أصبح التسيب والانفلات العمرانى والهندسى والانشائى والتشويه المتعمد للطراز المعمارى لمدينة الاسكندرية والقبح هو سيد الموقف فى المدينة التى كانت وحتى سنوات مضت عروس البحر المتوسط
فتحولت الى كتلة من القبح والدمامة وبدا واضحاً وضوح الشمس عدم وجود أى سيطرة للدولة على المدينة الكوزموبوليتانية الوادعة التى كانت تحتضن الأجانب من كل الجنسيات وتحولت الآن الى نموذج يُدرس ويُحتذى به فى الفساد والتسيب الى درجة احتلال الباعة الجائلين كل الأرصفة ولم يعد هناك فارق بين المناطق الفقيرة والراقية فالكل فى الفساد والعشوائيات سواء، ولم يعد للمشاة أماكن يمشون بها وامتلأت الشوارع بالاشغالات ووجد البلطجية وساسة العربات (السياس) مرتعاً لهم فى ظل غياب الرقابة والحزم عن شوارع المدينة.
ولذلك فمن المؤكد أن المدينة سوف تحصل عن جدارة على المركز الأول فى التشويه العمرانى اذا تم عمل استقصاء من هذا النوع فقد تحولت الى مدينة للكورنيش فقط… أول أمس استيقظ سكان المدينة على خبر نزل كالصاعقة على رؤوسهم فقد هدمت معاول الفساد جزءاً كبيراً من فيلا الثرى اليهودى شيكوريل والتى تعد من أهم وأروع المبانى معمارياً والتى جرت محاولات لهدمها فى شهر أكتوبر من العام الماضى وتم ايقافها بقوة القانون والشرطة وتم حبس المهندس والمقاول.. ويتساءل السكندريون الآن عن الذى لديه القوة والقدرة على تحدى القانون؟ ومن هم ملاك الفيلا ذوو النفوذ والسلطة ؟ أم أن القانون أصبح مترهلاً فى المدينة و أصبحنا موافقين على أن نعيش فى شبه دولة كما أسماها الرئيس السيسي؟
وهل هى خطة ممنهجة لتفريغ الاسكندرية من عناصرها الجمالية تحت سمع وبصر السلطات ؟
السكندريون غاضبون يفتحون أعينهم كل صباح على خبر لهدم فيلا أو قصر قديم وينتهى الأمر فى ساعات وتتحول الفيلا الأنيقة الى أكوام من الحجارة أو مساحة أرض فضاء سرعان ما تصبح جراجاً يقف على بابه مجموعة من البلطجية أو عمارة مريعة تتحدى كل القوانين وتقف بثبات على ارتفاعات شاهقة كما حدث فى منطقة أرض العبد والتى كانت جزءا من جبانة الاسكندرية الشرقية الأثرية والتى ترجع للعصر البطلمى والرومانى وتم هدمها بالبلدوزر بمنتهى البساطة والمصيبة أنه لم يتم معاقبة أى مسئول بل أن أصحاب الأرض تمادوا واستولوا على نصف الشارع ويعملون بهمة ونشاط ضد القانون وفى ظل حماية الدولة.
ويبدو أن أهمية موقع فيلا شيكوريل فى منطقة رمل المدينة وغياب الرقابة وعدم وجود تشريعات قوية للحفاظ على التراث أغرت الفاسدين وحاولوا هدمها فى أحد أيام شهر أكتوبر 2015 ولكن يقظة الجيران أوقفت الهدم وأنقذت الفيلا فقد تعددت البلاغات للنجدة بل وصل بعضها الى رئيس مجلس الوزراء ليتدخل لانقاذ الفيلا النادرة من الهدم والتى كانت تملكها الشركة العربية للملاحة البحرية وقامت ببيعها لمشتر جديد حاول هدمها رغم عدم حصوله على رخصة للهدم من الحى وهو ما دفع الحى لاستخدام الضبطية القضائية برفقة الشرطة والقبض على المخربين الذين كانت حجتهم أن الفيلا خرجت من مجلد الحفاظ على التراث بالقرار الوزارى رقم 86 لسنة 2012 ،ورغم كل المحاولات الا أن الفساد نجح هذه المرة فى هدم جزء كبير منها… فهل يُعاقب من فعل ذلك ويتم انقاذ ما تبقى منها؟ ويقول الدكتور محمد عوض رئيس لجنة الحفاظ على التراث بالاسكندرية ان فيلا شيكوريل يرجع تاريخ انشائها الى العشرينيات من القرن العشرين وقام بتصميمها ثلاثة من أشهر المعماريين الفرنسيين هم ليون أزيمان وجاك هاردى وجورج بارك حيث كان الأخير لديه مكتب هندسى فى القاهرة وقد جاءوا الى مصر بسبب طرح مسابقة لتصميم المحاكم المختلطة (دار القضاء العالي) وبالفعل فازوا بها عام 1925 وبدأوا العمل فى الاسكندرية من خلال التعامل مع الكونت فرديناند دبانة وقاموا ببناء مجموعة من أهم المبانى أشهرها مدرسة سان مارك وفيلا شيكوريل التى بنوها على طراز Art Deco الذى كان سائداً فى النصف الأول من القرن العشرين ويتميز بالبساطة فى التعبير، واستخدام الزخارف والحليات الهندسية والنباتية الأنيقة المبسطة.
أما الدكتور محمد عادل دسوقى فيقول فى مدونته «جدران مدينة متعبة» ان الفيلا تم تفريغ محتوياتها وتعرضت لمحاولات هدم بعد اخراجها من قوائم التراث بقرار صادر من كمال الجنزورى رئيس الوزراء ورفعها من قائمة المبانى الأثرية بالمدينة وبالتالى لا يوجد ما يحول دون هدمها بعد الحصول على التراخيص اللازمة ، فتم تنظيم حملة لايقاف الهدم ووقفات احتجاجية لعدة أيام بواسطة المعماريين والمهتمين بالتراث وبالفعل نجح هذا الأمر.
والجدير بالذكر أن الفيلا كانت خاصة بالخواجة اليهودى شيكوريل وورثته، حتى جاءت قوانين التأميم فى الخمسينيات والستينيات وأممتها ونزعت ملكيتها لتصبح ملكا للدولة المصرية وفى السبعينيات كانت مقرا تابعا لرئاسة الجمهورية، بل ان الرئيس الأسبق حسنى مبارك كان مقيما بها أثناء أحداث يناير 1977 أو انتفاضة الخبز .
ويقول المعمارى محمد أبو الخير أحد مؤسسى مبادرة انقذوا الاسكندرية أن المبنى فى حد ذاته تحفة معمارية ويُعد من المبانى التراثية الهامة وهو مسجل برقم 878 بقائمة الحفاظ على المبانى والمناطق التراثية بالمحافظة والتى صدر بها قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 278 لسنة 2008 وان خروجه من قائمة المبانى هو خطر كبير يهدده لابد من التصدى له بالوسائل القانونية لعلاج الثغرات الموجودة بقانون رقم 144 لسنة 2006 والذى يدخل من خلاله المقاولون ليتم اخراج المبانى من خلاله.
ويؤكد المهندس محمد عوض أن الحكم بإخراج الفيلا من مجلد التراث تم عام 2009 ولم يطلب أحد رأينا فى لجنة حماية التراث وبالتالى أخرجت الفيلا من القائمة استناداً الى حق الملكية وحق التصرف فيها استناداً الى الدستور فقامت المحافظة بالاستشكال على الحكم عام 2011 وكانت نفس النتيجة ولكن ما يمكن التأكيد عليه أن الحكم ليس باتاً ونهائياً ويمكن الطعن عليه فى المحكمة الادارية العليا وبالتالى لا يجب هدم الفيلا انتظاراً لقرار القضاء وهو ما لم يحدث فى هذه الحالة وحدث الهدم بالفعل ، ولكن ما يحدث على أرض الواقع مختلف تماماً فالقصة تبدأ ببيع الفيلا تحت جنح الظلام ويتولى الأمر محامون يعلمون جيداً ثغرات هذا القانون فيحصلون على أحكام بإخراج هذه المبانى النادرة من قائمة التراث ويسارعون من خلال مقاولين معتادين على هذه النوعية من العمليات الى هدم المبنى فى ساعات وقبل وصول الشرطة التى تتحفظ على المعدات وتقبض على العمال أو حتى المقاول ويتم عرضه على النيابة التى تفرج عنه خلال أيام وتنتهى القصة بسهولة ونفاجأ بأصحاب الأرض يحصلون على رخص بناء رغم مخالفة ذلك للقانون.
والحل الآن كما يقول السكندريون فى يد الرئيس عبد الفتاح السيسى فهل يتدخل لإنقاذ المدينة التى تموت ويصدر تشريعاً قوياً يمنع هدم أى مبنى تراثى ويضرب بيد من حديد على المخالفين، وفى نفس الوقت يتم تطبيق قانون البناء وحرمان المبانى المخالفة من الكهرباء والمياه والصرف الصحى فلا تجد من يشتريها وكذلك الامتناع تماماً عن التصالح مع المخالفين لوقف نزيف الهدم الذى يحدث بالمدينة ويتم سحب الأراضى التى يخالف أصحابها هذا القانون.. فهل تجد هذه الصرخة استجابة فسكان الاسكندرية يموتون ببطء كل يوم.
رابط دائم: