخرين، ويخفف الشعور بالذنب، ليفتح الطريق أمام ارتكاب ذنوب جديدة.

هذا النوع من التدين لا يجلب راحة أو طمأنينة، وهو نوع من الخداع، طالما لم يهذب النفوس ويرتقي بالأخلاق والحس العام والتسامح، وعلينا ألا نستحسن هذا النوع من التدين المظهري، وأن يكون تقديرنا لمن يعمل ويكد من أجل نفسه ومجتمعه، وأن نعيد الاعتبار للعلم والعمل والتطوع من أجل إنقاذ محتاج أو نصرة مظلوم، فهذا هو التدين الحقيقي.


لمزيد من مقالات مصطفى السعيد;

رابط دائم: