رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

القلوب عند بعضها

توماس جورجيسيان
ترددت على مسامعنا كثيرا هذه المقولة «القلوب عند بعضها» ورددناها نحن أيضا في محطات انسانية عديدة توقفنا عندها ونحن نسير في دروب الحياة.

وعادة عندما نسمعها ينتابنا الشعور بوجود السند والأمان و»بأننا لسنا وحدنا» في مواجهة تحديات الحياة ومفاجآتها المتلاحقة. كما أننا عندما نقولها للآخرين «القلوب عند بعضها» نريد من سامعها «أن يطمئن» و»أن يشعر بـأننا لن نخذله» ـ بأننا نحن هنا في هذه اللحظة لنكون معه ونسانده .. انها «طبطبة» انسان لديه شعور بالتعاطف وأيضا لديه موقف جدعنة ـ انه انسان قادر وراغب في أن يشاطر الآخرين أيامهم المرة قبل الحلوة.

ولا شك أن القلوب في امكانها أن تكون عند بعضها عندما تخرج من ذاتها أو «قوقعة ذاتها» (كما يقال) وعندما تتواصل وتتفاعل مع الآخرين ـ وهذا هو الأمر الأهم والمطلوب دائما. وفي هذه الحالة من السمو والارتقاء الانساني تحديدا فان العقول أيضا ـ مثل القلوب تكون عند بعضها. ويرى الانسان في مصيبة أخيه الانسان مصيبته أيضا وبالتالي يسارع ليكون مع القلب الآخر والقلوب الأخرى وهي «تحاول أن تتجاوز آلام الحاضر». هذا ما تقوله لنا التجربة الانسانية وتذكرنا به الكتب السماوية وأيضا دفاتر الحكمة والنصيحة عبر العصور. وبإلقاء نظرة على ما يجري حولنا في كل بقاع العالم وما تنقله وسائل الاعلام الينا من مآس انسانية بأسماء مختلفة نجد غالبا الخلل والاضطراب والقلق والغضب والعجز والمصيبة فيما حدث ويحدث ل»القلوب» و»العقول» و»النفوس»في العالم. ومن ثم من الطبيعي أن تتكرر هذه الأيام المقولة اياها «بأى حال عدت يا عيد؟!».

حالات عديدة لتلاقي القلوب وتواصل النفوس بهدوئها وصخبها نجدها في «أصداء السيرة الذاتية» للعظيم نجيب محفوظ. ونلتقي بين صفحاته بالشيخ عبد ربه التائه الذي «يأخذ بيدنا» ويسير بنا وبحكمته في حواري وأزقة الطريق. القاص زكي سالم ـ وأحد المقربين من محفوظ كتب في دراسة له بعنوان «تجليات صوفية في أصداء السيرة الذاتية»

عن علاقة نجيب محفوظ بالصوفية منذ شبابه «.. هذا الاهتمام العميق بعلوم التصوف، فكرا وسلوكا وتجربة، أخذ يتبلور ويتألق ـ في شخصه وفي إنتاجه بمرور الزمن، مع قراءاته المتعمقة، وازدياد خبراته الحياتية، وكثرة تأملاته، ومن ثم فهمه لعلاقات البشر وحقيقتهم، وادراكه لمعنى الموت والحياة».

ونقرأ في «أصداء السيرة الذاتية» وتحت عنوان «عندما التقت العينان»..

«مضى زمن قبل أن يلتفت الي وتلتقي عينانا. ولما شاعت ابتسامة في ملامحه، وثبت الى جانبه وقلت:

- اقبلني في طريقتك..

فسألني:

- ماذا يدفعك الينا؟

فقلت بعد تردد:

أكاد أضيق بالدنيا وأروم الهروب منها.

فقال بوضوح:

- حب الدنيا محورطريقتنا وعدونا الهروب.

وشعرت بأنني أنطلق من مقام الحيرة.»

وفي قراءتنا لأقوال الشيخ عبد ربه التائه في الكتاب نفسه نجد « خفقة واحدة من قلب عاشق جديرة بطرد مائة من رواسب الأحزان» و»قد تغيب الحبيبة عن الوجود، أما الحب لا يغيب» و»اذا أحببت الدنيا بصدق، أحبتك الآخرة بجدارة» و»قلت للحياة: حقا انك سر من أسرار الوهاب.. فقالت بحياء: ان أبنائي يسألونني، فلا يجدون عندي الا السؤال». ويقول الشيخ لسمار الكهف: «أسكت أنين الشكوى من الدنيا، لا تبحث عن حكمة وراء المحير من فعالها، وفر قواك لما ينفع، وارض بما قسم، واذا راوك خاطر اكتئاب فعالجه بالحب والنغم» ويقول الشيخ عبد ربه التائه أيضا»اخفق يا قلبي واعشق كل جميل وابك بدمع غزير اذا شئت ولكن لا تندم» وعندما سئل «لماذا يغلب عليه التفاؤل؟» أجاب» لأننا ما زلنا نعجب بالأقوال الجميلة، حتى وان لم نعمل بها»

وبما أننا اعتدنا أن نلجأ دائما للقول الجميل نجد أمامنا «قواعد العشق الأربعون» للكاتبة التركية اليف شافاق التي تذكر في استهلال الكتاب «...اذا ألقيت حجرا في النهر، فان النهر سيعتبره مجرد حركة أخرى من الفوضى في مجراه الصاخب المضطرب. لا شىء غير عادي. لا شىء لا يمكن السيطرة عليه.أما اذا سقط الحجر في بحيرة، فلن تعود البحيرة ذاتها مرة أخرى». هكذا تتحرك النفوس من سكونها وهكذا يحركنا .. وقد يحرقنا أو يضيئنا العشق. وهذه الرواية عن مولانا جلال الدين الرومي الصوفي الأكبر «قواعد العشق الأربعون» عشقها الملايين في كافة بقاع العالم بلغات عدة لأنها وجدوا فيها «قلوبهم» وكيف كانت ومازالت هذه القلوب تبحث عن لحظات تتواجد فيها مع بعضها. ونقرأ في صفحات الكتاب: «ان الماضي دوامة، اذا تركته يسيطر على لحظتك الحالية، فانه سيمتصك ويجرفك» قال شمس التبريزي وكأنه قرأ أفكاري، «فما الزمن الا وهم فحسب، وكل ما تحتاجين اليه هو أن تعيشي هذه اللحظة بالذات. هذا ما يهم» .. ونقف أيضا أمام هذه السطور:»ليست هذه مشكلة»، قال شمس وعيناه تلمعان، «لا تهتمي الى أين سيقودك الطريق، بل ركزي على الخطوة الأولى. فهي أصعب خطوة يجب أن تتحملي مسؤوليتها. وما أن تتخذي تلك الخطوة دعي كل شىء يجري بشكل طبيعي وسيأتي ما تبقى من تلقاء نفسه. لا تسيري مع التيار، بل كوني أنت التيار»

ونعم أن تكون أنت التيار. هذا طريقنا واختيارنا وهدفنا. وينبهنا هذه الرواية أيضا: «اذا أراد المرء أن يغير الطريقة التي يعامله فيها الناس، فيجب أن يغير أولا الطريقة التي يعامل فيها نفسه، واذا لم يتعلم كيف يحب نفسه، حبا كاملا صادقا، فلا توجد وسيلة يمكنه فيها أن يحب. لكنه عندما يبلغ تلك المرحلة، سيشكر كل شوكة يلقيها عليه الآخرون. فهذا يدل على أن الورود ستنهمر عليه قريبا، توقف قليلا ثم أضاف: «كيف يمكن للمرء أن يلوم الآخرين لأنهم لا يحترمونه اذا لم يكن يعتبر نفسه جديرا بالاحترام؟»

....................

وطالما التقت قلوبنا عند بعضنا وصار حب الحياة محور دنيانا والهروب منها أصبح عدونا.. فنحن التيار والعشق والعاشق والمعشوق معا .. اليوم وغدا

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق