بدأت جذور فلسفة وحدة الوجود عند فلاسفة اليونان القدماء من أمثال طاليس وهيراقليطس والتي تقول بأن الله والطبيعة حقيقة واحدة وأن الله هو الوجود وارتبطت معها إيمانهم بعقيدة ما أسموه "وحدة الأديان" وناد بوحدة الوجود كذلك بعض فلاسفة الغرب وأقروا بأن الله هو كل شيء وانه قائم في كل شيء ؛ فمن عبد صنما أو حجرا أو شجرا أو إنسانا أو كوكبا فقد عبد الله !! وتأثر بأفكارهم بعض الصوفيين المسلمين ولكنهم عابوا عليهم تخصيص العبادة لأحدى مكونات الكون !!
ويضرب الدكتور مصطفى محمود مثالا لقصيدة لشاعر يؤمن بوحدة الوجود يقول بها على لسان الله سبحانه وتعالى عما يصفون :
اذا ظن القاتل انه قاتل وظن القتيل انه قتيل فإنما لا يدريان ما خفى من اساليبي ... حيث أن أكون الصدر لمن يموت والذراع لمن يقتل وحيث أكون أنا القاتل والقتيل والسكين ... وحيث أكون أنا كل شيء حتى الموت نفسه !!
ويوضح الدكتور مصطفى محمود مكمن الخطورة في هذه الأبيات حيث يقول الرب بذلك أنه المخلوقات أنه القاتل والقتيل والسكين وانه كل شيء حتى الموت وهذا ما يسمى بوحدة الوجود أى أن الكون هو عين المكون وأن الله هو عين مخلوقاته ويؤكد الدكتور مصطفى محمود أن هذه العقيدة مرفوضة في الإسلام لأن الله في الإسلام متعالي ولذا نحن نقول سبحانه وتعالى لأنه متعالي ومفارق لمخلوقاته ويضيف الدكتور مصطفى محمود قائلا صحيح أن الله تعالى أقرب إلي وإليك من حبل الوريد ولكنه ليس أنا وليس أنت وليس أي شيء من المخلوقات بمعنى أن هناك خالق وهناك مخلوق .
منذ عدة أيام وقعت على كتاب وفيديو لصلاة أحد أسياد الصوفيين الراحلين ويدعى ابن مشيش وصلاته يصليها بعض الصوفيين المسلمين حتى الأن وأهم ما توقفت عنده من أدعية في هذه الصلاة : (اللهم زج بي في بحار الأحدية وانشلني من "أوحال التوحيد" أغرقني في عين بحر الوحدة حتى لا أرى ولا أسمع ولا أجد ولا أحس إلا بها !!!!!... )
وبدأت أسأل أحد شيوخهم عن هذه الصلاة التي لم يصليها لا النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة ... وسؤالي الأول له : ما معنى بالله عليك اللهم انشلني من أوحال التوحيد ؟! هل يوجد وحلا بتوحيد الله ؟! فأجابني أن هناك مجموعات قامت بتوحيد الله ولكنها ادعت ان له جسم او انه فقير او ان له صاحبة او ولد او وحدوا الله ولكنهم قاموا بنفي صفة من صفاته اومن اسمائه الحسنى وإن ذلك يعد من أوحال التوحيد ولذا يجب عليك كمسلمة صلاتها !!
قلت لا حول ولا قوة إلا بالله . لماذا اصلي صلاة غير الصلاة التي فرضها الله علي ؟! ولماذا يحتاج المسلمون إلى دعاء الله بقولهم انشلني من أوحال التوحيد ؟! وهل يوجد وحلا في توحيد الله بالإسلام ؟! أليس شهادة المسلمين بأنه لا إله إلا الله محمد رسول الله كافية ؟! فنحن عندما نقول شهادة الإسلام فأننا نعني بها جميعا إنه لا إله إلا الله وحده لا شريك له واننا نتبع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم والتي تقتضي بلا ادنى شك أن لا ننفي صفة من صفات الله عنه من اسمائه الحسنى وان لا نصفه بأي ناقصة من نواقص البشر.
فقال لي : لقد شرحت لك أوحال التوحيد عند بعض الفرق من غير المسلمين !!
فقلت في نفسي : ولماذا اذا يقوم بصلاتها المسلمون ؟!
ولكني واصلت اسئلتي له بالسؤال الثاني حول صلاتهم وقلت له : ما معنى اللهم زج بي في بحار الأحدية حتى لا أرى ولا أسمع ولا أجد ولا أحس إلا بها ؛ أليس معنى ذلك وحدة الوجود وعدم فصل الله الخالق عن المخلوقات وإحلاله بهم واتحاده معهم سواء بالذات أو الصفات ؟! الم تسمع بقول الله تعالى : "وجعلوا له من عباده جزءا إن الإنسان لكفور مبين " ؟! بسورة الزخرف الآية 15
قال لي : أنكم لا تفهمون كلام العارفين بالله !!
فقلت له : يقول الله تعالى : "فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن أتقى " (سورة النجم الآيه 32 )
قال لي بإصرار أن العارفين بالله يعلمون علم الظاهر والباطن وهم أهل الحقيقة !!
فقلت له تقصدون بهذه الصلاة وحدة وجود أم لا ؟
قال لي : لا ليس المقصود حلول الله بالمخلوقات واتحاده بها وإنما نعني بهذه الصلاة قيام جميع المخلوقات بالله !!
فقلت له : ما معنى قيام جميع المخلوقات بالله ؛ أتقصد قيام المخلوقات بأمر الله وبإرادته ؟
قال : أقصد ان المخلوقات ليست قائمة بذاتها وإنما هي قائمة بالله !!
قلت : ما معنى ان لا تقوم المخلوقات بذاتها ؟! أهي منفصلة عن الله أم لا ؟!
قال : أن كل موجود ليس له وجود في الحقيقة وإنما يقوم المخلوق أو الموجود بالله !! وانه لا يوجد أي شيء غير الله !! وهذا معنى وحدة الوجود التي نقصدها !! وأضاف أن هذا الكلام لا يفهمه العوام ولكن يختص به العارفين بالله ولا يجب البوح بأكثر من ذلك !!
فشكرته على كل حال وأنا أقول في نفسي ما معنى أنه لا يوجد أي شيء غير الله ؛ رغم قوله أن الله لا يحل بالأشياء ولا يتحد معها كما يؤمن المسلمون بالفعل ؟! وما معنى أن الموجودات ليست قائمة بذاتها ؟! هل قصده انها قائمة بإرادة الله ؟ واذا كان الأمر كذلك وهذا هو قصده لماذا لم يجيب علي بصورة قاطعة بأن الموجودات منفصلة عن ذات الله ولكنها قائمة بإرادته سبحانه وتعالى ؟! والسؤال الذي يحيرني كيف عرف أنهم عارفين بالله ؟! هل يستطع أحد أن يطلع على ما في القلوب إلا الله ؟! وأى عقيدة هذه التي يقتصر فهمها والبوح بها للخواص ولا يفهمها عباد الله ؟!
في النهاية وبوضوح وبلا أدنى شك وطبقا لعقيدة الإسلام أولا : أن المخلوقات منفصلة تماما عن ذات الله ولكنها في الوقت ذاته أى المخلوقات التي خلقها وأوجدها الله قائمة بإرادة الله سبحانه وتعالى علوا يعلو به فوق مخلوقاته كلها سماء وأرض وكواكب وإنسان ونبات وحيوان وأكوان ثانيا : الصلوات الخمس التي يصليها المسلمون كل يوم لله مهتدين إليها بسنة نبي الله صلى الله عليه وسلم كافية في التأكيد على أننا نؤمن بالله الذي لا شريك له ونؤمن بصفاته واسمائه الحسنى وبإرادته وقدرته وعلوه فوق الأشياء والموجودات والأماكن والأزمنه ومعنى كلمة مسلمين في الأصل أننا نسلم أمرنا كله إلى الله ولا نعبد إلا الله ولا نستعين إلا بالله ولا نطلب المدد أي العون والنصرة والعطاء إلا من الله وحده وليس من الأموات من الأنبياء أو الأولياء أو العارفين بالله أو الأسياد أو الشيوخ .
[email protected]لمزيد من مقالات نهى الشرنوبي رابط دائم: