رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

ثمانية أيام فى قلب الخطيئة الكبرى .. سوريا بانتظار المعجزة ..أو الانفجار العظيم

يرويها من دمشق د.محمد حسين أبوالحسن
ياإلهى، ما كل هذه الوحشية والفظاعة، ترقص الأوطان "تانجو" مع الموت، تتعمد ببحار الدم، تذوب سريعا كقطعة زبد فوق صهد الجمر، تسلم نفسها للعدم..الشر ينتصر أحيانا.. هنا سوريا، هنا بدأ القتل، قابيل قتل أخاه هابيل، تأسيسا لمشوار الحقد والإفناء، رأس النبى يحيى، مازال ينزف داخل المسجد الأموى، فى أول جريمة "داعشية المزاج" بالتاريخ، بزعم الحب.

. أوقات عصيبة: حرب عالمية تدور رحاها فى كل شبر. بعد 7 آلاف عام من الحضارة يأتى من يجز الرءوس ويشق الصدور ويأكل القلوب، خان الزمان زمانه، سوريا اليوم جنة وسط النيران، نعيم مقيم فى الجحيم، يختلط حلوها بمرها، الحلوى الشامية وقنابل جهنم، أصوات الطرب وهدير المدافع، القصور العامرة ودور الإيواء، الحياة والموت رفيقان يتربص أحدهما بالآخر، دون إنذار مسبق.. قدر ما دفعنى لارتكاب المجازفة، والذهاب إلى سوريا "خطيئة العرب الكبرى"، أرض المجازر، لنفاجأ بواقع عجيب لشعب طال شموخه قمم الجبال وبقيت أحلامه تلامس قيعان الأودية، دون أن يتوقف عن الغناء –مع "بوشناق" برغم الأهوال:"بدى وطن.."..!


فى اللحظة التى كانت الطائرة تهبط بنا فى مطار اللاذقية "باسل الأسد"، وقبل أن تلامس عجلاتها الأرض، مرق من فوقنا صاروخ "جراد" إلى قلب المدينة، قتل وأصاب 14 شخصا، وبعدها بساعة كنا فى موقع الانفجار، وجدنا مفاجأة كبيرة بانتظارنا، مفاجأة دامت على مدى الأيام الثمانية التى قضيناها، تجوالا فى الأرضى السورية، من الشمال إلى الجنوب، ضمن وفد إعلامى ضم عددا محدودا من ممثلى الصحف والفضائيات المصرية، للوقوف على "حقيقة" المشهد المتأزم، رأينا "الموت" مرات، أبصرنا كيف تتحايل الحياة لتعرقل عمله إلى حين، تذكرت ما كتبه عمنا نجيب محفوظ فى "الحرافيش": "إن الموت لايقضى على الحياة وإلا قضى على نفسه.."، ومن قلب هذه العبارة الضيقة تتسع الرؤية بالأمل فى مواجهة الفناء وقسوته.

 

 

سوريا قطعة عزيزة على القلب.. محبة مصر والعتاب عليها والرغبة فى حضورها فى حنايا الأزمة، "ثابت سورى" أجمع عليه كل المسئولين الذين التقيناهم من محافظين وأمناء حزب البعث، إلى وزراء الخارجية والثقافة والإعلام والأوقاف ورئيس مجلس الشعب ونائب رئيس الجمهورية أمين عام مساعد حزب البعث وغيرهم، وصولا إلى البسطاء فى الأزقة والحارات، تجد ذلك فى مظاهر منها: الكراهية الشديدة لجماعة الإخوان والرئيس المعزول محمد مرسى الذى قطع العلاقات مع سوريا وهدد بإعلان الجهاد هناك، ويعتبرونهم أس البلاء، فى كل ما يجرى للأمة من أزمات وشرور، كما لا يتوقفون عن ترديد أن مصر وسوريا، وخلال أحقاب تاريخية متباينة كانتا كيانا أو دولة واحدة، آخرها دولة الوحدة نهاية الخمسينيات، على يد جمال عبدالناصر، يذكرونه بكل التبجيل والثناء، ويشيرون دائما إلى استمرار الوحدة بين جيشى البلدين، "نظريا" حتى الآن، فالجيش الأول زمن الوحدة هو الجيش السورى، والجيشان الثانى والثالث فى مصر، وقد ظل هذا النسق الإدارى (التسمية) قائما، كما أن الجيشين شريكان فى نصر أكتوبر "تشرين" 1973 العظيم، ومثلما ينتشر فى مصر إطلاق اسم "6أكتوبر" على مدارس ومنشآت وشوارع، تجد الأمر ذاته بسوريا تحت مسمى "تشرين" على مدارس وجامعات وأحياء، تخليدا للمعركة المجيدة التى وحدت العرب من المحيط إلى الخليج، ضد إسرائيل والصهيونية العالمية ومن يقف وراءها..!

لاينسى السوريون التذكير بتعلقهم الشديد بأرض الكنانة واستعداد بعضهم لكى يهبها حياته، مثلما فعل سليمان الحلبى قاتل كليبر قائد الحملة الفرنسية على مصر، والضابط جول جمال الذى فجر نفسه ولنشه فى المدمرة "جان بارت"، درة تاج البحرية الفرنسية، خلال العدوان الثلاثى، حماية لبورسعيد.

نجمتان فى علم

هذه أشياء يعرفها عندنا المهتمون بالشأن السورى.. فى سوريا الوضع مختلف، هى حقائق دارجة يحفظها الجميع عن ظهر قلب، مازال القوم مصرين على التمسك بالعلم السورى ذى النجمتين اللتين ترمزان إلى مصر وسوريا، بحسب وصف يوسف الأحمد سفير سوريا السابق بالقاهرة، والذى يعتبرونه هناك "سفير مصر" بسوريا لا العكس..!

ذات مرة وبينما كنت أهم بركوب المصعد فى الفندق بدمشق وجدت رجلا طاعنا فى السن يتوكأ على أحدهم "ابنه"، أفسحت له، قائلا: تفضل. فبادرنى فورا: يا أهلا وسهلا بالإخوة المصريين، أنت صحفى، رأيتك فى التليفزيون (السورى).. نحن بلد واحد منذ الأزل، ثم عرفنى بنفسه بأنه مؤرخ، وأنه قدم دراسة أثبتُ فيها أن الوحدة بين مصر والشام أقدم وحدة فى التاريخ، منذ عصر رمسيس الثانى، وبعد معركة قادش وقع الجانبان "أول معاهدة سلام"، وتتويجا لذلك تزوج الفرعون ابنة ملك الحيثيين...غادرت المصعد عند الطابق الذى أقطنه، انفعل الرجل الوقور بحرارة مشاعره وأخذ يلهج بالثناء والدعاء لمصر المحروسة.

قد لا تعرف عظمة بلدك إلا عندما تبتعد عنه.. ما أن يعرف السورى أنك مصرى حتى يحدثك عن أماكن أو قرى نائية، ربما لم تزرها أو تعرفها أنت فى الصعيد أو الدلتا، ويبلغ به الزهو مداه، وهو يقول لك إنه تلقى تعليمه فى مصر وعاش فيها سنوات وإنه زارها عشرات المرات ويتمنى أن يعود اليها.

أنقرة تؤجج الإرهاب

محافظة اللاذقية أول محطة فى رحلتنا، تقع بأقصى شمال غرب سوريا، على الحدود مع تركيا- تمتد الحدود 917 كم- وتطل على البحر المتوسط، 85% من مساحاتها غابات شجرية وأراض زراعية، أشهر المحاصيل القمح والتفاح والزيتون والتبغ والحمضيات، بها صناعات متنوعة وفنادق، كانت مصيفا للصفوة الخليجية، قبيل الأزمة، أما الميناء فهو "رئة سوريا" مع طرطوس، وبوابتها البحرية على العالم، بها بلدة القرداحة مسقط رأس الرئيس بشار الأسد، ويطوق اللاذقية "قوس ساخن" من الشمال والشرق لاسيما فى مدن حماة وأدلب وكسب، تهاجم الجماعات المسلحة الأراضى الواقعة تحت سيطرة النظام، بمختلف الأسلحة التى تتسرب من الحدود التركية.

بعض التقارير ذكرت أن "اللاذقية" معقل الطائفة العلوية، وأنها ركيزة لإنشاء دولة علوية، لو نجح مخطط تقسيم سوريا إلى دويلات على أساس مذهبى، واجهت اللواء إبراهيم خضر محافظ اللاذقية، بهذه التحليلات، فانكر بشدة هذا التوجه، مستشهدا بأن عدد سكان المحافظة 2،5 مليون نسمة، نصفهم نازحون من حلب "سُنة"، يلقون عناية الدولة، دون تمييز، قائلا: كل سوريا هنا، المشكلة الحقيقية أن الدول الاستعمارية وتركيا، بمساعدة بعض "الأشقاء العرب"من الخليج، تصدر إلينا قطعان الوحوش والذئاب، لتمزيق بلادنا، وقد نجحنا فى وأد 24 محاولة فتنة طائفية.

تجولنا فى شوارع اللاذقية وأسواقها ومستشفياتها، بالسيارة وسيرا على الأقدام، لمعرفة أحوال العباد فى ظل الظروف القاسية، المفاجأة أن السورى أثبت صلابته فى وجه المحن، الحياة تجرى وكأن شيئا لايعكر صفوها، الخدمات المختلفة متوافرة، الحياة تسير بوتيرة طبيعية، حركة شحن وتفريغ السلع فى ميناء المدينة لاتتوقف، حتى المكان الذى سقط فيه الصاروخ، تم تنظيفه وإسعاف المصابين ونقل الجثث والحطام، إنها رغبة حارقة فى الحياة، يعيش الجميع صباحاتهم ومساءاتهم فى مطاردة الدقائق والساعات، لابديل من انتظار المجهول، حربا أم خلاصا أم مزيدا من الموت الذى لم يخطئ طريقه إليهم، ضرورات الوجود تتقدم على دوافع الخوف الكامن فى حنايا النفوس، وهذا سر سورى مدهش ومؤلم فى آن واحد.

ببساطة شديدة، سوريا هى «البطن الرخو» للأمة العربية أو بيت الداء، فالأوضاع فيها وفقا لتقارير المنظمات الدولية، هى الأكثر مأساوية، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، أفضت حتى الآن إلى قتل نحو 300 ألف شخص ومئات آلاف المصابين، حولت نحو 14 مليونا إما لاجئين خارج البلاد أو نازحين من بيوتهم إلى أماكن أخرى داخلها، أى أن أكثر من نصف الشعب السورى (23 مليونا) تم تشريدهم، وما أكثر السفن الغارقة فى جوف المتوسط، بأعداد كبيرة منهم. الطفل «إيلان» زلزل ضمير العالم.. الخسائر الاقتصادية تقارب 300 مليار دولار، وتحتاج أكثر منها فى حال "إعادة الأعمار".. مؤشرات تبرز بوضوح أن سوريا التى كنا نعرفها لم يعد لها وجود، وأنه سواء تم حل الأزمة أو تأخر الحل المنشود، فإن بناء جديدا يتخلق فى هذا البلد، على وهج النيران والقتل، بما لا يتصوره عقل، إنه تحول جذرى يتحدى مفهوم الدولة القومية.

كثرة الطهاة تفسد الطبخة

قال أمين حزب البعث باللاذقية: يبغى المسلحون نشر الفوضى لا تغيير النظام، لأنه لو هدفهم التغيير فقط، ما دمروا المدارس والبنى التحتية، يقاتلون للارتزاق.. نحن نتعرض لحرب عالمية، من 100 دولة، وهو ما سمعته من مسئول قابلته بعد ذلك، الأمر اليقينى عندهم أنهم يواجهون مؤامرة كونية لاقتلاعهم من أرضهم، وإن لم يفتهم الإشارة إلى أن النصر لهم فى النهاية..!

النواة الصلبة حول النظام تتمثل فى قوة حزب البعث وتماسك الطائفة العلوية، وحشية داعش وأخواتها تدفع كثيرا من المسيحيين والسنة إلى أحضان النظام..

المؤسف أن الحروب المستعرة لاتوحى بأن طرفا ما قادر على حسم المعركة عسكريا، وإن دلت الاتصالات الأخيرة بين سوريا والسعودية وإيران وروسيا، بتشجيع مصرى-إماراتى-إردنى، أن هناك بوادر للحل، خاصة عقب الاتفاق النووى الإيرانى، مما يشى بزحزحة ملفات المنطقة إما إلى التهدئة أو مزيد من الاشتعال، الأمر مرهون باعتماد الكونجرس الأمريكى للاتفاق، ليجرى إيجاد مخرج "انتقالى" للأزمة السورية بتوافق اللاعبين، على خلفية "جنيف-1"، وهو نفس ما أشار إليه الرئيس السيسى خلال زيارته روسيا.

ولو بحثنا عن تفسير مقبول، لوجدنا أن كثرة الطهاة أفسدت الطبخة السورية، كلما اقتربت من لحظة النضج والحل، تدخل أحد الطهاة هنا أو هناك، ليفسدها ويقلب المائدة على الآخرين، ليظل «صندوق البندورا» مفتوحا، وحتى لا نذهب بعيدا، هى معركة طاحنة بكل معنى الكلمة تدور بين لاعبين دوليين وإقليميين ومحليين، ينقسمون إلى فريقين: روسيا وإيران والصين والدولة السورية وحزب الله اللبنانى. وفريق آخر يطالب بإزاحة النظام السورى: الولايات المتحدة وتركيا وقطر والسعودية والجماعات المسلحة وتشكيلات المعارضة، مبارزة كونية لن تفرز حلا إلا بالتوافق بين المتصارعين، خاصة أن واشنطن لم تعد «كلب الصيد» الذى يستدعيه أحدهم لحمايته فى كل مطاردة.. هنا يتطلع السوريون إلى القاهرة، بوصفها الوحيدة القادرة على مخاطبة الجميع وطرح الحلول إن توافرت الإرادة.

ومن اللاذقية اتجهنا جنوبا إلى محافظة طرطوس حاضرة البحر والجبل، رافقتنا دوريات من الجيش لانتشار المسلحين القناصة، المناظر خلابة على امتداد الطريق، تظل الجبال القاسم المشترك فى رحلتنا، فهى أول ما تصافحه العيون، كأنها خناجر حجرية مصوبة إلى السماء، وأظن أن فكرة حدائق بابل المعلقة استوحيت من جمال وروعة جبال سوريا الحبلى بالمزارع والغابات وأشجار الزيتون، نحو 80 مليون شجرة زيتون، زيتها حاضر فى كل الأطعمة، المطبخ السورى المتنوع هو الأشهى طعاما والأفضل صحيا عربيا وربما عالميا.. السلع متوافرة المطاعم والمقاهى تعمل بشكل طبيعى، الأسعار ارتفعت بشدة مع تهاوى الليرة السورية أمام الدولار.

من "الناصرية" إلى "السلفية"

فى طرطوس حيث القاعدة البحرية الروسية، أوضح غسان الأسعد النائب العام السابق، أمين عام "البعث" أنها أصغر محافظة تضم 1% من سكان سوريا و4% من مساحتها، لكنها الأولى فى الضحايا، قياسا لعدد سكانها، وعندما سألته عن أن بعض المناطق تشكل "حاضنة" للمعارضة المسلحة خلافا لأخرى، شن هجوما عنيفا على تركيا وقطر وآخرين، متهما إياها بنشر التطرف ورعاية الإرهاب، وقال إنه من قبل أن تبدأ الأحداث، أماكن برمتها فى سوريا كانت "ناصرية"، مثل "ريف دمشق" صارت "سلفية"،إنه مخطط قديم، لايمكن أن يتم هذا بين عشية وضحاها.. سألته عن عدد من يرفعون السلاح وينخرطون فى المعارك ضد الحكومة فقدرهم بنحو 150 الف مقاتل.

أثرت الحرب على الخدمات والبنية الأساسية، حلب قطعت عنها المياه والكهرباء شهورا ومازالت المفاوضات جارية مع المسلحين للوصول إلى حل، المستحيل قد يحدث أحيانا، إذ يزود النظام محطات الكهرباء الواقعة تحت سيطرة المسلحين بالوقود، ولهم الإدارة، إذا اشتدت المعارك يقطعون التيار والمياه عن البلدات الخاضعة للنظام، الظلام ضيف مقيم، الكهرباء وفقا لمناوبات تتراوح بين 2- 8ساعات.

فى الأبراشية المارونية استقبلنا، المطران أنطوان شبير رئيس أساقفة اللاذقية، حدثنا عن تصوره لما يجرى، وخطورة تفتيت البلاد العربية، مؤكدا أنها حرب بالوكالة على أرضنا، لاتولد الا الدمار والبؤس، سألته عن صمت الفاتيكان والغرب تجاه معاناة المسيحيين مع داعش وأمثالها، والصمت عن جرائم إسرائيل بالمنطقة، قال: نحن مجتمع متنوع متسامح بطبيعته، والكنيسة مؤسسة روحية لاسياسية..اليوم باسم الحرية تهدم الأوطان، التطرف فى الغرب كبير جدا، وهو يرسل المتطرفين إلى بلادنا ليتخلص منهم، بقاء الدولة السورية مهم لجميع الطوائف والأديان، اعتداءات الإرهابيين على المقدسات المسيحية متكررة، الحرب فى حلب بدأت من الأسواق، هذا هو الحقد اليهودى وتواطؤ البعض منا وغطرسة الغرب الذى لو أراد تخفيف الإرهاب فعليه حل القضية الفلسطينية بشكل عادل، لأن سياسة الإقصاء تفضى إلى نتائج كارثية.

كلام المطران يفضح أبعاد العلاقة بين الغرب وإسرائيل والجماعات الدينية المتطرفة وما يعرف بـ"الاسلام السياسى" فى بلادنا، ومسارات التغذية المرتجعة والتعاون بينهما، ضربات "التحالف الدولى" ضد "داعش" وغيرها نوع من الاستعراض، فالتنظيم يزداد قوة كلما توالت الضربات "المسرحية"، بحيث يصح عليه قول "نيتشه":"الضربة التى لاتقتلك تقويك"، وهكذا يتغذى الوحش ويتمكن..

غادرنا الكنيسة إلى مراكز إيواء النازحين فكانت مشهدا محزنا مؤلما بغيضا..

"على هذه الأرض ما يستحق الحياة" مقولة للشاعر محمود درويش، رأيت بعينى دليلا على صدقها، فى مراكز الإيواء، هى بالأساس مبان حكومية لم تبن لهذا الغرض، المعاناة شديدة، لكل أسرة غرفة واحدة، يصل عددها عشرة أفراد أحيانا، يتكومون فوق بعضهم، رجالا ونساء، كبارا وصغارا، دورات المياه مشتركة، ظروف قاسية، معاناة أكبر من الكلمات، المفاجأة أننى عندما تحدثت مع بعضهم وجدتهم شبه راضين، يرون أنفسهم أسعد حالا ممن ذبحهم "داعش" أو أحرقتهم "قنابل جهنم" - قنابل تصنع من أنابيب الغاز تشوه البشر والحجر بشكل فادح - الحكومة تقدم لهم الطعام والخدمات مجانا، منظمات الإغاثة والمجتمع المدنى "العربية" لا وجود لها. منظمات دولية تقدم إسهامات وإن كانت أقل من المطلوب، فى طرطوس 21 مركزا بها 1850 أسرة، هناك أسر يقاتل بعض أفرادها ضد النظام فى الناحية الأخرى، وهم على استعداد لقتل أهاليهم، هكذا تذهب الحرب بصلة الرحم والوشائج بين الابن وأبيه.

ثم توجهنا لأداء صلاة الجمعة بأول مسجد صادفنا بإحدى الحارات، واجهتنا لافتة "حارة جمال عبدالناصر"، لم يكن فى المسجد مقيم شعائر أو إمام للمصلين، وبرغم ذلك أقيمت الخطبة والصلاة خلف الإمام الذى كان يأتينا صوته وصورته عبر شاشة معلقة بجوار المحراب..

التحقوا بالجيش

شاطئ المتوسط فى طرطوس ساحر، الغروب يلقى بتباشيره، ركبنا قاربا إلى جزيرة تبعد 10 كم عن الشاطئ، أسر وعائلات وزوار، تروح وتجئ فى القوارب تغنى وترقص، على الشاطئ تكتظ المطاعم الفارهة بالساهرين عن آخرها، يتناولون الأطعمة الفاخرة ويتمايلون طربا مع الأنغام، وكأن لاشيء يتهددهم..

استيقظنا مبكرا فى اليوم الثالث للزيارة، انطلقت بنا السيارة من طرطوس إلى حمص، بعد فترة قصيرة توقفنا، عرفنا أن سيارة قبلنا تعرضت لنيران القناصة، أخذت أردد الشهادتين وبعض آيات القرآن فى سرى، جاءت دورية جيش وأحاطتنا، ثم انطلقنا، وتكرر المشهد أكثر من مرة، على امتداد الطريق، لاحظت فى جميع المدن الحضور الكثيف للغاية لصور الرئيس بشار الأسد ووالده الرئيس السابق حافظ الأسد، تحت عبارات التأييد، بالإضافة إلى لافتات تدعو للالتحاق بالخدمة العسكرية بالجيش، بعد ساعتين من السير المتقطع، وصلنا مدينة "حمص القديمة".

مدينة الرعب والأشباح

وقفنا فى الحى التجارى، بمركز المدينة القديمة، لم نصدق ما رأيناه، إنها مدينة أشباح مخيفة، الخراب فى كل ناحية، أطنان من المتفجرات والقذائف والصواريخ، جعلت المنطقة أثرا بعد عين، كأن زلزالا ضربها فتركها أكواما، لاوجود للبشر أو حتى للكلاب الضالة، سكون مخيف يحكى قصة الرعب الوحشى، رائحة الموت تنبعث من تحت الأنقاض، المصانع المؤسسات التجارية، المدارس، المستشفيات نهبت وأحرقت، حتى المسجد الكبير لم يسلم من الدمار، اقتحمه المسلحون واتخذوه مركز قيادة، لشن هجماتهم ضد السكان العزل الأبرياء..كيف لم يخش هؤلاء الأشقياء أن "سيف الله المسلول" موجود بهذه الأرض..؟!

أشارت ابنة حمص الصحفية "حياة عواد" إلى شارع أمامنا، قائلة: هنا بدأت فصول المأساة السورية وجرائم القتل الرهيبة، أول فيديو بث على الإنترنت للجرائم الوحشية تم بحمص، أوقفوا أتوبيسا، حصدوا أرواح الركاب ودفعوا النساء عاريات فى الشوارع وشقوا بطون الحوامل، ألقوا الأجنة على الأرض. كل ما حرمه الإسلام فعلوه باسم الإسلام، نسوا أن خيانة الأوطان عداوة للدين، ومن ساعتها لم يتوقف مشوار الدم. ظل الإرهابيون عامين مسيطرين على المدينة، شهدت أعنف المعارك، فى "القصير " و"الخالدية"، و"بابا عمرو" وغيرها..

سكان حمص نحو مليونى نسمة، وهى 36 حيا، تم تحرير 35 من أيدى الإرهابيين، وبقى حى الواعر ذو الكثافة السكانية العالية، بالقرب من منطقة "ديك الجن"، تمرح به جماعات داعش وفتح الإسلام وجبهة النصرة وأحرار الشام.. 90% تحت سيطرة الدولة، أحد مرافقينا اتهم "تيار المستقبل" فى لبنان بأنه تورط بإرسال أسلحة ومقاتلين عبر الحدود، لكن الجميع من المسئولين ورجال الشارع، يتهمون تركيا وقطر بالمسئولية المباشرة عن إراقة الدماء، مؤكدين أن 60-80% من المسلحين الأجانب وأسلحتهم وتمويلهم عبر الحدود التركية، شنت تركيا فى إطار "التحالف" 503 غارات، منها 500 على الأكراد و3 وهمية على داعش.

مناطق آمنة..بالتراضى..!

الغريب أن هناك مناطق آمنة، بالتراضى بين السكان والجيش والمسلحين، ورعاية الأمم المتحدة، قالت "حياة" إن الحاضنة الاجتماعية للإرهاب موجودة، لاسيما وسط الأفقر والأقل ثقافة، خصوصا المناطق السلفية، وإن بعض العائلات يقاتل أفرادها بعضهم بعضا على الجانبين، أمسكت "حياة" بقلادة فى رقبتها بها صورة، لوحت بها أمامى وهى تقول فخورة: أنا أم شهيد.. زوجى وابنى الآخر يقاتلان فى صفوف الجيش. ومع تكرار رؤية القلادة بالرقاب، عمنى حزن ممرور.. لم أر فى حياتى مشهدا أكثر ترويعا من حمص القديمة.. تركت الصمت ينعق كالبوم، على الجدران المتداعية، وبعد عدة شوارع أخذت بوادر الحياة والحركة التجارية تعود، تصادف وجودنا مع الاحتفال بعيد العذراء مريم دخلنا كنيسة "أم الزنار" الأثرية التى تعانق مسجد محمد بن مسلمة الأثرى، تعبيرا عن روح سوريا الحقيقية المتسامحة.. فى الكنيسة سألت السيدة هناء إلياس الموظفة بجامعة البعث،عن الوقائع المهولة، تحجر الدمع فى مقلتيها، حكت أهوالا، سألتها عن شعورها تجاه المستقبل، تبسمت، وقالت نشكر الرب، القادم أفضل، "سوريا حرام يصير فيها هيك"..!

تسللت بعيدا عن الوفد المرافق، ودخلت محلا تجاريا، رجل عجوز يجلس على مكتب وبجواره مساعده الشاب، ألقيت السلام رحب بى بحرارة، وذكر أنه خريج علوم عين شمس فى الخمسينيات، يعشق مصر وأهلها، ولما علم أننى "صحفى" اضطرب وخشى الحديث عما يجرى، طمأنته، فطلب عدم ذكر اسمه، قائلا: سوريا كانت أكثر بلد أمن فى العالم، اليوم هى فريسة بين أمريكا وروسيا وإيران والسعودية، وإذا بدهم يحلوا هيحلوا، وإذا مابدهم، هتطول".. الظروف صعبة والخوف موجود، ثم صمت قليلا، ورفع نظارته الطبية السميكة ووضعها ثانية على وجهه، وقال:" بس الرئيس السيسى لو دعم سوريا سياسيا.." قلت له "مشاكسا": بس مصر فيها اللى مكفيها، احمر وجهه وتفرس وجهى بغضب:" مصر مو دولة بسيطة، مصر دولة عظمى، أنا عشت فيها أطول من عمرك كله، أعرف جيشها وشعبها الذى حطم خط بارليف، فى ساعات.."، نطالبها فقط بـ «تصويب البوصلة»..!

جلست على أحد المقاهى، وأنا احتسى مشروبا شهيرا، اسمه "متًّى" يشبه الشاى الأخضر، حلقت فوقنا طائرات سورية قاذفة، فى طريقها للمواجهة، وخلال سيرنا وجدت زحاما، حول محال الحلويات استفسرت، أبلغنى أحد المرافقين أن حمص تتميز بصناعة حلويات لن تجدها فى مكان آخر، هرولنا واشترينا ثم واصلنا المسير.

الخطر متربص

الطريق من حمص إلى دمشق، 160 كم، الجيش يسيطر عليه، لكن الخطر متربص يفاجئ العابرين برصاص أسود صامت أو قنبلة جهنم... يعانى الجيش السورى استنزافا وإجهادا بعد 5سنوات من الحرب، الرئيس بشار اعترف بنقص عدد الأفراد فى خطاب 26 يوليو الماضى، تذهب التقديرات إلى أن العدد الفعلى 185 ألف جندى، جبهة إسرائيل 85 كم أما الآن فهناك 450 جبهة بطول البلاد وعرضها، هذا جعل استراتيجية الجيش هى التركيز على المدن الكبرى والمناطق المهمة والطرق الرئيسية، والتخلى أحيانا عن بعض الأراضى. الجميع يعترف بحضور عسكرى إيرانى، فى صورة خبرات لا مقاتلين، رأى لايمكن الجزم بصوابه، خاصة مع مقتل أفراد إيرانيين بهجمات إسرائيلية، أما المؤكد فهو حضور حزب الله ومشاركته الكثيفة بجوار الجيش السورى، يشهد بذلك معارك القلمون والزبدانى، بعض الإحصاءات ترفع عدد مقاتلى الحزب بسوريا إلى 30 ألفا.

تمر السيارات مسرعة، خوفا من القنص، لوحات بصور "شهداء الجيش" فوق الكبارى، وبرغم الحرب فإن الطرق بحالة جيدة، أعمال الرصف على قدم وساق، أحياء سكنية جديدة لإسكان الشباب، ترتفع فى كل مدينة على الجانبين، الناس يتجاهلون الخطر يعشقون الحياة بكل ما فيها- تذكرت رواية "الحرب والسلام" لتولستوى- الشوارع نظيفة، استفهمت عن السر، قيل إن رواتب جامعى القمامة مرتفعة وهم يحرصون على عملهم.

فى اليوم الثالث وعندما مال قرص الشمس نحو مخبئه الأزلى، رأيت بالطريق جدارا مائلا مكتوبا عليه عبارة "برسم البيع"، قلت إنه شعار خونة الأوطان هذا الزمان.. اقتربنا من منطقة عمليات ساخنة، هى محافظة "ريف دمشق" وغوطة دمشق ومدينة "دمر" التى غنت عنها فيروز لأمير الشعراء شوقى "ياجارة الوادى"، لقربها من وادى بردى، أصوات الانفجارات تخرق سكون الطبيعة الفاتنة، تعايش الناس معها، بعدما حفرت الحروب "وشمها" على الأبدان والمنازل، "الآثار" لم تسلم من "الذبح الداعشى" باسم الشريعة، زورا وبهتانا، خلال وجودنا ذبحوا واحدا من أكبر علماء الآثار السوريين بتدمر، بزعم أنه يرعى "عبادة الأصنام".

قيل إن دمشق أقدم مدينة مأهولة فى الأرض، يحرسها "جبل قاسيون"، وكأنه يهدهد المدينة بين ذراعيه، تدور بك الطرق فى حلقات هبوطا، مثل دراويش المولوية العاشق الولهان، تنتابك سكينة طارئة. بيوت دمشق الفاتنة بطرزها العربية الأصيلة المتأثرة أحيانا بالنسق المعمارى الفرنسى منذ عهد الاحتلال والانتداب، بيوت مفتوحة القلب، تتكئ على أكتاف بعضها عناقا وحميمية، يتسلل صوت أم كلثوم بغير استئذان، ومن غير "دارت الأيام" تروى تقلبات الأيام الدمشقية الصاخبة، المدينة لاتنام، نهر بردى الذى غنت له فيروز "مر بى ياوعدا وعد، مثلما النسمة من بردى"، جف حلقه، تبخرت مياهه، بانتظار غوث تأخر طويلا.

الشاعر الفيلسوف أبوالعلاء المعرى أراه يضرب كفا بكف، شاكرا لله أنه لم يعش زمن التناحر العرقى والطائفى والمذهبى.. سيف الدولة الحمدانى، ترك قتال الروم، بعدما استسلم لإرادتهم الأهل والصحاب، وصاروا لهم تبعا.

من الطبيعى أن تواجهك الحواجز الأسمنتية، فى أى عاصمة عربية، لكنها فى دمشق أكثر كثافة، لا يفوقها سوى العاصمة العراقية بغداد...ولما وصلت إلى ساحة الأمويين هتفت مع نزار قبانى: "هذى دمشق"، ولم أنس أن كل بلد عربى هو عاصمة للاستبداد، إنها "مدن الملح" التى تحدث عنها الروائى عبدالرحمن منيف فى منفاه "الدمشقى" الاختيارى.

دمشق ..الفتنة والحرب

ليل دمشق ليل متناقض، ليل لايحتمل فى خفته، نسيم عليل وسمر جميل وفنون..، حتى يرخى سدوله بأنواع القنابل والمدافع، فيصير ثقيلا مخيفا، فى أول ليلة بدمشق هجعت إلى النوم مرة، فاستيقظت على صوت قصف عنيف رج المكان، خرجت إلى النافذة، فما وجدت أحدا متأثرا، رددت الشهادتين وسألت المولى حسن الختام وعدت إلى السرير، بقية الليالى صار الحدث عاديا..!

صباحات دمشق مشرقة منعشة برائحة الزهور، انشغلنا طوال الأيام الثمانية بلقاءات مع أركان الدولة والحزب والناس، كانت لقاءات عاصفة وصريحة فى مجملها ، طرحنا الأسئلة بكل وضوح وأحيانا بقسوة، بحثا عن رؤية موضوعية وسبيل لوقف حمامات الدم بسوريا، لا تبييضا لوجه النظام، فالدسم الإرهابى فى دمشق يهدد بجلطة فى قلوب بقية العواصم العربية.

وسط هذه الأجواء انتزعت سويعات، هرولت فيها إلى دمشق القديمة، حيث يأتى البشر من فج عميق، المسجد الأموى هو درة المكان، مثلما الحسين فى القاهرة الفاطمية، مررت بسوق الحميدية المعروفة، زحام شديد وصخب، ملابس وعطور وأطعمة وحلوى، اشترينا "بوظة بكداش" "أيس كريم مثلج" المشهور، تجولت ثم صليت فى الجامع الأموى، زرت قبرى صلاح الدين الأيوبى الحقيقى والمجسم الفارغ، والنبى يحيي بن زكريا عليهما السلام، والسيدة رقية والعلامة الشيخ البوطى، أماكن عامرة بالتواشيح، غارقة فى لحن أبدى شجى، لايقاوم..

تناولت الغداء فى مطعم "اللارنج" الفاخر، ثم ارتحت قليلا فى مقهى "النوافرة" (النافورة) بينما كان "الحكواتى" يتأهب للانتهاء من قص ما تيسر من سير الأبطال الشعبيين، لعل عندهم ترياقا لأوجاع عصرنا، ثم تسرب صوت أم كلثوم "حكم علينا الهوى"..

بقينا فى دمشق خمسة أيام، أبصرنا كيف يقاوم أهلها تجار الدماء والأوطان بصلابة، دون أن يتخلوا عن حبهم للحياة، الإرهابيون يطوقونها كالسوار حول المعصم، قال لى أحد مرافقينا: حماس سلمت مخيم اليرموك إلى جبهة النصرة ليكون شوكة فى خاصرة النظام، ومهددا لأهالى دمشق "قلب العروبة النابض"..!

سوريا ترمومتر المنطقة، إما الحل وإما الانفجار العظيم وبدء مسلسل التقسيم والحرب المذهبية السنية-الشيعية بلا مواربة أو مداورة.. الجرح السورى خطيئة كبرى، من النوع الذى لا تطببه الأعشاب ولا يلتئم بفعل الزمن، تنسج دمشق أنوال الحزن والألم من أصدقاء وأشقاء.. لكنها مصرية الهوى، تنتظر من "أم الدنيا" أن تخرجها من المأزق وتطفئ لهب الفتنة وتخمد جذوته، حفاظا على وحدة سوريا: الناس والوطن والمؤسسات، سوريا هى الباقية والحكام مهما بقوا زائلون.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق
  • 5
    فتحي راشد
    2015/09/09 13:52
    0-
    0+

    لك الله يا سوريا يا ارض الامجاد
    لايسعني سوي ترديد قول امير الشعراء احمد شوقي في القصيده التي غناها محمد عبد الوهاب: سلام من صبا بردي ارق ودمع لا يكفكف يا دمشق وذكري عن خواطرها لقلبي اليك تلفت ابدا و خفق لحاها الله انباء توالت علي سمع الوليد بما يشق وقيل معالم التاريخ دكت وقيل اصابها تلف وخرق
    البريد الالكترونى
    الاسم
    عنوان التعليق
    التعليق
  • 4
    دكتور كمال
    2015/09/09 13:23
    0-
    0+

    باختصار
    باختصار : هي الفتنة : الخلاف العقائدي بين اهل السنة و الشيعة : الذي يؤججه من يحذررون بخطر المد الشيعي : زوبعة في فنجان تحول الي عاصفة : يعملوها الصغار و يقع فيها الكبار : معظم النار من مستصغر الشرر
    البريد الالكترونى
    الاسم
    عنوان التعليق
    التعليق
  • 3
    مواطن مصرى
    2015/09/09 08:26
    0-
    8+

    على الباغى سوف تدور الدوائر
    سوف تعود سوريا ان شاء اللة و تهلك كل الدول المتامرة على سوريا
    البريد الالكترونى
    الاسم
    عنوان التعليق
    التعليق
  • 2
    احمد عبد الرحمن
    2015/09/09 07:48
    0-
    9+

    سوريا الحبيبه
    لم ازر سوريا قط ولكننى احببتها منذ ايام الزعيم جمال عبد الناصر فقد كان يقول سوريا الحبيبه دائما ولم تتوقف الدموع من عينى وانا اقرا المقال واردد سوريا لا تستحق كل هذا . لا استطيع الاطالة فان قلبى ينفطر من الحزن .
    البريد الالكترونى
    الاسم
    عنوان التعليق
    التعليق
  • 1
    سوسن مصطفى على
    2015/09/09 06:08
    0-
    7+

    التحقيق
    جهد رائع --------كنا نريد ان نعرف على ارض الواقع ماذا يدور فى سوريا-----شكرا
    البريد الالكترونى
    الاسم
    عنوان التعليق
    التعليق