أثار لقاء الحبيب علي الجفري المفتوح مع طلبة جامعة القاهرة، يوم الخميس قبل الماضي، الذي قال فيه إن الزواج العرفي بين الطلاب حلال بشرط وجود شاهدين، وأن الحب فريضة بينهما قبل الزواج، جدلا كبيرا، خصوصًا بعدما تلقفتها وسائل التواصل الاجتماعي.
كما أثارت الفتوي ردود أفعال غاضبة وعاتبة من علماء الأزهر، واستنكر العلماء تلك الفتوي، مؤكدين أنها تخالف مقاصد الشريعة الإسلامية، وتعد دعوة إلي الفجور باسم الدين، وان الزواج العرفي لا تتوافر فيه شروط صحة عقد النكاح.
العرفي يخالف الشرع
ويقول الدكتور عبد الفتاح محمود إدريس، أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة بجامعة الأزهر، إن يكن عجب من ذلك فالعجب كل العجب من مستقطبيه ليقول كلامه هذا، هل عقمت مصر التي صدرت العلم لكل أرجاء المعمورة، بما فيها بلد هذا، ولماذا ازور القائمون علي أمر هذا اللقاء بجامعة القاهرة عن علمائها، وفيهم علماء ملأوا الدنيا علما وفضلا، وقد عجبت كل العجب من حرص مقدم برامج بإحدي الفضائيات علي استقطاب هذا ليتربع علي مقعده، مخالفا بذلك كل ضيوف البرنامج.
وأضاف: إن الذي ذكره يخالف الشرع جملة وتفصيلا، ولا يقوم عليه دليل صحيح أو فاسد من أدلة الشرع، وهو ليس أهلا للخوض في أمور الفتوي، لأنه لم يتوافر له شرط من شرطها، فإن ما ذكره من مشروعية الزواج العرفي، بمفهومه الذي يعرفه كل أحد بمصر، كلام مناف للشرع، لأن هذا النوع هو من قبيل (نكاح السر)، وهو نكاح اتفق فقهاء السلف والخلف علي حرمته، وبطلان عقده، وأنه زنا صريح، فهو نكاح لم يحضره أحد من أولياء الفتاة، ولم يأذنوا فيه، ولا يعلمون وقت إبرامه، وقد روت عائشة حديث: (أيما امرأة أنكحت نفسها بغير إذن وليها، فنكاحها باطل، باطل، باطل)، وقد نفي النبي، صلي الله عليه وسلم، أن يكون هناك نكاح، إذا لم يكن فيه ولي وشاهدان، فقال: (لا نكاح إلا بولي مرشد، وشاهدي عدل)، يضاف إلي هذا أن الذين يعمدون إلي هذا النوع من النكاح، إنما يبغون قضاء الوطر، ولا يبغون بهذه العلاقة استدامة النكاح، وتكوين أسرة، وتحقيق مقصود الشارع من شرعية النكاح،
وأضاف: إن أصحاب الفطر السوية لا يقبلون أن تتزوج فتاة من أسرتهم وفق هذا النوع من الزواج، والذين أباحوا للمرأة البالغة العاقلة الرشيدة أن تزوج نفسها – وهم فقهاء الحنفية - وضعوا لهذا الزواج شروطا وضوابط لا تتوافر لأي زيجة تتم في أيامنا علي هذا النحو، ومع هذا فقد جعلوا لولي الفتاة حق الاعتراض علي هذه الزيجة، إن تزوجت من غير كفء لهم، أو زوجت نفسها بأقل من مهر المثل، وهذا الحق يثبت لكل واحد من أوليائها علي الكمال، بحيث إذا تنازل عنه واحد، كان لباقي الأولياء المطالبة بفسخ العقد، إن تحقق شرطه، ومن أين لهذا الزواج بشهود تحققت فيهم العدالة التي اشترطها الشارع، ويكفي من يشهد علي هذا العقد أنه يفسق بشهادته عليه, لارتكابه معصية مخالفة الشرع فيما يجب في هذا الزواج، ومعني هذا أن من يشهدون علي هذا العقد لم تتوافر فيهم شروط الشهادة, فتكون العلاقة التي يشهدون عليها زنا صريحا.
وأضاف: إن تساؤل هذا الداعية المتحدث عن (العرفي) في أن الرذيلة شديدة الوقع علي المرأة، بخلاف الرجل، سؤال لا يصدر إلا من جاهل بالدين، إذ الفرض أن ممارسة الرذيلة معصية من كبائر الذنوب، وأن مقترفها رجلا كان أو امرأة يستشعر عظم جرمه، فيطلب إقامة الحد عليه، رغبة في التطهر منه قبل محاسبته عليه في الآخرة، وهذا ما كان يتبع في زمان سلف الأمة، فممارسة الرذيلة شديدة الوقع في أي مجتمع علي مرتكبيها، لأنه ينبغي أن يكون النكير علي مرتكبها مستمدا من أحكام الشرع، وليس مرده أعراف الناس، وتلك سقطة عظيمة يقع فيها متصدر لما لا علم له به، وكأنه بهذا يدعو المجتمع إلي التجاوز عن ممارسة الرذيلة من أفراده ذكورا وإناثا، والعفو والصفح عن مرتكبها، ليستمرئ الجميع ارتكاب الفاحشة، وتصير عرفا وعادة في المجتمع، فض الله فاه.
هل الحب فريضة؟
وأشار الدكتور إدريس إلي أنه من النزق أن يصدر هذا حكما لا دليل له عليه، باعتباره أن الحب الذي ينشأ بين الذكور والإناث فريضة، أين دليل الفرضية؟ فقد عرف الأصوليون الفرض: بأنه ما طلب الشارع تحصيله طلبا جازما، والجزم بهذا الطلب لا يكون إلا من خلال نصوص الكتاب أو السنة المقطوع بدلالتها علي الحكم، فأين هذا النص، وفي المقابل نجد أن الشارع سد جميع الذرائع إلي الوقوع في الفاحشة بين الذكر والأنثي، حتي لقد حرم نظر أي من الرجل والمرأة إلي الآخر، وأوجب علي كل منهما ستر ما يعد عورة من بدنه، فقال تعالي: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم .. وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن)، ونهي المرأة عن الكلام بطريقة فيها نوع فتنة بها، فقال تعالي: (فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا)، وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب: (يا علي لا تتبع النظرة النظرة، فإن لك الأولي وليست لك الثانية)، ونهي النساء عن مخالطة الرجال حتي في الطرقات، وخصص بابا في مسجده لدخول النساء وخروجهن، فلا يدخل أو يخرج منه رجل، فأين هذا من فرضية الحب الذي يدعو إليه هذا الغر، إذا كانت كل نصوص الشرع تمنع من نشوء علاقة بين ذكر وأنثي، سدا للذريعة إلي الفساد.
ويتساءل الدكتور إدريس، قائلا: أليست إشاعة مثل هذا دعوة إلي الفجور في أجلي صوره باسم الدين، وهل نحن مقبلون علي نمط من الفكر يتخذ الدين مطية للانحراف، وهل هذا هو منهج رد الناس إلي حظيرة الإسلام بعد أن بعدوا عنها، وهل مما يخدم الإسلام، أن يواكب الأحداث ويوافق عادات الناس، ولو خالفت الشرع، حتي لا يكون دينا جامدا.
علاقة محرمة
وفي سياق متصل أكد الدكتور مختار مرزوق، عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر بأسيوط، أن الزواج الصحيح، له شروط، لابد من توافرها، وهي: أن يكون العقد بإيجاب وقبول، وأن يتلاقي الإيجاب والقبول في المقصود من العقد في الزواج، وفي مجلس واحد، وبألفاظ تدل علي التمليك، وعلي تنجيز العقد وتأبيده، وأن تتوافر في الزوج والزوجة، الأهلية الكاملة للزواج، وأن تكون المرأة المراد العقد عليها محلا للعقد غير محرمة علي من يريد الزواج منها، وأن يكون العقد بحضرة شاهدين، تتوافر فيهما الأهلية للشهادة ..الخ، كما نصت علي ذلك فتاوي دار الإفتاء المصرية.
وأضاف الدكتور مرزوق، أنه إذا احتج محتج علي أن الحرة البالغة يجوز لها أن تزوج نفسها دون ولي بكرا كانت أو ثيبا، فإننا نقول: إن الفقهاء اشترطوا لذلك شرطين: أولا، أن يكون الزوج كفؤا، وأن يقدم لها مهر المثل، كما أفتي بذلك الشيخ محمد بخيت المطيعي، رحمه الله، في بدايات القرن الماضي، ومن ذلك أيضا يتضح لنا أن ما يجري بين الشباب في الجامعات لا يسمي زواجاً، ونقول لمن أراد أن يفتي الناس بذلك: هل ترضي بذلك لابنتك، أو لأختك، إن هذا يعد عاراً في عرف المجتمعات المصرية، ولا يعد زواجاً، ومن المعلوم أنه يجب أن تراعي الأعراف حفاظاً علي الأنساب، وحفاظاً علي حرمة الدماء التي من الممكن أن تسيل بسبب لعب الصبيان الذي يسمونه زواجاً عرفيا، أما عن قول بعضهم إن الحب بين الشباب والشابات في الجامعات من الفرائض فإننا نقول له: اتق الله عز وجل، ولا تساعد الشباب علي الانحراف، فليس هناك حب بين شاب وشابة أجنبية عنه، بل من أراد أن يحب فليتزوج زواجاً شرعيا صحيحا، وليحب زوجته بعد ذلك، فإن النبي، صلي الله عليه وسلم يقول: البر حُسن الخلق، والإثم ما حاك في الصدر، وكرهت أن يطلع عليه الناس).
رابط دائم: