رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

معيار الإصلاح زواج الجناينى من بنت الباشا!

“الكل فى واحد” هو الشعور الذى يسود كل الجماعة الوطنية، عندما تهددها الأخطار، وتشعر باحتمالية التفكك والانهيار، ورغم ما نسمع عن الدعوات للفوضى - يجب ألا نستهين بها وبمحركيها - إلا أن الشعب المصرى لم يكن فى وحدة اجتماعية وفكرية كما هو الآن، لإنقاذ البلاد مما يحاك لها، ومن التورط فى مغامرات فاشلة من اللغو الشعاراتي، أو أفخاخ الأيديولوجيات الصماء، فالأذان صاغية والقلوب مفتوحة للحلول العلمية والعملية، فهذا زمن فلاسفة الفلاسفة الذين يشرحون أفكار العقلاء المتخصصين.

بنية التخلف تمارس اعتباطها على الجميع، فالرغبة فى الحلول الجادة أصبحت هى المشترك العام والإجماع غير المشكوك فيه، فانقضت موضة الثورات والفوضي، وبدلا من التعلق بالأمجاد التاريخية، الحقيقى منها والوهمي، على غرار سواقين “التكاتك”، هناك رغبة حقيقية عامة باتباع ما فعلته الدول المتقدمة لتصبح على ما هى عليه أما الناحية الاجتماعية فتكثر الكوابح المانعة للتقدم، أهمها الانفجار السكانى مما يؤدى إلى اختلال دائم بين كثافة السكان والموارد، ذلك بالإضافة إلى بخس قيمة العمل فهناك أعمال مشرفة وأخرى منحطة، وهى أزمة نفسية ننفرد بها دون العالم كله، متقدم ومتخلف، فليس هناك من يبخس العمل المهنى مثلما نفعل، فالإصلاح كلمة شاملة لا تقف عند مجال واحد، فلابد أن يواكب الإصلاح الاقتصادى إصلاح اجتماعى وثقافي، وأن يكون الجميع فى الدولة والإعلام يد واحدة لتوعية الناس، أن العمل والإنتاج هما المخرج من بنية التخلف، التى تضغط بعشوائيتها على الجميع، وما يميز الإصلاح الاقتصادى الذى يجرى حاليا فى بلادنا، معالجته لجوهر الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، بخلق بنية أساسية لمشروعات استثمارية إنتاجية، تصبح نواة لتراكم صناعى فأرى محاولة جادة من الدولة تتبنى اقتصاد السوق الاجتماعي، الذى أنقذ ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، وهو بديل اجتماعى لاقتصاد السوق الحرة، وبديل حر للاقتصاد الموجه.

زار مصر فى السبعينات (لودفيج إيرهارد) منقذ ألمانيا – وليس مارشال ومشروعه كما هو شائع - للاستفادة من التجربة الألمانية فى مصر لتحرير الاقتصاد، وتعزيز رأس المال، وحرية قطاع الأعمال ورفع كفاءة السوق التنافسية، مع الأخذ فى الاعتبار تحقيق التوازن الاجتماعي، بتدخل الدولة، لتحقق الانسجام بين المصلحتين الخاصة والعامة، أى طريق ثالث بين الرأسمالية والاشتراكية، وكان أفضل ما قرأته فى هذه التجربة الرائدة، ربط المشاريع الكبيرة بالمتوسطة بالصغيرة، لتضمن النجاح والنمو للمشاريع الصغيرة، لتصبح كبيرة، بضمان تصريف منتجاتها للأكبر منها، فحدث انسجام مجتمعي، فلا يكره الصغير الكبير، ولا يحقد الفقير على الغني، فى ظل مبدأ المساواة فى الفرص، وأصبح الفشل يرتبط بصاحبه الكسول فقط، وليس بالظروف المحيطة.. حتى أصبحت ألمانيا من أقوى اقتصاديات العالم، بفضل هذه السياسة، التى مازالت تنتهجها.

لم تكن مصر أبدا فى حالة الدمار الشامل التى كانت بها ألمانيا، ورغم من ذلك لم تستفد من التجربة الألمانية، ولا من زيارة “إيرهارد”، الذى اكتشف أن من أهم المعوقات للنهضة الاقتصادية، الاختلال القيمى فى المجتمع، الذى يحدث انقسامات وضغائن اجتماعية غير قادرة على الإنجاز!، وأعتقد أن ذلك لب الداء وهو بسبب الأيديولوجيات التى يعج بها المجتمع سواء دينية أو طبقية أو ثقافية تجعل الفقير يحقد على الغنى ويستحل خداعه، والغنى يحتقر الفقير ويستحل استغلاله، غير الكراهية العنيفة بين المتشددين فى كل مجال قومى وليبرالى وديني... وهلم جرا.

أعتقد أن هذه المعضلة النفس – اجتماعية تنحسر، رغبة فى الانطلاق إلى سمة العصر، التى تقوم على مبدأ حرية السوق، مع وجود إجراءات تحقق التوازن الاجتماعى والرفاهية للجميع حسب كتاب “إيرهارد”.

ولأن أهل مكة أدرى بشعابها، فعلينا تطبيق ما يناسب مجتمعنا وعصرنا من التجارب الناجحة، التى أدمجت المجتمع فى العملية الانتاجية، واحترام الناس بعضهم البعض بالمساواة فى الفرص، واحترام كل المهن المشتركة فى العملية الإنتاجية، التى تمكن الجناينى من الزواج من بنت الباشا، ما داما قد حصلا على نفس الثقافة التعليمية والتربوية، والطريق مفتوح أمام الجناينى ليصبح “باشا” بالجهد والعمل، بينما نرى حتى الآن من يشمئز من زواج على وإنجى فى فيلم “رد قلبي”! فمعيار نجاح الإصلاح الاقتصادى والاجتماعى التخلص من الاختلال القيمى بسبب أيديولوجيات عفا عليها الزمن!

لمزيد من مقالات وفاء محمود;

رابط دائم: