رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

مذبحة شيكوريل بين الماضى والحاضر

أمـــــل الـجــيـــــار
ما أشبه الليلة بالبارحة ، وكأن عائلة شيكوريل الإيطالية الأصل واليهودية الديانة كانت موعودة دائماً بالمصائب والكوارث في مصر ، فبالأمس القريب قُتل أحد أفرادها في حادثة شنيعة هزت المحروسة كلها ، وهذه الأيام تُهدم فيلتهم الأنيقة في الإسكندرية في جريمة أدمت قلوب السكندريين الذين يعشقون هذه الفيلا البرتقالية التي كانت رمزا لتراث معماري جميل بقي شاهداً علي جمال ونعومة وأناقة مدينة تتعرض الآن لأبشع أنواع التدمير تحت سمع وبصر المسئولين .

وبالطبع لا يوجد شخص في بلادي لا يعرف إسم «شيكوريل» الذي يرن كالطبل البلدي بمجرد النطق به ، ف « شيكوريل» في الزمن الجميل كان رمز الأناقة والشياكة وملتقى الصفوة من الرجال والسيدات وكانت واجهاته وصالاته كثيرا ما تظهر في الأفلام الأبيض والأسود وكانت جملة ( أشتريته من شيكوريل أو سيكوريل كما كانت تُنطق ) قاسم مشترك في أفلام فاتن حمامة وماجدة وشادية وصباح وفاتنات السينما المصرية ، وكأن ذلك دليل الأناقة وعنوان الأرستقراطية ، أما الآن فتحول هذا الأسم التجاري الي إسم عادي لا يحمل أي دلالات اللهم إلا لمن يتمسك بأهداب الماضي ، وشيكوريل وكوارثه ومقتل أحد أفراد هذه الأسرة هو موضوع حكاية هذا الأسبوع من خلال ما نشرته جريدة الأهرام في صفحتها الأولي في العدد الصادر بتاريخ ٥ مارس ١٩٢٧ تحت عنوان «مقتل سلامون شيكوريل والقبض علي ٣ إيطاليين ويوناني» بالإضافة الي ما نشرته جريدة المصور بتاريخ ١١ مارس ١٩٢٧ بعنوان «مقتل المرحوم شيكوريل» والحكاية بدأت حينما إستيقظ أهل القاهرة في بداية عام ١٩٢٧ علي خبر مقتل التاجر سلامون شيكوريل صاحب متجر الملابس الشهير بعد أن اقتحم الجناة بيته وشرعوا في تخديره في حجرة نومه وتخدير زوجته وعندما قاوموهم قاموا بقتله ، ومما يزيد في فظاعة هذا الحادث بحسب ما نُشر أن قاتليه إثنين أواهما في داره ، فإقترنت جناية القتل والسرقة بالخيانة ، وكان تحليل الصحف لجرأة اللصوص هو طيبة نفس القتيل وعدم اكتراثه بما حدث في منزله من سرقات سابقة ، وقد ألقت الشرطة القبض علي الجناة الأربعة وعلي رأسهم السائق وهو يوناني الجنسية يدعي آنستي خريستو في الثانية والثلاثين من عمره أما المتهم الثاني فقد كان الشاب اليهودي جونا داريو وهو في العشرين من عمره، واعترف بأنه دخل مع شركائه حجرة نوم الخواجة شيكوريل وانقض علي زوجته وأوثقها ثم أوثق الخواجة نفسه ، وكشفت التحقيقات أن خريستو لم يعمل كسائق لدي الخواجة سلامة شيكوريل سوي شهرين فقط طرده بعدها لسوء سلوكه فعمل سائقاً لدي زوجة الكونت دبانة ، لكنه كان العقل المدبر لفكرة الهجوم علي شيكوريل وسرقته وإستعان بشركائه الثلاثة ومنهم إدواردو موراماركو ( ٢٥ سنة ) الذي عمل سائقاً جديداً لشيكوريل وكان يعيش في غرفة بالمنزل وسهل لبقية المتهمين مهمة التسلل في الظلام إلي البيت وفتح لهم بابه ، وقد عُثر علي المجوهرات المسروقة تحت بلاطة في سطح منزله أما المتهم الرابع فهو إيطالي يدعي جوناردو جريمالدي وكشفت التحقيقات أنه خدر زوجة الخواجة شيكوريل لكنه لم يشترك في القتل ، ولم تستمر التحقيقات في القضية أكثر من شهرأحيل بعدها المتهمون إلي محكمة الجنايات ، ووقفت زوجة الخواجة شيكوريل أمام هيئة المحكمة لتسرد شهادتها وتجهش بالبكاء من الانفعال وهي تروي تفاصيل الجريمة ولحظات الرعب التي عاشتها حين هاجم المتهمون حجرة النوم، ورأتهم يقتلون زوجها أمام عينيها وفي قفص الاتهام وقف المتهم الأول خريستو ( ٢٥ سنة )الذي طعن الخواجة شيكوريل ١١ طعنة تسببت في موته شاحب الوجه وكان يبكي بكاء مراً حين نطق القاضي بالحكم وأمر بإعدامه .

وهكذا أُسدل الستار علي الجريمة التي أدمت قلوب أفراد عائلة شيكوريل ،ويمضى الزمن لتستيقظ الإسكندرية علي كارثة هدم فيلا “ شيكوريل “ في غفلة من القانون الذي لم يمنح أصحاب العقار أي رخصة لهدمه ولكنه أيضاً لم يحرك ساكناً للحفاظ على التراث المعمارى للمدينة على الرغم من أن القانون نص صراحة على معاقبة كل من هدم كليا أو جزئيا مبنى أو منشأة بالحبس والغرامة لمدد متفاوتة ومبالغ قد تصل الى أرقام كبيرة، وفيلا “ شيكوريل “ التي تتعرض للتخريب الآن يرجع تاريخ إنشائها الي العشرينيات من القرن العشرين وقام بتصميمها ثلاثة من أشهر المعماريين الفرنسييين هم ليون أزيمان وجاك هاردي وجورج بارك حيث كان جورج بارك لديه مكتب هندسي في القاهرة وقد جاءوا الي مصر بسبب طرح مسابقة لتصميم المحاكم المختلطة ( دار القضاء العالي ) وبالفعل فازوا بها عام ١٩٢٥ وبدأوا العمل في مصر وبدأوا العمل في الإسكندرية من خلال التعامل مع الكونت فرديناند دبانة وقاموا ببناء مجموعة من أهم المباني في الإسكندرية أشهرها مدرسة سان مارك وفيلا شيكوريل التي بنوها علي طراز Art Deco الذي كان سائداً في النصف الأول من القرن العشرين .

ويقول الأثري أحمد عبد الفتاح أن إسم شيكوريل هو أحد الأسماء الرنانة في مصر في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات العشرين ويرجع الي “ مورنيو شيكوريل Moreno Cicurel “ الذي كان عميد عائلة شيكوريل الإيطالية الاصل و الذي هاجر الي مصر قادماً من ازمير (تركيا) فى اواخر القرن التاسع عشر، وكان رئيس مجلس ادارة محلات شيكوريل التي كانت واحدة من أكبر المحلات التجاريه المشهوره في مصر التى تأسست سنه ١٨٨٧ وكان رأسمال الشركة ٥٠٠ الف جنيه مصرى ، وعمل فيها ٤٨٥موظف اجنبى و ١٤٢ موظف مصرى.وقد عمل مورنيو شيكوريل بعد وصوله الي مصر فى محل” او بيتي بازار “(Au Petit Bazar) كان يملكه يهودى اخر اسمه هانو (Hannaux ).وفي سنة ١٩٠٩ أسس أول محل خاص به “ ليه جراند ماجازان شيكوريل “(Les Grands Magasins Cicurel) بجانب قصر الاوبرا فى وسط القاهره و بمساعدة اولاده الثلاثه سولومون و يوسف و سالفاتور حتي اصبح واحداً من افخم المحلات فى القاهره. ثم إفتتح شيكوريل الأب عام ١٩٣٦” سلسلة محلات اخرى” اوريكو (Oreco) و كان الاسعار فيها ارخص قليلا من محلات شيكوريل التي كانت تخدم الطبقه الارستقراطيه بشكل اساسى. وقد أصبح سالفاتور شيكوريل عميد اليهود المصريين فى القاهره سنة ١٩٤٦بعد رينيه قطاوي وكان عضو في مجالس إدارة الكثير من الشركات وعضو في مجلس إدارة الغرفة التجارية المصرية وبعدها اصبح رئيساً لها أما يوسف شيكوريل فكان من مؤسسين بنك مصر (سنه ١٩٢٠).

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق