فى سبق صحفى خطير، كشف الصحفى الأمريكى الشهير سيمور هيرش عن وجود معارضة داخل رئاسة أركان الجيش الأمريكى والمخابرات العسكرية منذ عام ٢٠١٣ لإصرار الرئيس باراك أوباما على ضرورة أن يتنحى الرئيس السورى بشار الأسد عن منصبه، وأن جماعة المعارضة المعتدلة يمكنها أن تحل مكانه.
وأشار هيرش، فى مقال تحت عنوان «من جيش لجيش» نشرته مجلة «لندن ريفيو أوف بوك»، إلى أن معارضة قادة الجيش ومسئولى المخابرات تنصب على ما اعتبروه تركيز إدارة أوباما على الرئيس الروسى فلاديمير بوتين حليف الأسد الرئيسى.
وأضاف أنه من وجهة نظرهم، فإن أوباما متأثر بفكر الحرب الباردة حول روسيا والصين، وأنه لم يعدل استراتيجيته تجاه سوريا على أساس حقيقة أن الدولتين تتشاركان نفس الغضب حيال انتشار الإرهاب فى وحول سوريا، وأنه يجب وقف تنظيم داعش الإرهابي.
وتابع أن معارضة الجيش تعود إلى صيف ٢٠١٣، عندما تمت كتابة وثيقة سرية وضعتها وكالة مخابرات الدفاع «دى آى إيه»ورئاسة الأركان المشتركة برئاسة الجنرال مارتن ديمبسي، والتى توقعت أن سقوط الأسد سيقود إلى حالة من الفوضى، وأن يسيطر الإرهابيون على مقاليد الحكم فى سوريا مثلما حدث فى ليبيا.
ونقل هيرش عن مستشار سابق رفيع المستوى فى المخابرات الأمريكية قوله إن الوثيقة كانت متكاملة، واعتمدت على معلومات من مصادر مخابراتية ومن الأقمار الصناعية، واعترضت على إصرار إدارة أوباما على تمويل وتسليح ما يسمى المعارضة المعتدلة.
وأضاف أن وكالة المخابرات المركزية»سى آى إيه» تآمرت لأكثر من عام مع الحلفاء فى المملكة المتحدة ودول أخرى لإرسال أسلحة وبضائع إلى سوريا، لاستخدامها للإطاحة بالأسد عبر ليبيا وتركيا. وتابع هيرش أن تركيا هى المنفذ الرئيسى لاستراتيجية أوباما فى سوريا، وأن ما بدأ مثل برنامج أمريكى خفى لدعم وتسليح المعارضة، والتى نفذتها تركيا، وأن هذه الأسلحة وصلت لأيدى داعش وجبهة النصرة.
ومن جانبه، أكد الليفاتينت مايكل فلين، مدير وكالة مخابرات الدفاع فى الفترة من ٢٠١٢ إلى ٢٠١٤، أنه تم إرسال من التقارير السرية التحذيرية إلى الإدارة الأمريكية حول النتائج المدمرة للإطاحة بالرئيس السوري.
وأشار فلين إلى أن الإرهابيين يسيطرون على المعارضة، وأن تركيا لم تكن تفعل ما يكفى لوقف تدفق التكفيريين الأجانب والأسلحة عبر الحدود.
وأوضح أنه «لقد فهمنا استراتيجية داعش على المدى الطويل، وخططها الدعائية، وناقشنا حقيقة أن تركيا تغض الطرف عندما يأتى الحديث حول حقيقة تمدد داعش داخل سوريا».
وقال إن إدارة أوباما رفضت هذه التحذيرات، وكانت لا تريد سماع الحقيقة، مشيرا إلى أن سياسة تسليح المعارضة لم تكن ناجحة وكان لها تأثير سلبى.
وأضاف أن سياسات أوباما كانت متناقضة، وأن الإرهابيين كانوا سيحلون محل الأسد.
وأكد سيمور هيرش أن التحدى الرئيسى أمام سياسة أوباما فى سوريا أنها كانت لا تملك أى فرص للنجاح، وأن رئاسة الأركان الأمريكية قررت اتخاذ خطوات ضد الإرهابيين بدون التحرك عبر القنوات السياسية، عبر توفير معلومات مخابراتية لدول أخرى للتحرك ضد جبهة النصرة وداعش.
وقال إنه تم مشاركة معلومات مخابراتية مع ألمانيا وروسيا وإسرائيل، وهى الدول التى لها اتصالات بالجيش السوري، ولها القدرة على التأثير على قرار الأسد، على حد زعمه.
وأوضح أن كل واحدة من هذه الدول لديها سبب للتعاون مع الأسد، فألمانيا تخشى مما يمكن أن يحدث لستة ملايين مسلم يعيشون فيها إذا تمددت داعش، وإسرائيل تخشى على أمن حدودها، وروسيا حليفة قديمة لسوريا وقلقة من التهديد لطرطوس قاعدتها البحرية الوحيدة فى الشرق الأوسط.
وأكد هيرش أن أوباما لم يكن يعلم بتحركات رئاسة الأركان الأمريكية، وهذا حدث مع كل الرؤساء الأمريكيين.
وأضاف أنه بمجرد مشاركة المعلومات مع الدول الثلاث، فإنها أرسلت هذه المعلومات إلى الجيش السورى حول أماكن وتحركات الجماعات الإرهابية، وفى المقابل، وفرت سوريا معلومات حول قدراتها الخاصة ونواياها، حيث لم يكن هناك اتصالات مباشرة بين الجيش الأمريكى ونظيره السورى.
وأشار الصحفى الأمريكى إلى أن «دعونا نتذكر المقابلة الصحفية التى أجرتها مجلة «فورين بوليسي» قبل أيام مع وزير الدفاع الأمريكى السابق تشاك هيجل، الذى كشف أن علاقته بأوباما كانت متوترة ولم يكن يتبنى نفس وجهات نظره فى التعامل مع روسيا ودول أخرى فاعلة فى المشهد الدولي».
يذكر أن سيمور هيرش من أشهر الصحفيين فى العالم بعد كشفة مذبحة قرية ماى لاى التى قامت بها القوات الأمريكية خلال حرب فيتنام، بالإضافة إلى كشفه تفاصيل عن البرنامج النووى الإسرائيلى فى كتابه «خيار شمشون ، الترسانة النووية الإسرائيلية والسياسة الخارجية الأمريكية»، وفضيحة سجن أبو غريب بالعراق.
رابط دائم: