رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

الإبر‭ ‬والبشر

بصراحة يكتبها‭: ‬محمد‭ ‬حسنين‭ ‬هيكل
لا‭ ‬أعرف‭ ‬ماذا‭ ‬هو‭ ‬تماما،‭ ‬ولكنى‭ ‬رأيته‭ ‬فى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مكان‭ ‬فى‭ ‬الصين‭.‬ ولست‭ ‬أستطيع‭ ‬أن‭ ‬أجد‭ ‬الوصف‭ ‬الدقيق‭ ‬له،‭ ‬لأنه‭ ‬‮«‬حالة‮»‬‭ ‬أكثر‭ ‬منه‭ ‬‮«‬شيئا‮»‬‭ ‬محددا‭.‬ وقد‭ ‬أسميه‭ ‬‮«‬حالة‭ ‬عودة‭ ‬الروح‭ ‬إلى‭ ‬أمة‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬‮«‬حالة‭ ‬شعور‭ ‬أمة‭ ‬بأنها‭ ‬عثرت‭ ‬على‭ ‬نفسها‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬‮«‬حالة‭ ‬إحساس‭ ‬أمة‭ ‬بدورها‮»‬‭...‬

واحدة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الحالات،‭ ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬مزيج‭ ‬منها‭ ‬جميعا‭!‬
‭******‬
وقلت‭ ‬اننى‭ ‬رأيت‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬فى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مكان‭ ‬فى‭ ‬الصين‭.‬
ولعلى‭ ‬أقول‭ ‬إن‭ ‬أكثر‭ ‬مكان‭ ‬رأيت‭ ‬فيه‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬بشكل‭ ‬حى‭ ‬ومثير،‭ ‬كان‭ ‬هو‭ ‬‮«‬مستشفى‭ ‬السلام‮»‬‭ ‬فى‭ ‬بكين،‭ ‬ذات‭ ‬صباح‭ ‬باكر،‭ ‬هبطت‭ ‬درجة‭ ‬الحرارة‭ ‬فيه‭ ‬إلى‭ ‬عشرين‭ ‬درجة‭ ‬تحت‭ ‬الصفر‭.‬
وفى‭ ‬الليلة‭ ‬السابقة‭ ‬اتصل‭ ‬بى‭ ‬‮«‬بنج‭ ‬هوا‮»‬‭ ‬مدير‭ ‬الصحافة‭ ‬الأجنبية‭ ‬فى‭ ‬وزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬يقول‭ ‬لى‭: ‬
ـ‭ ‬أنك‭ ‬طلبت‭ ‬أن‭ ‬تشاهد‭ ‬عملية‭ ‬جراحية‭ ‬تتم‭ ‬تحت‭ ‬تأثير‭ ‬الوخز‭ ‬بالإبر؟‭.‬
وقلت‭:‬
ـ‭ ‬نعم،‭ ‬ولكن‭ ‬أحد‭ ‬مساعديك‭ ‬وهو‭ ‬‮«‬شيانج‭ ‬شينج‭ ‬تسونج‮»‬،‭ ‬ذكر‭ ‬لى‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬العمليات‭ ‬لا‭ ‬تجرى‭ ‬كل‭ ‬يوم،‭ ‬لأن‭ ‬الأمر‭ ‬يتوقف‭ ‬على‭ ‬استجابة‭ ‬المرضى،‭ ‬وبعضهم‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬يتردد‭.‬
وقال‭ ‬‮«‬بنج‭ ‬هوا‮»‬‭:‬
ـ‭ ‬الحظ‭ ‬معك‭ ‬فيما‭ ‬يبدو،‭ ‬لأن‭ ‬هناك‭ ‬غدا‭ ‬ثلاث‭ ‬عمليات‭ ‬جراحية‭ ‬سوف‭ ‬تجرى‭ ‬تحت‭ ‬تأثير‭ ‬الوخز‭ ‬بالإبر،‭ ‬وسوف‭ ‬تجرى‭ ‬كلها‭ ‬صباح‭ ‬الغد‭ ‬فى‭ ‬مستشفى‭ ‬السلام،‭ ‬وتستطيع‭ ‬أن‭ ‬تشاهدها‭ ‬جميعا‭ ‬إذا‭ ‬استيقظت‭ ‬فى‭ ‬الوقت‭ ‬المناسب‭.‬
وقلت‭:‬
ـ‭ ‬اننى‭ ‬سوف‭ ‬أكون‭ ‬فى‭ ‬مستشفى‭ ‬السلام‭ ‬مع‭ ‬الفجر‭ ‬إذا‭ ‬اقتضى‭ ‬الأمر،‭ ‬لأننى‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أرى‭ ‬بعينى‭.‬
‭******‬
كل‭ ‬المستشفيات‭ ‬فى‭ ‬بكين‭ ‬تحمل‭ ‬أسماء‭ ‬لها‭ ‬رنين‭: ‬‮«‬مستشفى‭ ‬السلام‮»‬‭... ‬‮«‬مستشفى‭ ‬الصداقة‮»‬‭... ‬‮«‬مستشفى‭ ‬المحبة‭ ‬بين‭ ‬الشعوب‮»‬‭... ‬إلى‭ ‬آخره‭!‬
وعلى‭ ‬باب‭ ‬مستشفى‭ ‬السلام‭ ‬فى‭ ‬بكين،‭ ‬والرياح‭ ‬تهب‭ ‬فى‭ ‬الصباح‭ ‬الباكر‭ ‬بقسوة،‭ ‬ولسعاتها‭ ‬أشبه‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬بضربات‭ ‬سياط‭ ‬من‭ ‬ثلج،‭ ‬كان‭ ‬الدكتور‭ ‬‮«‬تشيانج‭ ‬وى‭ ‬هو‭ ‬سيون‮»‬‭ ‬واقفا‭ ‬فى‭ ‬انتظارى‭ ‬يقدم‭ ‬نفسه،‭ ‬باعتباره‭: ‬‮«‬نائب‭ ‬رئيس‭ ‬اللجنة‭ ‬الثورية‭ ‬فى‭ ‬المستشفى‮»‬‭.‬
رجل‭ ‬تجاوز‭ ‬الخمسين،‭ ‬ملامحه‭ ‬صينية‭ ‬محددة‭ ‬التقاطيع،‭ ‬قامته‭ ‬منتصبة،‭ ‬حيويته‭ ‬ظاهرة‭ ‬لأول‭ ‬وهلة‭...‬
واعترف‭ ‬ـ‭ ‬آسفا‭ ‬ـ‭ ‬أننى‭ ‬لم‭ ‬أقدره‭ ‬حق‭ ‬قدره‭ ‬فى‭ ‬اللحظات‭ ‬الأولى‭ ‬للمقابلة‭.‬
قلت‭ ‬لنفسى‭:‬
ـ‭ ‬ماذا‭ ‬سيكون؟‭ ‬نائب‭ ‬رئيس‭ ‬اللجنة‭ ‬الثورية‭ ‬فى‭ ‬مستشفى‭ ‬السلام‭... ‬سيكون‭ ‬طبيبا‭ ‬متسيسا،‭ ‬أو‭ ‬سياسيا‭ ‬متطببا،‭ ‬وهذه‭ ‬أحسن‭ ‬الفروض‭... ‬وسوف‭ ‬يكون‭ ‬ما‭ ‬أسمعه‭ ‬منه‭ ‬ترديدا‭ ‬حماسيا‭ ‬لنفس‭ ‬العبارات‭ ‬الإنشائية‭ ‬التى‭ ‬يزيدون‭ ‬ويعيدون‭ ‬فيها‭ ‬ـ‭ ‬أحيانا‭ ‬ـ‭ ‬فى‭ ‬الصين،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬فليقل‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يقوله،‭ ‬وليكن‭ ‬الاصغاء‭ ‬إليه‭ ‬تدريبا‭ ‬آخر‭ ‬فى‭ ‬الصبر،‭ ‬ولكن‭ ‬المهم‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬أرى‭ ‬ما‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أراه‭!‬
‭******‬
وذهبنا‭ ‬إلى‭ ‬غرفة‭ ‬الاستقبال،‭ ‬وجلست‭ ‬معه‭ ‬أسمعه‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬مستشفاه،‭ ‬وفى‭ ‬البداية‭ ‬كان‭ ‬ما‭ ‬سمعت‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬توقعت‭!‬
كل‭ ‬المستشفى‭ ‬الكبير‭ ‬فى‭ ‬خدمة‭ ‬الجماهير‭... ‬مسئولياته‭ ‬تتسع‭ ‬لعلاج‭ ‬قرابة‭ ‬سبعمائة‭ ‬ألف‭ ‬متردد‭ ‬عليه‭ ‬فى‭ ‬السنة،‭ ‬لأغراض‭ ‬متعددة،‭ ‬من‭ ‬الكشف‭ ‬السريع‭ ‬إلى‭ ‬العمليات‭ ‬الجراحية‭ ‬المعقدة‭... ‬ثم‭ ‬تطبيق‭ ‬تعاليم‭ ‬ماوتسى‭ ‬تونج‭ ‬فى‭ ‬الطب‭!‬
ووجدت‭ ‬أننا‭ ‬وصلنا‭ ‬إلى‭ ‬العبارات‭ ‬الإنشائية‭ ‬بأسرع‭ ‬مما‭ ‬قدرت،‭ ‬وقررت‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬أسكت،‭ ‬وقلت‭:‬
ـ‭ ‬دكتور‭ ‬تشيانج‭... ‬هل‭ ‬نتحدث‭ ‬فى‭ ‬الطب‭ ‬أم‭ ‬فى‭ ‬السياسة؟
أنت‭ ‬رجل‭ ‬علمى‭ ‬بوصفك‭ ‬طبيبا،‭ ‬وبهذا‭ ‬الوصف‭ ‬فإننى‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أسألك‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬دخل‭ ‬تعاليم‭ ‬‮»‬ماوتسى‭ ‬تونج‮«‬‭ ‬فى‭ ‬علاج‭ ‬الأمراض،‭ ‬وفى‭ ‬إجراء‭ ‬العمليات‭ ‬الجراحية؟
وتوقعت‭ ‬أن‭ ‬يضيق‭ ‬‮»‬الدكتور‭ ‬تشيانج‮«‬‭ ‬بسؤالى‭ ‬المباشر‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النحو،‭ ‬ولكن‭ ‬الرجل‭ ‬للحق،‭ ‬ابتسم‭ ‬بهدوء‭ ‬وقال‭:‬
ـ‭ ‬إننى‭ ‬أتحدث‭ ‬عن‭ ‬الطب‭ ‬يا‭ ‬سيدى‭...‬
إن‭ ‬الرئيس‭ ‬ماو‭ ‬قال‭ ‬لنا‭:‬
‮»‬اخدموا‭ ‬الشعب،‭ ‬وعيشوا‭ ‬حياته،‭ ‬وتعلموا‭ ‬منه‮«‬‭.‬
وهذا‭ ‬ما‭ ‬نحاول‭ ‬تطبيقه‭.‬
واستطرد‭ ‬الدكتور‭ ‬تشيانج‭:‬
ـ‭ ‬إننى‭ ‬أعرف‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬قد‭ ‬خطر‭ ‬على‭ ‬فكرك‭ ‬وأنت‭ ‬تسمعنى‭... ‬مثل‭ ‬ذلك‭ ‬فكرت‭ ‬فيه‭ ‬أنا‭ ‬أيضا‭ ‬فى‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬الأيام،‭ ‬عندما‭ ‬قررت‭ ‬العودة‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬لكى‭ ‬أعمل‭ ‬وأعيش‭ ‬فى‭ ‬الصين‭.‬
وسألته‭ ‬مندهشا‭:‬
ـ‭ ‬ماذا‭ ‬كنت‭ ‬تفعل‭ ‬فى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية؟‭.‬
ورد‭ ‬الدكتور‭ ‬تشيانج‭:‬
ـ‭ ‬إن‭ ‬أسرتى‭ ‬كانت‭ ‬تقيم‭ ‬هناك‭ ‬فى‭ ‬كاليفورنيا،‭ ‬وقد‭ ‬درست‭ ‬الطب‭ ‬شخصيا‭ ‬فى‭ ‬جامعتها،‭ ‬وحصلت‭ ‬من‭ ‬هناك‭ ‬على‭ ‬درجة‭ ‬الدكتوراة‭ ‬فى‭ ‬طب‭ ‬الأطفال،‭ ‬وعرضوا‭ ‬علىّ‭ ‬أن‭ ‬أعمل‭ ‬أستاذا‭ ‬لطب‭ ‬الأطفال‭ ‬فى‭ ‬جامعة‭ ‬كاليفورنيا،‭ ‬وقبلت‭ ‬لفترة،‭ ‬ولكننى‭ ‬أحسست‭ ‬بنداء‭ ‬الصين،‭ ‬وركبت‭ ‬باخرة‭ ‬من‭ ‬سان‭ ‬فرانسسكو‭ ‬وعدت‭ ‬إلى‭ ‬وطنى،‭ ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬فى‭ ‬بداية‭ ‬نجاح‭ ‬الثورة‭ ‬فى‭ ‬تحرير‭ ‬الصين‭.‬
وأمسكت‭ ‬بالفرصة‭ ‬وقلت‭:‬
ـ‭ ‬دكتور‭ ‬تشيانج،‭ ‬ألا‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬نتحدث‭ ‬بالإنجليزية،‭ ‬ونوفر‭ ‬الوقت‭ ‬الضائع‭ ‬فى‭ ‬الترجمة‭ ‬من‭ ‬الصينية‭ ‬وإليها؟‭...‬
انك‭ ‬تثير‭ ‬فضولى‭ ‬فى‭ ‬أشياء‭ ‬كثيرة،‭ ‬وأتمنى‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬حديثى‭ ‬معك‭ ‬مباشرا‭!.‬
ورد‭ ‬بإنجليزية‭ ‬مدهشة‭:‬
ـ‭ ‬كما‭ ‬تشاء‭ ‬يا‭ ‬سيدى‭!.‬
واستطرد‭:‬
ـ‭ ‬ولكن‭ ‬دعنى‭ ‬أقدم‭ ‬لك‭ ‬تمهيدا‭ ‬سريعا‭ ‬عن‭ ‬استخدام‭ ‬الوخز‭ ‬بالإبر‭ ‬وإجراء‭ ‬العمليات‭ ‬الجراحية‭ ‬تحت‭ ‬تأثيره‭... ‬إن‭ ‬العمليات‭ ‬الثلاث‭ ‬التى‭ ‬ستشهدها‭ ‬سوف‭ ‬تبدأ‭ ‬بعد‭ ‬دقائق،‭ ‬ولابد‭ ‬أن‭ ‬تنتقل‭ ‬إلى‭ ‬مسرح‭ ‬العمليات،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬ثلاث‭ ‬غرف‭ ‬متصلة،‭ ‬وكل‭ ‬واحدة‭ ‬منها‭ ‬سوف‭ ‬تشهد‭ ‬عملية‭ ‬جراحية‭ ‬يجرى‭ ‬التخدير‭ ‬فيها‭ ‬بواسطة‭ ‬الوخز‭ ‬بالإبر‭.‬
كنت‭ ‬قد‭ ‬ذكرت‭ ‬أمامك‭ ‬قول‭ ‬الرئيس‭ ‬ماو‭:‬
‮»‬اخدموا‭ ‬الشعب،‭ ‬وعيشوا‭ ‬حياته،‭ ‬وتعلموا‭ ‬منه‮«‬‭.‬
عندما‭ ‬نطبق‭ ‬ذلك‭ ‬فى‭ ‬الطب‭ ‬فسوف‭ ‬آخذ‭ ‬الوخز‭ ‬بالإبر‭ ‬كنموذج‭ ‬عملى‭.‬
الوخز‭ ‬بالإبر‭ ‬فى‭ ‬الصين‭ ‬قديم،‭ ‬وفيما‭ ‬عدا‭ ‬استخدام‭ ‬الوخز‭ ‬بالإبر‭ ‬فى‭ ‬علاج‭ ‬بعض‭ ‬الأمراض،‭ ‬فلقد‭ ‬ثبت‭ ‬أن‭ ‬الوخز‭ ‬بالإبر‭ ‬فى‭ ‬بعض‭ ‬مواضع‭ ‬الجسم‭ ‬يمنع‭ ‬الإحساس‭ ‬بالألم‭ ‬تماما‭.‬
إننا‭ ‬لم‭ ‬نستطع‭ ‬بالعلم‭ ‬الحديث‭ ‬أن‭ ‬نجد‭ ‬تفسيرا‭ ‬كاملا‭ ‬لذلك‭.‬
وكنا‭ ‬بين‭ ‬أحد‭ ‬أمرين‭:‬
أن‭ ‬نترك‭ ‬التجربة‭ ‬حتى‭ ‬نستطيع‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬أعماقها‭ ‬ونكشف‭ ‬كل‭ ‬خباياها‭.‬
أو‭ ‬أن‭ ‬نمارسها‭ ‬وفقا‭ ‬للقواعد‭ ‬القديمة‭ ‬التى‭ ‬ثبت‭ ‬نجاحها،‭ ‬ثم‭ ‬ندرس‭ ‬ونحاول‭ ‬أن‭ ‬نستكشف‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الممارسة‭.‬
إذا‭ ‬كنا‭ ‬نريد‭ ‬أن‭ ‬نتعلم‭ ‬من‭ ‬الشعب،‭ ‬فإننا‭ ‬لا‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬نلقى‭ ‬إلى‭ ‬البحر‭ ‬بتجاربه‭.‬
علينا‭ ‬أن‭ ‬نمارس‭ ‬طبقا‭ ‬لهذه‭ ‬التجارب‭.‬
وعلينا‭ ‬أن‭ ‬ندرس،‭ ‬وأن‭ ‬نزيد‭ ‬علمنا‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬بما‭ ‬ندرسه،‭ ‬حتى‭ ‬نصل‭ ‬إلى‭ ‬وضع‭ ‬القانون‭ ‬العلمى‭ ‬الذى‭ ‬يشرح‭ ‬ويسبب‭ ‬وينظم‭ ‬كل‭ ‬شىء‭ ‬بالنسبة‭ ‬للوخز‭ ‬بالإبر‭.‬
إن‭ ‬هناك‭ ‬آراء‭ ‬كثيرة‭.‬
بعض‭ ‬هذه‭ ‬الآراء‭ ‬يقول‭ ‬إن‭ ‬الإبر‭ ‬عندما‭ ‬تغوص‭ ‬فى‭ ‬أعصاب‭ ‬معينة‭ ‬تعزل‭ ‬إشارات‭ ‬الألم‭ ‬الصادرة‭ ‬من‭ ‬المخ‭.‬
وهناك‭ ‬آراء‭ ‬أخرى‭.‬
ولكن‭ ‬الثابت‭ ‬المجرب‭ ‬أمام‭ ‬عيوننا،‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬الوخز‭ ‬بالإبر‭ ‬فى‭ ‬مواضع‭ ‬معينة‭ ‬يحقق‭ ‬عزل‭ ‬الألم‭ ‬بالكامل،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬تجرى‭ ‬العملية‭ ‬الجراحية‭ ‬لأى‭ ‬مريض‭ ‬وهو‭ ‬فى‭ ‬كامل‭ ‬وعيه‭ ‬وإدراكه،‭ ‬دون‭ ‬إحساس‭ ‬بالألم‭.‬
هذه‭ ‬مسألة‭ ‬مهمة‭ ‬لعدة‭ ‬أسباب‭:‬
‭> ‬هناك‭ ‬مرضى‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬قلوبهم‭ ‬أن‭ ‬تتحمل‭ ‬وطأة‭ ‬أدوية‭ ‬التخدير‭ ‬المعروفة‭ ‬مضاعفاتها‭.‬
‭> ‬هناك‭ ‬عمليات‭ ‬جراحية‭ ‬يتمنى‭ ‬فيها‭ ‬الجراح‭ ‬لو‭ ‬استطاع‭ ‬أن‭ ‬يحصل‭ ‬على‭ ‬تعاون‭ ‬المريض‭ ‬الواعى‭ ‬معه‭ ‬بينما‭ ‬هو‭ ‬يجرى‭ ‬له‭ ‬العملية‭ ‬الجراحية‭.‬
‭> ‬هناك‭ ‬ظروف‭ ‬واجهناها‭ ‬كثيرا،‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬هناك‭ ‬الأدوية‭ ‬المخدرة‭ ‬الكافية‭ ‬بينما‭ ‬الإبر‭ ‬فى‭ ‬متناول‭ ‬أيدينا‭ ‬باستمرار‭.‬
هناك‭ ‬مشكلة‭ ‬واحدة‭ ‬فى‭ ‬إجراء‭ ‬العمليات‭ ‬تحت‭ ‬تأثير‭ ‬الوخز‭ ‬بالإبر،‭ ‬وهذه‭ ‬المشكلة‭ ‬هى‭ ‬أن‭ ‬المريض‭ ‬يكون‭ ‬أحيانا‭ ‬فى‭ ‬حالة‭ ‬توتر‭ ‬نفسى‭ ‬لأنه‭ ‬يشعر‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬يجرى‭ ‬حوله‭ ‬ويراه‭ ‬بعينيه،‭ ‬بينما‭ ‬ضرورات‭ ‬نجاح‭ ‬العملية‭ ‬الجراحية‭ ‬تقتضى‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬المريض‭ ‬مستريحا‭ ‬تماما‭ ‬ومسترخيا‭.‬
لكن‭ ‬المزايا‭ ‬فى‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الحالات‭ ‬تفوق‭ ‬المشكلات‭.‬
والمسألة‭ ‬فى‭ ‬النهاية‭ ‬تتوقف‭ ‬على‭ ‬رغبة‭ ‬المريض،‭ ‬ونحن‭ ‬لا‭ ‬نفرض‭ ‬عليه‭ ‬شيئا‭.‬
وإذا‭ ‬كان‭ ‬الأمر‭ ‬كذلك،‭ ‬فلماذا‭ ‬لا‭ ‬نجرب؟‭... ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬تستمر‭ ‬التجربة‭ ‬حتى‭ ‬نتوصل‭ ‬إلى‭ ‬القانون؟‭... ‬وإذا‭ ‬توصلنا‭ ‬إلى‭ ‬القانون‭ ‬العلمى‭ ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬المسألة،‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬سوف‭ ‬يكون‭ ‬إسهاما‭ ‬عالميا‭ ‬فى‭ ‬فرع‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬فروع‭ ‬الجراحة‭...‬
ألا‭ ‬توافقنى؟‭!‬
‭******‬
ولم‭ ‬ينتظر‭ ‬الدكتور‭ ‬تشيانج‭ ‬حتى‭ ‬أجيب‭ ‬عليه،‭ ‬ولعله‭ ‬لاحظ‭ ‬أننى‭ ‬كنت‭ ‬أفكر‭ ‬فيما‭ ‬يقول‭ ‬وأنتظر‭ ‬بفارغ‭ ‬صبر‭ ‬ما‭ ‬سوف‭ ‬أرى،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬فإنه‭ ‬استطرد‭:‬
ـ‭ ‬سوف‭ ‬نذهب‭ ‬الآن‭ ‬إلى‭ ‬قاعات‭ ‬العمليات‭... ‬قبلها‭ ‬سوف‭ ‬نمر‭ ‬على‭ ‬غرفة‭ ‬التعقيم،‭ ‬وسوف‭ ‬أرجوك‭ ‬أن‭ ‬تخلع‭ ‬ملابسك‭ ‬وأن‭ ‬ترتدى‭ ‬ملابس‭ ‬طبية‭ ‬معقمة‭.‬
وسألنى‭ ‬فجأة‭:‬
ـ‭ ‬هل‭ ‬تخشى‭ ‬من‭ ‬منظر‭ ‬الدم؟
وقلت‭:‬
ـ‭ ‬إننى‭ ‬كنت‭ ‬فى‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬الأيام‭ ‬مراسلا‭ ‬حربيا،‭ ‬وأرجو‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬أكون‭ ‬قد‭ ‬نسيت‭ ‬ما‭ ‬تعلمت‭ ‬من‭ ‬معايشة‭ ‬المأساة‭ ‬الإنسانية‭ ‬العظمى‭: ‬أعنى‭ ‬الحرب‭.‬
وقال‭ ‬دكتور‭ ‬تشيانج‭:‬
ـ‭ ‬إذا‭ ‬أحسست‭ ‬فى‭ ‬أى‭ ‬لحظة‭ ‬أنك‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تتحمل،‭ ‬فلك‭ ‬أن‭ ‬تشير‭ ‬إلىّ،‭ ‬وسوف‭ ‬نخرج‭ ‬على‭ ‬الفور‭ ‬من‭ ‬غرف‭ ‬العمليات‭.‬
وتوجهنا‭ ‬عبر‭ ‬ممر‭ ‬طويل‭ ‬من‭ ‬قاعة‭ ‬الاستقبال‭ ‬إلى‭ ‬غرفة‭ ‬التعقيم،‭ ‬وكان‭ ‬كل‭ ‬شىء‭ ‬معدا،‭ ‬بما‭ ‬فى‭ ‬ذلك‭ ‬ملابس‭ ‬طبية‭ ‬معقمة‭ ‬خرجنا‭ ‬بها‭ ‬فى‭ ‬اتجاه‭ ‬غرف‭ ‬العمليات‭ ‬الثلاث‭.‬
وهناك‭ ‬كانت‭ ‬لحظة‭ ‬البداية‭ ‬على‭ ‬وشك‭ ‬أن‭ ‬تجىء‭.‬
‭******‬
وطفت‭ ‬مع‭ ‬الدكتور‭ ‬تشيانج‭ ‬بالغرف‭ ‬الثلاث‭:‬
‭< ‬على‭ ‬مائدة‭ ‬العمليات‭ ‬فى‭ ‬الغرفة‭ ‬الأولى‭ ‬مريضة‭ ‬اسمها‭ ‬‮»‬تينج‭ ‬يا‭ ‬فانج‮«‬،‭ ‬عمرها‭ ‬46‭ ‬سنة،‭ ‬أظهر‭ ‬الفحص‭ ‬كما‭ ‬كشفت‭ ‬الأشعة،‭ ‬عن‭ ‬وجود‭ ‬ورم‭ ‬فى‭ ‬بطنها،‭ ‬يحتمل‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬خبيثا‭.‬
وبعد‭ ‬خمس‭ ‬إبر‭ ‬تغرس‭ ‬فى‭ ‬الرأس‭ ‬والأنف،‭ ‬سوف‭ ‬يفتحون‭ ‬بطنها‭ ‬ويستأصلون‭ ‬الورم‭.‬
‭< ‬على‭ ‬مائدة‭ ‬العمليات‭ ‬فى‭ ‬الغرفة‭ ‬الثانية‭ ‬مزارع‭ ‬شاب‭ ‬اسمه‭ ‬‮»‬لو‭ ‬يانج‭ ‬فى‮«‬،‭ ‬عمره‭ ‬24‭ ‬سنة،‭ ‬أظهر‭ ‬الفحص‭ ‬كما‭ ‬كشفت‭ ‬الأشعة‭ ‬عن‭ ‬وجود‭ ‬ورم‭ ‬فى‭ ‬غدة‭ ‬رقبته‭.. ‬وبعد‭ ‬ثلاث‭ ‬إبر‭ ‬تغرس‭ ‬فى‭ ‬الأذن،‭ ‬فإنهم‭ ‬سوف‭ ‬يفتحون‭ ‬رقبته،‭ ‬على‭ ‬طول‭ ‬المسافة‭ ‬بين‭ ‬الأذنين،‭ ‬ثم‭ ‬يستأصلون‭ ‬الورم‭.‬
‭< ‬على‭ ‬مائدة‭ ‬العمليات‭ ‬فى‭ ‬الغرفة‭ ‬الثالثة‭ ‬عامل‭ ‬فى‭ ‬مصنع‭ ‬من‭ ‬مصانع‭ ‬المعادن‭ ‬اسمه‭ ‬‮»‬ليانج‭ ‬لى‮«‬،‭ ‬وقد‭ ‬حدث‭ ‬له‭ ‬أثناء‭ ‬عمله‭ ‬أن‭ ‬طارت‭ ‬شظية‭ ‬معدنية‭ ‬واستقرت‭ ‬داخل‭ ‬قرنية‭ ‬العين‭.. ‬وبعد‭ ‬ثلاث‭ ‬إبر‭ ‬تغرس‭ ‬فى‭ ‬رأسه،‭ ‬فإنهم‭ ‬سوف‭ ‬يفتحون‭ ‬قرنية‭ ‬العين‭ ‬ويحركون‭ ‬كتلة‭ ‬مغناطيسية‭ ‬مركبة‭ ‬على‭ ‬جهاز‭ ‬خاص‭ ‬ثم‭ ‬يجيئون‭ ‬بها‭ ‬أمام‭ ‬القرنية‭ ‬المفتوحة‭ ‬لتشد‭ ‬بجاذبيتها‭ ‬شظية‭ ‬المعدن‭ ‬المستقرة‭ ‬فيها‭.‬
‭******‬
ووقفت‭ ‬فى‭ ‬ركن‭ ‬من‭ ‬غرفة‭ ‬العمليات‭ ‬الأولى‭ ‬مع‭ ‬الدكتور‭ ‬تشيانج‭ ‬أرقب‭ ‬ما‭ ‬يجرى‭.‬
الإبر‭ ‬توضع‭ ‬فى‭ ‬مكانها‭ ‬بواسطة‭ ‬ممرضة‭ ‬مدربة‭.‬
المريضة‭ ‬تتكلم‭ ‬مع‭ ‬الممرضة‭.‬
يجىء‭ ‬الطبيب‭ ‬المكلف‭ ‬بإجراء‭ ‬الجراحة‭ ‬لها‭ ‬ويتحدث‭ ‬معها‭...‬
البطن‭ ‬كله‭ ‬مكشوف،‭ ‬وإحدى‭ ‬الممرضات‭ ‬تجرى‭ ‬عليه‭ ‬بمادة‭ ‬مطهرة‭.‬
الجراح‭ ‬يمسك‭ ‬مبضعه‭ ‬ومن‭ ‬حوله‭ ‬مساعدوه‭...‬
ويمضى‭ ‬المبضع‭ ‬الحاد‭ ‬على‭ ‬البطن‭ ‬يشقه‭ ‬تماما‭...‬
والمريضة‭ ‬تراقب‭ ‬ما‭ ‬يجرى‭ ‬وتتكلم‭ ‬وتبتسم‭...‬
وأنا‭ ‬فى‭ ‬ذهول،‭ ‬لا‭ ‬أصدق‭ ‬ما‭ ‬أراه‭ ‬بعينى‭...‬
ويهمس‭ ‬الدكتور‭ ‬تشيانج‭ ‬فى‭ ‬أذنى‭:‬
ـ‭ ‬هل‭ ‬ننتقل‭ ‬إلى‭ ‬قاعة‭ ‬العمليات‭ ‬الثانية‭.. ‬العملية‭ ‬التى‭ ‬تراها‭ ‬الآن‭ ‬سوف‭ ‬تستغرق‭ ‬ساعة؟‭.‬
وانتقلت‭ ‬إلى‭ ‬الغرفة‭ ‬الثانية‭ ‬معه،‭ ‬وهناك‭ ‬نفس‭ ‬المنظر‭:‬
الجراح‭ ‬يفتح‭ ‬رقبة‭ ‬‮»‬لو‭ ‬يانج‭ ‬فى‮«‬‭ ‬وهو‭ ‬أيضا‭ ‬يبتسم‭ ‬ويتكلم‭.‬
ونذهب‭ ‬إلى‭ ‬الغرفة‭ ‬الثالثة‭.‬
ثم‭ ‬نعود‭ ‬إلى‭ ‬حيث‭ ‬بدأنا‭...‬
إلى‭ ‬حيث‭ ‬‮»‬تينج‭ ‬يا‭ ‬فانج‮«‬،‭ ‬وأجد‭ ‬الجراح‭ ‬يقول‭ ‬لها‭:‬
ـ‭ ‬‮»‬تينج‭ ‬يا‭ ‬فانج‭.. ‬إننا‭ ‬استأصلنا‭ ‬ورما‭ ‬كبيرا‭ ‬من‭ ‬بطنك‭ ‬،‭ ‬ولكن‭ ‬هناك‭ ‬ورما‭ ‬آخر‭ ‬أصغر‭ ‬منه‭ ‬مازال‭ ‬مختفيا‭ ‬وسط‭ ‬الأمعاء،‭ ‬وأريد‭ ‬منك‭ ‬أن‭ ‬تساعدينى‭ ‬بأن‭ ‬تضغطى‭ ‬حتى‭ ‬يبرز‭ ‬هذا‭ ‬الورم‭ ‬الملتفى‭.‬
وتبتسم‭ ‬‮»‬تينج‭ ‬يا‭ ‬فانج‮«‬‭ ‬وتروح‭ ‬تضغط‭ ‬بعضلات‭ ‬بطنها‭ ‬المفتوح‭.‬
وتضغط‭... ‬وتضغط‭... ‬
وفجأة‭ ‬يقفز‭ ‬وسط‭ ‬الدم‭ ‬ورم‭ ‬آخر‭ ‬صغير‭ ‬يستأصله‭ ‬الجراح‭ ‬بدوره‭.‬
وأقول‭ ‬للدكتور‭ ‬تشيانج‭:‬
ـ‭ ‬دعنا‭ ‬نذهب‭ ‬الآن‭ ‬من‭ ‬هنا‭.‬
‭******‬
ونذهب‭ ‬إلى‭ ‬غرفة‭ ‬التعقيم‭ ‬ونحن‭ ‬بعد‭ ‬بملابسنا‭ ‬الطبية،‭ ‬ولكننا‭ ‬نزيح‭ ‬الأقنعة‭ ‬عن‭ ‬أفواهنا‭ ‬وأنوفنا‭ ‬ونجلس‭ ‬لنتحدث‭.‬
وأقول‭ ‬صراحة‭ ‬لمن‭ ‬حولنا‭ ‬من‭ ‬المرافقين‭ ‬والمترجمين‭: ‬إننى‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أتحدث‭ ‬وحدى‭ ‬مع‭ ‬الدكتور‭ ‬تشيانج،‭ ‬وأريد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬حديثى‭ ‬معه‭ ‬مباشرا‭ ‬وصريحا‭.‬
ويبتسم‭ ‬الدكتور‭ ‬تشيانج‭ ‬ويقول‭:‬
ـ‭ ‬إننى‭ ‬أتصور‭ ‬ما‭ ‬تفكر‭ ‬فيه،‭ ‬وسوف‭ ‬أحاول‭ ‬قدر‭ ‬ما‭ ‬أستطيع‭ ‬أن‭ ‬أشرح‭ ‬لك‭ ‬ما‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تسمعه‭ ‬منى‭.‬
واستطرد‭:‬
ـ‭ ‬أظنك‭ ‬سوف‭ ‬تسألنى‭: ‬هل‭ ‬أنا‭ ‬باق‭ ‬هنا‭ ‬باختيارى،‭ ‬أم‭ ‬أن‭ ‬أحدا‭ ‬يفرض‭ ‬علىّ‭ ‬الإقامة‭ ‬هنا؟‭.‬
سوف‭ ‬أقول‭ ‬لك‭ ‬بأمانة‭:‬
ـ‭ ‬كان‭ ‬فى‭ ‬استطاعتى‭ ‬أن‭ ‬أبقى‭ ‬فى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭.‬
إننى‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬عدت‭ ‬إلى‭ ‬الصين‭ ‬زرت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة،‭ ‬وتلقيت‭ ‬عروضا‭ ‬كثيرة‭ ‬للعمل‭ ‬بها،‭ ‬ولكنى‭ ‬اعتذرت‭.‬
كنت‭ ‬أشعر‭ ‬أن‭ ‬نداء‭ ‬الصين‭ ‬أقوى‭ ‬من‭ ‬أى‭ ‬نداء،
قد‭ ‬يقال‭ ‬لى‭ ‬إن‭ ‬مغريات‭ ‬الحياة‭ ‬المادية‭ ‬هناك‭ ‬كثيرة،‭ ‬ولكن‭ ‬صدقنى‭ ‬هى‭ ‬لا‭ ‬تعنى‭ ‬بالنسبة‭ ‬لنا‭ ‬هنا‭ ‬ما‭ ‬تعنيه‭ ‬بالنسبة‭ ‬لغيرنا‭.‬
إننى‭ ‬زرت‭ ‬عددا‭ ‬من‭ ‬زملائى‭ ‬الأساتذة‭ ‬فى‭ ‬جامعة‭ ‬كاليفورنيا،‭ ‬ورأيت‭ ‬كيف‭ ‬يعيشون،‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬منهم‭ ‬لديه‭ ‬بيت‭ ‬كبير،‭ ‬ولديه‭ ‬سيارتان‭ ‬أو‭ ‬ثلاث،‭ ‬وبعضهم‭ ‬لديه‭ ‬يخوت‭ ‬فى‭ ‬البحر‭.‬
أنا‭ ‬هنا‭ ‬أعيش‭ ‬فى‭ ‬غرفتين‭ ‬اثنتين،‭ ‬ولا‭ ‬أملك‭ ‬سيارة،‭ ‬وإنما‭ ‬أملك‭ ‬دراجة،‭ ‬وليس‭ ‬لدى‭ ‬يخت،‭ ‬وليس‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬أمانى‭.‬
لقد‭ ‬أحسست‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬شيئا‭ ‬فى‭ ‬الصين‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يعطى‭ ‬لشعبها‭ ‬حياة‭ ‬جديدة،‭ ‬واعتقدت‭ ‬أن‭ ‬علىّ‭ ‬واجب‭ ‬المشاركة‭ ‬فى‭ ‬صنع‭ ‬هذه‭ ‬الحياة‭.‬
لقد‭ ‬حاولت‭ ‬أن‭ ‬أطبق‭ ‬تعاليم‭ ‬ماو
قال‭: ‬‮»‬اخدموا‭ ‬الشعب‮«‬،‭ ‬وبذلت‭ ‬كل‭ ‬جهدى‭.‬
وقال‭: ‬‮»‬وعيشوا‭ ‬حياته‮«‬،‭ ‬وتطوعت‭ ‬لمدة‭ ‬سنتين‭ ‬للعمل‭ ‬فى‭ ‬الريف‭ ‬مع‭ ‬فيلق‭ ‬من‭ ‬فيالق‭ ‬الإنتاج‭.‬
تسألنى‭ ‬أليس‭ ‬ذلك‭ ‬ضياعا‭ ‬لوقتى‭ ‬كمتخصص؟،‭ ‬وأقول‭ ‬لك‭:‬
ـ‭ ‬إننى‭ ‬تعلمت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬فى‭ ‬الريف‭ ‬مع‭ ‬الفلاحين،‭ ‬فهمت‭ ‬أشياء‭ ‬كثيرة‭ ‬كانت‭ ‬غائبة‭ ‬عنى‭.‬
أدركت‭ ‬كم‭ ‬كنا‭ ‬بعيدين‭ ‬عنهم،‭ ‬نشخص‭ ‬أمراضهم‭ ‬وكأننا‭ ‬فى‭ ‬السماء،‭ ‬ونصف‭ ‬لهم‭ ‬الدواء‭ ‬وكأننا‭ ‬وسط‭ ‬النجوم‭.‬
وهذا‭ ‬خطأ‭.‬
لا‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تعالج‭ ‬أحدا‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬عشت‭ ‬حياته،‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬فهمت‭ ‬جوانب‭ ‬هذه‭ ‬الحياة‭ ‬وزواياها،‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬عرفت‭ ‬كيف‭ ‬يفكر،‭ ‬وكيف‭ ‬يشعر؟
أقول‭ ‬لك‭ ‬أيضا‭ ‬إننى‭ ‬اكتشفت‭ ‬أشياء‭ ‬كثيرة‭.‬
تعلمت‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬كنت‭ ‬أتصور‭ ‬عن‭ ‬الأعشاب‭ ‬الصينية‭ ‬وأثرها‭ ‬فى‭ ‬العلاج‭.‬
سألت‭ ‬نفسى‭:‬
ـ‭ ‬لماذا‭ ‬نضع‭ ‬ثقتنا‭ ‬كلها‭ ‬فى‭ ‬الأقراص‭ ‬بأشكالها‭ ‬المختلفة،‭ ‬وفى‭ ‬الكبسولات‭ ‬بألوانها‭ ‬المتعددة؟،‭ ‬ولماذا‭ ‬ننسى‭ ‬الطب‭ ‬التقليدى‭ ‬الذى‭ ‬جربته‭ ‬شعوبنا‭ ‬آلاف‭ ‬السنين‭ ‬ووجدت‭ ‬فيه‭ ‬شفاء؟‭.‬
لماذا‭ ‬لا‭ ‬نبحث‭ ‬فيه؟،‭ ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬ندرس‭ ‬حوله؟
هل‭ ‬يدهشك‭ ‬لو‭ ‬قلت‭ ‬لك‭ ‬إن‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاثة‭ ‬أرباع‭ ‬الدواء‭ ‬الذى‭ ‬نصفه‭ ‬للمرضى‭ ‬فى‭ ‬الصين‭ ‬كلها‭ ‬هو‭ ‬الآن‭ ‬من‭ ‬الأعشاب‭ ‬الصينية؟
لقد‭ ‬اقتنعت‭ ‬هناك‭ ‬أيضا‭ ‬بفكرة‭ ‬الرئيس‭ ‬ماو‭ ‬عن‭ ‬‮»‬الأطباء‭ ‬الحفاة‮«‬‭.‬
لو‭ ‬حاولنا‭ ‬أن‭ ‬نخرج‭ ‬أطباء‭ ‬على‭ ‬أعلى‭ ‬درجات‭ ‬التخصص‭ ‬لكل‭ ‬مرض‭ ‬ولكل‭ ‬مريض‭ ‬فى‭ ‬الصين‭ ‬لعجزنا‭.‬
ولكننا‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬ننجح‭ ‬إذا‭ ‬استطعنا‭ ‬أن‭ ‬نجد‭ ‬لكل‭ ‬حاجة‭ ‬ما‭ ‬يلبيها‭ ‬تماما‭.. ‬لا‭ ‬أكثر‭ ‬ولا‭ ‬أقل‭.‬
معظم‭ ‬أمراض‭ ‬الريف‭ ‬صداع،‭ ‬ونزلات‭ ‬معوية،‭ ‬ونزلات‭ ‬برد‭.‬
ما‭ ‬هى‭ ‬الضرورة‭ ‬لأعلى‭ ‬درجات‭ ‬التخصص؟
إن‭ ‬الرئيس‭ ‬ماو‭ ‬اقترح‭ ‬أن‭ ‬ندرب‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬الفلاحين‭ ‬من‭ ‬يستطيعون‭ ‬علاج‭ ‬هذه‭ ‬الحالات،‭ ‬بحيث‭ ‬لا‭ ‬تزيد‭ ‬مدة‭ ‬التدريب‭ ‬عن‭ ‬ستة‭ ‬شهور‭ ‬أو‭ ‬سنة‭ ‬على‭ ‬أكثر‭ ‬تقدير‭.‬
ولدينا‭ ‬الآن‭ ‬مئات‭ ‬الألوف‭ ‬ممن‭ ‬نسميهم‭ ‬الأطباء‭ ‬الحفاة‭.‬
هم‭ ‬ليسوا‭ ‬حفاة‭ ‬من‭ ‬الأحذية‭... ‬ولكنهم‭ ‬حفاة‭ ‬من‭ ‬الشهادات‭ ‬العليا‭ ‬المتخصصة‭.‬
والريف‭ ‬لا‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬فى‭ ‬أمراضه‭ ‬العادية،‭ ‬وأى‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬الأطباء‭ ‬الحفاة‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يحول‭ ‬إلى‭ ‬أقرب‭ ‬مستشفى‭ ‬ما‭ ‬يرى‭ ‬أنه‭ ‬غير‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬علاجه‭.‬
هناك‭ ‬الآن‭ ‬ـ‭ ‬كما‭ ‬قلت‭ ‬لك‭ ‬ـ‭ ‬مئات‭ ‬الألوف‭ ‬من‭ ‬الأطباء‭ ‬الحفاة‭ ‬على‭ ‬طول‭ ‬وعرض‭ ‬الريف‭ ‬الصينى‭ ‬وهم‭ ‬يحملون‭ ‬عبء‭ ‬ثمانين‭ ‬فى‭ ‬المائة‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬من‭ ‬الخدمة‭ ‬الصحية‭ ‬لثمانمائة‭ ‬مليون‭ ‬إنسان‭ ‬فى‭ ‬الصين،‭ ‬ولك‭ ‬أن‭ ‬تتصور‭ ‬مقدار‭ ‬الجهد‭ ‬الذى‭ ‬كان‭ ‬لازما‭ ‬لو‭ ‬أخذنا‭ ‬بالمنطق‭ ‬التقليدى،‭ ‬ولم‭ ‬نسمح‭ ‬بالممارسة‭ ‬الطبية‭ ‬على‭ ‬أى‭ ‬مستوى‭ ‬إلا‭ ‬لخريجى‭ ‬كليات‭ ‬الطب‭ ‬فى‭ ‬الجامعة‭.‬
واستطرد‭ ‬الدكتور‭ ‬تشيانج‭:‬
ـ‭ ‬تسألنى‭.. ‬أليس‭ ‬فى‭ ‬أعماقى‭ ‬صراع‭ ‬بين‭ ‬عالمين‭... ‬عالم‭ ‬رأيته‭ ‬فى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬وعالم‭ ‬أعيشه‭ ‬هنا‭ ‬فى‭ ‬الصين؟‭.‬
دعنى‭ ‬أعترف‭ ‬لك‭:‬
ـ‭ ‬خطر‭ ‬لى‭ ‬ذلك‭ ‬فى‭ ‬البداية،‭ ‬ولكن‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬يطل‭ ‬أمده‭ ‬بالنسبة‭ ‬لى،‭ ‬وعاد‭ ‬إلى‭ ‬استقرارى‭ ‬النفسى‭.‬
لا‭ ‬أحد‭ ‬يرغمنى‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬أفعله‭ ‬هنا‭.‬
لقد‭ ‬عشت‭ ‬فى‭ ‬أمريكا،‭ ‬ولكنى‭ ‬صينى‭.‬
وأنا‭ ‬هنا‭ ‬أعيش‭ ‬فى‭ ‬الصين‭.. ‬لا‭ ‬أعيش‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الصين‭ ‬فقط،‭ ‬ولكنى‭ ‬أشعر‭ ‬أننى‭ ‬أعيش‭ ‬حياة‭ ‬الصين‭.‬
حينما‭ ‬أركب‭ ‬الدراجة‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬البيت‭ ‬إلى‭ ‬المستشفى،‭ ‬واندفع‭ ‬بها‭ ‬وسط‭ ‬آلاف‭ ‬من‭ ‬راكبى‭ ‬الدراجات‭ ‬الذاهبين‭ ‬إلى‭ ‬أعمالهم‭ ‬فى‭ ‬الصباح‭ ‬الباكر،‭ ‬أشعر‭ ‬أننى‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬كل‭ ... ‬أشعر‭ ‬بالانتماء‭ ‬الحقيقى‭.. ‬انتماء‭ ‬قطرة‭ ‬إلى‭ ‬تيار‭ ‬متدفق‭: ‬إن‭ ‬القطرة‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تجد‭ ‬نفسها‭ ‬فى‭ ‬التيار‭ ‬المتدفق،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬التيار‭ ‬المتدفق‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يجد‭ ‬نفسه‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬قطرة‭ ‬منه‭.‬
ويستطرد‭ ‬الدكتور‭ ‬تشيانج‭:‬
ـ‭ ‬تسألنى‭ ‬أيهما‭ ‬النداء‭ ‬الذى‭ ‬يشدنى‭ ‬أكثر‭...‬؟
نداء‭ ‬الثورة‭ ‬أو‭ ‬نداء‭ ‬الصين‭.‬
الحقيقة‭ ‬أننى‭ ‬لا‭ ‬أفرق‭ ‬بين‭ ‬الاثنين‭.‬
لو‭ ‬كانت‭ ‬الثورة‭ ‬بغير‭ ‬الصين‭ ‬لما‭ ‬شدتنى‭ ‬إليها‭ ‬بالوطنية‭.‬
ولو‭ ‬كانت‭ ‬الصين‭ ‬بغير‭ ‬الثورة‭ ‬فلست‭ ‬أعرف‭ ‬كيف‭ ‬كان‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬أقاوم‭ ‬وحدى،‭ ‬ربما‭ ‬كنت‭ ‬وجدت‭ ‬من‭ ‬السهل‭ ‬علىّ‭ ‬أن‭ ‬أقيم‭ ‬فى‭ ‬أمريكا‭.‬
هناك‭ ‬صلة‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬الوطن‭... ‬وبين‭ ‬القيم‭ ‬المساندة‭ ‬فى‭ ‬المجتمع‭ ‬الذى‭ ‬يعيش‭ ‬ويعمل‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬هذا‭ ‬الوطن‭.‬
أليس‭ ‬هذا‭ ‬صحيحا؟‭.‬
وقلت‭:‬
ـ‭ ‬دكتور‭ ‬تشيانج‭.. ‬ذلك‭ ‬صحيح‭ ‬إلى‭ ‬أبعد‭ ‬الحدود
‭******‬
ومضت‭ ‬دقيقة‭ ‬صمت‭.. ‬ولم‭ ‬أكن‭ ‬أعرف‭ ‬فيما‭ ‬يفكر‭ ‬هو،‭ ‬لكنى‭ ‬كنت‭ ‬أعرف‭ ‬أين‭ ‬كانت‭ ‬أفكارى‭.‬
وفتح‭ ‬باب‭ ‬غرفة‭ ‬التعقيم،‭ ‬ودخل‭ ‬أحد‭ ‬الأطباء‭ ‬يقول‭:‬
ـ‭ ‬ألا‭ ‬تريدون‭ ‬أن‭ ‬تروا‭ ‬المرضى‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬انتهت‭ ‬عملياتهم؟
وقلت‭:‬
ـ‭ ‬هل‭ ‬سنضع‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬أقنعة‭ ‬التعقيم؟
وقال‭ ‬الدكتور‭ ‬تشيانج‭:‬
ـ‭ ‬لا‭ ‬داعى‭ ‬لذلك‭ ‬الآن،‭ ‬لأنهم‭ ‬سوف‭ ‬يجيئون‭ ‬إلينا‭ ‬هنا‭ ‬فى‭ ‬طريقهم‭ ‬إلى‭ ‬أسرتهم‭ ‬فى‭ ‬عنابر‭ ‬المستشفى‭.‬
وبينما‭ ‬كنت‭ ‬لا‭ ‬أزال‭ ‬أنتظر‭ ‬معنى‭ ‬ذلك،‭ ‬إذا‭ ‬بالمريضة‭ ‬التى‭ ‬كان‭ ‬بطنها‭ ‬مفتوحا‭ ‬منذ‭ ‬ساعة،‭ ‬جالسة‭ ‬على‭ ‬سرير‭ ‬فوق‭ ‬عجل‭ ‬تضحك‭ ‬وتتحدث‭.‬
وإذا‭ ‬ذلك‭ ‬الشاب‭ ‬الذى‭ ‬رأيت‭ ‬رقبته‭ ‬تقطع‭ ‬من‭ ‬الأذن‭ ‬إلى‭ ‬الأذن‭ ‬يمشى‭ ‬على‭ ‬قدميه‭ ‬ويهز‭ ‬يدى‭ ‬مصافحا‭.‬
وإذا‭ ‬الثالث‭ ‬بضمادة‭ ‬على‭ ‬عينه،‭ ‬التى‭ ‬شهدت‭ ‬عملية‭ ‬جراحية‭ ‬معقدة،‭ ‬يمشى‭ ‬هو‭ ‬الآخر‭ ‬فى‭ ‬أعقابهما‭.‬
وقال‭ ‬الدكتور‭ ‬تشيانج‭:‬
ـ‭ ‬هذه‭ ‬أول‭ ‬تجربة‭ ‬ترى‭ ‬فيها‭ ‬الجراحة‭ ‬تحت‭ ‬تأثير‭ ‬الوخز‭ ‬بالإبر‭.. ‬على‭ ‬أى‭ ‬حال‭ ‬أنت‭ ‬أول‭ ‬زائر‭ ‬جاءنا‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬المستشفى‭ ‬من‭ ‬مصر‭.‬
وقلت‭ ‬له‭:‬
ـ‭ ‬دكتور‭ ‬تشيانج‭... ‬أتمنى‭ ‬ألا‭ ‬أكون‭ ‬آخر‭ ‬زائر‭ ‬من‭ ‬مصر‭ ‬يجىء‭ ‬إليكم‭... ‬وليس‭ ‬فقط‭ ‬لمجرد‭ ‬رؤية‭ ‬الوخز‭ ‬بالإبر‭..!‬
محمد‭ ‬حسنين‭ ‬هيكل

بعد‭ ‬غد‭ ‬
محمد‭ ‬حسنين‭ ‬هيكل
يكتب‭ ‬حلقة‭ ‬سابقة
من‭ ‬تقرير‭ ‬عن‭ ‬
رحلة‭ ‬إلى‭ ‬آسيا
‮»‬سيهانوك‮«‬
 

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق