لم لا والقارة الإفريقية هى أقرب القارات إلى آسيا احتكاكا واتصالا. وكانت هجرة جعفر بن أبى طالب، رضى الله عنه، إلى الحبشة مع ثلة من المسلمين فى السنة الخامسة من البعثة (8 ق. هـ)، وتبعته هجرة ثانية سنة 6 للهجرة لغرض التبليغ الإسلامي، وكانت تلك الهجرة أول مؤشر تاريخى على حصول اللقاء الإسلامى الإثيوبي.
وبتعبير آخر كان للمسلمين هجرتان داخلية وخارجية، والثانية سبقت الأولي، بل من حيث الواقع الجغرافى الأمنى فإن الهجرة الخارجية ساهمت بشكل كبير فى خلق طوق أمنى بحرى يحمى جزيرة العرب من اعتداءات خارجية من طرف إفريقيا من خلال العلاقات الوثيقة التى بنتها حكومة الرسول، صلى الله عليه وسلم، مع حكومة النجاشي.
وعندما رأى الرسول اضطهاد أصحابه، ولم يستطع ان يوفر لهم الحماية، سمح لهم بالهجرة إلى الحبشة، لأن فيها حاكما نصرانيا هو النجاشي، لا يظلم عنده أحد، قال رسول الله لأصحابه: «لَوْ خَرَجْتُمْ إلى الْحَبَشَةِ؛ فَإِنَّ بِهَا مَلِكًا لاَ يُظْلَمُ عِنْدَهُ أَحَدٌ». فلم يعلق رسول الله على شيء فى حياة هذا الرجل ولا دينه، إنما فقط علق على عدله. أمر رسول الله أربعة عشر مؤمنًا بالهجرة إلى الحبشة، عشرة رجال وأربع نسوة وكانت النسوة أزواج أربعة من المهاجرين، فكانت هذه هى الطليعة الأولى من المهاجرين.
وكان عدد المهاجرين إلى الحبشة فى الهجرة الثانية ثلاثا وثمانين شخصا، من كبار صحابة الرسول. وقد أرسل كفار قريش بعثة إلى نجاشى الحبشة، تحمل الهدايا الثمينة لرشوته ورشوة حاشيته، كى يتخلى عنهم ويسلمهم لقريش، فألقى جعفر بن أبى طالب خطبة أمام النجاشى نيابة عن المهاجرين، شرح له من خلالها أسس دين الإسلام، بما يختلف والجاهلية، فأقنع النجاشى كلامه وبمدى التقارب بين الإسلام والنصرانية التى يعتنقها النجاشي. وهكذا فشل كفار قريش فى مسعاهم لإعادة المهاجرين إلى مكة. كان هذا الوصول أول احتكاك، وبقيت المجموعة المهاجرة مدة من زمن ثم عادت إلى شبه الجزيرة بعد أن تركت انطباعا جيدا فى نفوس أهل الحبشة مما رأوه من أخلاق حميدة من المهاجرين. وليس غريبا أن يسلم البعض من أهل الحبشة.
فقد ورد فى السيرة النبوية أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الغائب لما أدركه نبأ وفاة النجاشي، وكانت هجرة المسلمين إلى الحبشة والرسول محمد (ص) فى مكة المكرمة هى العلامة الفارقة فى تاريخ.
وقد اختيرت الحبشة لأسباب عديدة، منها عدل حاكمها، والجوار الجغرافي، وصلة القربى بها ، غير أن الوصول الفعلى للإسلام إلى الحبشة جاء عن طريق محورين رئيسيين: المحور الأول: محور بحرى من بلاد العرب عبر البحر الأحمر ومضيق عدن، فبعد أن استقر الإسلام بجزيرة العرب نقلت الدعوة خارج الجزيرة، ففى سنة عشرين هجرية أرسل الخليفة الثانى عمر بن الخطاب رضى الله عنه سرية بحرية لتأديب قراصنة البحر الأحمر من الأحباش، ورغم عدم توفيق هذه السرية، إلا أن الدولة الأموية أرسلت قوات بحرية احتلت جزر (دهلك) قرب الشاطئ الإريتري، واتخذت الدعوة الإسلامية طرق التجارة، فانتشرت تحت جناح السلم، وظهرت جاليات عربية مسلمة فى عديد من مدن الساحل مثل (باضع وزيلع وبربرة)، وبدأ نفوذ الدعوة ينتقل إلى الداخل فى السهول الساحلية، وفى صلب الحبشة، وما أن حل القرن الثالث الهجرى حتى ظهرت إمارات إسلامية فى النطاق الشرقي، وفى الجنوب الشرقى من الحبشة، ودعم هذا الوجود الإسلامى هجرة بعض الجماعات العربية.
وزاد اعتناق أبناء البلاد للإسلام فظهرت سبع إمارات إسلامية فى شرقى الحبشة وجنوبها وهى (دوارو، وابديني، وهدية، وشرخا، وبالي، ودارة وإمارة شوا وهى الإمارة السابقة عليها جميعاً).
والمحور الثاني: جاء بالإسلام من الشمال، فبعد فتح مصر استمر تقدم الإسلام من حدود مصر الجنوبية حتى حدود الحبشة بنقل الإسلام عبر هذا المحور الشمالي. ولقد انتشر فريق من التجار العرب عبره. وساد الإسلام النطاق السهلى الساحلى فى شرقى الحبشة، والمعروف الآن باسم (إريتريا) كما توغل إلى المرتفعات الجنوبية. بل وصل إلى وسط الحبشة. وللعرب آثار واضحة فى تكوين الشعوب الإثيوبية التى تفوق الثمانين قبيلة مختلفة، وهم خليط عربى زنجى ولكن الدماء العربية واضحة المعالم فى الآثار التاريخية فى إثيوبيا .