دبلوماسية التلاوة:
من المعلوم أن «إقرأ باسم ربك» هى أصل العلم فى كل حضارة، والأمر الإلهى الأول الذى نزل على رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وبمناسبة قدوم «شهر القرآن» أفردنا صفحات هذا العدد من ملحق الجمعة بالكامل لرواد مدرسة القراءة المصرية للقرآن الكريم فى العصر الحديث، الذين خصصوا صوتهم وعلمهم لتأسيس مدرسة التلاوة، «فأشاعوا أنغام الجلال فى أذن الخلق جميعا» فكانوا كما وصفهم الشيخ محمد متولى الشعراوى «الصدى الحلو من كلام الله» .. وجعلوا من قراءة القرآن أمانة و رسالة لها قواعد وأصول فتعلموا أسس التلاوة التى بدأت فى عصر الدولة الفاطمية ثم أعادوا بعثها واضافوا لها وحدثوها بعد أن كادت تنقطع ـ كما يقول الدكتور نبيل حنفي صاحب كتاب نجوم العصر الذهبي لدولة التلاوة ـ بسبب الاحتلال العثمانى لمصر بعد خروج العديد من قرائها وعلمائها إلي حاضرة الدولة العثمانية.
ومع رياح مصر الجديدة التى تتشكل ملامحها الآن بالحرص على إحياء ذاكرتنا الوطنية والحرص على التواصل مع النهضة التى بدأت مع محمد على والثورة العرابية وعودة الروح إلى علم التلاوة المصرية للقرآن الكريم مع بدايات القرن الماضى حين صارت لهم مدرسة حديثة مزجت بين العلم والفن في منتصف القرن الماضي ومع ثورة يوليو، وانتشر روادها وعلماؤها ومريدوها ليس فقط فى كل ربوع المحروسة ولكن فى جميع أنحاء العالم.
ومع رياح شهر القرآن نهيم في رحاب كوكبة من نجوم مدرسة التلاوة المصرية فى عصرها الحديث الزاهر الذين شكلوا قوة من قوى مصر الناعمة وحق لنا ان نفخر بما انجزته «دبلوماسية التلاوة» كما وصفها الدكتور مصطفى الفقى على ايدي هؤلاء السفراء الذين فتحوا بأصواتهم قلوب ملايين المسلمين فى كل انحاء العالم.
وقد بدت فكرة تخصيص ملحق كامل عن «مدرسة التلاوة» المصرية لأول وهلة سباحة ضد التيار وسط ضجيج الصراع الدرامى وتصادم أدوات الفوضى الإعلامية، وضياع الأولويات و«التنافس» على إفساد الذوق العام ومحاولة تجريد شهر الصوم من أعمق معانيه، وصار شهر القرآن فرصة لتجارة المسلسلات وبرامج المقالب وهيستريا الإعلانات ، فخلت صناعة الدراما هذا العام من مسلسل دينى مصرى واحد لكن هذه الفكرة سرعان ما وجدت التأييد الكامل داخل أسرة التحرير بعد أن اكتشفنا أننا أحوج مانكون الآن إلى العودة إلى طبيعة الشخصية المصرية التى شكل الوعى الدينى أول رقائقها وأول طاقة نور فى فجر الضمير الإنسانى.
حاولنا فى هذا العدد وفى هذا الظرف الذى طغت فيه لغة المال والتجارة على كل شئ أن تكون تجارتنا الرابحة مع قراء القرآن خاصة هؤلاء الذين جعلوا اسم مصر مقرونا بالاستماع للقرآن فى كل أنحاء العالم، فهذا الشيخ الشعشاعى وزميله الشيخ شعيشع ـ كما قال الراحل محمود السعدنى ـ يتم استدعاؤهما إلى بغداد لإحياء مأتم الملك غازى في العراق ، وهذا عثمان حيدر من أعظم أثرياء العالم فى منتصف القرن الماضى يستدعى الشيخ محمد رفعت لإحياء ليالى الشهر الكريم فى الهند مقابل أى كمية من الذهب يطلبها.
وهذا الملك الحسن الثانى يستمع إلى الشيخ نعينع فى التليفزيون فيطلبه فى اليوم التالى للقراءة فى الرباط ، وهذا الرئيس الباكستانى ضياء الحق يستقبل الشيخ عبد الباسط عبد الصمد فى المطار كما يدخل صوت شيخنا إلى الكرملين لأول مرة فى تاريخ الدولة الشيوعية، وهذا الشيخ محمود الطبلاوي يعتبر أرفع الأوسمة هو حصوله على جواز سفر دبلوماسى بقرار من الرئيس السادات، وهذا الرئيس الأمريكى كارتر يستقبل الشيخ الحصرى فى البيت الأبيض، وهذا الرئيس عبد الناصر يبكى لسماع الصوت الشجى للشيخ صديق المنشاوى، وهذا الشيخ مصطفى اسماعيل ضمن وفد الرئيس السادات فى أول زيارة لـ «الدولة اليهودية»، وبقرار من الرئيس يجلجل النقشبندى سيد المداحين نشيد "مولاي" على ألحان بليغ حمدى وتوزيعاته، وهذا بيت محمد رفعت وقد تحول إلي صالون ثقافى رواده نجوم المجتمع محمد عبد الوهاب ونجيب الرحانى وجورج أبيض وليلى مراد وأم كلثوم فى درس مصرى بليغ معناه أن قارئ القرآن لا يعتبر الفن الأصيل كفراً ولا عورة ولا يناصبه العداء.
..وتفاصيل أخرى داخل هذا الملف ..
ولا نملك إلا أن نقتبس من دعاء الشيخ الشعراوى «اللهم اجعل ماقدمناه في هذا الملف عن قراء القرآن تاجا لما قدمناه فى سواه، فسواهم خدم كلام الناس وهؤلاء العظماء خدموا كلام الله».
رابط دائم: