ثائر من الملائكة.. "عبد الستار" طفل بني سويف الذى قهر الفرنسيين


14-3-2011 | 23:17


دينا مصطفى

لايدرك الأطفال في مدرسة "عبدالستار الفقاعي" في مدينة ببا بمحافظة بني سويف أن مدرستهم تحمل اسم طفل كان في مثل عمرهم، لكنه بدلا من أن يكتفي بأحلام الأطفال الملائكية، أدرك ماتعنيه كلمة "احتلال" فحمل لواء المقاومة، ليخلد اسمه كبطل حتى وإن كان من الأطفال.
لم يتجاوز عبدالستار الثانية عشرة من عمره إلا أن التاريخ يذكره كواحد من أبطال المقاومة الشعبية الذين لم يستسلموا للظلم والقهر الذي فرضته الحملة الفرنسية على مصر عام 1798 واستطاع أن يجبر المحتلين الفرنسيين على تقديره واحترام قريته التي نشأ فيها في بني سويف التي تحتفل بعيدها في 15 مارس من كل عام، الذي يوافق ذكرى وقفتها، في ثورة 1919.
ولبني سويف تاريخ في النضال الوطني في العصر الحديث لا تخطئه كتب التاريخ، ولعل المقاومة التي أبداها، أهل بني سويف للحملة الفرنسية، من أنصع الصفحات، التي سطرها الفلاحون وأهل القرى.
أنجبت إحدى قرى مركز "ببا" بمحافظة بنى سويف الطفل "عبد الستار آدم الفقاعى" الذى قال عنه أحد رجال الحملة الفرنسية "إن أمة فيها مثل هذا الطفل لا يمكن أن تموت ".
وقال عنه أيضا الجنرال الفرنسى "ديزيه" أحد كبار قادة الحملة الفرنسية على مصر "إنه أشجع طفل رأيته فى حياتى".
عندما توغلت حملة الجنرال "ديزيه" بأوامر من نابليون بونابرت فى 16 ديسمبر 1798 في القرية المصرية البسيطة، لم يفعل إلا ما يفعله أي محتل، فدمر قرية "الفقاعي" وشرد أهلها الفقراء واستولى على كل خيراتها وصار يعذب ويقتل وينشر الرعب بين سكانها.
لم يستمر بطش "ديزيه " كثيرا فجاء اليوم الذى ملأ صراخ العساكر الفرنسيين الأجواء بعد ما اعتادوا على سماع صرخات وأنين الأهالى المساكين فى القرية.
أصبح العساكر بلا أسلحة ولا بنادق ولم يعرفوا السبب وراء ضياع اسلحتهم وتكاد الحيرة والدهشة تشل تفكيرهم لكن المصادفة أوقعت بالبطل المصرى الصغير وهو يتسلل إلى خيام الفرنسيين بالقرب من شاطئ النيل أمام بلدته، ويستولى على أسلحتهم ليسلمها لرجال المقاومة الشعبية، فقد لمحه أحد الجنود الفرنسيين وهو يخفى السلاح فى جلبابه البسيط ولكنه لم يستطع اللحاق به إلا بعد أن ضربه بسيف فجرح ذراع الطفل الصغير وأخذه ليقدمه كفريسة سهلة للقائد ديزيه.
لكن الطفل الجريح الذى يحمل علامات الذكاء وأصالة الإنسان المصرى وقدرته على التحمل دون خوف أو رهبة كان يتقدم بخطى ثابتة وقلب شجاع وظل ثابتا رغم ما ناله من تعذيب وضرب مبرح ووعيد وتهديد فلم يعترف باسم رجل واحد من رجال المقاومة الشعبية ولم يتراجع عن موقفه مما أثار غضب الجنرال.
استطاع هذا الطفل الصغير أن يزرع الخوف فى قلب هؤلاء المستعمرين حيث كان الطفل عاري الجسد تماما والبرد يأكل جسده الضعيف الجريح وعلى الرغم من كل ذلك وضعوا البندقية فى ظهره، خشية أن يهرب وكان يحيط به حشد من الجنود المسلحين بأحدث أسلحة حربية فى فرنسا.
فقرر الجنرال أن يلجأ لحيلة أخرى بدلا من التعذيب، وهى أن يردد كلماته الناعمة للطفل كي يعترف بكل شىء ولكن لم يتوقع الجنرال إجابة الطفل وفوجئ بها، وكاد يسقط على الأرض أمام ثقة الطفل بنفسه، عندما قال له "إن الله القادر على كل شىء هو الذى أمرنى بذلك".
أثار كلام عبدالستار غضب ديزيه فأمر بجلده ثلاثين جلدة وتحمل الصغير ضربات السياط فى صبر وجلد، دون أن يصرخ صرخة واحدة أو يذرف دمعة واحدة بل كل ما قام بفعله هو أنه خلع "طاقيته" وقدمها للجنرال وطلب منه الفصل فى مصيره ليتأكد الجنرال من أن ذلك الطفل الصغير لا يخشى الموت بأسلحتهم.
لم يخل قلب الجنرال الفرنسي من القسوة، ولم يتراجع عن إصدار الحكم الظالم بالجلد على الطفل الشجاع، الذى أنجبته قرية مصرية صغيرة، وسجل العلماء الفرنسيون صورته وبطولته فى كتبهم.