السياسة المعلنة من الحكومة هى رفع أسعار الخدمات العامة. بيان الحكومة المقدم لمجلس النواب ووثائق الموازنة العامة للدولة على مدى العامين الماضيين تنص على رفع أسعار الخدمات العامة كوسيلة لمواجهة عجز الموازنة العامة وتفاقم الدين العام المحلي. الحكومة تؤكد، ونحن نصدقها، أن العديد من الخدمات العامة تقدم بأسعار تقل كثيرا عن تكلفتها الحقيقية، وأن استمرار هذا الوضع لسنوات طويلة قد شكل عائقا فى حد ذاته دون توفير الموارد اللازمة لتطوير تلك الخدمات. فالحل إذن هو رفع أسعار تلك الخدمات إلى المستوى اللازم لتغطية التكلفة الحقيقية، وفى مقدمة تلك الخدمات الكهرباء والمياه والغاز والنقل.
طبعا نحن نبصم بالعشرة أنه من الخطأ تثبيت سعر سلعة أو خدمة معينة لسنوات طويلة دون أى تغيير يتناسب مع ارتفاع تكلفة إنتاجها، وتقديمها. لكن المنطق يقول أيضا إنك لا يمكن أن تنتظر لسنوات طويلة حتى تتسع الفجوة بين سعر تقديم الخدمة وتكلفة إنتاجها ثم تصر فجأة على سد تلك الفجوة، أو الجزء الأكبر منها، دفعة واحدة.. والأنكى أن تصر على ذلك ليس بالنسبة لخدمة واحدة فقط بل لعدد كبير من الخدمات الحكومية، لترتفع فجأة تكاليف الحياة اليومية وتزداد الحياة صعوبة على القاعدة العريضة من المواطنين.
المواطن المصرى تلقى صاغرا إعلان الحكومة منذ عامين عن جداول لرفع أسعار استهلاك الكهرباء على مدى خمس سنوات، وامتثل صابرا لدفع الزيادات التى تتحدد فى بداية كل سنة مالية جديدة.. وحيث إننا بالفعل فى بداية السنة المالية فإنه من المتوقع أن تعلن الحكومة الارتفاعات الجديدة فى أسعار استهلاك الكهرباء. السنة الماضية أصدر السيد رئيس الجمهورية تعليمات بالإبقاء على أسعار الشرائح الثلاث الدنيا للاستهلاك دون تغيير، وتحميل فرق الزيادات المطلوبة على القادرين أصحاب الشرائح العليا للاستهلاك. ترى هل سيتم إصدار تعليمات مماثلة هذا العام؟ و هل سيتم إلغاء الإتاوة الإجبارية المفروضة على شرائح استهلاك الكهرباء؟ هل يعقل أن يتم تحميل المواطنين بإتاوة إجبارية على كل شريحة من شرائح الاستهلاك، تتراوح بين جنيه واحد عند أدنى شريحة و 20 جنيها لأعلى شريحة. ولكن ما يحدث لفواتير الكهرباء كله كوم، وما يحدث لفواتير المياه كوم آخر! فالحكومة قد أعلنت خلال العام الماضى البدء فى رفع أسعار استهلاك المياه، والتى لم يتم تغييرها عبر سنوات طويلة، وأصبحت بعيدة كل البعد عن التكلفة الحقيقية. قالوا لنا إن الارتفاع لن يكون بكامل الفرق.. تخفيفا على المواطنين الرفع سيكون فقط فى حدود 25%. طبعا الجداول الرسمية التى أعلنتها الحكومة كانت تتحدث عن زيادات مختلفة تماما تتراوح نسبتها بين 30% فى أدنى شريحة للاستهلاك و أكثر من 158% لأعلى شريحة. وفى كل الشرائح تحددت تكلفة الصرف الصحى بنسبة 51% من قيمة فاتورة المياه. يعنى لو قيمة استهلاك المياه 100 جنيه يضاف عليها 51 جنيها تكلفة الصرف الصحى ليصبح الإجمالى 151 جنيها. قفزة مروعة فى تكلفة استهلاك المياه. لا تقل لى إن الارتفاع الضخم قد انحصر فى الشرائح العليا للاستهلاك والتى تقترن بعلية القوم. فالحقيقة التى يعرفها الجميع أن الغالبية الساحقة من المواطنين ليس لديهم عدادات لاستهلاك المياه تخص وحداتهم السكنية، كما هو الحال فى عدادات استهلاك الكهرباء. كقاعدة عامة عدادت المياه توجد على مستوى المبنى أو العمارة السكنية. يعنى استهلاك المياه يحسب للعمارة ككل، بمجموع وحداتها السكنية، وبالتالى يندرج بالضرورة ضمن شرائح الاستهلاك العليا، التى تطبق عليها نسبة زيادة أكثر من 158% ويترتب عليها زيادة تكلفة الصرف الصحي. وطبعا بما أن الشركة القابضة للمياه ليست أقل من الشركة القابضة للكهرباء فلا بد أن تتقاضى هى الأخرى إتاوة على كل فاتورة. إتاوة فاتورة المياه تسمى استدامة خدمة! حد فاهم يعنى إيه استدامة خدمة؟ طيب وما هو الموقف إذا كان الواقع المصرى يقول إن الخدمة على العكس متقطعة وأن المياه لا تصل إلى أى وحدة سكنية تعلو الدور الثانى إلا بتركيب موتور؟ أين بالله عليكم استقرار الخدمة، ناهيك عن استدامتها ؟ الكارثة الحقيقية هى أن الشركة القابضة للمياه والصرف الصحى لا تكتفى بالزيادات الضخمة التى حددتها الحكومة، بل تلجأ مباشرة لجيوب المواطنين لحل أى مشكلة سيولة تظهر لديها فى شهر من الشهور وترفع قيمة الفواتير، هل يعقل التعامل مع المواطنين بمنطق اخبطوا رءوسكم فى الحائط، إما الدفع أو نقطع المياه؟
يجب الكف عن تحميل المواطنين بأى زيادات جديدة فى فواتير المياه لأنها بالفعل وصلت لدرجة الغليان، ولأن البديل هو أن نعجز عن الدفع ونموت من العطش والكوليرا!
لمزيد من مقالات د. سلوى العنترى رابط دائم: