رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

بريد السبت يكتبه - أحمد البرى:
العُمــر الآخـــر!

أحمد البرى;
«الذكرى الطيبة عُمر آخر» لا أدرى من قال هذه العبارة المأثورة البديعة، ولا أعلم لماذا تلح علىّ تذكرها هذه الأيام، ربما لأن العُمر تقدم والعظم وهن والرأس اشتعل شيبا، وربما لأنه فى الأعوام الأخيرة رحل عن عالمنا العديد من الأحباء والأصدقاء والاخوة والأخوات ومعظمهم ترك لنا ذكرى طيبة عاطرة وشجونا كثيرة، ومنهم أستاذى وصديقى الدكتور عبدالحليم عفيفى رحمه الله.

وعندما يكون الأستاذ «أستاذا» بكل ما تحمله الكلمة من معان، يصبح رحيله أمرا جللا مؤثرا متخما بالعبر مهما بلغ عمره، رحل الرجل فأحدث رحيله بنفسيتى وعقلى ما هو أقرب لما أحدثه رحيل والدى رحمه الله، ففى كلتا الحالتين طغى شعورى بالوحشة والوحدة والشجون وألم الفراق ما لم يخفف من وطأته إلا الاستسلام لقضاء الله والدعاء بالرحمة واجترار سيل من شجون وأحداث وذكريات قرابة ثلاثة وعشرين عاما عشتها مع والدى، ونصف قرن قضيتها مع أستاذى.

عندما رحل الوالد فى مقتبل عمرى عوضنى الله عن رحيله بأستاذ كان بمثابة الأب والصديق والمُعلم ومنبع الخبرة والحكمة والعلم والمعرفة، فبشهادة الجميع كان د.عفيفى شخصية محورية استثنائية تجمع بين صفات يندر أن تتوافر فى غيره، وكذلك كانت حياته بعد أن نشأ يتيما فى الإسكندرية حتى حصل على «البكالوريا»، وآثر أن يعمل بها فى إحدى الصيدليات، وعندما أعجبته المهنة قرر أن يستكمل دراسته فى كلية الصيدلة، واجتهد وتفوق حتى تخرج وعيّن معيدا بها، ثم سافر إلى الولايات المتحدة ليحصل على درجتى الماجيستير والدكتوراة وليزداد علما وخبرة ثم يعود إلينا فى جامعة أسيوط الناشئة آنذاك ضمن رعيل أول متميز جاءنا من شمال البلاد ليجاهد ويكافح ويجتهد بصعيدها فى ظروف بالغة الصعوبة ولكن على أسس متينة وبقيادة رجل عظيم واع اسمه «د.سليمان حُزين» حتى وقفت الجامعة على قدميها وصارت من أفضل الجامعات المصرية والعربية فى جميع المجالات وبكل المعايير، وأخذ د.عبدالحليم عفيفى الكثير من اسمه، فكان بالفعل إنسانا حليما صبورا عفيف اللسان واليد ذا شخصية قوية اختارت لنفسها منذ بداية حياتها مسار رسالة مبادئ وقيما وأهدافا أهمها نشر العلم والمعرفة والأخلاق الحميدة والتمسك بالحق والدفاع عنه ونصرة المظلوم والبعد عن الصغائر والصغار، وقبل كل ذلك مواصلة التعلم والاطلاع والبحث عن المستحدث فى العلم حتى إن الرجل كان وهو فى العقد الثامن من عمره يذهلنا باتقاد ذهنه وبمعلوماته المتجددة ليس فقط فى علم الأدوية فقط، ولكن أيضا فى العديد من الأمور العلمية والثقافية، وكان حاضر البديهة، عميق التفكير، خفيف الظل، أكثر ما يميزه قوة الإرادة والعزيمة وعدم الاستسلام لغدر الأيام والتسليم لقضاء الله وقدره ومشيئته، ورحلت عنه رفيقة حياته وهو فى قرابة السبعين من عمره، فصبر، ثم أصيب بعدها بداء السرطان الخبيث، وقاوم المرض فى قوة وجلد، وعاد يمارس عمله كشاب فى مقتبل عمره، ثم داهمه الداء الخبيث ثانية بعد بضع سنين، فقاومه برغم شدته وآلامه وسرعة انتشاره حتى فارقنا والابتسامة الحلوة مازالت تكسو وجهه لتقول لنا: «تعلموا واعتبروا»، ولعلنا نتعلم ونعتبر بإذن المولى حتى نلحق به رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.

نقطة أخيرة آلمتنى أشد الألم بعد فراق أستاذى، ففى مجلس القسم الذى أسسه ورأسه لعشرات السنين، طالبت بأن نقيم اجتماعا فى الكلية والجامعة لتأبينه ورثائه وتذكرة الناس، خاصة الأجيال الجديدة، التى ربما لا تعرفه، بمآثره وإنجازاته وأخلاقه ومبادئه، كما طالبت بأن نطلق اسمه على أحد مدرجات القسم أو الكلية تخليدا لاسمه.. ولكن آلمنى وأذهلنى رد فعل الجيل الجديد (الصاعد) لهذين الطلبين، اللذين تم تسويفهما لسبب لا أعلمه، ولعل هذا وحده كان يكفى لأن أكتب هذه الرسالة لعل الذكرى تنفع المؤمنين!.

د.علاء الدين القوصى

أستاذ علم الأدوية بجامعة أسيوط



>> محرر بريد الأهرام: لا تحزن، فذكرى الدكتور عبدالحليم عفيفى وأمثاله ستظل باقية أبد الدهر، بما قدموا من علم تنتفع به كل الأجيال، وسيكون عمره الآخر أطول أمدا، وأكثر عطاء.. رحمه الله رحمة واسعة!.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق