رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

أيام "الصبر" وزمانه

هذه أحاديث نبوية صحيحة حول أيام "الصبر"، التي بشَّر فيها الرسول صلى الله عليه وسلم أمته بأنها ستلتقي في مستقبلها مع أيام، في زمان، يجب أن تتحلى فيهما بالصبر، مع الاستسماك بالدين، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والصبر على ذلك وتوابعه.

هذا هو الصبر الحقيقي، وليس ما يسرع إلى أذهان البعض من معنى فاسد، عند سماع لفظه، بالانصراف إلى التواكل، والسلبية، والانبطاح أمام الظروف، وقبول الاستخفاف، والتوقف عن دفع الظلم .
 
الحديث الأول ورد في "السلسلة الصحيحة للألباني"، عَنْ عُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ أَخِي بَنِي مَازِنِ بْنِ صَعْصَعَةَ، وَكَانَ مِنَ الصَّحَابَةِ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ، لِلْمُتَمَسِّكِ فِيهِنَّ يَوْمَئِذٍ بِمَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ"، قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَوَ مِنْهُمْ؟ قَالَ: " بَلْ مِنْكُمْ".
 
ونلاحظ في الحديث أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: "لِلْمُتَمَسِّكِ فِيهِنَّ يَوْمَئِذٍ بِمَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ"، أي أن هذا الصابر يجتهد في العمل بعمل الصحابة من: جهاد، وزهد، وطاعة، وإخلاص، وثبات، وتجرد.. إلخ، دون توقف عن العمل، ولو هنيهة، ودون أن يحيد عن سبيل الصحابة.
 
الحديث الثاني ورد في "صحيح الجامع"، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ زَمَانَ صَبْرٍ، لِلْمُتَمَسِّكِ فِيهِ أَجْرُ خَمْسِينَ شَهِيدًا"، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ؟ قَالَ: "مِنْكُمْ ".
 
وهذا الحديث تأكيد للحديث السابق، ورفع فيه الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - مكانة العامل في زمان ما بعد صحابته الكرام، لأنه قال: "مِنْ وَرَائِكُمْ"، إلى مكانة الشهيد، بل قال: "لِلْمُتَمَسِّكِ فِيهِ أَجْرُ خَمْسِينَ شَهِيدًا"، وهؤلاء الشهداء "مِنْكُمْ".. مع ما للشهيد من مكانة ومثوبة عند الله، لا يجاوزها إلا النبيين، والصديقين، فهل هناك محفز أكثر من هذا، على الاستمساك بالصبر، في "زمان الصبر"، بما كان عليه الرسول الكريم، وصحبه الكرام؟
 
أما الحديث الثالث فقد ورد في "السلسلة الصحيحة"، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ.. الصَّابِرُ فِيهِمْ عَلَى دِينِهِ، كَالْقَابِضِ عَلَى الْجَمْرِ".
 
وهنا يشبه الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - الصبر على الدين، أي الثبات على تعاليمه، وأحكامه، وهديه، ب"القبض على الجمر".. أرأيت إلى أي حد يجب أن تستمسك ب"الصبر على الدين".. الإسلام؟
 
أخيرا جاء في صحيحي البخاري ومسلم، عن أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ - رضي اللَّهُ تعالى عنهُ - قول رسول الله
 
-  صلى الله عليه وسلم- : "إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدي أَثَرَةً فاصْبِرُوا حَتَّى تلقَوْنِي علَى الْحوْضِ".
 
و"الأَثَرَة" هي: الأنانية، وحب الذات، وتزكية الفرد نفسه، وتقديم منفعتها على الآخرين، لا سيما إن كانت بدون وجه حق، فلا مناص في مواجهتها هنا بالصبر، الذي هو الصبر الإيجابي الحركي الحقيقي، لا التواكل الانبطاحي السلبي، حتى نلقى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الحوض، في الجنة، فنشرب من يده الشريفة، شربة "هنيئة" لا نظمأ بعدها أبدا، بإذنه تعالى.
[email protected]
لمزيد من مقالات عبدالرحمن سعد

رابط دائم: