رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

عـلى سـطـح صـيف ساخــن!

كان ولابد من اتخاذ القرار الإنسانى بالفرار من سعير القاهرة لألطاف وأطياف البحر المتوسط، لتغدو فى قدرة أنفاس

الرئات الثبات حول معدلها الطبيعى بلا وطأة حشرجات تقارب لفظ الأنفاس الأخيرة، وما هى بالأخيرة حتى يأذن سبحانه، ليطلع علينا كل صباح منذ استهلالة يونيه وكأن ثقب الأوزون ما انفتق إلا ليجلب معه طيات الرطوبة مشبعة بحرارة من سجيل.. ويحملنا الأسفلت الجديد المذهل على طريق العلمين الجارى توسيعه وتطويره لملتقى نهايته الآمنة بأسفلت الطريق الساحلى القديم، الذى تقع عليه جميع قرى الساحل الشمالى المتأثر للغاية بفعل فساد نهب مكوناته منذ البداية، ليغدو فى النهاية بمثابة متتاليات للـهضاب والأورام والخلجان والنُقَر، ومن هنا ما أن قاربت من مقصد الطراوة والطلاوة ونافذة على المالح حتى تأرجحت بنا العربة وزاغ بصرها، وقبل حدود الانقلاب اضطر سائقنا للزحف يميناً مقطِّعاً أوصال الإطار الكاوتش، فيا روح ما بعدك روح، وتوقفنا لنُخرج العفش لعرض الطريق لنغير المهترئ بالاستبن السليم.. و..نهايته بلغنا الموقع الجميل والهواء العليل والأفق الخلاّب ورائحة البحر وزرقة البحر ونسيم البحر والموجة تجرى وراء الموجة عايزة تطولها.. و.كما هو حظك مع البطيخ يا يطلع حَمَار وحلاوة يا إما حُمار وغلاسة فقد افتقدنا بموقعنا الصيفى أى مذاق للحلاوة من جراء وجود قبيلة الدور الأرضى بأجيالها المختلفة من الرضيع العاوى، لهواة ماتشات الكرة، لعيال البسكلتة بجرسها الرايح جاى، للزعامة المتصارعة بين أرباب أكثر من أسرة من الأقارب بمنطق حصيرة الصيف الواسعة، للصوت الأجش المسيطر الذى يضع جميع النقاط فوق الحروف شارحاً وجهة نظره لا تقاطعه سوى سرسعة نسائية خافتة تتحول مع دادة الرضيع إلى غلظة عالية النبرة، ولأن حظنا التعس جابنا فوق وخلاّهم تحت فقد فوجئنا بأن الناس اللى تحت قد حوّلوا الجنينة ـ تبعهم ــ إلى مسرح مفتوح فى الهواء الطلق، حيث يجلس كبار القوم صفاً فوق المرجيحة العريضة التى أعطوا ظهرها للبحر، وبالمثل جميع كراسى البلاج والفوتيهات القش، للنظر إلى عروض خشبة المسرح المرتفعة التى نقدمها نحن سكان الدور العلوى على أرض البلكونة الكاشفة كل حاجة من خلال سيور السور الحديد الإباحى، فإذا ما أقبل الليل بأستاره فلا ستر هناك بعدما سلطوا تجاهنا جميع كشافات الجنينة حتى لا تفوتهم خلجة من الأداء على مسرح الطبيعة، وهكذا حَرّمت علينا الجيرة الساحلية فى فترة الإجازة الخروج لاستنشاق الهواء الطلق، أو تعرض الجلد للبنفسجية، أو الاستفادة من اليود الشافى المعافى، مفضلين التقوقع داخل الجدران خشية جرح الحياء ــ من قِبلهم وليس من قبلنا ــ وهدانا التفكير الوقائى لغلق فتحات حديد البلكونة بالقماش وكفاية علينا شريط من البحر مادامت السماء من فوقه مفتوحة، وقمنا بتجربة فرد ملاءة الفراش بطول السور لكنها باءت بالفشل لحجبها الهواء تماما، وتصاعدت بداخلنا موجات سلبية فقمنا فى المقابل بإضاءة نور البلكونة تبعنا الضارب فى العين، ورفعنا من صوت التليفزيون، وغرزنا المسمار فى الحائط بالشنيور الثاقب، ومكثنا نقدح الذهن فى العديد من المقترحات، منها طرق الحديد وهو ساخن فى الحديث وجهاً لوجه مع سكان الجنينة، لكن ما قاموا به وعجل بالتفكير فى العودة وبتر مسألة الوداد وقوعنا فى شر أعمالنا فقد تصادف توقيت أجازتنا مع ذكرى عيد ميلاد الأمور الصغير، ومن هنا بدأ الاستعداد قبل اليوم بيوم، وإن كنا قد لاحظنا منذ البداية وجود طابور من كراسى الفراشة مكوماً على جنب مع امتداد أسلاك تلتف حول المربع الأخضر، ومن بعدها تم تعليق الزينات والكرانيش وعقود البالونات الملونة فى جميع الأرجاء.. وظللت أنتفض فزعاً مع فرقعة كل بالونة تتمدد تحت الشمس وحرارة كلوبات النور ــ مما ذكرنى بليلة ليلاء اللـه لا يعيدها هى وأصحابها قضيتها وحدى فى منزلى القريب من الاتحادية كان صوت الطلقات النارية الإخوانية فيها يصم الآذان ــ والطريف وإن لم يكن فى الأمر طرافة ــ أن جميع البالونات المفرقعة تقطعت أوصالها اللـهم إلاّ بالونة يتيمة متهدلة ظلت تخبط قاعدة حديد بلكونتنا كنوع من التحدى السافر.. وامتدت مناضد الطهاة بطول الممر الجانبى مع مسطحات الشواء وأسياخ الباربكيو.. وهلّ المعازيم من مشارق الساحل ومغاربه كبارًا وصغارًا بعرباتهم وكـلاكساتهم ورزع أبوابهم وعادم شكماناتهم، وكانت سهرة صباحى، وواللـه وواللـه واللـه العظيم كان الجمع من تحتى وكأنهم حولى بصخبهم ونكاتهم وقفشاتهم وروائحهم وأدخنة تبغهم وعزوماتهم على بعضهم، ولم ينفض الساهر قبل الثانية صباحًا بأصوات الكـلاكسات والتوديعات والقبلات الطائرة ليتأرجح أرباب الأسرة فوق المرجيحة يعلقون على أفعال ضيوفهم سلباً وإيجاباً.. و..كله يطلع فى الغسيل.. وكله نفوِّته.. نعديه.. نهضم له الزلط. وكل سنة وهم طيبين.. اللـهم إلا رغبة الصغيرة العاوية فى ركوب البسكلتة أم جرس فى الرابعة صباحا!!.... وإذا ما كان الرسول صلى اللـه عليه وسلم قد أوصى بسابع جار وظل يوصى به حتى ظنوا أنه سيورِّثه، وأنا الجارة الأولانية، وقنوعة وعينى مليانة وعندى اللى يكفينى ولا مطمع لى فى الأستاذ الجامعى صاحب جنينة المسرح المفتوح سوى صباح الخير يا جارى إنت فى حالك وأنا فى حالى!!... ومن هنا أغلقت حقائبى، ووضعت الأدوية وبقية البقالة فى ثلاجة الرحلات، ونزلت زاعقة طالبة الرجوع لقاهرتى وقهرتى وحرّى وحريتى، واتجهت إلى العربة فوجدت سائقها المتجهم دوماً يبتسم فى وجهى ببلاهة، فتوجست خيفة كانت فى محلها، فالأفندى اللـه يسامحه البعيد من بعد قيامه بوضع أشيائى فى شنطة العربة بالخلفية قام بقفلها مع سهو بسيط هو أنه نسى مفتاح العربة بداخلها.. و..مابين نكسر الشباك.. وكبت غيظى من القيام بكسر دماغه تركنا العربة مكانها ورجعنا بالتاكسى بينما صغيرة البسكلتة وشغالتها تتابعان بقية عرضنا المسرحى بشغف واضح.. عدت بدون هدوم ولا دواء ولا كتب ولا كلبسات للشعر ولا شاحن للموبايل ولا كريم أساس ولا إكسسوار.. واشتريت من جديد تموينا لثلاجة المطبخ وأدوية لشرايينى.. وكانت إجازة يومين انتزعتها من فم السبع لكن السبع لم يتركنى دون افتراس.. وقعدت أتذكر أنا قلت لمين إنى مسافرة؟!! وزمان الزبدة ساحت وراحت مطرح ما راحت على معجون الأسنان على زجاجة الشامبو على البطيخة الضاربة على معلبات المشروبات الغازية التى لابد وأنها قد تحولت من شدة الحرارة داخل حقيبة السيارة المغلقة إلى متفجرات مما قد يثير انتباه رجال الأمن ظناً منهم أنها عربة مفخخة.. وزمان جماعة المسرح المفتوح قاعدين فى الجنينة يقزقزون الفشار من فوق المرجيحة، وقد يقودهم الملل من توقف العروض إلى الالتفاف بجلستهم تجاه البحر!!

  

الدكتور أحمد زويل

الراحل العظيم العالم الدكتور أحمد زويل صاحب نوبل من عاد اليوم إلى وطنه فى أغسطس 2016 محمولا ليشيع فى جنازة عسكرية مهيبة يدفن بعدها تبعاً لوصيته فى أرض مصر.. وكان لنا حظ لقياه فى أول عودة له بعد حصوله على الجائزة العالمية فى يونيه 1998 شابا وثاباً ممتلئاً بالحياة بهى الطلعة دمث الخلق واسع العلم محطماً الثانية مغيرًا التوقيت مضخمًا الدقيقة مستنطقاً العلم مجمِّعًا الذرات مدغدغًا الجزئيات ثاقباً حاجز الزمن، واضعا الكون على أعتاب الانكشاف، فاتحاً أبواب المجهول، عالماً بفحوى رسالة تذهب للقمر وتعود شارخة طبقات الهواء فى أقل من جزء الجزئ من طول وعرض وعمق الثانية باكتشافه للفيمتوثانية.. يومها كانت أمنيته لقاء نجيب محفوظ صاحب نوبل الآخر.. واستطعنا جمع القمتين فى جلسة ودية على النيل.. العلم والأدب.. كل منهما طلى الحديث، مجيب الاستفسار بتواضع الكبار، عاشق لمصر حضارة قديمة وحديثة، قارئ لكفها يرى ما لا يراه الآخروه.. ونسألهما عن مشاعر ليلة الجائزة فيشرح الأديب أنه قد تلقى الخبر من الأهرام تليفونياً فى الصباح لينام بملء جفنيه فى التاسعة مساء ليستيقظ منضبطاً كعادته مع الفجر للجلوس إلى قلمه وبعدها مشواره الروتينى اليومى على قدميه إلى الأهرام.. أما عن ليلة العالم الكبيرة فبعد أن تلقى خبر الفوز بالتليفون مساءً قام ــ كما شرح لنا ــ بأخذ جميع أفراد أسرته داخل أحضانه فوق الفراش حتى الصباح مؤكدًا لهم بأنها الليلة الأخيرة التى يعيشونها طبيعية حيث سيحمل الصباح معه انفجار دوى متغيرات جديدة تماما.. ولما كان زويل ابن البحيرة فى إطلالته الأولى علينا بعد غربة طويلة فى انكبابه على البحث قد نسى أننا عندما نحب أحدًا يكون إلى حد الخنق، وأننا بمثابة اللزقة فى جنب الحبيب، وأننا عندما نكتشف أن الابن الحبيب يميل للشيكولاتة نكاد لا نطعمه غيرها حتى يزهد فيها طوال سنين عمره، ومن هنا كتبتُ ناصحة خشية عليه من غول الإعلام أن يفترسه عندما أصبح لا يرفض بأدبه الجم الاشتراك فى أى برنامج ما، أو حفل ما، أو سهرة ما، أو افتتاح ما، أو صالون ما.. خفتُ عليه من شبق كل من يريد الدخول بجواره فى إطار الصورة بأى كـلام.. صرخت.. ارفض.. قل لا.. لأنه ليس لدينا روح الفريق وإنما متفرقون كل يريد الاستحواذ على الغنيمة لنفسه وضمه إلى مشاهير مربعه الخاص.. وكل يدعى وصلا بليلى وليلى لا تقر لهم بذاك.. قلت له: أنت من الندرة يا سيدى.. أنت واحد من دستة علماء غيَّروا وجه البشرية.. أنت الرائد والمكتشف والمميز وبوصلة العلم وبوابة الضوء ومغيّر الوقت والحال والمحال.. ورجائى ألا تتحدث أو تتواجد إلا بندرة. يا أخى يا عالمى يا زويلى يا نوبلى لا نريد أن نراك إلا بشق الأنفس.. كن عزيزًا علينا لأنك العزيز علينا، وأملى ألا تترك الفرصة من حولك سانحة لدعاة التسطيح، ولا تجعلهم بشوقك لمصر وأهل مصر وأهرام مصر ونيل مصر وأم كلثوم مصر يطرحونك على بساط أحمدى على جميع الموجات والمحطات كموضة فائرة سرعان ما يخمد زبد فورتها فى انتظار موضة جديدة تعلو لتتسيد.. أنت فوق فوق فوق ونحن فى مصر هوايتنا التمادى والتغالى والتكرار، وخططنا غاشمة، وإعلامنا سبهللة، وذاكراتنا ذاكرة سمك، ومادمت راضى فأنا راضى وأبويا راضى، وإذا ما كانت نيتنا حلوة إلا أن ميزاننا أعمى البصر والبصيرة.. وحفاظاً عليك أقولها حتى لا يحمّلونك مرة أخرى مثل ذلك البوكيه من الزهور فى أحد البرامج الصباحية، فتدخل أمامنا من باب جانبى إلى الاستوديو لتضعه أمامك على ترابيزة الحوار بمدلول أنك تقدمه لأصحاب البرنامج أو للمشاهدين.. وبعد انتهاء البرنامج تقوم لتغادر فإذا بالمذيع يتولى مهمة إعطائك البوكيه لتحمله معك مرة أخرى من جديد فى طريقك للخارج وكأنه لا لزوم له عندهم، وأنك قد نسيته فى لخمة المغادرة بعدما دفعوا فيه الفلوس، وظنى أن السيناريو المكتوب فى الأصل يعنى أن مصر تهديك باقة ورد لا أن تجلبها أنت لها، فقد أعطيت مصر يا زويل أجمل وردة بعدما أتيت لمصر بالنصر..

وإذا ما كان هناك شىء لم يزل فى النفوس بخصوص الفصل ما بين جامعة النيل وجامعة زويل فالعالِم قد مضى وأصبح ذكرى خالدة وبقى العلم وحده لينفع الناس.

  

غور من وشى.. «دافاوول» بالتركى

ورحت أقابله لأجد لديه ضالتى.. قل لى يا دكتور نفسى نفسى موت موت أقول لواحد فى بالى «غور من وشى الساعة دى» بالغطرسة والألاطة العثمانلى.. ماذا أقول له باللـه ساعدنى.. رد علىّ الدكتور سمير عباس زهران أستاذ اللغة التركية ولهجاتها بكلية آداب عين شمس: «تقولى له كلمة واحدة هى (دافاوول).. أفادكم اللـه يا سيدى، طيب ولما أحب أقول له يا حمار؟! تقولى له يا «أشك»، ويا كلب؟! تقولى «ياكوبك»، ويا جاموسة؟! تقولى «ماندة» وياتيس؟! تقولى «تكة».. طيب والأردوغان أى القرد؟! تقولى له «الشبك» أى الذى إن عاجلا أو آجلا يكشف الزمان تقليده وعدم أصالته.. وعموماً فإن اللغة التركية لا تعرف التاء المربوطة فى آخر الكلمات، فهناك «عزت» بمعنى «العزّة»، و«سياحت» أى سياحة، و«نشأت» أى نشأة.. والتركية لغة مفخمة تضخم حرف الألف وكأن بداخلها طبولا لها عمق وقرار، ورغم تشابه الكثير من كلماتها بالعربية فقواعدها تختلف معها، فالفعل فى العربية بداية للجملة، بينما فى التركية نهايتها، ومثلا لفظة «فقط» فى العربية تنهى الجملة بينما فى التركية أداة استدراك بمعنى «لكن»، وهناك الكثير من كلمات العربية قد تغيَّر معناها عند انتقالها للتركية فلفظة «إهانة» تكتب فى التركية «إهانت» بمعنى خيانة.. وعندما يسب التركى أحدهم بلفظة «كفر أيتمك» فهو لا يقصد معنى الكفر وإنما مجرد عتاب، ولفظة «سيز» اللاحقة لبعض الكلمات مثل «أدب سيز» تعطى المعنى بأنه يفتقد الأدب، أى أنها تمثل «بدون» أو «لا»، ومن الخلافات بين العربية والتركية أن الأولى ٢٨ حرفاً بينما الثانية ٣٤ حرفا، وعموماً فالكتابة التركية بالحروف العربية قد تراجعت ولا يتعامل بها الغالبية خاصة الجيل الجديد الذى يقرأ التركية بالحروف اللاتينية فى الكتب والصحف والإعلانات.

ولأن الوطأة العثمانلى قد مكثت طويلا فى بر مصر فالكثير من الأسماء أصلها تركى فمعنى «أنجى» اللؤلؤ، و«نهال» أى غصن، و«هويدا» بمعنى واضحة، و«نازك» ظريفة، و«جيهان» دنيا، «جلفدان» شتلة الورد، و«جيلان» غزال، و«جلنار» زهر الرمان، و«تيمور» حديد، و«رسلان» أسد، و«جالا» بمعنى ندى، و«حشمت» أى العظمة… طيب يا دكتور سمير ماذا عن العثمانلية فى طعامنا؟! «شيش طاووق» الشيش بمعنى سيخ والطاؤوق بمعنى دجاجة، و«الدندرمة» بمعنى التجمد، و«الشاورمة» وتنطق بالتركية «جويرمه» بمعنى الدوران، و«البسطرمة» من الفعل التركى «باصمق» أى الضغط والكبس، و«الضولمة» المحشي، و«البقلاوة» بنفس المعنى، و«يميش» أى فاكهة.. وفى مسألة الرتب والمصطلحات العسكرية نذكر «شاويش» من الكلمة التركية «جاويش»، و«الأومباشى» بمعنى رئيس العشرة، و«اليوزباشى» نقيب، و«البيكباشى» مقدم، و«الأميرالاى» قائد أربعة طوابير، و«السلاحلك» مكان السلاح، و«السونكى» من الكلمة التركية «سونكو» أى سنان البندقية.. والكثير الكثير كما قال لى الدكتور سمير ننطقه فى أجروميتنا تركيا على أصله فهناك «البخت» و«الطابور»، و«يبوظ» و«بايظ» من الفعل التركى بوزماق بمعنى يفسد، و«بقشيش» من كلمة بخشش بمعنى عطاء، و«بوية» بمعنى صبغة ومنها «بوهيجى» أى عامل الطلاء، وطازة وتختة وبصمة وأوضة وبرنجى وبلطة و«أوية» لمناديل الرأس، وأويمة ومنها الأويمجى أى نقاش وحفار الخشب، وقروانة، وأراجوز، وماشة، و«خانة» أى مكان، وأجزاخانة، وكتبخانة، ودفترخانة، وشفخانة، والشكمجية، والأورمة، والشنطة، و«الساكسونيا» النداء الصارخ من بائع الروبابيكيا ومعناها الأوانى الصينية، والعربجى، والسفرجى والكبابجى والأجزجى والمكوجى و«السروجى» وتنطق بالتركية سروججى، والدمغة، و«النبطشى» للطبيب النبطشى.. وأتارى «طق طق» أصلها تركى بمعنى الطرق على الخشب ومنها جاء المثل «من طق طق لسلامو عليكم»، و«اللى يمشى (طوغرى) بمعنى مستقيم يحتار عدوه فيه».. وأى واحد يقف فى سكتنا نقول له بالتركى (كفرأتيمك) أى غور من وشى يا (كوبك)!!

  



الجـــــــــائـــــــزة

إلى صومعته قادتنى زوجته ومضت.. صاحب الشهرة والألقاب والتاريخ والدرجات العلمية والسنين المتراكمة.. إليه ذهبت أحمل التهنئة لحصوله على جائزة الدولة التى التفتت أخيرا للأستاذ بعد أن كرّمت من قبل طابور التلاميذ.. فى حديثى قدمت اعتذارى لشغلى بعضا من وقته الثمين..

- وقتى!! فى استطاعتى يا سيدتى أن أهبك كل الوقت.. نهارى.. الليل بطوله فأنا لا أنام الليل، وإذا ما كان لكل شخص صفة تطلق عليه كأن يكون كريما أو جحودا أو مشاكساً فإن سمة وجودى الآن أنى أصبحت أرِقاً.. فى وسط الليل أظل محدقاً فى الظلمة حتى يبددها ضوء نهار جديد لا يحمل جديدًا.

■ العبقرية لا تنام؟!

- ما قيمة ألاّ يُذكر اسمى إلا محاطاً بالاحترام، وأنا هنا وحدى فأر عجوز يقظ تصفعه معاول الساعة وتسخر منه أرفف كتب أفنيتُ شبابى فى تأليف سطورها وانهارت ذاكرتى فى استعادة موادها.. الأسماء الضخمة تحيا حياتها المستقلة عن حياة أصحابها.. اسمى هناك يطوف على ألسنة علماء وأنصاف مثقفين.. يلتوى وينفرد فى حروف طباعة الكتب والأبحاث والصحف بينما جسدى الواهن هنا يتسول عطفاً ونومًا.

■ دور رفيقة العمر؟!

- حرمنا المصون.. آه.. تتنفس معى هواء هذا البيت ولكنها خرجت من إطارى منذ زمن بعيد.. ربما كانت العلّة أننى اخترتها من بلد غريب.. معها الكـلام قد انتهى.. لغة التفاهم حالياً أن نزوم كالحيوانات.. عادت أجنبية مرة أخرى بلغة لم أدرس أجروميتها.. ما بيننا لا يتعدى جُملا روتينية موجزة.. فى الصباح تسأل عن صحتى.. فى الغداء تستفسر عما إذا كنت أريد قدرا آخر من الشوربة.. قبل النوم تطلب أن أسدد فتحة فمى تجاه ملعقة الدواء، وعينى تجاه القطارة لسكب النقطتين، وتنطق بعبارتين روتينيتين تؤنبنى فيهما على ضآلة دخلى رغم عظمة شهرتى، ثم تفتح جانباً من ضلفة النافذة ليتجدد هواء الغرفة حتى فى شهر طوبة..

■ وكيوبيد الذى زوّج الحب؟!

- أتأملها.. هل من الممكن أن تكون هذه العجوز المجففة المسطحة الصدر التى نبتت الشعيرات البيضاء فى ذقنها، وأصبحت يداها كالمخالب، هى نفسها تلك الغادة الشقراء التى تدلهت فى هواها طوال سنوات بعثتى فى الخارج ورقصنا معا على ضفاف البحيرة، واحتضنتها بشغف على سفح جبل الثلج.. أحملق فيها بإمعان فى تلك القسمات القاسية أبحث عن معبودتى فلا أجد فى حفائرها شيئاً سوى زرقة باهتة فى عينيها وطريقتها فى نطق اسمى بلكنة مضحكة..

■ والابن؟

- تلك السعادة الغامرة التى كانت ترفعنى أجنحتها إلى عالم الغبطة الطاغية وأنا ألهو معه طفلا نتبادل تمثيلية مباراة ملاكمة وتتفجر رقرقات ضحكاته كشلال موسيقى سماوية وأنا أدَّعى الهزيمة أمامه من وقع الضربة القاضية من يده الصغيرة.. كل هذا مضى.. يسكن الآن وحده.. انسلخ ولم يعد ينادينى بابا.. يلقبنى بالدكتور ويهز رأسه بوقار مؤمِّناً على آرائى.. يسلم علىّ بيد مستقلة مع انحناءة خفيفة زيادة فى التوقير.. أتمنى.. أشتاق.. أهفو.. أرجوه أبتهل إليه فى أعماقى أن يحتضننى بقوة تزلزلنى وتوقظ مواتى.. يقبل يدى.. أقبل يده.. يداعب شاربى.. أضع رأسى على كتفه. أبكى على صدره. يمسح دموع نشيج طفولة شيخوختى.. أهمس له بضعفى بضآلتى. أشكو إليه أمه. أشكوه إليه. أتوسل إليه أن يخلع عن كاهله قانون وراثة أمه ويرتدى بيجامته ويصعد حافياً معى إلى سريرى نعيد تمثيلية مباراة الملاكمة ويدّعى هو أننى الأقوى، ونضحك ونقهقه ونتحادث أياماً فى تفاهات.. حتى هذه الرغبات الداخلية لم تعد تجتاحنى عندما يمد ابنى لى يده الآن بالسلام ويتركنى أتقدمه فى الدخول والخروج..

■ سبب الاعتزال؟!

- كنت أرى طلبتى جسدا واحدا لوحش جميل له عشرات الأذرع والأفواه وكان صوت كنوز أستاذيتى يبهر الجميع.. يسيطر ويتسيد.. يصبهم جميعاً أذنا واحدة صاغية مرهفة.. مايسترو يجيد قيادة العزف على أوتار العقول. أقول وأبدع من فيض نهر العلم بداخلي، وتتلاقى نقاط ضروب المعارف اليقظة التى أطرحها بمهارة للخروج بجوهر النظرية، وتنتهى المحاضرة بدوى التصفيق... فى تلك المرة التعسة فقدت سيطرتى. هزمتنى كهولتي. أصابنى قطع ذهنى فسألت بالتياع: ماذا كنت أقول؟!.. ومن بعدها لم يعد الوحش أمامى جسدا واحدًا.. انفرط العقد واختلط العزف واهتزت الوجوه ولم ترتفع يد واحدة فى حاجة للسؤال.. لملمت أوراقى وخرجت واعتزلت..

عندما تجرى الدموع فى ثنايا رقبته أدعو له بالصحة وأن يبقى لنا ذخرًا فيرد على مواساتى بقوله:

لنكن أبناء الواقع.. فى رحيلى لن تُذرف دموع. التغير الوحيد الذى سيعترى اسمى أن تسبقه «كان».. تفنى ذراتى وتختلط بالتراب وتتيبس مع قشرة الأرض لتدور معها حول الشمس.. ابنى سيمد يده بوقار يتقبل العزاء وزوجتى لن تنسى أن تنزع وجه سلطانية الزبادى الدسم وستلقى بفرشاة أسنانى فى سلة المهملات..

■ مبارك الجائزة

- لم تعد لىّ ولن أعود إليكم..


لمزيد من مقالات سناء البيسى

رابط دائم: