رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

الفخار فى التراث الشعبى قلة.. أبريق.. بلاص.. زير

أشكال فنية متعددة صنعتها يد العامل المصرى الماهر من الفخار، وقد انفرد المصريون بهذه المهنة التى تضرب بجذورها فى أعماق التاريخ،

 وهى مهنة يدوية تعتمد أساساً على الطين الذى يتم تشكيله بيد العامل الفنان بواسطة العجلة الدوارة، ثم توضع فى فرن خاص بالفخار، وقد يتم تشكيلها ببعض الألوان أو تترك بلون الفخار العادى حاملة جمالاً فنياً ينبهر به كل من يزور مصر.

ولمنتجات الفخار استخدامات معروفة أشهرها على الإطلاق استخدام القلة والزير فى حفظ وتبريد المياه، حتى أُطلق عليهما «ثلاجة الفقراء», فلم يكن هناك بيت من بيوت المصريين يخلو من القلل، بينما كان الزير هو ملاذ العطشى فى الشوارع، فقد كانت الأزيار تنتشر فى الشوارع والطرقات، فقد كان المصريون يحرصون على عمل »صدقة جارية« بما يسمى بـ«السبيل«, او الأزيار المشاع لسقاية عابرى السبيل العطشى فى الطرقات, وهو فى أغلب الأحيان يكون كصدقة لبعض المتوفين.

وهناك أيضا الأوانى الفخارية المخصصة لطهى أنواع معينة من الطعام والتى تسمى «برام»، هذا إلى جانب استخدام الفخار فى صناعة التماثيل والأشكال الفنية المختلفة.

وقد تعدى الفخار كونه مجرد مادة طينية تصنع منها أشكال فنية مختلفة، فتوغل فى التراث الشعبى المصرى، وأصبح له وجود فى الفنون والعادات الشعبية والأمثال، بل والخرافات أيضا، بل يصبح أيضا علامة مميزة للمصريين وعاداتهم الشعبية.

البحر بيضحك ليه..

وانا نازلة ادَلع املا القلل

مَن مِن المصريين لم يسمع هذه الأغنية التى شدا بها الكثير من المطربين المصريين خلال العقود الماضية، ومن قبلها لحن سيد درويش للمجموعة من كلمات بديع خيرى مستلهما روح الشعب فى إحدى أغانيهما عن طوائفه المختلفة من صنايعية وفلاحين وصعايدة:

»مليحة قوي القلل القناوي.. رخيصة قوي القلل القناوي.. قرب حدانا وخد قلتين«

ولم يتوقف الغناء الشعبى عند القلل فقط، بل امتد لغيرها من مصنوعات الفخار، فيشدو المطربون الشعبيون:

يا حلوة يا شايله البلاص من فضلك دلي اسقيني

والبلاص هو إناء مصنوع من الفخار يمتاز بسعته من الأسفل بينما له مخرج مستدير وضيق فى حجم قبضة اليد تقريباً، كانت النساء فى الماضى يستخدمنه لجلب المياه من الترع والأنهار، بينما يستخدم الآن فى تخزين المش والعسل.

بل إن الفخار لم يترك أغانى الأطفال دون أن يضع بصمته عليها، فقد تربى جيل كامل على الأغنية الشهيرة »أنا أبريق الشاى«والأبريق أحد مصنوعات الفخار التى تستخدم فى تخزين السوائل، وبها فتحة ضيقة لسكب الشراب الموضوع بداخلها فالأحجام الكبيرة تستخدم للماء، والأحجام الصغيرة تستخدم للشاى والقهوة.

«حلقاتك برجلاتك».. قلة وأبريق للسبوع

من العادات الشعبية التى تُستخدم فيها منتجات الفخار بشكل أساسى «سبوع المولود»، فمن لوازم هذا الاحتفال «القلة والإبريق»، ولا تزال الأسر المصرية تحرص على هذا التقليد الذى يسمى فى الطقوس الشعبية بـ«البياتة« وهى عبارة عن قلة «إن كان المولود بنتا» أو إبريق «إن كان المولود ولدا»، ويوضع حيث يوضع الإبريقأو القلة في صينية مليئة بالماء، وتنقع فيه «السبع حبوب» من فول وعدس وحبوب أخرى, وقد يتم جمع كل سبع حبات فى خيط قصير، ويرش هذا الماء على الأم والمولود خلال الاحتفال.

وترصد د. إيمان مهران بعض العادات الشعبية الغريبة السائدة فى بعض أنحاء مصر وتُستخدم فيها منتجات الفخار، فتقول إنه في محافظة قنا بجنوب مصر عندما تفقد الأم جنينها (والذى فقد في شهور الحمل الإولى) فإنها تحتفظ به فى (قلة) بها حنة، وإنه إذا تأخرت فى الإنجاب، فإنها تستعين بتلك القلة التى تحمل الجنين وتقوم بكسرها فى صباح نهار باستخدام جنيه ذهب وزيارة معبد دندرة والدخول فى الممر الضيق وذلك نهاية نفس اليوم.

كذلك عندما تنجب السيدة طفلها في مركز إسنا فإنها تأخذ مشيمته وتدفنها داخل إناء فخارى وتضعها تحت عتبة مدخل البيت.

اكسر وراه «قُلة»

هذه العبارة «لازمة» عند المصريين، يقولونها عندما ينصرف ضيف ثقيل أو شخص غير مرغوب فيه، وهى عبارة يُقال إن أصلها فرعونى، حيث كان الفراعنة يكسرون قلة بعد دفن موتاهم حتى يمنعوا القرين من العودة، فتوارث المصريون القول بهذه العبارة، ويُقال أيضاً إنها مأخوذة من طقوس البيع والشراء حيث اعتاد الفلاحون كسر الأواني الفخارية خلف المواشي التى يتم عرضها فى السوق عدة مرات دون أن ينجح صاحبها فى بيعها.

وعندما يكون الضيف ثقيلاً فيطيل البقاء مدة أطول مما يطاق يقول أصحاب البيت «بنوع من المزاح»: اكسر وراه زير.. وذلك فى إشارة إلى كبر حجم الزير بالنسبة للقلة.

خرافات الفخار

كثيرة هى الخرافات والخزعبلات التى تُعد منتجات الفخار جزءاً منها، فهناك مثلاً من يعتبرون أن كسر الفخار يُذهب ما يسمونه بـ«النحس«, بل إن بعضهم يُحدد لهذا الطقس شهراً معيناً من الشهور العربية، كذلك فالبعض يعتقد أن الأشياء المصنوعة من الفخار تُعد أحد مستلزمات «السحر»، فيقوم الساحر بتدوين ما يريد على الفخار قبل حرقه ليوقع الضرر بمن يريد، وهذا الطقس قديم، حيث كان السحرة يكتبون تعويذاتهم على قطع من الطين ثم يحرقونها ويرمونها فى النهر.

الطريف أن هذا المعتقد ينعكس بشكل ما على بعض من صانعى الفخار، فلا يبيعون أى قطعة من الفخار قبل حرقها، حتى لا تستخدم فى السحر والإضرار بالغير.

اكفى القدرة على فُمها تطلع البنت لامها

من المعروف أن الأمثال ترتبط دائما بالحياة اليومية للشعوب، وتعكس ما تعيشه من خبرات وتجارب وأحلام يُعبَر عنها على هيئة حكم وأقوال مأثورة من الأدب الشفاهى، فالمثل الشعبى نتاج إبداع فردي، تعيد إنتاجه الجماعة وتحتفظ به، ويحوله العقل الجمعى إلى مأثور شعبى، ولأن منتجات الفخار تُعد ركنا أساسيا فى حياة المصريين، فكان من الطبيعى أن ينعكس ذلك على أمثالهم الشعبية، والحكم التى توارثوها أباً عن جد.

ومن أبرز هذه الأمثال » اكفى القدرة على فُمها تطلع البنت لامها« وهو مثل يُضرب للبنت التى تتشابه عاداتها مع عادات أمها وكأنها ورثتها منها.

ومن الأمثال التى استخدمت «القدرة» أيضا وهى وعاء للطبخ: «كانت القدرة ناقصة بتنجانة، صبحت طافحة ومليانة»، والمثل هنا يشبه الشخص الذى اغتر بنفسه بالقدرة.

وعن الثقة الزائدة بالنفس يقول المثل: «اسمها فهيمة وهى عبارة عن بلاص مش»، و يُضرب لمن يدعى الفهم والذكاء بينما عقله فارغ تماما مثل «بلاص المش».

أما المثل القائل «آدى الزير وآدى غطاه»، فهو يُضرب لإثبات حقيقة معينة وواقعة منعا للجدال.

وعن المرأة التى تفضل الحياة وحيدة دون زوج ولا شئ يشغلها فى الحياة، يقول المثل الشعبى :«حط طاجن على طاجن.. حزينة يا اللى مالكيش راجل».

أما المثل: «طلب الغنى شقفة، كسر الفقير زيره»، فالمقصود به أن الغنى إذا ما طلب ولو أى شئ بسيط تسابق الفقير لإرضائه بأى سبيل.

والشقفة هى القطعة المكسورة من الوعاء الفخارى، بينما هو الوعاء الذى يمتلئ بالماء لتبريده والشرب منه.

وعن الزير أيضاً يقول المثل الشعبى «الفقى يقيس المية فى الزير»، والمقصود أن الفقيه لشدة الدقة يكاد أن يقيس حجم كمية الماء فى الزير.

وهناك أيضا: «النواية تسند الزير»، أى أن نواة البلح التى يظن الناس منها الضآلة والضعة لا يستغنى عنها لأنها قد تفيد.

أما عن الحسد، فقد قال المثل الشعبى: «العين تدخل الرجل القبر، وتدخل الجمل القدر»، ومعناه أن حسد العين يودى بالرجل المحسود إلى القبر كما أن الحسد يدخل الجمل بحجمه الضخم فى القدر الضيق العنق.

أما المثل »خلى العسل فى جراره لما تيجى أسعاره«ويضرب للتأكيد على أن لكل شئ أوانه، بجعل العسل مخزوناً فى الجرة حتى يباع فى الوقت المناسب وبالسعر المناسب دون خسارة.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق