يومان كاملان قضيتهما داخل أروقة الكونجرس الأمريكى خلال زيارتى الأخيرة للولايات المتحدة، التقيت خلالها مع أكثر من ثمانية عشر عضواً من أعضائه، ممثلين لكلا الحزبين الجمهورى والديمقراطي، شهدت اللقاءات العديد من المناقشات الخاصة بالأوضاع فى مصر وفى منطقة الشرق الأوسط، وهنا يجب أن يعلم القارئ أن أعضاء الكونجرس دائمو الحرص على الاستماع لوجهات نظر مختلف الأطراف ،بدلاً من الاعتماد على ما يتم نقله إليهم من وسائل الإعلام.
لقد حرصت فى جميع اللقاءات، التى امتدت لساعات، على الاستماع لآرائهم وأفكارهم بشأن ما يجرى فى مصر خاصة، والمنطقة العربية عامة، بعدها تكون الإجابات والاستفسارات، ولعل من أهم الشخصيات التى قابلتها Mr. Duncan Hunter (R-California)، Mr. Joe Wilson (R-South Carolina)، Mr. Dutch Ruppersberger (D-Maryland)، Mrs. Kay Granger (R-Texas).
ولقد لاحظت منذ الوهلة الأولي، تغيراً إيجابياً ملحوظاً فى اتجاهاتهم وانطباعاتهم لصالح مصر مقارنة بلقاءات العام الماضي، فى نفس التوقيت تقريباً من العام الماضى قبيل زيارة الرئيس السيسى لنيويورك لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
الجميع أكدوا متابعتهم لانتخابات مجلس النواب المصرى الأخيرة، وأن وفاء الرئيس السيسى لوعده باستكمال خريطة الطريق قبل نهاية عام 2015، والتى بدأت بالدستور الجديد ثم الانتخابات الرئاسية ثم الانتخابات البرلمانية، كانت من أهم النقاط الإيجابية فى رأيهم.
كما أكدوا جميعاً من خلال متابعاتهم لانتخابات مجلس النواب الأخيرة فى مصر ، أنها اتسمت بالشفافية، وهو أمر لم يحدث منذ أعوام فى مصر، وأن الشرطة المصرية لم تتدخل لتزوير الانتخابات ، خاصة أن لديهم انطباعاً سيئاً عن التدخلات السابقة للشرطة المصرية فى عهود سابقة ، بل أشادوا بالمشهد الذى كانت عليه الشرطة فى هذه الانتخابات من تواجد خارج المقار الانتخابية لأغراض التأمين فقط، وهو ما عزز من نظرتهم الإيجابية للمشهد الانتخابي، كما أشادوا أيضاً بالقضاء المصرى الذى حافظ على نزاهة الانتخابات، مؤكدين أنه لم يتم رصد أى أعمال عنف خلال مراحل الانتخابات.
أما المفاجأة الأساسية لهم فكانت فى نجاح المرأة فى الانتخابات الفردية بنسبة مقبولة ليصبح تمثيلها فى مجلس النواب مرتفعا نسبيا من خلال الانتخابات وليس التعيين أو الكوتة ، وكذلك نجاح الأقباط فى الانتخابات الفردية، إضافة إلى زيادة نسبة الشباب فى المجلس. وكلها مؤشرات أن مصر بدأت فى التحرك بخطوات ثابتة نحو الديمقراطية الفعالة.
ولقد عرضت عليهم بعض الانتقادات والتحفظات الداخلية حول نسبة المشاركة فى الانتخابات التى وصلت إلى 25% وهو ما رأوه أمراً طبيعياً ، باعتبار أن «مصر فى سنة أولى ديمقراطية»، وأن البعض ربما عزف عن المشاركة تخوفاً من تجارب سابقة فى العهود الماضية ، أما عزوف الشباب فكان مبرره لديهم هو ارتفاع نسبة البطالة فى مصر، وطالبوا بأن يقوم مجلس النواب فور بدء أعماله بتشكيل لجنة تقصى حقائق ، لمعرفة أسباب العزوف واتخاذ الإجراءات والقرارات اللازمة لتفادى ذلك مستقبلاً.
أما عن دور مصر فى المنطقة ، فقد أكد الجميع أن مصر، بوضعها الجديد، ستظل محور الاستقرار فى منطقة الشرق الأوسط ، وأكدوا أيضا أن الجميع دائما يصوتون لصالح مصر فى الكونجرس عند اتخاذ قرارات دعمها عسكريا أو اقتصاديا.
أما عن الرئيس السيسى فالأمر أصبح مختلفا هذه المرة ، أتذكر فى العام الماضى عندما قابلت السيدة مادلين أولبرايت ومعها المجموعة الاستشارية للرئيس أوباما Think Team والتى كان المطلوب منها تقديم تقريرا للرئيس أوباما عن طبيعة ما حدث فى مصر وهل هو انقلاب عسكرى ، أم ثورة ، وأذكر أن السيدة أولبرايت ذكرت لى أن أول ما فعلته هو قراءة البحث الذى قدمه الرئيس السيسى إبان دراسته فى كلية الحرب العليا فى أمركا ، حيث فهمت من هذا البحث بعضاً من أفكاره ومفاهيمه وأضافت أنها بدأت فى متابعة ورصد ما يحدث فى مصر ... فوجدت أن أول قرارات السيسى كان زيادة أسعار الوقود ... وهذا يعنى أنه يعمل على إصلاح البلد ... فلو كان هذا انقلاباً ... لكان هدف قائده كسب ود المواطن بعدم رفع الأسعار واللجوء إلى القروض ... أما هو فكان هدفه الإصلاح ... وركزت على اصطلاح Reforms ... أما المفاجأة لها ... أن الشعب تقبل هذه الزيادات ولم تخرج المظاهرات والاحتجاجات ضده ... وهذا يعنى أن الشعب يقبله ... بل ويسانده ... وهذا ما لم يجرؤ الرئيسان السابقان السادات ومبارك على فعله طوال 40 عاماً. ومن هنا كانت التوصية للرئيس أوباما أن السيسى هو الرئيس الشرعى ... وأن الشعب يؤيده ... ومن هنا جاءت شرعية النظام بالنسبة لهم.
وخلال لقاءات هذا العام جاء رأى كل أعضاء الكونجرس أن الرئيس السيسى يعمل على بناء الدولة المصرية الجديدة ، ديمقراطيا ، واقتصاديا ، وعسكريا ، لكن جاء تخوفهم من اتجاه مصر نحو فرنسا وروسيا وألمانيا فى تسليح الجيش المصرى ، وأن هذا يعنى الابتعاد عن الولايات المتحدة ، وهو أمر يزعج الكونجرس الأمريكى ، حول مستقبل العلاقات المصرية-الأمريكية ، وبالطبع كانت ردودى منطقية حول تعنت الرئيس الأمريكى الدائم فى الإفراج عن الأسلحة الأمريكية لمصر خاصة طائرات الأباتشى وإف 16 ... وهنا يجب أن أؤكد على وجود استياء عام فى الكونجرس من سياسة الرئيس أوباما الخارجية ... بما فى ذلك من أعضاء حزبه من الديمقراطيين ، فالكل يُجمع على أن سياسة أوباما فى الشرق الأوسط ، أدت بالشرق الأوسط إلى أسوء حالة فى تاريخه ، وعندما تساءلت عن عدم إبلاغه بذلك أو الاعتراض على سياسته، كان الرد من الجميع ، أنت تعلم أن هذه هى الفترة الثانية من ولايته ، ويصبح فيها التأثير على قرارات الرئيس عملية صعبة إلى حد ما ، ويجمع الجميع أن الرئيس أوباما والسيدة سوزان رايس مستشارته للأمن القومى ، هما اللذان يقرران السياسة الأمريكية فى الشرق الأوسط.
أما عن انتقادات أعضاء الكونجرس لمصر ، فمازالت كما هى ، حقوق الإنسان ، القيود المصرية على حرية الصحافة والتعبير عن الرأى ، الأحوال السيئة فى السجون المصرية ، وهناك نقطة ركز عليها الجميع ، وهى حبس الصحفيين الأجانب حالياً فى مصر، وبالطبع تم الرد على هذه النقاط جميعاً ، ولكن لدينا هنا وقفة مع الإدارة المصرية، يجب أن نكون صرحاء مع أنفسنا ونواجه الحقيقة المؤكدة بأن الإعلام المصرى حالياً يحتاج إلى تعديل مسار ، وخاصة الإعلام فى الخارج المطلوب منه الرد على كل هذه الإفتراءات من خلال حملات إعلامية منظمة فى إطار خطة إعلامية شاملة بمشاركة جميع الجهات ، بما فيها المؤسسات الإعلامية الخاصة من الخارج مدفوعة الأجر ، وهذا ما سبق أن اقترحته من ضرورة وجود وزير إعلام يُشرف على إعداد وتنفيذ هذه الخطط الإعلامية ، خاصة بعد فشل الهيئة العامة للاستعلامات ، ونجاح الحملات الاعلامية المنظمة للإخوان المسلمين فى خارج مصر.
كما نؤكد ضرورة الإفراج عن الصحفيين الأجانب الموجودين فى مصر فى إطار تقليل الاتهامات التى توجه لمصر باستمرار ، وأصبحت تشكل صداعاً للإدارة المصرية فى الخارج.
وإلى جانب اللقاءات داخل أروقة الكونجرس كانت هناك لقاءات أخرى خارجه جمعتنى بشخصيات أخرى فكان لقائى مع السيد ريتشارد أرميتاج عضو اللجنة العليا للتسليح فى الجيش الأمريكى حالياً ، والذى شغل عددا من المناصب الدقيقة فى الإدارة الأمريكية منها منصب نائب رئيس الأركان الأمريكى ، وزار مصر العديد من المرات ، وكان يرأس باستمرار لجان التعاون العسكرى المصري-الأمريكى لبحث المطالب العسكرية المصرية من المعونة الأمريكية العسكرية ، وقد شاركت معه من قبل فى هذه اللجان خلال عملى فى القوات المسلحة ، وأستطيع القول إن هذا الرجل يمثل الرؤية العسكرية الأمريكية ، التى تؤيد مصر تماماً ، وترى أهمية دعم مصر عسكرياً واقتصادياً للتصدى للإرهاب فى سيناء. والحقيقة أن وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) ترى أن القوة العسكرية المصرية هى أهم حليف فى المنطقة يحقق لها الاستقرار. والغريب أن هذا الرجل قابل أردوغان منذ فترة ، والذى طلب منه تدخل الولايات المتحدة للإفراج عن مرسي، واحتراماً للقارئ فلن أكرر نص رده على أردوغان.
وعموماً يمكن أن نخرج من هذه اللقاءات بالانطباعات العامة أن صورة مصر والرئيس السيسى تحسنت كثيراً داخل الكونجرس الأمريكى الذى هو أهم مؤسسة فى الإدارة الأمريكية، وأن الكونجرس يرى أن مصر ستظل أهم حليف استراتيجى لأمريكا لضمان الاستقرار فى المنطقة، وأن وفاء الرئيس السيسى بوعده باستكمال خريطة الطريق للديمقراطية فى مصر أعطاه ومصر مصداقية كبيرة، وأن انتخابات مجلس النواب المصرى بداية الطريق المصرى الصحيح، كذلك نؤكد دعم البنتاجون لمصر وتأييده لها فى كل مطالبها، إلا أن ذلك لا ينفى أننى سأكررها مراراً وتكراراً، أن مصر يجب أن تعمل باحترافية على تنظيم خطتها الإعلامية الخارجية.
وفى النهاية، بالرغم من مساندة كل من البنتاجون والكونجرس الأمريكي، بجناحيه الديمقراطى والجمهوري، لمصر، فإن سياسة الإدارة الأمريكية لا تعمل على سد الفجوة بين البلدين، وعلى ذلك فإن قدر مصر أن تنتظر الرئيس الأمريكى الجديد، فى نهاية عام 2016.
رابط دائم: