رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

المقدم باقي زكي‏..‏ صنايعي الطفاشة

عمر طاهر
‏(1)‏بعد إنتهاء العمل في خط بارليف أقر العالم كله بالمعجزة‏,‏ خاصة و أنه استفاد من كل الأخطاء التي ظهرت في تجارب التحصين و السواتر علي مر التاريخ‏,‏ لا أمل للمصريين حيث يوجد خطأ واحد‏.‏


شاب مصري في بداية الثلاثينيات من عمره اكتشف3 أخطاء دفعة واحدة, الأولي أن الساتر الترابي يعتمد في تكوينه علي الرمال, الثاني أن الساتر الترابي تمت إقامته بزاوية مائلة(80 درجة), الثالث أن الساتر أقيم علي حافة الضفة الشرقية.. من هنا تبدأ الحكاية.
(2)
وصل إلي إدارة المركبات بالجيش المصري الأمر بترشيح بعض الضباط للعمل كمنتدبين في مشروع السد العالي, تم اختيار الضابط الشاب باقي زكي يوسف مع آخرين للسفر, وهناك كان العمل يجري علي مدار ال24 ساعة و كان الضابط الشاب أحد المسئولين عن إذابة الجبال التي تحيط بمكان مشروع السد العالي و الإستفادة من الرمال و الصخور المذابة في بناء جسم السد نفسه.
بعد النكسة صدرت الأوامر لكل الضباط المنتدبين بالعودة إلي مواقعهم, عاد باقي زكي يوسف كرئيس لفرع المركبات في إحدي تشكيلات الجيش الثالث, كان يمارس مهامه و يراقب خط بارليف الذي يقف بارتفاع20 مترا( عمارة من سبعة أدوار), و بطول180 كيلومترا, بأكثر من19 موقعا حصينا مجهزة بالألغام و المفرقعات, بكلام القادة عن أن فتح ثغرة واحدة بالمدفعية في الساتر الترابي للمرور يحتاج ل15 ساعة و خسائر بشرية تفوق الوصف, لكن عقيدته كانت واضحة لا يسمح الله بمشكلة إلا و معها الحل.
في مايو69 تم استدعاء باقي زكي مع غيره من القادة داخل التشكيل, أخبرهم قائد الفرقة بصدور أمر بالعبور إلي الضفة الشرقية في أكتوبر من العام نفسه, خلال الإجتماع كان قائد كل فرع يطرح وجهة نظره مدعومة بتقارير عن الساتر الترابي و تقديره للعملية, حتي هذة اللحظة لم يكن لدي المقدم باقي أية فكرة يمكن طرحها, حتي تحدث ضابط الإستطلاع عن كون الرمال هي التي تشكل الساتر الترابي, هنا رفع المقدم باقي يده طالبا الكلمة, سأله قائد الفرقة عما ينوي أن يتحدث فيه, فقال: الساتر الترابي, قال القائد: ده مش شغلك أنت ظابط مركبات, أصر المقدم باقي علي طلب الكلمة, فسمح له.
قال المقدم: طرمبات ماصة كابسة علي زوارق خفيفة تسحب المية و تضخها بقوة اندفاع عالية المية هتحرك الرملة و هتجرها علي القناة و تتفتح الثغرة.
سيطر الصمت علي المكان. كان الحوار في بدايته يدور حول فتح الثغرة بالمفرقعات و الألغام و المدفعية و الطيران, فظهر شخص يتحدث عن خرطوم مياة. قطع المقدم حالة الصمت قائلا: إحنا عملنا كدة في السد العالي. قال له قائد الفرقة: و لكن ما الذي يضمن أن تتحرك الرمال بالطريقة التي ذكرتها؟, قال المقدم باقي: الذي يضمن هو قانون نيوتن الثاني الذي يقول: إذا أثرت قوة أو مجموعة قوي علي جسم فإنها تكسبه تسارعا يتناسب مع محصلة القوي المؤثرة. قال له القائد: من الممكن أن يتم فتح الثغرة لكن هذا لن يجعلها مستوية تماما للعبور, قال له المقدم باقي: مرور المدرعات و الدبابات سيمهد الأرض تماما, إلي أن يستطيع سلاح المهندسين تسويتها. قال له القائد: وما الذي يجعلك تثق في فكرتك إلي هذة الدرجة؟, قال المقدم باقي: الساتر رملي زاويته مائلة و علي حافة القناة.
انتشرت الهمهمة في المكان, نظر قائد الفرقة إلي ساعته وكانت تقترب من منتصف الليل, اتصل بقائد الجيش, فطلب منه أن يحضر المهندس إلي مكتبه في صباح اليوم التالي.
استمع قائد الجيش للفكرة ثم طلب من المقدم باقي أن يتوجه لقائد العمليات الذي كاد أن يحطم( بنورة) زجاج مكتبه عندما ضربها بيده قائلا( هي ما تجيش غير كدة).
في طريق العودة إلي بيته مر المقدم باقي بمقر( وزارة السد العالي), و أخذ كل ما أستطاع أن يحمله من لوحات و نشرات و صور, وعاد بها إلي قائد الفرقة ليشرح له بصورة أوضح ما فعلوه هناك في أسوان, طلب منه القائد أن يدم له تقريرا في أسرع وقت.
في صباح اليوم التالي قال له القائد أن يريد التقرير اليوم لأنهم سيجتمعون ب( عبد الناصر), أحضر المقدم باقي ما أنجزه ثم كتب منه نسخة ب( الآلة الكاتبة) و قدمه. بعد أسبوع أرسل قائد الفرقة في طلبه, سأله أين مسودة التقرير؟, أحضرها المقدم باقي, فأشعل القائد فيهاالنيران داخل مكتبه, ثم قال له: لقد أصبح الموضوع سريا للغاية, لقد وافق عبد الناصر علي الفكرة.
(3)
كانت ترتيبات القدر محكمة للغاية, عندما داعب قائد الفرقة أحد المهندسين قائلا له لماذا لم تقدم فكرة مثل فكرة المقدم باقي؟, قال له: ساعة الانتداب اخترت أنا أن أظل في مكتبي و اختار المقدم باقي أن يسافر إلي أسوان.
كان الوضع سيصعب أكثر لو أن الساتر الترابي أقيم بزاوية قائمة, ساعتها سينهار فوق الجنود التي تحمل الخراطيم, إقامته بزاوية مائلة جعل انجراف الرمال باتجاه القناة طبيعيا و في مساره التلقائي. كان الوضع سيصعب أكثر لو لم تتم أقامة الساتر الترابي علي حافة القناة مباشرة, لو كان أبعد قليلا بعمق نصف كيلو متر لفشلت الفكرة كلها, حيث ستتحول هذة المساحة بفعل الخراطيم إلي بركة تضيف إلي العملية عائقا جديدا يمنع التقدم علي الاقدام أو المركبات, وجود الساتر علي الحافة مباشرة جعل الرمال لا تعرف موضعا لانهيارها سوي عمق القناة, فينفتح الطريق.
ربما يفسركل ماسبق جانبا من سؤال.. لماذا كانت( الله أكبر) تخرج من القلب أثناء العبور ؟
(4)
أصدر عبد الناصر أوامره بأن تتم تجربة الفكرة, فكان التطبيق الأول لها في حلوان عام69, كانت مفاجأة أن يتم فتح الثغرة في نموذج مماثل بطلمبات السد العالي في3 ساعات بدلا من ال15 المتوقعة.
كان الرهان بعد نجاح الفكرة الوصول إلي أكثر الطلمبات كفاءة و خفة, و تدريب الجنود في الوقت نفسه.
بعد أربعة سنوات في يناير72 تم عمل بروفة نهائية في جزيرة البلاح داخل القناة علي نموذج مماثل, فكانت النتيجة مبهرة.
بعدها بعام تم العبور. خمس سنوات في عز الحرب العسكرية و المخابراتية و مصر تكتم سر( الخراطيم), تشتري طلمبات من انجلترا و ألمانيا و تجري تجارب دون أن يشم أحدهم خبرا عن الموضوع, و تلك معجزة أخري.
(5)
بعد أن قام قائد الفرقة بحرق المسودة التي كتبها المقدم باقي, قال له: لقد حصلت اليوم علي إمضاء هو من أشرف الإمضاءات العسكرية بموافقة ناصر علي فكرتك. قال له المقدم باقي: البركة في حضرتك, فقال القائد: أنت مش عارف أنت عملت إيه, أنت أدتنا( الطفاشة) التي هنفتح بيها الباب لمصر.
(6)
بعد ثورة يناير كان اللواء باقي زكي يوسف ضيفا في برنامج تليفزيوني, سألته المذيعة إن كان يشعر بمرارة تجاهل النظام السابق لأبطال مثله؟, فقال اللواء باقي: شوفي.. إنسي حكاية المرارة دي.. أنا كنت من أوائل الناس اللي عدوا يوم7 أكتوبر الساعة7 الصبح معايا النجدة والمساعدات.. و أنا معدي من الثغرة اللي اتفتحت كانت رقبتي أطول من ساري التليفزيون بتاعكم.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق