رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

مخالفات البناء.. بين «التصالح والإزالة»
السيناريو يتكرر : «مخالفة فتجريم فتصالح»!

تحقيق ــ محمد القزاز:
مخالفات البناء
أمام نحو مليون و500 ألف حالة تعد على الأراضى الزراعية، ونحو 700 ألف مخالفة بناء دون ترخيص، تقف الحكومة أمام مخالفات البناء حائرة، ويقف مجلس النواب محملا بأحلام وآمال نوابه لاقرار مشروع قانون التصالح فى هذه المخالفات، ويقف المخالفون على أطراف أصابعهم فى انتظار الحلم وتقنين الوضع.

مشروع القانون الجديد، المقدم إلى مجلس النواب لمناقشته وإقراره، حمل الكثير من الجدل والاختلاف بشأنه، حتى قبل مناقشته، ففيما يرى البعض أنه «لفترة محددة لتصحيح وضع قائم بالفعل»، يرى البعض الآخر أنه سيكون كسابقة من القوانين التى صدرت خلال الـ 35 عاما الماضية، بداية من قانون 143 لسنة 81، وحتى وقتنا هذا، وأن هذا القانون لن يكون الأخير فى سلسلة التجريم ومن ثمّ التصالح.

فى كل الأحوال، فإننا أمام أمر واقع، وهو مخالفات لبناء، واقتصاد قائم، فهل تحسن الدولة التصرف؟ وتجنى من وراء هذه المخالفات ما تستطيع به أن تغطى تكلفة توصيل المرافق من مياه وكهرباء وصرف صحى وغيرها؟ أم سيغتنم المخالفون الفرصة، ويقننون أوضاعهم، ويتحايلون فى دفع الغرامات، وندور فى دائرة مفرغة؟

الإجابة لم تتضح بعد، وهنا فى هذا التحقيق نستعرض بعضا من الآراء، عن مشروع القانون المقدم ، وعما يجب أن تقوم به الحكومة بعده.

تعامل لا تصالح

المهندسة نفيسة هاشم، رئيس قطاع الإسكان والبناء، بوزارة الإسكان، قالت: أولا هو قانون «التعامل» مع مخالفات البناء وليس «التصالح» فى مخالفات البناء، فهناك مخالفات سيتم التصالح معها، وأخرى تستوجب الإزالة، مثل البناء على خط التنظيم، والتعدى على أملاك الدولة، أو المسافات بين الجيران، وهذه لن يتم التصالح معها بأى شكل من الأشكال، والوزارة رأت أن يكون هذا هو اسم المشروع، وذلك للتعامل مع مشكلة قائمة أوجدتها الظروف، خاصة بعد أحداث 25 يناير، رغم أن مخالفات البناء موجودة وقائمة من قبل هذه الأحداث، لكنها استفحلت بعدها.




وأضافت رئيسة قطاع الإسكان والبناء أن الوزارة قدمت قانونا فى النصف الثانى من عام 2014، ورأى المستشار القانونى للرئيس السيسى أن يتم «تأجيله» وليس «رفضه»، وهو كان رأيا صائبا، فذلك حتى لا تظهر الدولة فى موقف الضعيف والمنصاع لأباطرة البناء المخالف، فضلا عن أن الجهاز الإدارى وقتها لم يكن قويا ومتماسكا مثل الآن، ومن ثمّ كان لابد من إرجاء القانون وقتها، وإزالة أكبر قدر من المخالفات على خطوط التنظيم وأملاك الدولة. وتشير إلى أن قانون البناء الموحد الصادر عام 2008، يختلف عن قانون التعامل مع مخالفات البناء، كون الأخير استثنائيا، ولفترة محددة، فقانون البناء الموحد توجد فيه آلية متكاملة للتعامل مع المخالفات البسيطة، بينما المخالفات الجسيمة والتى تحتاج إزالة والتعامل الفورى معها، مثل البناء على أراض زراعية وأملاك الدولة هى التى تم إعداد قانون لها.

ملامح القانون

وتشير إلى أن من أهم ملامح القانون، أن تنفيذه سيكون لمدة ثلاثة أشهر فقط ، يتم خلالها استقبال طلبات التصالح، وتخصص لجنة للبت فى هذه الطلبات فى مدة لا تتجاوز أربعة أشهر فقط، وحصيلة التصالح ستذهب للخزانة العامة للدولة، ولا نستطيع حصرها الآن، ولكن سيتم توجيه الحصيلة لتجديد ومد شبكات المياه والصرف الصحي، خاصة أن هذه المبانى شكلت ضغطا كبيرا عليها، وسوف يتم التعامل مع المخالفات السابقة على القانون، أما ما تم بعد القانون فلن يتم التصالح عليه وسوف يستوجب الإزالة، وستقدر المخالفات طبقا للمكان، فالريف ليس مثل الحضر، وحضر المدينة غير حضر المحافظة وهكذا.

المخالفات أنواع

الدكتور أحمد أنيس أستاذ الهندسة المدنية بجامعة القاهرة ورئيس الجمعية المصرية لخبراء التقييم العقارى قال: لم أطلع على مشروع القانون الجديد، ولكن اطلعت على القانون السابق، الذى صدر فى حكومة المهندس إبراهيم محلب وتم رفضه من الرئيس السيسي، حيث تم إعلان الرفض وقتها على أنه قانون يشجع على مخالفات البناء، وفى كل الأحوال، علينا أن نفرق بين مخالفات حدثت وقت الانفلات، ومخالفات ممكن أن تحدث فى المستقبل، وللأسف نحن نعمم كلمة مخالفات على الكثير منها، وبعضها واجب الإزالة ويستحق الإزالة، وبعضها ممكن التجاوز عنها.

ومشروع القانون السابق، كان يتحدث عما يهدد السلامة والأمنية والإنشائية، وهى واجبة الإزالة، وكذلك البناء على أملاك الدولة، لا يمكن التصالح بشأنه، وتجاوز خطوط الطيران المدني، وما يمثله من خطورة عليه، أما عن المخالفات القديمة والجديدة، فإنها أصبحت وضعا قائما، وتمثل قيمة مالية كبيرة، بعضها تم بيعها لمواطنين لا ذنب لهم، وهنا فإن الغرامة تكون بحسب القيمة السوقية وليست بحسب الرخصة وأضعافها مثلا، كما كان فى القانون السابق، حيث فى هذه الحالة ستكون العقوبة رادعة ولن يستطيع أن يقوم بمثل هذه المخالفة مرة ثانية.

ومن أسف كما يقول د. أحمد أنيس أن الحكومة سمحت فى الفترة الأخيرة بتوصيل العدادات الكودية للمبانى المخالفة، وهو خطأ، إذ لم تنتظر القانون، مما يصعب فكرة المصالحة، وشجعت البعض على الاسراع بالبناء قبل الموافقة على القانون والاستفادة من هذه الموافقة، وبذلك أضفت شرعية على البناء المخالف.

ويضيف : أتمنى أن يتم تنفيذ القانون بالفعل، وأن ينهى هذه الأزمة، وأن يكون التصالح فى المخالفات التى لا تخضع للشروط المخالفة كالبناء على خط التنظيم أو البناء على أملاك الدولة، والسلامة الإنشائية، وأن يكون هناك عقاب رادع لمن يفكر فى البناء بعد ذلك، فالمطلوب هو حل للقديم وردع للجديد.

المفسدون مبدعون

بأسى وحزن شديدين على ضياع ثروة مصر القومية، يقول صاحب لقب «الصندوق الأسود لأراضى مصر» اللواء عمر الشوادفي، محافظ الدقهلية ورئيس جهاز تخطيط استخدامات أراضى الدولة الأسبق : إن المفسدين مبدعون وأصحاب قرار، ولديهم إرادة لتحقيق الهدف، ومنظومة تعاون .

وأشار إلى أن قرار الرئيس السيسى برفض القانون كان قرارا صائبا وفى محله تماما ، وقانون التصالح المزمعة الموافقة عليه من البرلمان قد يتسبب فى دمار أكثر، ولن يوقف مخالفات البناء أو التعدى على الأراضى الزراعية أو أملاك الدولة ، والدليل على ما أقول ، أن الرئيس الراحل أنور السادات دعا المواطنين إلى الخروج إلى الصحراء وتعميرها، فما كان من البعض إلا أنه أساء الاستخدام، وحدثت تعديات على أملاك الدولة « أملاك الشعب» فصدر القانون 143 لسنة 1981، نص فيه على « من يتعدى على أملاك الدولة ستكون عقوبته الحبس والغرامة والمصادرة والإزالة» ولم يردع أحدا، واستمر البعض فى التعدى على أملاك الدولة، ثم صدر القانون 31 لسنة 84، جاء فيه: أنه سيتم إعطاء مهلة 6 أشهر للتصالح لتقنين أوضاع من تعدى على أملاك الدولة، وبعد انتهاء المهلة سيتم توقيع العقوبات من حبس وغرامة إلى آخره، وانتهت المهلة فى 30/ 9/ 1984 واستمر البعض فى المخالفات، ولم يطبق عليهم القانون، لا هذا ولا ذاك، وكذلك الأمر العسكرى رقــم 1 لسنة 1996 بشأن حظر تبوير وتجريف الأراضى الزراعية وإقامة مبان أو منشآت عليها لرئيس الوزراء الأسبق كمال الجنزوري.

وأضاف: مشروع القانون المزمع الموافقة عليه، سيلحق بسابقيه، وسيستمر البناء المخالف والتعدى على أملاك الدولة والأراضى الزراعية، وسيصدر قانون آخر بعد سنوات، وهكذا حتى نفقد أغلى ما نملك وهى أرضناه.

ويضيف : من أسوأ ما شهدته مصر بعد 25 يناير هو قرار وزير الزراعة الأسبق ، الذى أصدر القرار الوزارى رقم 1836 لسنة 2011 والذى يشترط الترخيص بإقامة سكن أو ما يخدم الأراضى الزراعية إلا فى حالة ألا تقل مساحة الحيازة المملوكة للمتقدم عن 5 أفدنة ، واستقرار الوضع الحيازى لمدة 3 سنوات على الأقل سابقة على تقديم الطلب، حيث سعى كل من يملك أرضاإلى أن يبنى عليها، ويكتب من الخارج « حماية الأرض الزراعية» وهذا القرار كان له دور كبير فى تدمير الرقعة الزراعية، وكله تحت مسمى هذا القرار، الذى لم يتم إلغاؤه حتى الآن.

تغريم وتجريم

ويؤكد النائب محمد بدراوى رئيس الكتلة البرلمانية لحزب الحركة الوطنية أنه وفقا لبيان الحكومة، فسيتم التصالح مع مخالفات الطريق الصحراوي، وأن سعر المتر سيكون 375 جنيها للدفع الفورى و500 جنيه للتقسيط، وبنفس هذا القياس، على مليون و500 ألف مخالفة، فإن الدولة ستستعيد ما بين 175 و200 مليار جنيه، وهذا على اعتبار الحد الأدنى لسعر المتر، حيث سيختلف الأمر بالتأكيد بالنسبة للمبانى الزراعية، من ريف إلى حضر إلى مدينة .

ويضيف: بالنسبة للقانون المقدم ، لم نطلع عليه بعد، نحن نتحدث عن مجلس نواب يملك قراره، وسوف نضيف ونحذف حسب ما يتوافق مع المصلحة العامة ، فهناك أراضى إصلاح زراعى ، قام الفلاح باستئجارها منذ عشرات السنين ، وكذلك أراضى أوقاف ، وأراضى طرح النهر، هذه الأراضى يعيش عليها مواطنون منذ عشرات السنين وقاموا بالبناء عليها، فمن حقهم التصالح وليس الهدم والإزالة، فقد قدرت الدولة أنه سيتم تحصيل عائد 5 مليارات جنيه من التصالح فى أراضى الإصلاح الزراعي، هذا العام. ويوضح : علينا أن نفرق بين التغريم والتجريم، فالتجريم يستوجب الإزالة ، فعند التصالح مع رجال الأعمال، كان فى السابق مبدأ التجريم ، ثم تم التعديل ليكون التغريم بدلا من التجريم، والقانون الذى سيتم إقراره هو لمعالجة تشوهات حدثت بالفعل، لأن مصر كانت فى حالة استثنائية بعد 25 يناير، ومن ثمّ لابد من غلق هذا الملف ، بحيث تعيد حقوق الدولة وتحقق سلاما اجتماعيا ، مع وجود سقف زمنى لهذا القانون.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق