أول من احتفل بعيد الميلاد المجيد وقدَّسه هم الملائكة فى السماء، حين زفُّوا للعالم بشرى الفرح العام بولادة السيد المسيح، وتسلمت الكنيسة حفظه والاحتفال به من الرسل أنفسهم،ويبدأ الاستعداد بهذا العيد بداية من شهر كيهك، حيث تحتفل الكنيسة والشعب المسيحى طوال الشهر بالصلاة والتسابيح والمدايح الخاصة بالعذراء مريم ومنها:
أمدح فى البتول
واشرح عنها واقول
انت أصل الأصول
يا جوهر مكنـــون
بك يا نعمتنـــــــــا
وخلاص جنسنــــا
قد بلغنا المنـــــى
ونحن فرحــــــون
وفى أعياد الميلاد اعتاد المسيحيون بناء مغارة فى البيوت والكنائس لتكون بَرَكَة ومجالا حِسِّيا للتأمل فى ميلاد السيد المسيح.
وسلوقاس هو الإنجيليّ الوحيد الذى ذكر مكان ميلاد السيد المسيح وصَعِدَ يوسُفُ مِنَ الجَليلِ مِنْ مدينةِ النـاصِرَةِ إلى اليهوديَّةِ إلى بَيتَ لَحمَ مدينةِ داودَ، لأنَّهُ كانَ مِنْ بَيتِ داودَ وعشيرتِهِ، ليكتَتِبَ معَ مَريمَ خَطيبَتِهِ، وكانَت حُبلى. وبَينَما هُما فى بَيتَ لَحمَ، جاءَ وَقتُها لِتَلِدَ، فولَدَتِ اَبنَها البِكرَ وقَمَّطَتْهُ وأضجَعَتهُ فى مِذْودٍ، لأنَّهُ كانَ لا مَحَلَ لهُما فى الفُندُقِ.(لوقا 2 : 4-7)
ومغارة الميلاد ضمن الإطار والرموز والعناصر الأساسية التى تتمحور حول يسوع المسيح ومريم العذراء ويوسف النجار، وهى التالية : والمغارة صخرة مجوفة ( عدد 20/8)، ويقول التقليد المكتوب والشفهى بأن يسوع المسيح ولد فى مغارة ببيت لحم، وهذا مُثبت من خلال ما نشاهده فى كنيسة المهد وما ورد فى الإنجيل المقدس، وهى المكان الذى يرمز إليه العالم الأرضى وينافى القصور، وهى من بناء الله وليست من بنيان البشر (عدد 20/8).
وتمثال الطفل ( يسوع ) : يمثل الطفل المولود من مريم، والموضوع فى المِذوَد، وهو موضوع ومحور الحدث الذى يتمحور حوله كل ما فى المغارة، وكل ما تعلنه الكنيسة على أنه البشرى السارة (لوقا 2/15-18).
وفى المشهد نرى مريم تحتضن الطفل يسوع وتحميه ثم تضعه فى مِذوَد الرعية مقدمة إياه بحركة رمزية كطعام للرعية، ويوسف هو الحارس منتدبا من الله الآب، ليكون أبا ليسوع بحسب الشريعة البشرية، وخطيب مريم وممثل جميع الآباء القديسين من إبراهيم إلى إسحق ويعقوب وداود. يوسف ومريم حيث الرجل والمرأة رمزا الإنسانيّة كلّها، والرعاة هم الذين ظهر عليهم الملائكة، وبشَّرُوهم بمولد السيد المسيح، وقدموا ليسوع عصيهم لأنهم عرفوه راعى الرعاة وهم يمثّلون فئة الفقراء والبسطاء كونهم أفقر طبقات الشعب فى تلك الأيام, يضاف إلى ذلك أنهم يذكّروننا أن المسيح هو الراعى الحقيقى الّذى خرجَ من نسل الملك داود، الملك الّذى وُلِدَ راعيا.
والمجوس يمثلون فئة المتعلمين والأغنياء، كما أنّهم يذكّروننا أيضاً بالمسيح الّذى هو ملك الملوك، وهم الذين أتوا من بلاد فارس، وقدموا الهدايا بخوراً وذهباً ومُرَّاً على أنه كاهن ونبى وملك يدوم ملكه إلى الأبد.
أما الهدايا التى قدمها ملوك المجوس فهى :
البخور ويرمز إلى الكهنوت
والمُرّ يرمز إلى عدم الفناء
والذهب يرمز إلى الملوكية
وهذه من الصفات الأساسية للمسيح يسوع المولود من مريم العذراء، والملائكة ظهروا للرعاة منشدين المجد لله فى العلى وعلى الارض السلام والرجاء الصالح لبنى البشر ( لوقا 1/9-10 )
ومن الحيوانات التى نجدها فى المغارة :
البقرة رمزُ الغذاء الماديّ الّذى لا بدّ منه للإنسان، والحمار وسيلة النقل البرى الأساسية لدى عامّة الناس. وأيضاً رمز الصبر واحتمال المشقات فى سبيل الإيمان وفى خدمة المخلّص، والغنم.. «خرافى تعرفنى وأدعوها بأسمائها وأقودها إلى المراعى الخصيبة»، والخراف وسيلة للغذاء والتدفئة. وترمز بشكلٍ خاص إلى الوحدة الضرورية فى جماعة المؤمنين، التى تحافظ على دفء الإيمان فى قلوبهم. والنجم هو الذى ظهر فى السماء وأرشد المجوس الى مغارة الميلاد فى بيت لحم ( متى 2/9-10 ). والشجرة هى شجرة الحياة التى فى وسط الجنة ( تك 2/9 و 3/22و 24 ) التى يستند إليها إبراهيم حين تلقيه الوعد بإسحق. وهذه الشجرة يجب أن تكون من النوع الذى يبقى اخضرار على مدار السنة مثل السرو أو أى نوع من الصنوبريات ( سنديان )، وزينة الشجرة ( أشعيا 35/1 ) تعبير عن فرح الطبيعة بتحقق الخلاص. وقد ساعدت التكنولوجيا الحديثة بجعل هذه الزينة أكثر تعبيرا ورونقا وخصوصا الأضواء، وهى (النور) المسيح نور العالم بحضوره فى العالم تستمد الأشياء منه نورا فتتألق. أما هذه الأشياء فقد تكون انتظمت بوعى أو بلا وعى يعود إلى اللاوعى الجماعى الذى يدخر فى أعماقه المعانى الكتابية وبقية تقاليد الشعب المسيحى الدينية.
رابط دائم: